الباحث المعلوماتي/ محمد حسني
مساعد باحث ومنسق الملف من جانب نون بوست/ أسامة الصياد
مثل قطاع الأغذية وقطاع السياحة فإن قطاع الاتصالات من القطاعات السيادية ومن يعمل به يجب أن يكون من الدوائر القريبة من الدائرة الأولى لصنع السياسة والحكم في مصر، وهذا لسبب بديهي وهو أن من يسيطر على هذا القطاع يمتلك قاعدة معلومات ضخمة خارج الإطار البيروقراطي بحكم امتلاكه لقاعدة بيانات عن جميع ما يتداوله المصريون من خلال المحادثات التليفونية أو من خلال الإنترنت، ولهذا فعند تأسيس هذا القطاع بنهاية التسعينيات كانت هناك شبه تقسيمة متفق عليها بين مناطق حيازات كل جهاز بقطاع الدفاع والأمن وكان قطاع الاتصالات ضمن دائرة النفوذ التقليدية للمخابرات العامة.
وهذا من خلال ثلاث دوائر متصلة وهي الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بوزارة الاتصالات وهيئة الاستعلامات بوزارة الإعلام ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تلك الدوائر تقليديًا منذ إنشائها يتولاها شخصيات إما منتمية للمخابرات العامة أو محسوبة عليها، بل ويتداولون المناصب بها كحالة الدكتور ماجد عثمان الذي نوهنا إليه بحلقة الصناعة، فكان مدير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ثم وزيرًا للاتصالات في حكومة تسيير الأعمال عقب ثورة يناير، وربما يعد كسرًا لتلك الدائرة تولي الدكتور ياسر علي المتحدث الإعلامي السابق لمحمد مرسي منصب رئيس مركز المعلومات واتخاذ القرار مع ملاحظة أن سابقه بالمنصب كان ضابط مخابرات عامة سابق، وربما بالتحليل الأخير كانت تلك إحدى إشكاليات جهاز المخابرات العامة مع محمد مرسي وحكومته وهي اقتحامهم لدائرة نفوذ تقليدية للمخابرات العامة.
ولهذا أيضًا لم يكن مستغربًا أن تكون ثاني رخصة محمول في مصر تمنح لفودافون حيث كان مديرها الإقليمي هو المهندس محمد نصير وهو زوج بنت عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة يوليو وشركاؤه الأهم هما مجدي راسخ صهر علاء مبارك، وزوج أخت مجدي راسخ شفيق بغدادي – ليس قريب عبد اللطيف البغدادي -، وكانت تلك الشراكة هي عماد تأسيس قطاعي الإنترنت والاتصالات بمصر.
الفيديو التعريفي بكيفية استكشاف الشبكة
فعلاقة محمد نصير ومجدي راسخ بدأت منذ أن عملا بتأسيس وحدة الحاسب الآلي بمؤسسة الأهرام الصحفية عندما كان يرؤسها محمد حسنين هيكل ثم عندما دخل الإنترنت والهاتف المحمول مصر بنهاية التسعينيات كانا أول من أسس شركات به من خلال كليك التي تحولت إلى فودافون مصر وكان رئيس مجلس إدارتها محمد نصير، كذلك امتلاك مجدي راسخ لشركتي رينجو والنيل للاتصالات وهي التي أسست كبائن الاتصالات في مصر وكذلك هو شريك بتأسيس شركة اتصالات مصر صاحبة الرخصة الثالثة للمحمول بمصر.
وكان منير ثابت شقيق سوزان مبارك وصهر حسني مبارك هو الضلع الثالث، فهو أول من عمل بمجال تحليل معلومات الإنترنت عندما دخلت خدمة الإنترنت مصر.
ومن خلال هذا كان من المفترض أن يحتكر مجدي راسخ مشروع كابلات الإنترنت والاتصالات التي تصل أوروبا بإفريقيا ولكن توقف المشروع بعد الثورة.
