حلّ ركب زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، أمس الأحد، في العاصمة الجزائرية وكان في استقباله الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، زيارة تأتي في إطار “الدبلوماسية الشعبية” التي يقودها الغنوشي للتعريف بالتجربة الديمقراطية التونسية وحشد الدعم الكامل لها، مستثمرا صعود اسمه ودوره في الحياة السياسيّة التونسية، رغم التشكيك في خلفيّات هذه “الدبلوماسية”.
زيارات ولقاءات متعدّدة بزعماء العالم وصنّاع القرار
الجزائر وقبلها منتدى دافوس الاقتصادي ومنتدى حوار المتوسط، وإيطاليا وفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا… بعض المحطّات التي زارها زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، مؤخّرا، والتقى خلالها بكبار المسؤولين وزعماء العالم، علاوة عن لقاءاته المتكرّرة بعدد كبير من سفراء الدول الكبرى ونواباً ومسؤولين فاعلين في دوائر صنع القرار الدولي.
زيارة العاصمة الفرنسية باريس، كانت أهم هذه الزيارات، وثمرة عمل سنوات، فبعد أن كانت فرنسا ممنوعة على الغنوشي، استقبلته خلاله زيارته تلك استقبال الزعماء والتقى خلالها كلاًّ من وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، ورئيس البرلمان كلود بارتلون، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، ورئيسة لجنة العلاقات العامة في البرلمان الفرنسي إليزابيث قيقو، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جان بيار رافاران، ومجموعتي الصداقة التونسية-الفرنسية في البرلمان وفي مجلس الشيوخ، ورئيس معهد العالم العربي، وزير التربية الأسبق جاك لانغ، ومجموعة من القيادات السياسية الأخرى، وعددا من البرلمانيين والفاعلين الاقتصاديين، وتطرّق الغنوشي خلال هذه اللقاءات لعدد من القضايا الهامة التي تهم علاقات فرنسا بتونس وبالمنطقة ككل.
تميّزت مشاركة زعيم حركة النهضة في هذا المنتدى الاقتصادي بكثافة الأنشطة واللقاءات للترويج للوجهة التونسية
وفي السعودية، استُقبل الغنوشي من قبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في قصر الصفا بمدينة مكة، إلى جانب عدد من زعماء العالم الاسلامي، لبحث عدد من القضايا المشتركة. وفي تركيا، كثيرا ما يستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان، راشد الغنوشي وهو ما يفسّر تطور العلاقات التونسية التركية.
وفي زيارته لإيطاليا بدعوة من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الإيطالي، التقى الغنّوشي بمسؤولين رسميين وكبار في الحكومة الإيطالية وأبرزهم وزير الخارجية باولو جانتيلوني لبحث سبل تطوير الدعم الإيطالي لتونس وإيجاد حلّ للأزمة الليبية، كما كان لرئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي لقاء برئيسة البرلمان الإيطالي لاورا بولدريني حيث القى كلمة بالبرلمان.
مشارك فعالة لراشد الغنوشي في دافوس
وفي منندى دافوس الاقتصادي الأخير، الذي يشارك فيه الغنّوشي، بصفة دوريّة كضيف رئيسي منذ ثورة يناير2011، التقى الغنّوشي بأسماء ذات تأثير كبير في صناعة القرار في بلدانهم أو على الصّعيد الدولي. وتميّزت مشاركة زعيم حركة النهضة في هذا المنتدى الاقتصادي بكثافة الأنشطة واللقاءات للترويج للوجهة التونسية.
زيارات الغنّوشي لم تقف هنا، حيث شملت الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وعديد المؤسسات الاقتصادية والمالية المهمة في العالم، للتسويق للنموذج الاستثنائي التونسي وإقناع المستثمرين والمسؤولين الأجانب وصنّاع القرار بأهمّية دعم الديمقراطية التونسية، كما أنّه كثيرا ما يستقبل بمقر حزبه بالعاصمة، كبار الشخصيات من وزراء ونواب برلمانيين لدول أجنبية تزور تونس.
