الباحث المعلوماتي/ محمد حسني
مساعد باحث ومنسق الملف من جانب نون بوست/ أسامة الصياد
قدمنا ونكرر أن أي قطاع تتنازعه مافيات وتتكون تلك المافيات من جهاز أمني ومسؤول حكومي وإعلاميين ورجال أعمال، وهو ما ينطبق بنفس التوصيف على قطاع الغذاء وما يتولد عنه من أزمات، وعلى الرغم من تفاهة ما يبدو عليه الأمر أن يكون غاية الصراع بين أجهزة قطاع الدفاع والأمن على من يهيمن على الزيت والسكر والحبوب، إلخ، فإن هذا فعلاً أحد أوجه الصراع والتنافس التي يرى المتنافسون عليها أنها تمثل السيطرة على المجتمع بل والسيطرة على تقرير وصنع السياسة الخارجية.
من الممكن أن نفترض أن أساس أو لُب التنازع في الأغذية هو استيراد القمح، واستيراد القمح بما أنه السلعة الحيوية في الغذاء فلم يكن متروكًا لكونه شأن تمويني بحت، إنما كان يقرر في دوائر السياسة العليا منذ زمن عبد الناصر حينما تصور أن أخذه معونة قمح من أمريكا سيحقق له توازنًا في علاقته مع الاتحاد السوفيتي، عمومًا يمكن أيضًا أن نقسم المسألة حاليًا هنا إلى مافيتين واحدة لاستيراد القمح الروسي وأخرى لاستيراد القمح الفرنسي.
الفيديو التعريفي بكيفية استكشاف شبكة جنرالات الذهب
دومًا كان هناك تنازعًا في أي القمح يتم استيراده، فبالنسبة للقمح الروسي فإن مافيا استيراده يكون عمادها بالأساس الجيش أو المخابرات العامة ومن دار دورهم، ومافيا استيراد القمح الفرنسي أكثر وضوحًا وتتكون من المخابرات العامة ومعها رجال أعمال مثل أحمد الوكيل وإعلاميين مثل مصطفى بكري ومسؤولين حكوميين مثل وزير التموين السابق خالد حنفي، وعلى أساس تلك الشبكة تدور الصراعات على السلع الأخرى مثل الحبوب والسكر والدواجن.
بداية من المفيد أن نوجز عن أحمد الوكيل على الرغم من أن الكثير من الحديث دار عنه مؤخرًا، فهو رئيس اتحاد عام الغرف التجارية ورئيس غرفة الإسكندرية، ونائب رئيس اتحاد غرف البحر الأبيض “الإسكامى”، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، وكذلك رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، وشركته لتجارة السكر اسمها “ويكليست” والأخرى للحبوب مثل الأرز والقمح اسمها “وكلاكس”.
ومن خلال شركات أحمد الوكيل يتجلى النموذج الذي تكلمنا عنه أعلاه وهو تكوين شبكة من المسؤوليين الحكوميين، فرغم أن أشهر مثال هو الدكتور خالد حنفي الوزير السابق حيث كان يعمل مستشارًا لاتحاد الغرف التجارية التي يرؤسها أحمد الوكيل، ولكن بخلاف هذا فإن أحمد الوكيل كان يسعى لاستقطاب المسؤولين الحكوميين للعمل في المناصب الإدارية بشركاته كمديري مضارب الحبوب ومسؤولي وزارة التموين السابقين، إلخ، ونموذج توظيفه لهم أن يجعلهم أصحاب اسهم بالشركة حسب منصبهم بشركاته بحيث يكونون أصحاب مصلحة مشتركة في ربحيته وليس مجرد موظفين.
ونفوذ أحمد الوكيل كان متقاطعًا بالطبع مع شبكات رجال أعمال جمال مبارك ومن ورائهم المخابرات العامة وتحديدًا منذ أن كان رشيد محمد رشيد وزيرًا للتجارة، وقد استفاد من عدة قرارات أُجريت خصيصًا له مثل رفع رسوم التصدير لأرز الشعير وهو الأرز غير المضروب، بحيث يمكّنه هذا أن يجمع الأرز من التجار المصريين ثم يصدره بعد ضربه في المضارب التابعة له وهو ما يجعله شبه محتكر لهذا التصدير.
