يحكي لنا سفر التكوين عن قصة بناء برج بابل الشهير، وكيف أن الله “بلبل” ألسنة الناس فصاروا يتحدثون بلغات كثيرة وفقدوا القدرة على التواصل، فعجزوا عن البناء وانتشروا في الأرض.
تحمل هذه القصة البسيطة معانٍ عميقة عن اللغة والحضارة، تبدو اللغة مهدًا معقولاً للحضارة لما تمنحه من إمكانية لتبادل الأفكار ونشرها وثراء دلالي ملهم لها، وهي ـ أي اللغة ـ تنافس العلم في هذا الانتساب، وبقدر ما تسهم اللغة في التواصل، تملك قدرةً هائلة على خلق سوء الفهم، لقد سببت بلبلة الألسن في ظهور المجتمعات المختلفة وقد كانت شعبًا واحدًا، أفلا يعني ذلك تأثير اللغة المباشر في طرق التفكير مما أدى إلى أنماط عيش مختلفة؟
لم يكن غريبًا أن أفكر في قصة برج بابل وأنا أشاهد فيلم الوافد Arrival، فكلاهما يطرح الأسئلة ذاتها تقريبًا.
إلا أن فيلم المخرج الكندي دنيس فيلنوف Denis Villeneuve من نوع الخيال العلمي، وتحديدًا فئة أفلام “الاتصال الأول” First Contact وهي فئة تهتم أساسًا بتصور الاتصال الأول للإنسان مع الكائنات الفضائية، لقد قدمت السينما أعمالاً كثيرة تندرج في هذه الفئة منذ بدايات القرن الماضي، ولقد تنامى الاهتمام بها خصوصًا مع بداية الحرب الباردة، حيث عبرت أعمالٌ مثل “حرب العالم” The war of the world (سنة 1953) و”اليوم الذي شلت الأرض فيه” The day the Earth stood still (سنة 1951) عن نوع من الرهاب الجماعي للمجتمع الأمريكي من الآخر بسبب الحرب الباردة.
كما غذى العداء الأمريكي السوفياتي علاقة السينما بفئة الاتصال الأول، من خلال احتدام التنافس في الستينيات على غزو الفضاء، وظهرت بذلك أعمال سينمائية خالدة من قبيل “2001، أوديسا الفضاء” للأمريكي ستانلي كيوبرك Stanley Kubrick وسولاريس Solaris للسوفياتي العبقري أندري تاركوفسكي Andrei Tarkovsky.
ولم تنقطع هذه الفئة عن إلهام السينمائيين، وإن كان إلهامًا ذا نفسٍ عجائبي (Fantastic) أقرب للخرافات المثيرة منه للخيال العلمي الصارم، ربما لو استثنينا فيلم ستيفن سبيلبرغ الشهير “لقاءات من النوع الثالث” Close encounters of the third kind (سنة 1977) وفيلم اتصال Contact (سنة 1997) الذي كتبه كارل ساغان العالم الشهير، لذلك كله كان فيلم فيلنوف مهمة صعبة، فكيف يوفق بين الإمتاع الدرامي والصرامة العلمية في مبحث عسير كهذا؟
مثلما يحدثنا العنوان، يتصور الفيلم أحداث وصول حضارة فضائية إلى الأرض، عبر اثني عشر مركبة بيضاوية الشكل استقرت في مناطق مختلفة من الأرض ومنها الولايات المتحدة، تنطلق بطلة الفيلم، خبيرة اللسانيات لويز Louise إلى مكان المركبة إذ تشرف ضمن البعثة الأمريكية على عملية التواصل مع الفضائيين
ومع التقدم المدهش الذي تحرزه لويز وصديقها عالم الفيزياء أيان Ian، كانت بعض الدول تشعر بالخوف وبسوء العاقبة من هذه الكائنات المتحفظة عديمة الملامح، وبدا أن التوافق كان آخر ما يتميز به أهل الأرض فيما بينهم تجاه الأزمة.
فالكائنات تعرض عليهم “سلاحًا” ما، دون أن تبين ما هو السلاح وما الغرض من إعطائه، وكان على لويز أن تتأكد من أن ما يعنيه الفضائيون بمصطلح سلاح، أنه أداة مفيدة tool وليست أداة للقتل weapon، وفي خضم ذلك كان عليها أن تواجه تلك الصور الحزينة في ذاكرتها والتي تجمعها بابنتها منذ ولادتها وحتى وفاتها بمرض نادر لا شفاء منه.
