يوما بعد يوم يتنامى الشعور لدى الأحزاب الاشتراكية الفرنسية بارتفاع شعبية مارين لوبان. وإليكم عشرة أسباب لتنامي هذا الإحساس لدى منافسي مارين لوبان على رئاسة فرنسا.
لقد انتشرت المخاوف داخل أسوار الحزب الاشتراكي الفرنسي من إمكانية فوز زعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، بالانتخابات الرئاسية الفرنسية. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، لعل من أبرزها أن كل الظروف تصب في مصلحتها، إضافة إلى ضعف حظوظ المرشح الاشتراكي، بونوا أمون. مع العلم أن جان كريستوف كومبادولي كان أول الاشتراكيين الذين أحسوا بتقدم حزب الجبهة الوطنية اليميني على باقي الأحزاب، منذ عدة أشهر، لكن لم تلق تحذيراته آذانا صاغية.
جاءت فضيحة المرشح الأبرز، فرنسوا فيون، لتقلب موازين القوى بين المرشحين في سباق الرئاسة نحو قصر الإليزيه
بعد ذلك، جاءت فضيحة المرشح الأبرز، فرنسوا فيون، لتقلب موازين القوى بين المرشحين في سباق الرئاسة نحو قصر الإليزيه. وفي هذا الصدد، قدم كومبادولي جدولا وصف “بالمروع”، يتحدث فيه عن الوضعية السياسية الحالية لحزب الجبهة الوطنية. وقد بين العضو في الحزب الاشتراكي، كومبادولي، 10 أسباب تخدم مارين لوبان، وتجعلها على مقربة من الظفر برئاسة الجمهورية الفرنسية.
1) ترامب كمرجع
يمثل فوز المرشح غير النخبوي، دونالد ترمب، برئاسة الولايات المتحدة التي تمثل بدورها أحد أهم وأقدم الديمقراطيات في العالم، تأكيدا بأن أيديولوجية الشعبوية بإمكانها أن تتغلغل بسهولة في صفوف شعب مثقف وواعٍ. علاوة على ذلك، فإن شعار ترامب “أمريكا أولا” لا يختلف كثيرا عن شعار مارين لوبان في فرنسا “الأسبقية للوطنية”. في المقابل، لا يعني ذلك أن نقول بأن شخصية لوبان مشابهة كليا لشخصية ترمب، فهذا الأخير يتميز بسيكولوجية غير مستقرة، بعكس المرشحة الفرنسية.
لوبان كثيرا ما اتخذت من فوز ترمب برئاسة البيت الأبيض مرجعا في خطاباتها، حيث قالت: “أنا أيضا مثل ترمب، سأفي بوعودي، فإذا صوتم لي فلن أخونكم على أرض الواقع”
وتجدر الإشارة إلى أن لوبان كثيرا ما اتخذت من فوز ترمب برئاسة البيت الأبيض مرجعا في خطاباتها، حيث قالت: “أنا أيضا مثل ترمب، سأفي بوعودي، فإذا صوتم لي فلن أخونكم على أرض الواقع”.
2) انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ليست بالمصيبة الكبرى
تتخذ لوبان من انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي حجة قوية، خاصة بعد أن رُجّحت كفة نتائج استطلاع الرأي في المملكة المتحدة لصالح الانسحاب من الاتحاد حيث لم يؤثر ذلك على اقتصاد البلاد، ولم يهتز عرش الملكة، و”واصل نهر التايمز جريانه بلا توقف”. بمعنى أن الانسحاب لم يكن بمثابة المصيبة الكبرى التي حلت على الشعب الإنجليزي. في المقابل، لا يجب أن ننسى بأن المملكة المتحدة لم تنسحب رسميا من أحضان الاتحاد الأوروبي، فمفاوضات رحيلها لا زالت “تطبخ على نار هادئة”، كما لا زال الإنجليز يحترمون ويطبقون عدة معاهدات أوروبية.
فالانسحاب من الاتحاد الأوروبي ليس سوى مجرد انطباع أكثر منه فعل، وتبعاته لا يمكن أن تظهر سوى على المدى الطويل.
3) الجبهة الوطنية… ليست وحدها
بين سنتي 1990 و2000، لم يكن حزب الجبهة الوطنية سوى حزبا معارضا لا يُسمع له صوت. أما في الوقت الحاضر، تقدم مارين لوبان مشروعا اقتصاديا حسّن من صورتها أمام الشعب الفرنسي، إذ لم تعد الجبهة الوطنية بمثابة ذلك “الشيطان”، بل أصبحت ثالث أقوى الأحزاب السياسية في فرنسا. في المقابل، لم يخرج هذا التقدم على الصعيد المحلي الجبهة من عزلتها الإقليمية الأوروبية.
