فرضت منطقة القرن الإفريقي نفسها على دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي لما تتميز به من موقع جيوسياسي استراتيجي هام، إذ تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، وهو ما أهلها لأن تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى الغرب، كما أنها تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوربا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي.
الأهمية المحورية للقرن الإفريقي دفعت العديد من القوى الإقليمية والدولية لمحاولة إيجاد موضع قدم في هذه المنطقة التي تضم كلا من الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وإريتريا، كان أخرها دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك عبر بناء قاعدة عسكرية لها في الصومال.
قاعدة بربرة العسكرية
بالأمس أقر البرلمان الصومالي بغرفتيه – النواب والشيوخ- الموافقة على قرار إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد، وذلك بموافقة 144 نائباً، في مقابل رفض خمسة من أصل 151 نائباً حضروا جلسة التصويت على القرار.
وتقع مدينة بربرة شمال غرب الصومال. وكانت لعدة قرون عاصمة لأرض الصومال وأيضًا العاصمة الاستعمارية للصومال البريطانية من عام 1870 حتى 1941، وتعود أهميتها إلى موقعها الاستراتيجي الذي يربط ما بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي، كما أنها الميناء الوحيد المتواجد في الساحل الجنوبي من خليج عدن، لذا فهي تعد المركز التجاري الأكبر للصومال حتى الآن.
أقر البرلمان الصومالي بغرفتيه – النواب والشيوخ- الموافقة على قرار إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد، وذلك بموافقة 144 نائباً
وهناك محاولات لتحول ميناء بربرة إلى مركز تجاري ومرفأ أساسي لحركة الملاحة البحرية في تلك المنطقة، ما يساهم وبحسب خبراء في كسر احتكار ميناء جيبوتي لحركة السفن، ما سيشكل نقطة تحوّل اقتصادية وسياسية وعسكرية مهمة في القرن الأفريقي.
لم يكن قرار بناء قاعدة عسكرية في تلك المدينة الواقعة شمال غرب الصومال هو التواجد الأول أو الوحيد للإمارات في هذه المدينة، ففي العام الماضي، حصلت شركة “موانئ دبي” على امتياز إدارة مرفأ بربرة لمدة 30 عامًا بهدف تأهيل البنية التحتية له، وتسهيل حركة نقل البضائع ومرور الشاحنات عبر الطريق الذي يربط بين بربرة الصومالية والحدود الإثيوبية وذلك بإجمالي استثمارات بلغت 442 مليون دولار.
ميناء بربرة الصومالي الميناء الوحيد المتواجد في الساحل الجنوبي من خليج عدن
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي
نجحت الإمارات منذ عام 2005 وحتى الآن في بسط نفوذها داخل منطقة القرن الإفريقي بصفة خاصة، وذلك من خلال الاستثمارات الضخمة والمتنوعة من جهة، وتوثيق علاقات التعاون الأمني مع دول القرن من جهة أخرى، وهو ما تجسد في حضور إماراتي واسع النطاق في الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وإريتريا، وغيرها من الدول المجاورة مثل السودان وكينيا وأوغندا والتي تتأثر بشكل كبير بكل ما يدور في منطقة القرن.
وفي جولة سريعة على أبرز مظاهر النفوذ الإماراتي في هذه المنطقة، يلاحظ أن الإمارات قد وقعت خلال السنوات الأخيرة عددًا من عقود استئجار موانئ ومطارات فضلا عن بناء قواعد عسكرية، وإدارات بعض المرافئ وغيرها من استراتيجيات الحضور المكثف في مختلف دول المنطقة شمالا وجنوبًا.
الصومال: وقعت الإمارات عقد إيجار طويل الأجل للموانئ بشمال البلاد، وذلك عن طريق الاتفاق الذي وقعته شركة “دي. بي. وورلد” التابعة لإمارة دبي، بشأن إدارة ميناء بربرة، بعقد يمتد لـ30 عاماً، كذلك إضافة إلى القاعدة العسكرية التي تم إقرارها من قبل البرلمان الصومالي أمس في نفس المدينة.
