في إصدارين منفصلين، خيّر تنظيم الدولة الإسلامية فتح جبهة حرب جديدة، أهدافها دعاة وعلماء من مختلف البلدان العربية هذه المرة، اختلفت مناهجهم الفكرية واتجاهاتهم العقائدية، ولكنهم توحدوا في الوقوف صفا واحدا ضده.
إصداران منفصلان، الأول بثه المكتب الإعلامي لولاية نينوى والثاني لولاية الخير بعده بيومين، عرض فيهما التنظيم مقارنة غير متوازنة بين “علمائه” ومن أسماهم بـ”عملاء الطواغيت”، بدأهما بتصريحاتهم المعادية له، وختمهما بالدعوة إلى تصفيتهم وقتلهم حتى بين عائلاتهم.
اللافت في الإصدارين هذه المرة، أنها المرة الأولى التي يدعو فيها التنظيم أنصاره غير القادرين على الالتحاق بـ”أرض الخلافة”، إلى قتل العلماء والدعاة المخالفين له، فرغم هجومه المستمر عليهم في أغلب مواده الدعائية، صوتية ومرئية كانت أو مكتوبة، إلا أنه لم يسبق له أن دعا أنصاره جهرا إلى قتلهم، ما يشير إلى دخول “صراع الإسلاميين”، مرحلة الرصاص والقصاص بعد سنوات من حرب الأفكار والكتب والبيانات.
إن المتأمل في مسار الحرب الفكرية التي تخوضها الحكومات خاصة العربية منها، لصد الحملة الدعائية للجهاديين وتنفير الناس منهم ومن معتقداتهم بحجة مخالفتهم لصحيح المنقول وصريح المقعول، سيلاحظ تباينا شديدا في موازين القوى، فدعاة “الوسطية ونبذ الغلو” سخرت لهم دولهم إمكانيات مادية ولوجستية ضخمة بهدف “كشف شبهات التكفيريين”، لكن في مقابل ذلك، وجد الجهاديون أنفسهم في موقع العاجز عن صد هذه الحملات الفكرية لقلة الامكانيات والحصار الخانق عليهم على كل الأصعدة.
إصداره “فقاتلوا أئمة الكفر” الصادر عن “ولاية الخير”، حاول تنظيم الدولة الإسلامية بطريقة “مونتاج” محترفة، إظهار الدعاة المخالفين له في موقف “المداهنين المرقّعين للطواغيت”
في إصداره “فقاتلوا أئمة الكفر” الصادر عن “ولاية الخير”، حاول تنظيم الدولة الإسلامية بطريقة “مونتاج” محترفة، إظهار الدعاة المخالفين له في موقف “المداهنين المرقّعين للطواغيت”، فتارة يستعرض تصريحاتهم المرئية وصورهم وعلاقاتهم “المشبوهة”، وطورا يقتبس تصريحاتهم في الصحف، والتي تدعو في مجملها إلى “وجوب إطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه” إضافة إلى “عدم وجوب الجهاد إلا بإذن ولي الأمر وضرورة التبليغ عن المجاهدين”.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد كل مقطع استعراض للصور والفيديوهات والاقتباسات، يخرج “خطيبا الدولة” في محاولة منهما لنزع “الشرعية الدينية” عن “عملاء الطواغيت”، وذلك من خلال خطبة قصيرة اختيرت كلماتها بعناية فائقة، بهدف إقناع “أنصار الخلافة” والمتردّدين عن نصرتها، بأن “دولتهم” على الحق، وكل من خالفها على البطل.
إصدار ولاية نينوى “عملاء لا علماء”، قارن التنظيم بين “علمائه” على غرار أبي محمد العدناني وأبي علي الأنباري وغيرهما، وبين “عملاء الطواغيت” من أمثال محمد العريفي وسلمان العودة وعبد العزيز آل شيخ وغيرهم
أما في إصدار ولاية نينوى “عملاء لا علماء”، قارن التنظيم بين “علمائه” على غرار أبي محمد العدناني وأبي علي الأنباري وغيرهما، وبين “عملاء الطواغيت” من أمثال محمد العريفي وسلمان العودة وعبد العزيز آل شيخ وغيرهم، مستعرضا جملة من المحطات التي عاشها رموزه، والتي انتهت بمقتلهم جراء المعارك الدائرة في العراق وسوريا أو نتيجة قصف طائرات التحالف الدولي.