يجدر الإشارة كذلك إلى أن محمد نصير هو شريك سابق بشركة الأجنحة البيضاء وهي الشركة التي كانت تنقل سلاح المعونة الأمريكية العسكرية لمصر ومؤسسوها هم حسني مبارك وقت أن كان نائب رئيس للسادات والمشير أبو غزالة وقت أن كان ملحقًا عسكريًا لمصر في واشنطن ومنير ثابت صهر مبارك وقت أن كان يعمل كذلك بالملحقية العسكرية المصرية بواشنطن وحسين سالم ثم انضم إليهم لاحقًا محمد نصير.
بل إن الراجح من التحليل أن النشاط الأساسي لمحمد نصير كان تجارة السلاح ثم كان نشاطه بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لاحقًا على هذا.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن كلاً من محمد نصير وشفيق بغدادي امتد نشاطهم للقطاع الغذائي، وذلك من خلال تأسيس نصير لبيبسي كولا مصر وتأسيس بغدادي لفريش فوودز إيجيبت، وبهذا ينضما لرجال الأعمال الذين امتد نشاطهم للقطاع الغذائي لإدراكهم سيادية هذا القطاع مثل من تحدثنا عنهم بالحلقة قبل الماضية.
وبذكر مجدي راسخ وشراكته في تأسيس شركة اتصالات مصر هناك قصة يرويها رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الأسبق للقريبين منه وهي أن رشيد كان حلقة الوصل بين الشركة الإماراتية والحكومة المصرية لإعطائهم رخصة المحمول الثالثة.
وبما أن هذا قطاع تهيمن عليه المخابرات العامة فقد كان رشيد يتواصل مع اللواء عمر سليمان لبحث تلك المسألة فأخبره سليمان أن عليه الحصول على موافقة الجيش أو تحديدًا المشير طنطاوي، فرتب عمر سليمان لرشيد لقاء مع المشير طنطاوي واشترط المشير طنطاوي على رشيد أن تدفع الشركة الإماراتية للجيش 200 مليون دولار مقابل الحصول على الرخصة الثالثة للمحمول.
فوافقت الشركة طبقًا للرواية، ولكن رجع المشير طنطاوي وضاعف هذا المبلغ وكان هذا مزامن لزيارة يقوم بها مبارك لدولة الإمارات يصحبه رشيد بها، وكان هذا الملف ضمن الملفات التي سيبحثها مبارك بزيارته فأخبره رشيد بما كان من المشير طنطاوي فاتصل مبارك بالمشير طنطاوي مباشرة ليبلغه بالأمر المباشر إلغاء اشتراط الدفع للقوات المسلحة.
ومن ثم تم تخفيض المبلغ الذي حصلت عليه القوات المسلحة من شركة اتصالات إلى 50 مليون دولار أودعت ضمن وديعة القوات المسلحة التي بدأ تكوينها منذ حرب الخليج.
ويعلق رشيد على تلك القصة عندما يرويها لمن يقابله أن هذا الحادث تحديدًا كان سبب هروبه من مصر بعد ثورة يناير، إذ أن هذا الحادث جعل رشيد ضمن المغضوب عليهم من قيادة الجيش التي تولت السلطة بعد ثورة يناير، وهنا عادل حمودة يروي تلك القصة إجمالًا، ويقول أنه سمعها مباشرة من رشيد ولكن ليس بالتفاصيل التي ذكرناها.
وعمومًا بالرغم من أن تلك الرواية تحتاج إلى مزيد من التدقيق، إذ أن لها مصدر واحد فقط، وهو رشيد نفسه، ولكن لها بعض الجوانب المنطقية وبعضه مبالغة على الأرجح.
فمن الصعب تصور قرارات الدولة تدار بهذا الشكل البدائي وأن مبارك لم يكن ليعرف باشتراط طنطاوي هذا لو لم يبلغه به رشيد صدفة، ولكن دلالة القصة المنطقية هي ما تدل عليه من أن التنافس بين الجيش والمخابرات على قطاع الاتصالات في تلك الفترة لم يكن ينطوي على إمكانية دخول الجيش أو اختراقه لهذا القطاع، ولكن الجيش هو من يستطيع أن يمنع أو يسهل أي نشاط بهذا القطاع وفقط.