والآن لمواجهة هذا النفوذ، ألغت وزارة التموين المناقصة الأخيرة لشراء الأرز المحلي من التجار وعوضًا عن هذا اتجهت لاستيراده!
هذا نموذج يمكن تعميمه في كل أعمال الوكيل، فهو ما حدث بشكل مماثل في أزمة السكر، حيث كان تسلسل الأزمة بأن ألحقت أولاً الشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين حتى يتم التحكم في إنتاجها من خلال خالد حنفي المحسوب على الوكيل وكذلك تحويل المجمعات الاستهلاكية من التبعية لوزارة التجارة إلى وزارة التموين، ومن ثم كان قرار حكومة محلب أن يكون السكر المستورد ضمن منظومة التموين وطرح السكر المستورد بسعر أرخص من المصري على الرغم من أن هذا كان متزامنًا مع بدء تضخم الجنيه بهذا الشكل الحاد!
وبالطبع كان المستفيد مجددًا هو أحمد الوكيل إلا أن الجيش ضغط لوضع رسوم إغراق على السكر المستورد فأصبح ثمنه أغلى وعجز الوكيل عن استيراده أو للدقة إن أردنا أن نقول تعمد ومن ورائه جهاز المخابرات العامة أن يتوقف عن الاستيراد وعجز المحلي عن تغطية البديل، فمن ثم حدثت أزمة السكر المستمرة إلى الآن.
وهنا يتحدث مثلاً الدكتور خالد رفعت مدير مركز طيبة للأبحاث السياسية المحسوب على الجيش عن الأزمة من وجهة نظر الدولة.
على أن الوكيل في حوار له مؤخرًا بشأن اتهامه باحتكار السكر أو الدواجن نفى هذا بشدة وقال إنها أزمة طبيعية وتوقع أن يصل سعر السكر إلى عشرة جنيهات للكيلو أي ضعف ثمنه قبل بدء الأزمة!
وكما قدمنا فإن تجارة السلع الغذائية سواء استيراد أو تصدير تنظر لها الدولة المصرية على أنها إحدى أدوات السياسة، فتصدير المواد الغذائية للقارة الإفريقية تشرف عليه بالكامل المخابرات العامة وخاصة التصدير لدول حوض النيل وتراه أنه إحدى أدوات اختراقها لإفريقيا.
وهناك رواية تقول إن بعد أحداث الثالث من يوليو بفترة وجيزة اتجه رجال أعمال مصريين إلى مملكة سوزيلاند الجنوب إفريقية.
هناك مملكة لقبيلة السوازيفي وسط جمهورية جنوب إفريقيا اسمها Swaziland، وتتمتع بالاستقلال الذاتي منذ عام 1968، المملكة عضو في الاتحاد الجمركي لجنوبي إفريقيا ساكو SACU، وفي أعقاب الثالث من يوليو، والانتقادات التي وجهتها إثيوبيا لمصر وتأييدها وقف عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، زار وفد مصري مخابراتي المملكة، وقدم هدايا عدة للملك، بينها قطع سلاح خفيف للحرس الملكي، وفي المقابل سمح لهم الملك بإغراق السوق السويزلاندي بالمنتجات المصرية، والتي تسربت بشكل تلقائي إلى دول الساكو وفي المركز منها جمهورية جنوب إفريقيا، وتسببت بخسائر فادحة للمنتجين التابعين لجمهورية جنوب إفريقيا بسبب ظهور منافس لمنتجاتهم وبأسعار أفضل، وغير المنتجين البيض.
اضطرت جمهورية جنوب إفريقيا أن ترسل مدير وكالة الأمن الوطني SiyabongaCwele إلى مصر في فبراير 2014 حاملاً رسالة شخصية من رئيس جمهورية جنوب إفريقيا Jacob Zuma إلى عدلي منصور، وأدى التفاهم إلى عدم الممانعة من جمهورية جنوب إفريقيا تجاه الوضع الجديد في مصر، مقابل وقف إغراق الاتحاد الجمركي بالسلع المصرية.
وهذه قائمة بالشركات التي تصدر منتجات غذائية مصرية إلى السوق الإفريقية، ومجددًا تشرف عليها المخابرات العامة.
