الباحث المعلوماتي/ محمد حسني
مساعد باحث ومنسق الملف من جانب نون بوست/ أسامة الصياد
بداية فنحن نقترح معادلة لفهم شبكات سيطرة قطاع الدفاع والأمن في كل قطاع من القطاعات التي سنتناولها وستصاحبنا خلال جميع الحلقات، وهي أن تلك السيطرة تتم من خلال جهاز أمني + تكتل رجال أعمال + شبكة إعلاميين + مسؤوليين حكوميين، وبالطبع تختلف أدوات وطريقة السيطرة بحسب اختلاف أي جهاز أمني تكون له السيطرة وهو ما نحاول استنباطه.
شبكات السيطرة: قطاع الصحة
التنافس هنا تنافس مركب بين المخابرات العامة والجيش ورجال الأعمال الكبار بهذا القطاع ولكنه بشكل أساسي بين الجيش والمخابرات.
الفيديو التعريفي بكيفية استكشاف شبكة جنرالات الذهب
فكما ذكرنا بالحلقة الأولى يسيطر الجيش على القرار الوزاري من خلال عدة مساعدين للوزير وأبرزهم اللواء دكتور هشام عبد الرؤوف واللواء دكتور سيد الشاهد وهما في الحقيقة بصلاحيات وزير، والوزير الحالي الدكتور أحمد عماد الذي يمكن بشيء من التجاوز اعتباره “واجهة”، ومن خلال هذا الوجود أُسندت مناقصات مستشفيات الجامعة من الأدوية إلى القوات المسلحة كما أوردنا بالمقدمة، ومن خلال هذا الوجود حدثت عملية تصفية المؤسسات الطبية التابعة للإسلام الحركي وتحديدًا المرتبط بالإخوان، ومما تجدر ملاحظته أنه بعد الأزمة التي حدثت مع الأجهزة الرقابية أو تحديدًا الجهاز المركزي للمحاسبات وسنتحدث عنه لاحقًا حيث كان من ملفات جنينة للفساد هو ملف الفساد بوزارة الصحة، ومع ذلك بعد أن تمت إقالة جنينة بالمخالفة لدستور لجنة الخمسين تم فتح التحقيق من قبل الرقابة الإدارية في تلقي أحد مساعدي وزير الصحة – المدنيين – وهو الدكتور أحمد عزيز لرشوة في إسناد مناقصة مستلزمات طبية لشركة قطاع خاص وهو كان كذلك المشرف على ملف تجهيز مستشفيات القوات المسلحة في صفقة لاستيراد تجهيزات مستشفيات القوات المسلحة من برلين والمشرف على مستشفيات الإخوان المتحفظ عليها وبعد أن تم القبض على الدكتور أحمد عزيز تم إسناد مناقصات مستشفيات الجامعة للقوات المسلحة واستكمال تجهيز مستشيفاتها!
وهذا مثال للإسناد في مستشفى جامعة المنوفية
ثم تلى ذلك مباشرة أو بالتزامن معه إسناد للقوات المسلحة لتوريد دعامات القلب للمستشفيات الحكومية.
وفي المقابل من هذا فإن لجنة السياسات الدوائية أو مركز تخطيط السياسات الدوائية والصيدلة بوزارة الصحة بعد أن كان يشرف عليها المتحكمين الرئيسين بسوق الدواء وأبرزهم العزبي وثروت باسيلي وهم المنتظمون بشعبة الأدوية أو غرفة الدواء باتحاد الصناعات المصرية، أصبحت المخابرات العامة تسيطر عليها حاليًا بشكل كامل، ويمكن الاطلاع على مجلس إدارة شعبة الصناعات الدوائية هنا
وأيضًا فإن المخابرات العامة تعمل من خلال شركتين بالأساس في القطاع الدوائي وهما الشركة المصرية لتجارة الأدوية وكانت تسيطر على قطاعات واسعة من توزيع الدواء للمستشفيات الحكومية ومنها لبن الأطفال قبل أن تحدث الأزمة به، ويجدر الإشارة إلى أن مدير الشركة هو كذلك أحد المتنفذين بغرفة الصناعات الدوائية، وهذا موقعها
والشركة الثانية هي شركة وادي النيل للمستلزمات الطبية وهي شركة تابعة لمستشفى وادي النيل التي بدورها تابعة للمخابرات العامة وكانت تتولى كذلك حصة كبيرة من تجهيزات المستشفيات الحكومية وهذا هو موقعها.