إريتريا: نجحت الإمارات في توقيع عقد إيجار للاستخدام العسكري لميناء عصب الإريتري والمطار الرئيسي لمدة 30عامًا، مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه، وهو ما ساعد في تحول هذه المنطقة إلى قاعدة عمليات رئيسية للقوات الإماراتية المشاركة في الحرب ضد اليمن كما سيرد ذكره لاحقًا.
جيبوتي: في 2005 وقعت اتفقت الإمارات مع جيبوتي على إدارة ميناء جيبوتي، واستخدام المطار الرئيسي في العمليات العسكرية بالتنسيق مع الجانب الجيبوتي، إلا أن بعض المناوشات التي حدثت بين بعض الدبلوماسيين الإماراتيين ومسئولي الأمن الجيبوتي أسفرت عن توتر العلاقات بين البلدين، وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية، ما أسفر عن توقف العمل في الميناء، لكن سرعان ما عادت الأمور مجددًا وتم اعتماد الاتفاق الأول الموقع في 2005.
وفي سياق متصل، وفي إطار حرص الإمارات على بسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي من الجانبين، الجزء المنتمي للقارة الإفريقية ناحية الغرب، والجزء المقابل لها ناحية اليمن من الشرق، نجحت الإمارات في استئجار جزيرة سقطري لمدة 99 عامًا حسب الاتفاق الموقع بين الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي وممثلين عن الجانب الإماراتي، وقد أثار هذا الاتفاق جدلا واسع النطاق حسبما تردد في بعض وسائل الإعلام حينها.
وتتمتع سقطرى بأهمية إستراتيجية كبيرة نظرا لموقعها الجغرافي المميز، فهي أرخبيل يمني مكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية، لذا كانت دومًا محط أنظار القوى الدولية.
لماذا القرن الإفريقي؟
في تقرير نقله موقع “العربي” نقلا عن موقع ” Tacticalreport” أشار إلى رغبة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، في المشاركة جنباً إلى جنب مع القوات البحرية الحليفة، الأمريكية والمصرية، في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب.
بن زايد وبحسب التقرير، كشف عن استهدافه تعزيز دور البحرية الإماراتية في حماية المضيق الآن وفي السنوات القادمة، ضمن خطة دولته لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.
الموقع المصنف بأنه استخباراتي نقل عن مصادر مقربة من القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية أن هناك اتصال دائم بين بن زايد ووزارة الدفاع الأمريكية وذلك لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في هذه المنطقة، مضيفًا أن النفوذ الإماراتي -المدعوم أمريكيا – في القرن الإفريقي يعتمد على إستراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال.
بن زايد وبحسب التقرير، كشف عن استهدافه تعزيز دور البحرية الإماراتية في حماية المضيق الآن وفي السنوات القادمة، ضمن خطة دولته لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.
الحضور الإماراتي في دول إريتريا والصومال وجيبوتي، جاء في سياق التنافس الإقليمي والدولي على هذه المنطقة، ولم تكن الأهداف العسكرية فيما يتعلق بدعم القوات الإماراتية المشاركة في حرب اليمن، والحفاظ على تأمين المدن الجنوبية اليمنية التي سيطرت عليها القوات الإماراتية، هي الأهداف الوحيدة لمساعي الإمارات تعزيز نفوذها في هذه الدول.
اقتصاديًا: تطل هذه المنطقة على أكبر الممرات المائية في العالم في حركة التجارة العالمية ونقل البضائع، حيث تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهكذا بات الاستثمار في تلك المنطقة فرصة كبيرة للتربح والكسب المادي.
سياسيًا: الموقع الجيوسياسي لهذه المنطقة حباها بأهمية سياسية وإستراتيجية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالقرب من الحدود اليمنية ومراقبة العمليات هناك، سياسية كانت أو عسكرية، إضافة إلى تحجيم وتطويق المد الإيراني في تلك الممرات الحدودية الخطيرة.