نحن نشهد تسونامي من الأيديولوجية الشعبوية القومية، يهدد الديمقراطية في القارة العجوز والعالم
أما في الوقت الراهن، فنحن نشهد تسونامي من الأيديولوجية الشعبوية القومية، يهدد الديمقراطية في القارة العجوز والعالم. فعلى سبيل المثال، من الممكن فوز اليميني خيرت فيلدرز في هولندا، رغم أن حظوظه باعتلاء الحكم ضعيفة، أو فوز حزب “النجوم الخمسة” في إيطاليا، وحزب “البديل من أجل ألمانيا”، وحزب “الحرية” النمساوي. مع العلم أنه منذ عدة سنوات، لم يكن لجل هذه الأحزاب تأثير على الساحة السياسية.
4) اليمين انتصر في المعركة الثقافية
وفقا للقراءة التاريخية للوضع السياسي، للفيلسوف الإيطالي، أنطونيو غرامشي، فإن الأحزاب الاشتراكية فهمت بأن المعركة الثقافية، التي كثيرا ما كانت تفوز بها الأحزاب اليسارية، قد تغيرت نتائجها منذ عشر سنوات لصالح اليمين.
فالنجاح الأدبي الذي حققه كل من الكاتبينِ إريك زمور، وفيليب دو فيلييه، هو أفضل تأكيد على هذا النجاح. في المقابل، لا زالت الإيديولوجية الاشتراكية تقاوم من خلال أدبائها، أمثال آلان فينكييلكرو، والفيلسوف ميشال أونفري، الذي حمل كتابه الأخير عنوان “الانهيار، من المسيح إلى بن لادن؛ حياة وموت العالم الغربي”. وبغض النظر عن كل ذلك، وفي حالة ظفر اليمين الكامل بالمعركة الثقافية في فرنسا، فإن ذلك يعني فوزه بالانتخابات.
5) الإسلام الراديكالي والإرهاب
يجب إدراك أن كل عملية إرهابية تحصل، تزيد من عدد المصوتين لصالح الجبهة الوطنية. فجل الأحزاب الفرنسية لا تقوى على مقاومة الإرهاب. وفي هذا السياق، علق عضو حزب “الجمهوريون” اليميني المعتدل، كريستيان إيستروزي، قائلا “لقد خسرت 10 نقاط أمام قائمة الجبهة الوطنية على لائحة استطلاعات الرأي، التي نظمت بعد هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2015”.
كما يؤكد إيستروزي ذلك بأن كل عملية إرهابية تمر بها فرنسا تعزز حظوظ الجبهة الوطنية بالظفر بنتائج الانتخابات، حيث أن الجبهة تعتمد ورقة معاداة المهاجرين سلاحا لمقاومة الإرهاب. وبذلك تكتمل أسلحة الجبهة الثلاث، وهي كالآتي: معاداة الهجرة، ومعاداة الإسلام، والحفاظ على الهوية الفرنسية.
6) ثمانية ملايين فقير
تعمل لوبان على قلب الطاولة في وجه منافسيها، من خلال لعب ورقة “ثمانية ملايين فقير فرنسي”. وقد اعتمدت مارين لوبان كثيرا على هذه الورقة خلال حملاتها الانتخابية السابقة، عدا الرئاسية منها. والجدير بالذكر أن لوبان تقدم نفسها كبديل لإيجاد حلول لأزمة الفقراء في فرنسا، مؤكدة أنه منذ سنة 1981، حكم اليمين على مدار 14 سنة، في حين أن اليسار تقلّد الحكم لفترة 22 سنة، إلا أنهما لم يظفرا بحلول جذرية للحد من نسبة الفقر في فرنسا.
ترى لوبان أن الحل للفقر يتمثل في الخروج من منطقة اليورو، والانسحاب من الإتحاد الأوروبي
في هذا الصدد، ترى لوبان أن الحل لهذه المعضلة يتمثل في الخروج من منطقة اليورو، والانسحاب من الإتحاد الأوروبي وهذا يعني أنها تريد إعادة بناء فرنسا على أنقاض سنوات من تداول السلطة بين كل من اليمين المعتدل واليسار، وجعل إنجازاتهم هباء منثورا.
7) نبذ الساسة
النقطة السابعة هي نتيجة حتمية لما أوردناه في النقطة السادسة. يعني أن فضيحة فرنسوا فيون وانعكاساتها المدوية على حظوظه في سباق الرئاسة، صبت في صالح مارين لوبان. مع العلم أن لوبان نفسها تعاني من فضيحة برلمانية في البرلمان الأوروبي، لكنها لم تؤثر على تقدمها على المستوى المحلي.
أما إذا تحدثنا عن معيار النزاهة بين المرشحين، وفي حال وقع التشكيك في نزاهة لوبان، فهي لن تتوانى عن اعتبار ذلك “مؤامرة ممنهجة” ضدها.
من جهته، يمثل فرانسوا فيون المرشح الوحيد القادر على إيقاف مارين لوبان، لكن فضيحته الأخيرة هزت صورته كثيرا في أعين الفرنسيين.
