علاقات دبلوماسية متوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، قد يزيدها ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، سخونة بسبب تصريحاته وتصرفاته المستفزة بحقها والتي من الممكن أن تنقلب إلى مواجهة اقتصادية حامية الوطيس بين البلدين غير الصديقين.
دونالد ترامب الذي تسبب وصوله إلى البيت الأبيض في صدمة لدى المتابعين والمراقبين لمسار الأحداث في العالم، كان قد صرح في أكثر من مرة بأنه سيضع حدًا للنفوذ والصعود الصاروخي الصيني في العالم.
ففي بداية شهر ديسمبر الماضي، نشر الرئيس الأمريكي المنتخب مجموعة من التغريدات عبر حسابه على تويتر، انتقد فيها سياسات الصين النقدية وعملياتها في بحر جنوب الصين، متسائلاً في إحداها “هل سألتنا الصين إن كان يجب خفض قيمة عملتها وبناء مجمع عسكري هائل؟ لا أظن!”
ساكن البيت الأبيض الجديد الذي تقف العقلية الاقتصادية الربحية وراء تصريحاته وتحركاته، عاد لمهاجمة الصين مرة أخرى مطلع الشهر الماضي، حيث اتهمها بالاستفادة من علاقاتها الاقتصادية مع بلاده مقابل عدم مساعدتها في السيطرة على تصرفات كوريا الشمالية.
وقال ترامب عبر حسابه الرسمي بموقع التغريدات القصيرة “تويتر”: “تأخذ الصين مبالغ طائلة وتجني ثراءً فاحشًا من الولايات المتحدة في تبادل تجاري أحادي الجانب بشكل مطلق، ولكنها لا تساعد فيما يتعلق بكوريا الشمالية، شيء جميل حقًا!”.
كشفت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية عن نشر بلادها أحدث الصواريخ الباليستية الصينية “DF41” في مقاطعة هيلونغجيانغ المجاورة لروسيا، مشيرة إلى أن هذه الخطوة مرتبطة بموقف ترامب
وأمام هذه التهديدات، وتحديدًا في 23 من الشهر الماضي، كشفت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية عن نشر بلادها أحدث الصواريخ الباليستية الصينية “DF41” في مقاطعة هيلونغجيانغ المجاورة لروسيا، مشيرة إلى أن هذه الخطوة مرتبطة بموقف ترامب الذي سبق له أن هدد باتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه الصين وطموحاتها لتوسيع حدودها البحرية.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير العسكري الروسي قسطنطين سيفكوف رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية في موسكو، أن نشر الصوارخ الباليستية الصينية العابرة للقارات قرب الحدود الروسية، لا يهدد روسيا بأي شكل من الأشكال، مؤكدًا أنها موجهة ضد الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أنه في الوقت الذي يستعد فيه الاقتصاد الصيني ليتجاوز اقتصاد الولايات المتحدة في الحجم وليس في مستوى التطور، يبدو وبوضوح أن العلاقة الصينية – الأمريكية تتجه نحو مستقبل يكتنفه الغموض، وكثيرًا ما يرى الطرفان في “انعدام الثقة” أحد العوامل المؤثرة على العلاقة بينهما، ولكن ربما ميزان القوى ونماذج الحكم المختلفة تمامًا بين البلدين من العوامل الأكثر تأثيرًا في هذا الشأن.
ويعتقد آخرون أن النمو المتسارع للاقتصاد الصيني يُخيف الشركات الأمريكية، ويولّد الخشية لدى إدارة ترامب الجديدة من وصول بكين إلى مكانة تسمح لها بمنافسة واشنطن في ملفات دولية كبيرة، ومنها ملفات أمنية وعسكرية تعتبرها من الثوابت التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، خصوصًا على سبيل المثال، حرية الحركة في بحر الصين الجنوبي، حيث تنظر إليه واشنطن على أنه مياه دولية عامة، بينما أصبحت بكين تعتبره جزءًا أساسيًا من مياهها الإقليمية.