“دبلوماسية شعبية”، في دعم التجربة التونسية
ساهمت هذه الزيارات المتكرّرة لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عدد من العواصم العالمية والمنتديات الدّولية، في دعم الدبلوماسية التونسية الرسمية وحشد التضامن الدولي مع تجربة بلاده الديمقراطية، بعد أن ساهم وحركته في تحقيق الاستقرار السياسي التونسي ونجاح تجربة الانتقال الديمقراطي، التي شهدت عديد الأزمات خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
استثمر الغنّوشي في زياراته المتكرّرة، نجاح دوره في التوافق الوطني، ومساهمته في انجاح التجربة التونسية، لجلب تعاطف الدّول مع بلاده
ويذكر للغنّوشي مساهمته الكبيرة في انجاح المؤتمر الدولي للاستثمار الذي احتضنته تونس أواخر نوفمبر الماضي، حيث خاض الشيخ، في إطار الدبلوماسية الشعبية، سلسلة من اللقاءات والزيارات والاجتماعات مع جهات سياسية ومدنية داخلية ودولية من جميع المستويات بغرض معاضدة الحكومة والترويج لتونس وجلب الاستثمار والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، فنجح في اقناع قطر وتركيا رغم التشويه الذي نالهما من تمويل عديد المشاريع في تونس، إضافة إلى اقناع المملكة العربية السعودية على المشاركة بقوّة في هذا المؤتمر.
واستثمر الغنّوشي في زياراته المتكرّرة، نجاح دوره في التوافق الوطني، ومساهمته في انجاح التجربة التونسية، لجلب تعاطف الدّول مع بلاده وتضامنهم الكامل مع هذه التجربة الوليدة التي تمثّل الاستثناء في دول الرّبيع العربي وحشد الدّعم الكامل لها، فهذه التجربة تحتاج من يعرف بها ومن يسوّقها ويحوّلها إلى منافع للبلاد.
صعود “نجم” الغنّوشي
ما فتئ اسم زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنّوشي، يحقّق صعودا متواصلا، لدوره الكبير في الحياة السياسية الداخلية لبلاده ومشاركته وحزبه القوية في صنع القرار السياسي وفي الحكم، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وزعيمها يمثّل صمّام أمان للتوافق الوطني، الأمر الذي يفسّر تنامي شعبيّته والتعاطف الذي يحظى به.
أمّا خارجيا، فمكانة الغنّوشي تدعّمت من خلال تنامي حضوره “الدبلوماسي” في الخارج، حيث يتم استقباله رسمياً من قبل زعماء الدّول ورؤسائها وكبار المسؤولين الرّسميين في العالم وصنّاع القرار الدّولي، كما تمّ منح الغنّوشي عديد الجوائز العالمية، أخرها جائزة غاندي لنشر القيم الغاندية.
علاقات متينة تجمع الغنوشي ببوتفليقة
ويحسب للغنّوشي تأثيره الكبيرة في عدد من دول المنطقة، من ذلك الجزائر بحكم علاقته المتينة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزياراته المتكررة له التي بلغت 7مرات، وعدد من اللاّعبين المهمين في الساحة السياسية الجزائرية، وفي ليبيا، أيضا، فالغنوشي معروف بدوره الكبير وعلاقاته مع الفاعلين السياسيين في ليبيا، وفي المغرب أيضا، حيث يتمتّع الغنوشي بحظوة كبيرة لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم.
هل هي دبلوماسية موازية؟
زيارات الغنّوشي للعواصم العالمية ولقاءاته المتكرّرة مع زعماء الدّول وكبار المسؤولين، رافقتها بعض الانتقادات، حتى وصفت في بعض الأحيان ب “الدبلوماسية الموازية” وأن ما يأتيه يعد تدخلا في شؤون إدارة الدولة، إلاّ أنّ الغنوشي قليلا ما يردّ على هذه الاتّهامات وإن ردّ عليها فبصورة سريعة مؤكّدا أن زياراته خارج تونس تندرج في إطار الدبلوماسية الشعبية وهي ليست باسم الحكومة التونسية ولا تمثّل بديلا عن الدبلوماسية الرسمية للدولة.
ويعتبر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أن الدبلوماسية الشعبية التي يقوم بها هي جهود غير رسمية لخدمة مصالح تونس، مشددا على أن الدبلوماسية الشعبية ليست منافسا للدبلوماسية الرسمية، خاصة وأن حزبه جزء من الحكومة وجزء من الدولة.