مالذي حدث؟
كان الأمر منذ أن صعد عبد الفتاح السيسي للسلطة يعتبر تنافسًا مكتومًا يمكن السيطرة عليه حول أخذ حصص من قطاع الصحة، وعلى الرغم من أن ما ظهر للعلن كان منذ أن أسندت احتياجات مستشفيات الجامعة للقوات المسلحة فإن الجيش كان يجهز لهذا التغول منذ مدة طويلة في 2014، ويمكن من خلال هذا الحوار في أغسطس مع مدير الإدارة الطبية بالقوات المسلحة وقتها، الاطلاع على بعض من تلك التجهيزات ومنها قطاع علاج الأورام وعلاج الكبد وغيرها مما يسعى الجيش الآن للسيطرة عليها.
ثم بدأت أزمة الدولار ومعها بدأ نقص بعض المستلزمات الطبية الأساسية كالمحاليل والجلوكوز وبعض الأدوية في بعض القطاعات، وهو نفس الوقت أصبحت الشركة المصرية عاجزة عن توفير لبن الأطفال بسعر معقول نتيجة لتضارب السعر في الدولار بين سعر البنك المركزي والسعر بالسوق وأن شركات الأدوية مجبرة على توفير الدولار من البنك المركزي للاستيراد وعلى تسعيرة وزارة الصحة وبنفس الوقت تدفع دولار جمركي عند الاستيراد وهو ما يحدث الفارق الذي لا تستطيعه الكثير من الشركات إلا من تخزن الدواء.
على كل، بعد أن توقفت الشركة المصرية عن توفير لبن الأطفال ودخل الجيش مكانها في ضجة شهيرة، كان الجيش يحاول بعد تدخله هذا أن يسند توفير لبن الأطفال لشركة فارما أوفر سيز التي يرأس مجلس إدارتها أحمد جزارين زوج شقيقة الفريق مهاب مميش، وكذلك كان يتنازع جزارين على استيراد السوفالدي وتوزيعه مع أحمد العزبي صاحب مالتي فارما.
وعلى الرغم من أن عائلة جزارين وشركة فارما أوفر سيز قد نفت الأمر في حينه ولكنها رجعت ودافعت عن إسناد الجيش توزيع لبن الأطفال لها، معللة على لسان مدير الشركة حاتم جزارين وشقيق أحمد جزارين بأن الجيش يقوم بواجب وطني!
وكان هذا متزامنًا أيضًا مع إعلان وزارة الإنتاج الحربي العمل على إنشاء مصنع لإنتاج لقاحات السرطان بالتعاون مع وزارة الصحة ممثلة بالشركة القابضة للمستحضرات واللقاحات مع مجموعة فاركو المملوكة للدكتور حسن عباس حلمي.
وهذا على الرغم من أنه بسؤال أطباء متخصصين بطب الأورام شككوا بإمكانية هذا التصنيع نظرًا لأن كل مستلزمات علاج الأورام تأتي عن طريق الاستيراد من الخارج، بل وحتى المستورد منه ما هو هندي ردئ لا ينصح به الأطباء لآثاره الجانبية، والأوروبي منه ما هو ردئ مثل المنتج اليوناني وأهم الأمثلة دواء الكاربوبلاتين، فكيف بمنتج مصري؟! كما أن إقامة مصنع وتجهيزه يحتاج إلى وقت وتكلفة عالية وليس حلاً عاجلاً، كما تجدر الإشارة إلى أن نفس توقيت إعلان إقامة هذا المصنع أي شهر أغسطس، كان هناك أزمة بالفعل بالكاربوبلاتين، وبحسب مصادرنا فإن مكتب وزير الصحة نفسه كان عاجزًا عن توفير الكاربوبلاتين!