تزامنا مع توزيعه الإرهاب في أنحاء العالم، لم يتخلّ تنظيم الدولة هذه المرة عن ثقافة “لامركزية الأهداف”، فرغم أن كبار علماء السعودية، هم ألدّ خصومه والقوة الضاربة في حرب النصوص والدلائل الشرعية عليه، إلا أن التنظيم لم يركّز في خطابه التحريضي على دعاة الحجاز فقط، فبعض مشايخ مصر على غرار محمد حسان والمفتي السابق علي جمعة وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بالإضافة إلى الداعية اليمني الصوفي الحبيب علي الجفري والسوري محمد راتب النابلسي والأردنيين علي الحلبي أمجد غورشة، هم “شركاء في الحرب الصليبية” ضده، وفق تصوّره، لذا وجب “تصفيتهم” و”تخليص الأمة من شرورهم” .
من المثير للانتباه في هذين الإصدارين، خلوّه من “التأصيلات الشرعية” التي كان التنظيم يوليها الجانب الأهم من حربه الدعائية، ففي أكثر من مناسبة، حشد تنظيم الدولة “الأدلة الشرعية” باستفاضة لإقناع أنصاره والمتعاطفين معه بصحة أحكامه، فتراه يستدل بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة والعلماء السابقين لإضافة الصبغة الشرعية على أفعاله وخاصة في باب “القصاص والحدود والجنايات”.
رغم أن الحرب الكلامية بين قياديي “الدولة” ورموز التيار الجهادي على غرار أبي محمد مقدسي وأبي قتادة الفلسطيني قد وصلت إلى حد “التبديع” و”التفسيق”، إلا أن تنظيم الدولة لم يكفّر هذين الرمزين رغم خلافه الكبير معهما، وهو ما يمكن أن يكون رسالة مضمونة الوصول إليهما بأننا لا نكفركم حتى وإن صرّح بعض أنصارنا بذلك علنا
من جهة أخرى، ورغم أن الحرب الكلامية بين قياديي “الدولة” ورموز التيار الجهادي على غرار أبي محمد مقدسي وأبي قتادة الفلسطيني قد وصلت إلى حد “التبديع” و”التفسيق”، إلا أن تنظيم الدولة لم يكفّر هذين الرمزين رغم خلافه الكبير معهما، وهو ما يمكن أن يكون رسالة مضمونة الوصول إليهما بأننا لا نكفركم حتى وإن صرّح بعض أنصارنا بذلك علنا، كما أن ظهور الزعيم السابق لزعيم القاعدة أسامة بن لادن في الإصدارين من خلال مقاطع القطع، كان رسالة أخرى إلى خلفه أيمن الظواهري، يبدو أن مفادها “شتّان بينك وبين أسامة”.
تنظيم الدولة الإسلامية أصبح يشعر بحصار كبير ضاق به ذرعا بسبب خطابات وفتاوى مشايخ المسلمين المناهضة له، فالطائرات التي لا تغادر سماء الأراضي التي يسيطر عليها مستندها فتاوى “كبار العملاء” وفق تصوّره، كما أن “الجواسيس” المتربّصين بكبار قياداته ومقرّاته، يستند بعضهم على فتاوى الداعية السعودي “عبد العزيز الفوزان”، بحسب ما جاء في الاعترافات التي بثها التنظيم لأحد المتعاونين مع التحالف الدولي، وهو ما ساهم بشكل كبير في تحقيق القوات والميليشيات التي تقاتله على الأرض لتقدّم كبير في سوريا والعراق وليبيا.
يمكننا القول، إن اجتماع علماء المسلمين ودعاتهم رغم اختلاف اتجاهاتهم الفقهية وأصولهم العقديّة صوفية وأشاعرة وسلفيين، على إعلان الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والتصدّي لدعايته عبر دعاية مضادّة أتت أكلها في جوانب كثيرة
في الأخير يمكننا القول، إن اجتماع علماء المسلمين ودعاتهم رغم اختلاف اتجاهاتهم الفقهية وأصولهم العقديّة صوفية وأشاعرة وسلفيين، على إعلان الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والتصدّي لدعايته عبر دعاية مضادّة أتت أكلها في جوانب كثيرة، عجّل في انتقال التنظيم إلى المرحلة التالية من “الحرب اللامتوازنة” عبر استهداف “عملاء الإسلام” و”حمير العلم” بدل “قتل المباحث والمخابرات”، وهو ما يؤكد دخول “صراع الإسلاميين” في مرحلة “الرصاص والقصاص” من بعضهم، بعد انتهاء مرحلة “الردود الشرعية على الخوارج والمرجئة والحرورية”.