راوح الفيلم بذلك بين المواجهة التي تشهدها الأرض مع الفضائيين وما يبدو أنه معاناة لويز من ذاكرتها، حتى يخال المشاهد أن لويز هي الجامع الوحيد بين المسألتين، وأن دنيس فيلنوف أضاف ذلك من باب التقرب من الشخصية الرئيسية وإضفاء طابع درامي إنساني لمشهد سينما ربما كان غارقًا في التفلسف العلمي.
لكننا كنا طبعا مخطئين، والفضل في ذلك يعود إلى الأداء الرائع للممثلة آمي أدامز Amy Adams في دور لويز، لقد نجحت آمي في خداعنا طول قسم الفيلم الأول بملامح وجهها الموحية بالحزن بينما كانت نوعًا من الصفحة البيضاء التي كتب فيها دنيس فيلنوف عبر تقنية المونتاج، ما أراد لنا أن نقرأه، قادنا فيلنوف بخبث ومهارة نحو الحلقة الدائرية المفرغة التي انبنت عليها الحكاية، رغم أن المشاهد الفطن لم يكن لتفوته مقدمة الفيلم الموحية بلعبة المخرج.
لم تكن هذه البنية الدائرية للقصة أو للسيناريو مجانية، فهي ترجمة سينمائية لمضمون الفيلم، وأنا أحب هذا الانسجام في المبنى والمعنى، بل هذا الالتحام الذي يجعل المبنى مؤثرًا في تلقي المعنى، أحاط فيلنوف القصة بالكثير من العناصر التي تشير إلى دائرية الزمن وعلاقة ذلك باللغة، فقد استعمل موسيقى الخلفية التي لا تستحيل بالانعكاس (palindromic) في المقدمة والخاتمة عن قصد واضح، وأشار إلى هذا البديع اللغوي المرتبط أساسًا بالكتابة من خلال تسمية لويز ابنتها حنا Hannah فالاسم يقرأ في الاتجاهين بشكل واحد، تمامًا مثل الكتابة الدائرية التي يستعملها الفضائيون، وكان على لويز فك شفرتها.
اهتمام المخرج بلغة الفضائيين يعكس جدية طرحه وعمقه، ويحملنا على أخذ العمل بالتمعن المطلوب، وجه المخرج جهود الباحثين نحو اللغة المكتوبة بواقعية ممتازة، فاللغة الصوتية لم تكن غير مفهومة فحسب، بل غير قابلة للفهم، ولقد تخلت لويز عن محاولة البحث فيها منذ نهاية الزيارة الأولى، لتبدأ بالتواصل البصري
لقد كان اهتمام المخرج بلغة الفضائيين يعكس جدية طرحه وعمقه، ويحملنا على أخذ العمل بالتمعن المطلوب، وجه المخرج جهود الباحثين نحو اللغة المكتوبة بواقعية ممتازة، فاللغة الصوتية لم تكن غير مفهومة فحسب بل غير قابلة للفهم، ولقد تخلت لويز عن محاولة البحث فيها منذ نهاية الزيارة الأولى، لتبدأ بالتواصل البصري مثلما يفعل خبراء الإنثروبولوجيا.
خلق فيلنوف من أجل الفيلم لغة بصرية حقيقية هي الـ heptapod B (سباعي الأرجل إشارة إلى الفضائيين) بالاستعانة بفريق من الخبراء، وصنفوا كتابًا صغيرًا يضم أكثر من مائة رسم لفظي (Logogram) دائري الشكل، لكنهم لم يستعملوا منه للفيلم أكثر من سبعة وعشرين رسمًا، كما أن تلك البرامج التي استخدمها الخبراء ومنهم لويز لتشكيل المعاني بلغة الهيبتابود بي، وتلك الأكواد التي تظهر على شاشات المحللين للغة، هي فعلاً أكواد وبرامج حقيقية صنعها ستيفن وولفرام، باستخدام “لغة وولفرام” Wolfram Language.
ومع كل هذه الدقة فمن الطبيعي أن اختيار الحلقة كشكل أساسي للغة الفضائيين لم يكن عشوائيًا، فهي مثل الكتابات التي لا تستحيل بالانعكاس، لا اتجاه فيها، بل هي ضرب موغل في القابلية للانعكاس بما أن الحلقة لا بداية لها ولا نهاية، إنها الشكل الأمثل للتعبير عن نوع من التحرر من الزمن.