على أن الموضوع يصبح أكثر تعقيدًا عندما يتعلق بالقمح من هذا المدخل أي عندما ينظر إليه أنه أداة سياسية، فالجيش وعبد الفتاح السيسي ينظرون إلى استيراد القمح من روسيا على أنه أحد ملفات وأدوات التشبيك بين مصر وروسيا، بينما ترى شبكة المخابرات العامة لنفس الأسباب السياسية وهي الحفاظ على ثوابت علاقات مصر الغربية ولأسباب تجارية بحتة، الاتجاه لاستيراد قمح فرنسي مصاب بفطر الأرجوت وضغطت في سبيل ذلك في بداية هذا العام.
ولهذا وفي هذا السياق تم القبض على وزير الزراعة السابق بحكومة محلب، صلاح هلال، على إثر قضية فساد حكم عليه بعشر سنين سجن وعلى إثرها تم إقالة حكومة محلب الكامل.
والملاحظ في هذا السياق أن قضية الفساد كانت تلقي الوزير رشوة من رجل الأعمال أيمن رفعت الجميل على أن يتم تخصيص قطعة أرض له بوادي النطرون.
وأيمن رفعت الجميل هو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات كايرو ثري إيه وهي شركات متخصصة كذلك بمجال صوامع الغلال وتخزينها وتعبئتها ونقلها، وكانت قبل تلك القضية تتفاوض مع وزارة التموين عندما كان الوزير كذلك خالد حنفي للحصول على أرض ضمن ميناء دمياط أيضًا لتخزين الغلال المستوردة عبر الميناء ومنها بالطبع بل على رأسها القمح.
وتجدر الإشارة إلى أن الأجهزة التي اضطلعت بتلك القضية – أي قضية صلاح هلال ورفعت الجميل – كانت جهاز الأمن الوطني والرقابة الإدارية، وسنأتي على دور الرقابة الإدارية لاحقًا في شبكات الصراع تلك، ولكن المستفاد هنا أمران الأول أن هذا أيضًا كان بوقت صراع الدولة مع الجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه السابق هشام جنينة، وكذلك أن الداخلية والأمن الوطني تحديدًا مذبذبة ومن الممكن اعتبارها أضعف الحلقات، فبالتالي لا تستطيع أن تترجم وظيفتها الأمنية إلى نفوذ في الدولة إلا بالتحالف مع قطاعات أقوى منها سواء مخابرات عامة أو جيش، بل ونفوذها هو نفوذ لأعضائها ولم يتحول إلى الآن لنفوذ للجهاز ككل كما هو الحال مع الجيش أو المخابرات.
على كل في هذا الإطار أيضًا أي التنافس بين استيراد القمح الروسي والفرنسي أتى لاحقًا لجنة تقصي الحقائق التابعة للبرلمان التي من المفترض أنها كانت تتقصى في فساد توريد القمح المحلي لوزارة التموين والتي ترأسها مصطفى بكري وأفضت إلى استقالة خالد حنفي، ويلاحظ كذلك أن مصطفى بكري صرح بأن المعلومات التي قدمها جاءت إليه مرة أخرى من وزارة الداخلية عبر مدير مباحث القليوبية وكذلك علاقة مصطفى بكري بالجيش لا تحتاج إلى شرح كثير.
ثم أتى بعدها لواء من الجيش وزيرًا للتموين وهو اللواء محمد علي الشيخ مدير هيئة التموين والإمداد بالجيش سابقًا، ومن ثم بعد مجيئه بشهر واحد تم استئناف استيراد القمح الروسي، فما دفع للضغط على خالد حنفي للاستقالة هو الحظر على القمح الروسي بدعوى فطر الأرجوت على الرغم من وجود الفطر في القمح الفرنسي الذي سبق استيراده ببداية هذا العام كما نوهنا.
عمومًا لكي تظهر أمامنا خارطة أوضح للتقاطعات في قطاع استيراد القمح، فما حصلنا عليه أن المخابرات العامة تستورد القمح وتورد للدولة من خلال ثلاث شركات مملوكة لها مباشرة هم مالتي ترايد وميدي تريد ومطاحن الأصدقاء، ومالتي تريد هي الشركة الوحيدة التي كان مسموح لها على مدى 20 عامًا حتى الآن استيراد السكر بإعفاء من رسوم الاستيراد والجمارك وتشاركها باستيراد القمح والسكر والدواجن ميدي تريد وكان يرأسها حتى وفاته نائب رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق محيي الدين العارف، وتدور شائعات أنها كانت مضطلعة في تهريب أموال عائلة مبارك للخارج من خلال نشاطها، فإن صحت تلك الشائعة يتبين مدى أهمية هذا القطاع وثقله – أي قطاع السلع الأساسية – بحيث يختار مبارك تلك الشركة دون غيرها لتنقل أمواله لحسابه الشخصي بسويسرا.