عمومًا قبل الأزمة التي سبقت قرار التعويم مقارنة ببعد التعويم تلك هي قائمة الأدوية التي لم تكن متوفرة وبعضها حيوية لكن كان يمكن تدارك الأزمة:
( فلورو يوراسيل أونكوفين أيفوسفامايد أندوكسان اقراص ايفوسفامايد أقراص)
بعد التعويم : كل ما سبق بالإضافة إلى ليكوران أقراص كاربوبلاتين جيمزار ناقص ولكن ليس بشدة ايرينوتيكان خاصة من إنتاج فايزر وهي أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء، أدريا مايسين كله ناقص ماعدا إنتاج شركة الحكمة متوفر بغزارة وهذا بسبب أن شركة الحكمة هي شركة دولية برأس مال عربي سعودي وأردني وليست مرتبطة بالسوق المصري وحده.
الأنسولين ناقص من قبل التعويم ولكن زاد بشدة بعده
حقن الأنتي آر إتش ناقصة من شهور
محاليل الملح ناقصة كذلك من قبل الأزمة
المانيتول
الجولوكوز كما سبق ونوهنا
كذلك أدوية الضغط المستوردة مثل تارج.
وهذا عمومًا بحث مفصل بالموضوع
فالأزمة كما نوهنا أعلاه أن شركات الأدوية ملزمة بتوفير الدولار من البنك المركزي، فبالتالي الطبيعي أنها تحتاج رفع التسعيرة وإلا لن تستطيع الاستيراد.
ونتيجة لهذا فالشركة المصرية التابعة للمخابرات العامة السابق ذكرها لم تستطع توفير معظم أدوية العلاج الكيماوي للأورام السابق ذكرها بل وحتى المتوفر لا يتوفر له المحلول الملحي الخاص به! فلهذا توقفت الشركة المصرية مجبرة دون ضغط عليها عن التوريد للمستشفيات الحكومية.
وبنفس التوقيت اجتمع عميد طبيب متخصص بالأورام بمستشفى المعادي العسكري وهو الدكتور محمد خلف رئيس قسم الأورام وأمراض الدم بمستشفى المعادي العسكري بمندوبي توزيع أدوية الأورام وأعلمهم أنه من الآن سيتولى هو الإشراف على جميع مناقصات أدوية الأورام أو أنه هو من أسند إليه الجيش تلك المهمة!
ويكون هذا على عدة مراحل، والمرحلة الأولى هي التي تحدث حاليًا هو أن الجيش يحدد أسعار البيع للقاحات وأدوية الأورام سواء كانت الأدوية من خلال المناقصة الحالية التي يشرف عليها الدكتور محمد خلف أو خارجها فبالتالي لا يمكن لشركة البيع خارج إطار هذا التسعير.
وتحليلنا من خلال جمع هذا مع شروع الجيش ببناء مصنع للقاحات الأورام انه ستكون المراحل التالية هي محاولة الجيش لاحتكار هذا القطاع بان يكون المنبع الوحيد لمناقصات شركات ادوية السرطان
تلى هذا الحديث عن نقص حتى بالمستلزمات الأساسية حتى السرنجات وأن هناك تعليمات صدرت بهذا ثم أعقب هذا مباشرة قرار بإسناد جميع مستلزمات مستشفيات وزارة الصحة للقوات المسلحة وليس مستشفيات الجامعة فحسب!