ولم يكن هذا العمل اللغوي مجانيًا، فإذا كانت فكرة التواصل لب الفيلم، فاللغة قشرته المتينة، إنها المرة الأولى ـ ربما ـ التي يتجاوز فيها فيلم خيال علميٍ يتعلق بالفضائيين، كل نقاش عن الفيزياء ونظريات الكم والنسبية ليلتفت إلى العلوم الإنسانية، وبشكل أوضح، يعتمد الخيال العلمي عادةً على دفع الحقيقة العلمية بعيدًا نحو آفاق متخيلةٍ وإن معقولة أو محتملة، ولم يشذ فيلم الوافد عن ذلك، إلا أن الحقيقة التي استرسل في تخيل أبعادها، تتعلق بتأثير اللغة على تفكير متكلمها، وكيف أنها تحمله على نمط تفكير معين دون غيره.
تعرف هذه الفكرة بفرضية سابير وورف Sapir-Whorf hypothesis وفيها رؤيتان، رؤية حتمية determinist وقد تم دحضها، وتقول إن اللغة تحدد نمط التفكير بشكل قاطع، بحيث إن تعلمك مثلاً للغة اليابانيين يجعلك تفكر مثل اليابانيين، وهي أمر مفروغ من استحالته، أما الرؤية الثانية، فهي تأثيرية وتعني أن اللغة تؤثر على نمط التفكير فتلهمه أو توجهه ولو بقدر ضئيل، وهي رؤية لا تزال موضع جدل بين اللغويين، لكن كثيرًا من الأدباء اعتمدوها، وأشهرهم جورج أورويل في رائعته 1984 حيث كان الأخ الأكبر يقضي بتصنيف معجم لغوي للمفردات المسموح بها كل مرة، وكان هذا المعجم يصغر في كل نسخة جديدة حتى يمنع الناس من كل قدرة على التعبير عن معاني التمرد والحرية والرفض، وبذلك يجنح تفكيرهم إلى الخضوع.
أخذ فيلنوف هذه الفرضية ببساطة وسأل السؤال: كيف يكون تأثير اللغة على الإنسان إذا كانت قادمة مما وراء النجوم؟ وكان تصوره للإجابة جديرًا بخيال علمي محترم.
ربما بإمكاننا أن نستغرب سرعة التغيير الذي طرأ على تركيبة لويز الذهنية، فهي لم تتقن اللغة الفضائية بالبراعة المطلوبة حينما بدأت الصور تراودها، كما أن تغير طريقة تفكيرها أثر بشكل منعزل على رؤيتها للزمن، لا أثار جانبية إطلاقًا فلويز هي لويز، يمكن أن يعزى ذلك إلى الجانب الخيالي في القصة، أي الجزء الذي تستغل فيه الفرضية العلمية إلى منتهاها بشكل مبالغ حتى الخيال.
يبدو أن فيلنوف استهان كثيرًا باللغة الصينية التي تعتبر أساسية جدًا في حبكة الفيلم، وذلك على مستويات عديدة
ورغم الاتقان الكبير الذي ميز الجانب اللغوي فيما يتعلق بالخطاب الأرضي الفضائي، فقد كان فيلنوف مستهترًا قليلاً بنفس الجانب حينما يتعلق بالخطاب الأرضي أرضي، لقد رأينا على شاشات التلفاز التي تنقل للأمريكيين وقائع ما يحدث في دول العالم الأخرى التي استقبلت الفضائيين، كوارث لغوية، وعبارات لا تمت للأحداث بصلة، كأن فيلنوف لا يعلم أن فيلمه ستستقبله آلاف الشعوب على الأرض وتشاهده.
ربما كنت العربي الوحيد الذي يضحك ساخرًا من عناوين الأخبار السودانية في قاعة السينما الفرنسية التي تابعت فيها الفيلم، لكن من المؤكد أن هناك صينيين وباكستانيين ودنماركيين ضحكوا لعشوائية العبارات المكتوبة أيضًا، كما يبدو أن فيلنوف استهان كثيرًا باللغة الصينية التي تعتبر أساسية جدًا في حبكة الفيلم، وذلك على مستويات عديدة:
● لويز لم تكن تتحدث بصينية سليمة، بل لم تكن تتحدث بأي شيء يشبه صينية الماندارين التي ذكرت أنها تجيدها أو حتى صينية يو (Cantonese)، وأعتقد أنه كان بالإمكان تلافي هذا الأمر بتدريب آمي أدامز ولو لشهر على نطق تلك العبارات.