والشركة الأخرى هي شركة مطاحن الأصدقاء التي تستورد قمحًا برازيليًا وتعمل بقطاع تخزين وبناء صوامع القمح، ومن الملاحظ كذلك أن رئيس مجلس إدارة الشركة وهو رجل الأعمال عاطف أحمد حسن الذي قبض عليه بتهمة فساد القمح الذي يستورده عن طريق شركة أخرى تابعة له شخصيًا وليس لجهاز المخابرات وتدعى شركة الوحدة.
وهنا قبل أن ننتقل إلى الشركات ورجال الأعمال المرتبطين بالمخابرات العامة في هذا القطاع سيكون من المناسب أن نستعرض كيف تسيطر المخابرات العامة على الشركات المرتبطة بها أو المتحالفة معها في هذا القطاع تحديدًا، لكي يتضح لنا الفارق بينها وبين أسلوب التحكم والسيطرة الذي يتبعه الجيش كما سنعرضه بعد قليل.
فشركات مثل مالتي تريد وميدي تريد لديها رصيد ائتماني هائل بالبنوك المصرية الحكومية يقدر بمليارات الجنيهات وهذا الرصيد أحد استخداماته هو إعادة استخدامه وتدويره كقروض لكبار شركات السلع الغذائية أو التي يمكن ان يتم وصفها بالتايكون tycoons.
سواء كان إقراض مباشر بعدة تسهيلات بعيدًا عن التعاملات البنكية، وبالطبع استنادًا لثقل وسمعة ان يكون مقرضك شركة تابعة للمخابرات العامة، أو أن يكون المرور عبر شركات المخابرات هو السبيل الوحيد للحصول على القرض البنكي، وبهذا يتحقق للمخابرات العامة من خلال شركاتها سيطرة على رأس المال الثابت والمتداول للشركات المتحالفة معها وبنفس الوقت تحقق عملية ربحية بحته بفارق سعر الفائدة بين رصيدها الائتماني بالبنوك وسعر الفائدة الذي تقدمه للمقترض منها.
وهناك قصة شهيرة وبها بعض الطرافة ولها دلالات عديدة على الأزمات الناشئة حاليا كأزمة السكر حاليا وهي نموذج السقوط المدوي لرجل الأعمال علي الصفدي الذي كان يصلح أن يتم تسميته فعلا بتايكون قطاع السكر، حيث اقترض مبلغ 300 مليون جنيه من البنك الوطني للتنمية، وتهرب من سدادهم، ومن ثم تم الحكم عليه بالسجن لتسع سنوات وكان هذا في أواخر عام 2010.
والحقيقة أن هذا القرض كان في الواقع مقدم له من إحدى شركات المخابرات العامة ويرجح أنها مالتي تريد، وكان البنك الوطني للتنمية غطاء على النحو الذي شرحناه أعلاه ولكنه هرب الى السعودية ورجع أو “تم إرجاعه” جبرًا إلى مصر، وتوفي مؤخرا بعام 2015.
عمومًا هناك عدة أمثلة للشركات المملوكة لرجال أعمال قريبين من المخابرات وأهمهم رفعت الجميل صاحب شركة كايرو ثري إيه التي نوهنا إليها أعلاه وإلى قضية نجله أيمن الذي يدير شركة أبيه، ويجدر ذكر أنه ظابط طيار سابق كان زميلاً لحسني مبارك ثم تقاعد ودخل في عدة قطاعات للاستيراد منها الدواجن والحبوب، ولكن الأهم استيراد القمح الأمريكي ثم الأوكراني وكان يورد للتموين نحو مليون ونصف طن.