8) رفض الوحدة الأوروبية
يتحمل السياسيون الفرنسيون مسؤولية كبيرة حول تنامي الكراهية بين كل من أوروبا ومواطنيها. فقد أصبحت بروكسل (عاصمة أوروبا) منذ فترة “مكانا منفرا” بالنسبة للفرنسيين، الذين يرون أيضا أن بلادهم خاضعة لإملاءات الأوروبيين مما يشير إلى أن فرنسا قد تحولت إلى أحد أهم الدول الأوروبية التي فقدت هيبتها، بهدف إرضاء قوانين الاتحاد الأوروبي.
وقد استغلت الجبهة الوطنية هذا الموقف، حيث أنها نادت منذ سنوات بأن سياسة التقشف نابعة من إملاءات أوروبية، وأن الفرنسيين يمرون منذ 40 سنة بمستوى معيشي دون المتوسط، نتيجة ارتباط بلادهم بالاتحاد الأوروبي.
مما لا شك فيه، أن المشروع الأوروبي بلغ حد الكمال (وذلك ليس صحيحا). ففي أوروبا يوجد 28 عضوا، وهو ما سيصعب مهمة السيطرة عليهم خاصة وأن الديمقراطية البرلمانية ليست مبنية على نظام يساري ويميني، وإنما على أساس التسوية التي تعد أحد عناصر ثقافة المسرح السياسي الوطني (كما هو شائع في المجتمعات المحلية). كما أن الحجج التي يتم استعمالها في فرنسا دقيقة جدا، وهو ما يصعب عملية تبسيطها فأزمات الاتحاد الأوروبي هي عبارة عن رياح تهب على سفن الجبهة الوطنية، وتزيد من تقدمها بسرعة.
9) غياب نيكولا ساركوزي
على الرغم من تعدد “رذائل” ساركوزي، إلا أن باستطاعته إيقاف تقدم مارين لوبان. فساركوزي يجيد استعمال الخطابات الرنانة، من بينها تلك المنادية بالحفاظ على الأمن القومي الفرنسي إذ يتوجه في أغلب خطاباته إلى الشعب الفرنسي. لكن ذلك لم يعد يجدي نفعا، فالفرنسيون لم يعودوا مستعدين لسماع خطابات ساركوزي، الذي أصبحوا يرونه مجرد جمهوري لا يحب سوى سماع ألحان قيثار زوجته كارلا بروني. والجدير بالذكر أن انسحاب ساركوزي من السباق الرئاسي يخدم كثيرا مصلحة لوبان.
كان بإمكان فرانسوا فيون أن يضع حدا لتقدم لوبان، لولا الفضيحة الأخيرة خاصة أنه يعتمد في خطاباته لمسة من الإيديولوجية المحافظة، حيث اعتمد أيضا على نصائح ساركوزي
لقد كان بإمكان فرانسوا فيون أن يضع حدا لتقدم لوبان، لولا الفضيحة الأخيرة خاصة أنه يعتمد في خطاباته لمسة من الإيديولوجية المحافظة، حيث اعتمد أيضا على نصائح ساركوزي، التي تظهر للعيان من خلال تقارب البرامج الإصلاحية للمرشحين اليمينيين على غرار زيادة عدد قوات الأمن. في المقابل، لم يعد اليمين المعتدل، في الوقت الحاضر، قادرا على تعديل الأوتار، وتقديم مرشح جديد لمجابهة الجبهة الوطنية.
10) اليسار المنقسم
تستغل مارين لوبان فرصة ذهبية، تتمثل في انقسام اليسار إلى ثلاثة كتلبين كل من ميلينشون وأمون وماكرون. ففي حالة اتحادهم، فسيحصلون على 45 في المائة من الأصوات. أما إذا واصلوا سياسة الانقسام فيما بينهم، فلن يستطيع أي واحد منهم اللحاق بركب مارين لوبان. كما يمكننا أن نتخيل مواجهة ثنائية بين كل من لوبان وإيمانويل ماكرون فالكفة مرجّهة لصالح لوبان، التي ستلعب على نقاط ضعف ماكرون، على غرار كونه متحرر للغاية، ورجل أعمال ليست له دراية كافيةبالسياسة، مثله مثل ترامب. كذلك، بإمكان لوبان أن تستغل أيضا قلة معرفته بالثقافة الفرنسية، إضافة إلى دعوته لقبول المهاجرين والترحيب بهم.
أما السيناريو الثاني، فيتمثّل في مواجهة مباشرة بين كل من لوبان وبونوا أمون، الذي يبدو حتى حزبه الاشتراكي غير متفائل كثيرا بفوزه، حيث تساءل أحدهم قائلا: “كيف لبونوا أمون الصغير أن يشكل منافسا قويا للوبان؟”.
في الختام، هذه هي الأسباب التي تعزز من حظوظ زعيمة الجبهة الوطنية، وتقلل من شأن أشد منافسيها، على رأسهم الحزب الاشتراكي ومرشحون آخرون يعملون على تفعيل رؤية الرئيس الحالي، فرنسوا هولاند، إلى واقع، على غرار توسيع سوق العمل.
المصدر: لوبوان