● قائد الجيش نفسه كان يتحدث بصينية ماندارين ركيكة مع الكثير من صينية يو مما لا يليق بشخص في مثل رتبته (الممثل تسي ما Tzi Ma من مواليد هونغ كونغ التي تتحدث صينية يو بالأساس).
● عملية ترجمة المحادثة التي التقطها الأمريكيون عن الصينيين والتي تتعلق بعزم الصينيين تعليم الفضائيين اللغة بواسطة لعبة الأوراق الصينية الشهيرة Mahjong، جعلت لويز تخلط في التأويل بين “suit” بمعنى منظومة الأوراق، و”suit” بمعنى البدلة، وهذا أمر غير ممكن إلا في الإنجليزية، لأن الكلمتين في الصينية كما في العربية مختلفتان تمامًا.
ورغم أن مشاهدًا مثلي لا يمكنه التفريق بين أنواع الصينية لم يكن ليكشف أغلب هذه الهنات، إلا فكرة الخلط في التأويل كانت بشكل ما واضحة ومحبطة، لأنها أساسية للحبكة وتعبر عن معنى مهم في الفيلم، فقد أدى تعليم الصينيين للفضائيين لعبة الورق، أنهم استعملوا معجمًا قريبًا لتبليغ أفكارهم وهو ما أدى إلى ذعر الصينيين بخصوص “السلاح” الذي اقترحه الفضائيون.
ظهر هذا التهاون أيضًا في عملية إسقاط أزمة سوء الفهم على العلاقة بين البشر، فكما سبق ذكره، تمثل المشكلة اللغوية غلافًا متينًا لمشكلة التواصل بما أن التواصل يمر ضرورة عبر اللغة، وكما تساهم اللغة في إرساء التواصل، يمكن أن تساهم أيضًا في سوء الفهم، ولقد حاول فيلنوف إبراز هذه الفكرة من خلال مثال التواصل مع الفضائيين، ليلمح إلى أنها أيضًا مشكل أساسيٌ بين الشعوب.
لقد لاحظنا أن الخوف (وهو المحرك الأساسي للحماقات الناجمة عن سوء الفهم) الذي ولده سوء فهم الفضائيين، أسفر عن انقطاع التواصل بين مختلف الحكومات، رغم أن غرض الفضائيين من وراء التموضع في اثني عشر موقعًا مختلفًا، كان إجبار الأرضيين على التعامل فيما بينهم والتعاون والاتحاد.
وحتى عملية الإنقاذ الأخيرة، كانت وراءها رمزية واضحة تقدم الحوار مع الآخر كحل أساسي لتجاوز الخلافات، فإن كانت اللغة مصدرًا لسوء الفهم، فإن الكثير منها قد يكون دواءً لسوء الفهم هذا.
سنلاحظ بسهولة أن الصين كانت تشجع الحل العسكري عكس الولايات المتحدة، وبمنظور الفيلم يمكن اعتبارها الجانب المعرقل أو الشرير، ولقد تبعت الصين في ذلك، السودان وروسيا، مما يجعل الصورة أشبه بنسيج من إعداد واشنطن لا هوليود، وهي بذلك صورة تفتقر كثيرًا لمعرفة الآخر
غير أن المشهد الذي أراده فيلنوف أن يبدو رومانسيًا بهذا الشكل، عبر أيضًا عن أمر آخر، سنلاحظ بسهولة أن الصين كانت تشجع الحل العسكري عكس الولايات المتحدة، وبمنظور الفيلم يمكن اعتبارها الجانب المعرقل أو الشرير، ولقد تبعت الصين في ذلك، السودان وروسيا، مما يجعل الصورة أشبه بنسيج من إعداد واشنطن لا هوليود، وهي بذلك صورة تفتقر كثيرًا لمعرفة الآخر وتقع في سوء الفهم الذي تحاول انتقاده.
كما يمكن أن نضيف إلى عناصر السذاجة في الفيلم، بعض المسائل المتعلقة بلزوميات الدراما الهوليودية في مقابل الصورة الواقعية التي يتطلبها هذا النوع من الخيال العلمي الثقيل Hard Science Fiction، لويز مثلاً عالمة اللسانيات تبدو أقرب إلى خبيرة ترجمة، فهي تجيد الحديث بلغات كثيرة ومختلفة بل وتجيد الترجمة الفورية أيضًا بشكل أثار حفيظة خبيرة اللسانيات التي رافقت آمي أدامز Amy Adams خلال تجسيدها للدور، لكنهم قالوا لها: هذه هوليود!