وكذلك المهندس محمد عبد الفضيل صاحب شركة فينوس إنترناشونال وميدي ترينايم، الذي يستورد القمح من عدة جهات وهو كأحمد الوكيل مرتبط بدائرة رشيد محمد رشيد ومستشاره كوزير للصناعة والتجارة بعهد مبارك، وتجدر الإشارة كذلك أن والده كان يعمل برئاسة الجمهورية وكان عضوًا بمجلس الشعب إبان حكم مبارك، وهو كذلك شريك لجمال عبد العزيز سكرتير مبارك السابق الذي خرج بعد الثورة ليتحدث عن فساد حسني مبارك بوصفه شاهد عليه، ويستورد القمح الكازخستاني ورئيس الجانب المصري من مجلس الأعمال المصري الكازخستاني ومن عدة دول أخرى، ويمكن أن نفترض أن قرار السماح باستيراد القمح المصاب بفطر الأرجوت ثم الرجوع عنه كان لضرب عبد الفضيل، حيث إنه خسر في التراجع عن هذا القرار وركد القمح الذي استورده بمخازنه، ويتحدث عن هذا هنا.
ولمزيد من التفاصيل على الرغم من أنه لم يفصح في هذا الخبر عن مصدر القمح الذي يستورده، ولكن بالرجوع لمصادر أقدم في فضيحة القمح المسرطن الروسي نجد أن عبد الفضيل ورغم أنه من كبار مستوردي القمح الفرنسي مما يجعله في دائرة تحالفات المخابرات العامة من خلال شراكته مع شريك فرنسي وهي شركة “لويس دريفوس نيجوس” وكذلك شريك كويتي هو عبد الله الهاجري، ولكنه حاول أن يحدث توازن مع الجيش بأن استورد قمح روسي لصالح الجيش تحت غطاء شركته الفرنسية وتلك هي التفاصيل.
وتجدر الإشارة إلى أنه في تلك القضية عام 2009 تم الإطاحة بأشرف العتال مالك شركة التجار المصريين التي استوردت القمح الروسي حتى بعد أن رد قيمة الشحنة للدولة مما يعطيك دلالة على مدى قوة المخابرات العامة في هذا الصراع بحينه قبل ثورة يناير، وقد اتهم العتال في حينه عبد الفضيل أنه كان المدبر الحقيقي لصفقة القمح الروسي، ولكنه قدمه ككبش فداء بدلا من أن يتورط هو.
وهذا تقرير مفصل عن جميع قضايا فساد القمح بالخمس سنين الأخيرة من حكم مبارك كما قدمها لمجلس الشعب المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق.
وهذا عمومًا تقرير وافٍ بأهم وأكبر الشركات العاملة بمجال القمح، وبالطبع فإن أشهر محتكر بمجال القمح هو محمد عبده السلام ولكن في رصدنا لم نعثر على خيط ملموس يربطه بأي جهاز داخل قطاع الدفاع والأمن كما السابقين وإنما هو مستقل على الأرجح.
إذًا فقد عمل السيسي خلال العام الماضي من خلال هذا الاستعراض على ضرب رجال الأعمال بمجال السلع الغذائية والتموينية المرتبطين بالمخابرات العامة واحدًا تلو الآخر ثم الإطاحة بوزير التموين المحسوب عليهم أيضًا، وبالنهاية بعد تلك الضربات جعلهم يعملون لكن بعد تقزيم حجمهم، فرفعت الجميل كمثال خرج براءة من قضية رشوته لوزير الزراعة بينما وزير الزراعة الأسبق نفسه حكم عليه بعشر سنوات سجن، والمرجح أن نشهد بالفترة القادمة تصدر الجيش مباشرة باستيراد القمح الروسي ولكن أيضًا من خلال رجال الأعمال الذين يكون منهم الجيش نخبة جديدة كما تقدم، وأهمهم صلاح أبو دنقل وهو المتورط بقضية القمح المسرطن الأوكراني وليس الروسي الشهيرة بعام 2009، ومن الطريف والمثير للدهشة أيضًا أن من دفع بتلك القضية إعلاميًا وفي البرلمان كان مصطفى بكري ولكنه تراجع في حينه بأوامر عليا، ونعتقد أن حينها قد بدأ تحلل أبو دنقل من ارتباطه بحسني مبارك ومجموعة رشيد واتجه للارتباط بالجيش، فلهذا عندما كان مصطفى بكري في خدمة المخابرات العامة حينها أشعل تلك القضية ضده، ثم بعد أحداث الثلاثين من يونيو وترشح السيسي كان أحد كبار المساهمين في تمويل حملة السيسي، ثم مجددًا هو من كبار من تبرعوا لصندوق تحيا مصر – راجع الحلقة السابقة -.