وما تحقق حتى الآن بحسب مصادرنا:
أجهزة غسيل الكلى بجميع أنواعها والفلاتر المتعلقة بهذا، وأخذها من شركة فيرسينياس – قارن بين ما يزحف عليه الجيش وما أوردنا وجود نقص به أعلاه -، وكان قد أخذ أو استحوذ على توريد مستلزمات معامل التحاليل ولكن فشل بالتكفل بها فأسندها للوكلاء السابقين.
وبنفس الوقت على الرغم من أن هذا الزحف أضر وجود المخابرات بهذا القطاع فإن شركة وادي النيل ما زالت تأخذ بعض الإسنادات وآخرها إسناد مستلزمات مستشفى الصف المركزي.
إذًا فمن خلال هذا الخط الزمني الذي استعرضناه أعلاه خلاصة ما حدث:
1- كان التدخل في قطاع الدواء متوازنًا بين الجيش والمخابرات، كل لديه مساحة سيطرته وأدوات تلك السيطرة، كذلك كان متوازنًا مع كبار شركات الأدوية بمصر.
2- بدأ الجيش منذ 2014 يجهز لأن يكون المستحوذ على قطاع الصحة بمصر بتجهيز مستشفياته لتكون بديلاً عن مستشفيات القطاع الحكومي.
3- بالمقابل سيطرت المخابرات العامة على مركز التخطيط الدوائي والصيدلة بإبعاد نفوذ غرفة صناعة الدواء عنها.
4- إبرم الجيش اتفاقية برلين بالتعاون مع وزارة الصحة لتجهيز مستشفياته وحدث بهذا الوقت إزاحة الدكتور أحمد عزيز المشرف على تلك الاتفاقية بقضية رشوة.
5- بدأ الإسناد لمستشفيات الجيش بالتزامن مع بدء أزمة الدواء نتيجة لأزمة الدولار وكان هذا بداية في توفير مستلزمات المستشفيات الجامعية وإسناد دعامات القلب للجيش ولبن الأطفال وإقامة مصنع للأورام.
6- حدثت أزمة جديدة بعد قرار التعويم أشد وأعنف، فنتيجة لوجود مصادر للدولار للجيش خارج إطار البنك المركزي كما أوردنا بالمقدمة، اكتمل الزحف فأصبح الجيش مثلاً هو المحتكر لاستيراد أدوية الأورام وهو من يسند إليه مستلزمات مستشفيات وزارة الصحة بالإضافة للمستشفيات الجامعية وهذا عن طريق تجهيزات مستشفياته التي جهزها في اتفاقية برلين!
7- وفي هذا كما أوردنا أيضًا بالمقدمة كان يحافظ أولاً على إيجاد نفوذ للمخابرات، ولكن بتقليصه وبنفس الوقت يدعم شريحة جديدة من رجال الأعمال التابعين له مثل مجموعة فارما أوفر سيز وبنفس الوقت يحافظ على شراكة مع بعض كبار رجال الأعمال بتلك الصناعة مثل مجموعة فاركو.
هل هذا كل شيء؟ لا فتلك ليست نهاية القصة.
فبعد الأزمة التي تسبب بها الجيش في لبن الأطفال، لم يستطع لا هو ولا شريكه فارما أوفر سيز الوفاء بمتطلبات واحتياجات السوق، فعاد سعر لبن الأطفال للارتفاع وواجه نقصًا، وحتى تلك اللحظة على ما يبدو تراجع الإسناد لفارما أوفر سيز.
وبعد أن استحوذ الجيش على مجال دعامات القلب تكرر حدوث أزمة بها ونقص.
وبعد أن تصدر لإقامة مصنع للأورام كبديل عن استيرادها وجد نفسه أمام أزمة في تلبية احتياجات هذا القطاع فتصدر مجددًا من خلال عميد بمستشفى المعادي العسكري ليستحوذ على استيراد جميع احتياجات هذا القطاع على مستوى الجمهورية! وعجز عن التكفل بما استحوذ عليه بمستلزمات التحاليل الطبية فارجع إسنادها للوكلاء.