تسبب إجراء الرئيس الأمريكي الجديد لمحادثات هاتفية مع رئيسة تايوان تساي إنج وين التي هنأته بالفوز في الانتخابات، في استفزاز الشريك التجاري الأكبر والأقوى
من جهة أخرى، تسبب إجراء الرئيس الأمريكي الجديد لمحادثات هاتفية مع رئيسة تايوان تساي إنج وين التي هنأته بالفوز في الانتخابات، في استفزاز الشريك التجاري الأكبر والأقوى، حيث أبدت الصين احتجاجها الرسمي على المحادثات، معبرة عن قلقها الشديد من التقارب بين الولايات المتحدة وتايوان، معربة عن شكوكها بالتزام الرئيس الأمريكي الجديد بسياسة الصين الموحدة، في حين أكد البيت الأبيض تمسكه بـ”سياسة الصين الموحدة”، بينما أعلنت حملة ترامب من جانبها أن مكالماته الهاتفية قبل تولي منصب الرئاسة رسميًا لا تعتبر جزءًا من السياسة الخارجية الأمريكية، وأنها تُجرى لتلقي التهاني فقط.
وتشهد العلاقات بين الصين وتايوان، توترًا كبيرًا، كما تعتبر العلاقات الأمريكية التايوانية منقطعة بعد إغلاق سفارة الولايات المتحدة في تايوان منذ عام 1979، بناءً على طلب من بكين، ويعتبر ترامب الرئيس المنتخب الأول الذي يتحادث دبلوماسيًا مع تايوان منذ نحو 4 عقود.
وفي إطار تعليقه على سياسة ترامب الاستفزازية ضد الصين، يقول ستيفن أس روتش عضو هيئة التدريس في جامعة ييل ورئيس بنك مورغان ستانلي في آسيا سابقًا ومؤلف كتاب “العلاقة غير المتوازنة: الاعتماد المتبادل بين أمريكا والصين”: “إدارة ترمب تلعب بذخيرة حية، وهو ما يشي بتداعيات عالمية خطيرة، ويتجلى هذا بأكبر قدر من الوضوح في الرد الصيني المتوقع على نوبة استعراض العضلات الأمريكية الجديدة، وفريق ترمب لا يبدي اهتمامًا برد فعل الصين على تهديداته، ظنًا منه أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تخسره وبوسعها أن تكسب كل شيء”.
سواء شئنا أم أبينا، تلتحم أمريكا والصين في علاقة اقتصادية تقوم على الاعتماد المتبادل، فالصين تعتمد على الطلب من الولايات المتحدة على صادراتها، ولكن الولايات المتحدة أيضًا تعتمد على الصين، فالصين تملك ما تزيد قيمته على 1.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية
ويضيف في مقال له بصحيفة “بروجيكت سينديكيت”: “للأسف.. فسواء شئنا أم أبينا، تلتحم أمريكا والصين في علاقة اقتصادية تقوم على الاعتماد المتبادل، فالصين تعتمد على الطلب من الولايات المتحدة على صادراتها، ولكن الولايات المتحدة أيضا تعتمد على الصين، فالصين تملك ما تزيد قيمته على 1.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية وغير ذلك من الأصول الدولارية، وعلاوة على ذلك، تعد الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الأمريكية (بعد كندا والمكسيك) والسوق الأكثر توسعًا، وهي شديدة الأهمية للاقتصاد الأمريكي المتعطش للنمو، ومن الحماقة أن نتصور أن أمريكا تحمل كل الأوراق في هذه العلاقة الاقتصادية الثنائية”.
وفور وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ذكر صندوق باين ريفر تشاينا في تقريره لشهر ديسمبر الماضي أن الصين ستكون في موقف أقوى من الولايات المتحدة إذا اندلعت بينهما حرب تجارية، وقال البروفيسور جيمس وانغ الذي كتب التقرير: “صناع القرار في الدول الديمقراطية يواجهون صعوبات في تنسيق جهود الدعم، وسيواجهون في النهاية عواقب سياسية بسبب تأثيرات (الحرب التجارية) على المنتجين المحليين”، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة، ولذلك فهو يرى أن الصين ستكون أقدر على خوض حرب تجارية طويلة الأمد.
في الأخير يمكننا القول إن ملف العلاقات الصينية – الأمريكية، سيكون أحد الملفات المهمة والأكثر إثارة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة التي ترى في الصين خصمًا اقتصاديًا صلبًا، نما دخله المحلي الإجمالي السنوي بخُطى مُتسارعة، وقد أصبح الثاني في العالم بعد أن تجاوز الـ9000 مليار دولار.