والآن هو بالفعل من كبار مستوردي القمح الروسي وهذا موجز عن نشاطه، ولكن تجدر ملاحظة أن الخبر الذي سنورده هنا قد وصفه أنه مالك شركة الاتحاد للحبوب بينما الصحيح أنها شركة إماراتية مالكها رجل أعمال إماراتي يدعى علوان عبدون بينما أبو دنقل مدير لنشاطها بمصر.
وشركة الاتحاد للحبوب أو مطاحن الاتحاد للحبوب هي جزء من مجموعة الظاهرة القابضة وهي مجموعات شركات إماراتية رائدة بمجال الأغذية والحبوب وصناعة الأعلاف ومضارب الأرز، وتملكها بالأساس الإدارات الحكومية للإمارات السبعة المكونة لدولة الإمارات، فمثلاً مطاحن الاتحاد المذكورة أعلاه هي التي تدير صوامع القمح الاستراتيجية لإمارة العين والمجموعة لديها تفرعات على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فهي تملك وتدير 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية على امتداد المنطقة، ففي مصر غير وجودها من خلال مطاحن الاتحاد لديها وجود آخر من خلال شركة فرعية تدعى الظاهرة مصر، ويمكن الاطلاع على المزيد من نشاط المجموعة من خلال هذا الرابط.
وكما موضح من بيانات الظاهرة مصر مثلاً تزرع وتنتج شركة الظاهرة مصر على وجه الخصوص نحو 50000 طن من القمح سنويًا مخصصة للاستهلاك المحلي و25000 طن من الذرة.
وهي الآن شريكة في استصلاح أراضي توشكى على الرغم من العراقيل والتوقف الذي حدث بالمشروع من بعد الثورة، والتوتر المحيط به نظرًا لاستراتجية الزراعة وراء السد العالي وأنها مرتبطة بالسيادة المصرية.
وكذلك هي الشريك الأول بمشروع استصلاح المليون فدان لزراعة القمح رغم الجدل عن جدوى المشروع وإمكانية استئنافه، وهل الأجدى استصلاح أراضي بالظهير الصحراوي أو تطوير أنظمة الري بالوادي والدلتا؟ وهو ما كان يمثل إحدى نقاط الخلاف بين صلاح دياب رئيس مجلس إدارة مجموعة بيكو الزراعية والسيسي حيث اعترض على المشروع والمشاركة به ورسخ التوتر بين صلاح دياب والسيسي ومع ذلك شاركت به مجموعة الظاهرة.
فالشاهد من هذا الاستعراض أن مجموعة الظاهرة هي أكبر استثمار أجنبي يظهر أمامنا مرتبط بمافيا القمح الروسي وليست مرتبطة بحسب إنما شريك يتكرر وجوده فيما يراه نظام السيسي والجيش مشاريع استراتيجية في الزراعة، وعلى هذا فتحليلنا أنه نظرًا لكون الإمارات هي أكبر شريك تجاري عربي لروسيا وكذلك شريك مميز لروسيا على المستوى السياسي بل وسبق للإمارات من قبل أن وظفت نفوذها السياسي هذا بروسيا من أجل مد العلاقة بين السيسي والحكومة الروسية منذ أن كان وزير دفاع، كذلك ستلعب دورًا رئيسيًا في تسهيل استيراد القمح الروسي لصالح الجيش ليكون المورد الرئيسي لغذاء المصريين.
والثاني من المرجح أن يكون أبو العينين صاحب سيراميكا كليوباترا الذي تحدثنا عنه بالحلقة السابقة، وأهميته للسيسي في العلاقة مع أمريكا، فهو لديه شركة اسمها كليوباترا للاستصلاح الزراعي ويمكن أن يكون هو الوحيد بجانب الجيش الذي دخل باستصلاح اراضي شرق العوينات لزراعة القمح وهذا ضمن مشروع محور قناة السويس الذي سنتحدث عنه خلال الحلقات القادمة.