وبمثل ذلك الشكل المسرحي، هرع العقيد ويبر Colonel Weber قائد المنطقة العسكرية المغلقة قرب المركبة الفضائية إلى مكتب لويز، تاركًا مسؤولياته الجسيمة خلفه رغم أنه لم يمر على الوصول أكثر من يومين، ولا أحد يعرف ما يمكن أن يحدث، هل كان استدعاء خبيرة لسانيات يحتم قدومه شخصيًا؟ ولو فرضنا أن السرية تحتم، هل بدت المنطقة العسكرية على هذا القدر من السرية خصوصًا بعد محاولة بعض الجنود تفجير المركبة؟
ماذا عن فريق البحث؟ جاءت لويز لتجد فريقًا جاهزًا ينتظر فقط قيادتها، على ماذا كان يعمل؟ وهل هو فريق من خبراء اللسانيات أم فريق من التقنيين المكلفين بالتنفيذ (تنفيذ ماذا؟) أجل غادر رئيس الفريق بعد اللقاء الأول، ولكن لماذا لم يضعوا خبيرًا من الفريق محله؟ لماذا يأتون بشخص آخر ليرأس من جديد؟ ثم هل غادر رئيس فريق اللسانيات ورئيس الفريق العلمي معًا في الوقت نفسه؟ أخيرًا كيف يقرر نظراؤهم في الدول الأخرى قطع البث دون العودة إلى سلطة الإشراف السياسية؟ وبمناسبة الحديث عن سلطة الإشراف السياسية، لماذا تبدو الصين العظيمة ذات المليار ونصف ساكن، مجرد رجل واحد، يقود الجيش، يتخذ القرار السياسي ويلقي الخطب ويحضر في الحفلات أيضًا! هل كان الحديث عن عناده أمام رؤسائه كافيًا ليدحض تلك الصورة الشبيهة بكيم جونغ أون؟
كانت المادة العلمية في الفيلم على قدر محترم من الدقة والعناية، وكان المحتوى على انسجام كبير مع المبنى، مما جعل المفارقة الزمنية التي سببتها معرفة لويز المسبقة بما سيحدث، مقبولةً ورومانسية أيضًا
غير أنني لا أريد أن أبدو متشائمًا، لقد كان الوافد رغم كل هذه الهنات على مستوى التصور الدرامي، متين الحبكة، مشوق القصة، مثيرًا في لحظات كثيرة، وكانت المادة العلمية فيه على قدر محترم من الدقة والعناية، وكان المحتوى على انسجام كبير مع المبنى، مما جعل المفارقة الزمنية التي سببتها معرفة لويز المسبقة بما سيحدث، مقبولةً ورومانسية أيضًا.
تقول لويز في النهاية “رغم معرفتي بالرحلة وإلى أين ستذهب بي في النهاية، فأنا أحضنها، وأرحب بكل لحظة منها” (مع ذلك رأينا كيف فاجأتها الدكتورة بالخبر المريع وكيف انتابتها نوبة بكاء مرير).
مع الوافد، تبرز اللغة كعامل حاسم لخلق الإنسان الجديد، الإنسان القادر على تجاوز حدود الزمن وحدود الفلك، مثلما كانت عاملاً حاسمًا في خلق الحضارة، لكن هل يمر ذلك وجوبًا عبر توحيد اللغة؟ هل نحتاج إلى لغة كونية واحدة تجبرنا على التوحد وتجاوز سوء الفهم فيما بيننا؟ تبدو الدعوة إلى التوحيد في الفيلم متوازية مع الدعوة إلى الاعتماد على اللغة كوسيلة للتقارب وفض النزاعات، فهل يشير فيلنوف إلى عولمة اللغة، أم إلى الانفتاح على تنوعها وتعدد رؤى الإنسان للعالم عبرها؟
العنوان: الوافد Arrival
السنة: 2016
المخرج: دنيس فيلنوف Denis Villeneuve
البطولة: آمي أدامز Amy Adams، جيرمي رينر Jeremy Renner
الصنف: خيال علمي، دراما
المدة: 116 دقيقة