وهو ما كان يسبب صدام بين طنطاوي وحكومة نظيف ككل خاصة نظيف نفسه، وأي وزير عمله مرتبط بقطاع الاتصالات ومنهم رشيد كما وضحنا ثم لاحقا بعد 30 من يونيو عمل الجيش على إعادة ترتيب تلك العلاقة كما سنبين.
على كل بالرجوع لأصل الحديث فذكرنا أن المخابرات العامة تهيمن على دوائر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة الوزراء وهيئة الاستعلامات، بينما وزارة الداخلية تهيمن على قاعدة بيانات الرقم القومي وتتداخل معها أحيانًا كما في مثال احتكار مجدي راسخ لكابلات الإنترنت والاتصالات السابق، فهذا الخط كان من المفترض أن يمر بجانب خط أنابيب البترول سوميد والذي تؤمنه الداخلية، فكانت الداخلية ستأخذ أيضَا حصة تأمين هذا الخط.
بالنسبة للجيش فلديه شبكة اتصالات خاصة به خارج اتصال الشبكة العامة وقد تم تأسيسها بعد حرب الخليج.
وإجمالاً فعدد الترددات المتاحة للاتصالات 12 مدى تردد منهم ثلاثة لكل من الجيش والشرطة.
كانت تلك هي تقسيم النفوذ بهذا القطاع حتى وقت قريب ولكن تغير الأمر حاليًا، فكما نوهنا بالحلقات السابقة يسعى الجيش الآن أو المخابرات الحربية لبناء قاعدة البيانات الخاصة به، وبدأ هذا من خلال سيطرته على إنجاز مشروع قاعدة بيانات البطاقات الذكية للتموين والبنزين ولكن تلك ليست نهاية المسألة، فعندما بدأ طرح إنشاء رخصة رابعة للمحمول ودخول الجيل الرابع من إنترنت المحمول لمصر سعى الجيش لتأسيس الشركة الرابعة بدلاً من أن تحصل المصرية للاتصالات على الرخصة الرابعة التي تقع بدائرة نفوذ المخابرات.
وكانت الفرصة السانحة لهذا تأتي من أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات كان يريد هو الآخر فرض جباية على شركات الاتصالات الثلاثة وذلك عن طريق الاستحواذ على حصة من الترددات الممنوحة للثلاث شبكات لإقامة الشبكة الثالثة واللافت أن الشركات الثلاثة هي الأخرى مدركة للتنافس بين الجيش والمخابرات بهذا المجال، لهذا نشرت استغاثة بالأهرام للسيسي لينقذها من “ظلم” الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والشركة المصرية للاتصالات وكان هذا عقب الثلاثين من يونيو بفترة وجيزة ولم يصبح السيسي بعد رئيس!
وتطورت الأزمة مع طرح رخصة الجيل الرابع، حيث اعترضت الشركات الثلاثة على أن الترددات الممنوحة لهم لا تكفي لتكوين الشبكة المشغلة للرخصة الرابعة وكذلك اشتراط الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الحصول على نصف ثمن الرخصة بالدولار.
وحينها تم التهديد بأن تمنح الرخصة الرابعة لشركات عالمية وكان المقصود حينها شركة زين السعودية ولكن تم حل تلك الأزمة مؤخرًا ورضخت الشركات لكل تلك الاشتراطات.
وتجدر الإشارة أن هذا الحل والتسوية قد تم تزامنًا مع أو بعد مؤتمر ict 2016
بالقاهرة والذي أطلقه السيسي مؤخرًا ونتج عنه تنظيم صناعة الإلكترونيات في مصر بإشراف مشترك بين وزراة الاتصالات ووزارة الإنتاج الحربي.
ومن ثم كمثال تم إنشاء الشركة المصرية الصينية للإلكترونيات كشراكة بين شركة قطاع خاص وهي سيكو للإلكترونيات وواحة سيليكون وهي تابعة لوزارة الاتصالات وشركة صينية وهي ميجان.