هذا أيضًا لكي ندرك أبعاده، فكما نوهنا بالمقدمة وبالنموذج المقترح لاقتصاد العسكر أن أحد دوافع تحرك اقتصاد العسكر هو الاحتياج للسيطرة على قاعدة الجمهور المصري وضمان ولائها فإن لم تكن تلك السيطرة عبر السلع الأساسية والتموينية كأهم أداة فبماذا تكون؟!
ولهذا فليس بغريب أن يدخل رجال أعمال آخرون وشركات حكومية مجال القمح والسلع الغذائية عمومًا حتى لو لم يكن هذا نشاطها وإنما بهدف تعزيز سيطرتها ضمن الصراع الدائر، ونكتفي هنا بمثالين من القطاع الخاص وهما نجيب ساويرس حيث يمتلك شركة تدعى النيل لإنتاج سكر البنجر وكذلك سامي سعد صاحب توكيل مرسيدس حيث يمتلك هو الآخر شركة لتوريد القمح – راجع بالحلقة الماضية التضرر الذي حدث لمرسيدس مصر من قرارات عبلة عبد اللطيف -، بل حتى شركات حكومية كبتروجيت دخلت أيضًا مجال إنتاج الحبوب الغذائية والقمح خصيصًا أيضًا كنشاط جانبي.
ولهذا يجب علينا الانتباه والتذكير بأن الجيش عقب قرار التعويم عمد إلى إجراءين الأول هو توفير السلع التموينية الأساسية عبر منافذ القوات المسلحة والثاني هو أنها شرعت في تولي تنفيذ بطاقات التموين والسلع المدعمة الذكية، ونوهنا أن هذا المشروع يتم بالتعاون والشراكة مع مجموعة الخرافي، وهذا ضمن إطار آخر وهو سعي المخابرات الحربية لتكوين قاعدة بيانات خاصة بها مستقلة عن الرقم القومي الذي يتبع لوزارة الداخلية وقاعدة البيانات المتوفرة للمخابرات العامة عبر الهيئة القومية للاتصالات.
على كل، كما سبق ونوهنا فإن المخابرات العامة نشاطها بمجال الأغذية ضمن أدوات السياسة الخارجية وخاصة تصدير الغذاء لإفريقيا وخاصة دول حوض النيل ومنها أوغندا التي زارها السيسي مؤخرًا، فلهذا تتكون مصلحة أكبر كما بكل ملف تجعل التنافس محكوم ولا ينبئ بخطر مهدد للنظام ككل.
فلهذا على الرغم من أن أزمة السكر تفجرت عقب إقالة خالد حنفي مباشرة وربما كرد على تعطيل استيراد القمح الفرنسي فإن الدولة بعد قرار التعويم مباشرة ألغت الجمارك على استيراد الدواجن خصيصًا لصالح شركة ميدي تريد التي تدار من قبل المخابرات العامة والتي أيضًا تنشط بمجال التصدير الغذائي لإفريقيا كما نوهنا أعلاه، وكذلك لها نشاط جانبي في تصدير السلاح للدول الإفريقية، ومن ثم بعد أن دخلت شحنة الدواجن التابعة للمخابرات السوق المصرية، أعادت الدولة الجمارك على استيراد الدواجن!
وهذه بياناتها المعلنة.
مع ملاحظة أن رئيسها الحالي هو اللواء أحمد رفعت من المخابرات العامة أيضًا وهذا خبر عن افتتاحه لمنفذ لبيع السلع الأساسية بعهد الوزير خالد حنفي.
لهذا فليس بغريب نهائي أن نسمع عن قافلة تابعة للمخابرات العامة لبيع السلع الأساسية.
عموما فالمنطق هنا من قبل الجيش في التعامل أنه يسمح بجزء محدود تتولاه المخابرات العامة ويقتطع أجزاء، ولكن الأهم محاصرة رجال الأعمال المحسوبين عليها، ولهذا المرجح أن الحملة الإعلامية والشائعات التي روجت أن صفقة الدواجن كانت لصالح أحمد الوكيل كانت من قبل الجيش، وكذلك أيضًا يجب التذكير بأن المتضررين من استيراد الدواجن هو مجددًا معتز الألفي الذي تحدثنا عنه بالحلقة الماضية وإحدى شركاته هي القاهرة للدواجن التي تعد أكبر شركة لإنتاج الدواجن المحلية في مصر والتي بالفعل تأثرت سلبًا بسبب هذا القرار وتراجع سهمها فوق الـ2% بالسالب لتسجل تراجع إجمالي خلال الربع المالي الحالي إلى 34%.