بل وحتى شركاءه يواجهون أزمة، فمجموعة فاركو نتيجة للأزمة أغلقت أحد مصانعها وهو مصنع فاركو بي، وبحسب أحد المصادر ربما تتجه لإغلاق مصنع آخر مستقبلاً وهو الأوروبية – مجموعة فاركو لديها عدة شركات أهمها العامرية والأوروبية وفاركو وفاركو بي -.
ومن المبكر الحكم هل هذا مقصود تبعًا للنموذج التفسيري الذي اقترحناه بالمقدمة الذي يقضي بأن الجيش يتبع سياسة مزدوجة مع رأس المال الكبير بتقزيمه من جهة والشراكة معه من جهة أم حادث عرضي؟ خاصة أن مجموعة فاركو هي أحد المنافسين على دواء الكبد مع شركة أوفر سيز المتحالفة مع الجيش من ناحية ومجموعة مالتي فارما من ناحية أخرى، ومن ناحية أخرى فالعامرية مثلاً تورد للتأمين الصحي بمصر وهو ما شرحنا أعلاه أن الجيش يزحف عليه.
ولكن الشاهد أن الجيش يصنع أزمة ويرى أنها توفر له إمكانية السيطرة، ثم يكون الأمر أكثر تعقيدًا من هذا، فلا تتحقق تلك السيطرة ولكن تستمر الأزمة!
ولسنا هنا بصدد التوسع بشرح إشكاليات صناعة وسوق الدواء المصري ولكن لنشرح بإيجاز كيف حدثت الأزمة الحالية:
ببساطة إن المستورد لزامًا أن يرتفع سعره بمقدار التغيير في سعر الصرف ولكن النقطة الأهم هي المحلي الذي زادت أسعاره زيادة عشوائية 20%، والمشكلة أن أكثر من 80% من المدخلات مستوردة من الخارج أو مرتبطة بمستورد، وبالتالي التكلفة زادت بشدة وهو ما سيتبعه بالضرورة زيادة السعر.
ما حدث في الزيادة الأخيرة بين رجال الأعمال المصنعين والوزير أن الأمور أصبحت شديدة التوتر بين الوزير وبينهم، هو يضغط عليهم أنهم ينتظروا وهم يضغطوا عليه بإيقاف كل الخطوط الإنتاجية للمستحضرات ذات الربح القليل.
في تلك الأزمة أحدثوا زيادة عشوائية بعيدًا عن تدخل الجهاز البيروقراطي الحكومي المتمثل في إدارة الصيدلة وهو ما نتج عنه عشوائية تنفيذ الزيادة الماضية حتى تدخل رئيس الوزراء بقرار يضع حد أقصى للزيادة، ووقتها انصاعوا لإدارة الصيدلة بنشر الزيادة باسم المستحضر والسعر القديم والجديد والعبوة في جريدة الأهرام الحكومية في ملحق خاص، وهذا بحسب أحد المصادر العامل بقطاع صناعة الدواء.
ومن ناحية أخرى فنتيجة للتضخم تصر نقابة الصيادلة كذلك على زيادة هامش ربح الصيدلي من سعر البيع للجمهور ويذكر أن نقيب الصيادلة الحالي الدكتور محيي الدين عبيد هو نقيب شرطة عامل ما زال بالخدمة! وأن إنجاحه كنقيب للصيادلة كان بتوافق بين أعضاء النقابة المحسوبين على قطاعات أمنية، بل وحتى هناك بعض الأقاويل لم يتم التأكد من صحتها أنه كان هناك تصويتًا طائفيًا لصالحه من الصيادلة المسيحيين.