وشركة سيكو هي شركة عاملة بمجال صناعة الإلكترونيات في مصر منذ ما يقرب من 50 سنة ولكنها لم تكن من الشركات الرائدة أو السيادية بهذا القطاع ومن ثم فتحليلنا أنها ممن نسميهم الصاعدين الجدد أو نخبة رجال الأعمال التي يكونها الجيش ومثلهم في قطاع الإلكترونيات مثل معتز السعيد النائب في البرلمان ورئيس غرفة التجارة المصرية الصينية وابنه أحمد معتز السعيد من خلال مجموعتهم يونيون جروب التي يديرها الأخير والتي يقال إنها كانت الوسيط في صفقة تكييفات جالنز الصينية التي استوردها الجيش المصري والتي سيتم تجميعها في مصنع حلوان التابع للإنتاج الحربي.
فهنا كخاتمة يجب تذكر ما كنا نوهنا له من شراكة بين مجموعة الخرافي ووزارة الإنتاج الحربي لتكوين الشركة العربية لصناعة الكومبيوتر بمدخلات إنتاج صينية كذلك من خلال شركةaopen .
وهي التي حاولت حكومة محمد مرسي الدخول على خطها من خلال مشروع تابلت إينار بالشراكة مع شركة أخرى تساهم بها وزارة الإنتاج الحربي وهي بنها للصناعات الإلكترونية ولم يفلح الأمر على كل الحال.
الشاهد أن من خلال هذا يضمن الجيش امتلاك خطوط الإنتاج لتصنيع الأجهزة التي تستقبل إنترنت الجيل الرابع والشق الآخر عن طريق شركة وسيطة هي سيكو ويسيطر على العملية بكاملها كذلك، متزامنًا مع هذا وقبيل إطلاق مؤتمر آي تي سي بمصر نهاية العام الماضي طرح السيسي إنشاء قاعدة بيانات متكاملة وواحدة تشمل جميع مؤسسات الدولة وتعاملات المواطنين معها تكون تحت إشراف الرئاسة والجهات المعنية والتي منها الجيش.
فهنا ليس فحسب سيكون للجيش قاعدة بياناته الخاصة به من خلال إشرافه على منظومة الكروت الذكية للدعم في مقابل إشراف وزارة الداخلية على قاعدة بيانات الرقم القومي وفي مقابل ذلك إشراف المخابرات العامة على قاعدة بيانات المصرية للاتصالات، وإنما سيتم تكوين قاعدة بيانات موحدة تشمل الدولة وما سيتم إنشاؤه من قواعد بيانات مستقبلية كقاعدة بيانات وزارة الاستثمار لتكوين نظام الشباك الواحد للمستثمرين وغيره، كلها يكون للجيش مشاركة في الإشراف عليها، والملاحظ في هذا أنه تم دعوة جهات ليس مناط بها تكوين قاعدة البيانات مثل هيئة الرقابة الإدارية لتكون مشرفة على الموضوع، وقد شرحنا بحلقات سابقة توزيع النفوذ بين الجيش والمخابرات العامة في هيئة الرقابة الإدارية وسنورد تفاصيل أكثر في الحلقة القادمة.
وبهذا تمت التسوية بين الجيش والمخابرات بقطاع الاتصالات، وأساس تلك التسوية ليس فحسب على أساس توفير حصص للجيش بهذا القطاع، وإنما أيضًا إعادة تنظيم قطاع المعلومات والاتصالات، بحيث يضمن النظام السياسي عدم وجود حرية معلومات بل مراقبة وتحكم كامل في كل ما يتدفق من معلومات داخل كيان الدولة المصرية، وأن يكون الجيش ممثلًا بوزارة الانتاج الحربي والمخابرات الحربية المشرف الأول على جميع عمليات تداول المعلومات تلك.
لقراءة موضوعات ملف جنرالات الذهب كاملة اضغط هنا.