وهذا ضمن إطار التضييق على معتز الألفي وبنفس الوقت التوسع مع شركائه من مجموعة الخرافي.
فتزامنًا مع هذا تم التحقيق مع شركة أمريكانا التي يشارك من خلالها معتز الألفي في القاهرة للدواجن من قبل جهاز حماية المستهلك الذي يرؤسه لواء جيش سابق هو اللواء عاطف يعقوب، وهو ما يوضح لنا أكثر دور الأجهزة البيروقراطية من خلال رؤسائها اللواءات في صراع الجيش الاقتصادي مع رجال الأعمال.
ثم بعده بفترة وجيزة يتم الآن التحقيق في أن شركة هاينز للصلصة التي تشارك بها أيضًا أمريكانا تستخدم طماطم فاسدة في منتجها.
فالمستخلص من خلال تلك الأزمة أيضًا أنه يتم استمرار تقزيم رجال الأعمال غير المرضي عنهم.
على كل يجب التنويه أن تقاطع الجيش مباشرة مع مسألة الدواجن أو اللحوم المستوردة عمومًا يأتي من خلال تحكمه بالحدود والمحاجر الصحية على الحدود.
وهناك روايات متواترة عديدة على سبيل المثال أن الجيش يعرقل دخول شحنات الدواجن المستوردة التي ليس لدى مستوردها اتفاق مع ضابط جيش أو شخص على صلة بضابط جيش عن طريق رفضها بالمحجر الصحي والحكم عليها بكونها غير مطابقة للمواصفات، ومن ثم تظل الشحنة عالقة في البحر أمام السواحل المصرية، ثم يتم استقبالها بشكل غير رسمي عبر أحد مواني سيناء على البحر الأحمر أو المتوسط لصالح ضباط جيش بنصف الثمن الذي كانت ستشترى به لو كانت دخلت رسميًا من المحجر الصحي ومن ثم يعاد بيعها عبر ضباط الجيش لتغطي احتياجات الفنادق السياحية بجنوب سيناء وشرم الشيخ.
رغم أن هذا يمكن وصفه بشبكة مصالح فرعية وليس ضمن “بيزنس” الجيش الرسمي ولكنه مهم لنختم به في هذا المجال: كيف يتعامل الجيش مع محتكري استيراد اللحوم؟
إن مجال اللحوم يكاد يكون من المجالات الاحتكارية بحق، فالأسماء بهذا المجال لا تتغير وهم 15 رجل أعمال نورد أسماءهم بهذا التقرير الذي نشر منذ سبع سنوات كاملة ومع ذلك ومع كل التغييرات العاصفة بمصر لم يتغير وضعهم.
بجانب الأسماء أعلاه يوجد اسم مجموعة النجار التي يرؤسها الآن حمدي النجار نجل مصطفى النجار مؤسس المجموعة وهو – أي حمدي – رئيس شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية الذي يرؤسه الوكيل، وكذلك أيضًا لديه حصة بتوريد القمح ولكنها ليست أساسية كمن سبق ذكرهم، وإنما من باب تأمين مصالحه بدخوله في قطاع سيادي مثل هذا كساويرس وسامي.
من هذا المدخل أيضًا نفسر دخول مجموعة هيرميس مؤخرًا في عهد مرسي من خلال شركة العين السخنة للحوم التي تستورد لحوم أسترالية.
وقد تحدث السيسي عن هؤلاء بوصفهم كما هو بالتقرير 15 رجلاً يحتكرون اللحوم وهذا بـ2014، ولكن هؤلاء من القوة بحيث لم يستطع الجيش أن يحل عوضًا عنهم في استيراد اللحوم، فبالتالي هذا التكتل استطاع أن يصل إلى تسوية مع الجيش من خلال كون الجيش هو الذي يتحكم في المحاجر الصحية على الحدود وبالتالي يتحكم في دخول اللحوم إلى مصر وهم بدورهم يتحكمون بالمنشأ الاستيرادي، فبالتالي أصبح الجيش الآن يحصل على حصة من الريع الناتج عن هذا الاحتكار من قبل هذا التكتل.
لقراءة موضوعات ملف جنرالات الذهب كاملة اضغط هنا