والآن كان التطور الأخير أن اجتمع وزير الصحة مع ممثلي شعبة صناعة الدواء وتم مراجعة 3010 صنف لكي يتم زيادتها السعرية وفق ما أراد مصنعي الدواء، وكان هذا بدون وجود النقابة أو ممثلين لها بهذا التفاوض.
وبالتالي ما تم زيادته السعرية وهو ما يتوافق مع مبيعات شركات الدواء وليس مدى احتياج المريض المصري لها أو كونها أدوية لأمراض مزمنة وكان الصيادلة عبر نقابتهم يطالبون بنسبة خصم للصيدلي 25% للدواء المحلي 18% للدواء المستورد ثم تراجعوا إلى المطالبة بنسبة خصم 23% للمحلي و15% للمستورد، وبالتالي ما حدث عمليًا أن نسبة الزيادة بالتسعير الجديد للدواء كانت خصم من نسبة ربح الصيدلي عمليًا.
فما طالب به الصيادلة في اجتماع نقابتهم أن يكون هناك سعر موحد لبيع الدواء وكذلك تنفيذ حكم قضائي يجبر شركات الأدوية على نسبة الخصم المقترحة – الآن يتم توريد الدواء بنسبة خصم 20% للمستورد –
مع ملاحظة أنه وفقًا لأحد أعضاء النقابة أنهم اقترحوا في اجتماع جمعيتهم العمومية تفعيل إضراب جزئي، ونقل لهم النقيب تهديد عبر مصدر أمني أن أي إضراب سيتم التعامل معه بـ “عنف”.
ومن قبل هذا اقترحت حلول عدة لاستنهاض قطاع الدواء المصري منها إيجاد لجنة موحدة ومركزية للسياسات الدوائية مجمعة من ممثلي الإدارة الحكومية ومنهم طبعًا الأجهزة الأمنية المتداخلة مع مركز تخطيط الدواء والصيدلة وكبار مصنعي الدواء، حتى يتم تجنب التنافس والإبعاد أو إضعاف النفوذ ومن ثم ردود فعل يكون ضحيتها أي مريض مصري، وقدم مشروع بهذا للبرلمان المصري باسم الهيئة العليا للدواء ودفعت به نقابة الصيادلة ولم ير النور حتى الآن!
وهو ما كان سيساهم فعلاً بإحداث توازن أو تسوية بين نفوذ الجيش المتزايد ومصالح غيره بالقطاع وهو ما لم يحدث للأسف.
ويذكر أن المتحدث باسم نقابة الصيادلة ورئيس اللجنة التشريعية بها الذي أوردنا تصريحه أعلاه بأن مشروع الهيئة العليا للدواء جاهز ليقره البرلمان وهو محسوب على الجيش الآن، لا يجد إلا أن يغرد ساخرًا من تلك الأزمة وهذا كمثال!
وكذلك طرحت مرارًا عدة حلول لدعم التصدير، حيث كانت لدى مصر عدة أسواق نشطة بإفريقيا خاصة بالقرن الإفريقي والسودان وغيرها التي لا تعتمد على معايير الاتحاد الأوروبي في الدواء التي لا ترقى لمعاييرها صناعة الدواء المصري وليس فقط صناعة الدواء ولكن المستلزمات الطبية المختلفة، وقد تضاءلت حصة مصر بهذا السوق لحساب مصنعين عرب مثل الأردن أو هنود، وهذا نتيجة للتسعير الإجباري للدواء بالسوق المصري الذي يجعله منخفضًا، فبالتالي يصر المستورد أن يشتري الدواء المصري بسعر مقارب لسعره المحلي وهو ما لا يمكن تحقيقه، لهذا عندما نوقش مقترح الهيئة العليا للدواء وكان هذا بداية عام 2016 كان مقترنًا باعتماد سياسة محفزة للتصدير.
وهو ما يمكن أن يتحقق في هذا الظرف كتسوية نتيجة لأن انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار سيطرح سعرًا تنافسيًا للصادرات المصرية، وكذلك يصبح هذا أكثر إمكانًا في إطار خطة التحول النيوليبرالي الحالي، فيحدث تحرير لسوق الدواء ويلتزم قطاع الصحة بتسعيرة منخفضة للدواء من المنافذ الحكومية.
ولكن كما شرحنا بالمقدمة فإن اقتصاد ليبرالي بهذا المعنى هو عين ما يخشاه الجيش نتيجة أنه يفقده السيطرة على قاعدته المجتمعية، فبالتالي من الصعب الاقتناع بمثل تلك تسوية مع مصنعي ومستوردي وموزعي الدواء، ولهذا كما أوردنا بالمقدمة فقد قيل للسيسي من قبل داعميه إن المشكلة ليست في تطبيقه لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي عجز عن تطبيقه مبارك إنما المشكلة في اقتصاد الجيش وفي شخص السيسي نفسه!
وبالتالي تستمر الأزمة وتستمر المعاناة حتى وقت كتابة تلك السطور بالرجوع لبعض المصادر من العاملين بالقطاع الطبي الحكومي فهم وجدوا أن مخزونهم من الدواء ومستلزماته يكفي فقط لـ15 يومًا! وبعدها سينفذ هذا المخزون مع عدم توفر مصدر مستقبلاً!
ما الحل؟
إن تلك الأزمة تعتبر نموذجًا مثاليًا للأزمة التي تعيد استيلاد نفسها مجددًا ومجددًا، فالاتجاه الحالي من شركات توزيع الدواء والمستوردين بل وحتى صيدليات البيع المباشر للجمهور هو التخزين حتى يكون هناك أفقًا لحل تلك الأزمة وهو بدوره سيحدث مضاعفة جديدة بأسعار الدواء عندما يأتي هذا الحل بشكل ما.
وبالمقابل فهناك سوق ضخمة للدواء تحتاج إلى بحث منفصل وهي سوق الدواء المهرب، فكمثال فإن الكاربوبلاتين دواء الأورام المشار إليه أعلاه، الإصدار التجاري الهندي منه يأتي عن طريق شبكات التهريب.
وكما قلنا أعلاه فإن مصر من أضخم أسواق الدواء المهرب من مصادر عديدة من الخليج والهند وتركيا والاتحاد الأوروبي، ولكن كان منطق هذه السوق أنها تستطيع توفير الدواء بسعر أرخص من السعر الرسمي، ولكن عندما بدأت أزمة الدولار بالسوق غير الرسمية لم يعد بالإمكان توفير دواء مهرب بسعر رخيص نتيجة للزيادة التي يتحملها المهرب من انخفاض سعر الجنية أمام الدولار، فانحسرت مؤقتًا هذه السوق، ولكنه عادت للنشاط الآن نتيجة لعدم توفر الأصناف أعلاه من الأساس بالسوق الرسمية، فلن تكون هناك مشكلة أن يوفرها المهرب بسعر أعلى نظرًا لعدم التزامه بتسعيرة وزارة الصحة وسيستطيع أن يبيع.
وكما قلنا بالمقدمة عندما شرحنا السوق غير الرسمية للمضاربة بالدولار وأنها لن تختفي أو تسيطر عليها الدولة بعد قرار التعويم، فالأمر كذلك سيكون مع سوق الدواء غير الرسمية لأن الطبيعي أنه إذا استمرت تلك الأزمة بين الدولة ومصنعي الدواء ستتوسع وتتضخم هذه السوق بل من الممكن جدًا أن يحدث تكامل بينها وبين السوق غير الرسمية للعملة لمقاومة تلك التقييدات الجديدة على كلا الشريحتين من قبل الدولة، ومن ثم تستمر الدولة المصرية في توليد أزماتها وخلق منافسيها في أدوارها وخدماتها!
لقراءة موضوعات ملف جنرالات الذهب كاملة اضغط هنا