كانت إثيوبيا في العام 2000 إحدى أكثر بلدان العالم فقرًا وتهددها المجاعة، إلا أنها تمكنت من القفز خطوات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وباتت تعتبر واحدة من الدول الخمسة الأسرع نموًا في العالم، ومن أكثر الأماكن استقرارًا في إفريقيا في منطقة يسودها الصراعات وعدم الاستقرار.
وسرد هذه السطور مهم ليس لتبيان التجربة الإثيوبية في تحقيق معدلات نمو عالية فحسب بل أيضًا مهم لدول إفريقية لا تزال ترزخ تحت وطأة الفقر والبطالة ودول عربية مجاورة لها كالسودان، علمًا أن موارد تلك الدول لا تقل أهمية عن الموجودة في إثيوبيا، فما الذي اتبعته إثيوبيا للانطلاق في ركب التطور ومسيرة التنمية؟
الاقتصاد الإثيوبي
نجحت إثيوبيا في تحقيق معدلات نمو اقتصادية قوية خلال العقد الماضي ونافست معدلات النمو في الصين، ففي العام 2012/2013 بلغ معدل النمو نحو 9.7% وحققت المرتبة 12 بين الاقتصادات العالمية من حيث سرعة النمو، وبلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا نسبة 8.5% خلال العام المالي 2015/2016، مقارنة مع 10.7% خلال العام المالي الذي سبقه.
نجح النمو المستمر في البلاد على مدار السنوات الماضية في خفض نسبة الفقر بشكل كبير من 44% في العام 2000 إلى 30% في العام 2011 مع الإشارة أن هناك أعداد كبيرة من الناس لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر، وينتظر من الحكومة بذل المزيد من الجهود للحد من الفقر، ويعود الفضل في مسيرة النمو إلى تنمية قطاع الزراعة والخدمات الزراعية التي لعبت دورًا كبيرًا في نهضة الاقتصاد الإثيوبي.
ساهمت السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة في إنعاش الهيكل الاقتصادي في البلاد من زراعة وصناعة وتجارة، وابتداءً من الزراعة التي تعد أهم مورد تحظى به البلاد هناك تركزت أعمال الحكومة على الاهتمام بالاستثمارات الزراعية وكل ما يتعلق بها بغرض تحقيق الأمن الغذائي، إذ مثلت الزراعة نحو 42.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2012/2013 بمعدل نمو 7.1%، في الوقت الذي شكلت الصناعة 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي بمعدل نمو 18.5% والخدمات بنسبة 45%.
نجح النمو المستمر في إثيوبيا على مدار السنوات الماضية في خفض نسب الفقر بشكل كبير من 44% في العام 2000 إلى 30% في العام 2011
تعد الزراعة من أهم مفاتيح تحقيق النمو المستدام والشامل لسكان القارة الإفريقية لأنها تساعد على التصنيع من خلال تجهيز المنتجات الزراعية والزراعية التجارية، وتقليل الاعتماد على قطاع الخدمات، الذي يشغل المحرك الرئيسي للنمو.
انطلقت مسيرة النمو والتنمية في إثيوبيا من خلال الاهتمام بالزراعة العنصر الرئيسي للهيكل الاقتصادي في أي بلد وأساس أي عملية نمو حيث تشكل عامود الاقتصاد ولها حمل توظيفي كبير من خلال توظيف نحو 80% من العمالة في إثيوبيا، بالإضافة إلى أنها تجني 70% من إيرادات التصدير.
إذ وضعت الحكومة الإثيوبية في إطار خطتها للنمو والتحول الاقتصادي أولوية خاصة للقطاع الزراعي، واستهدفت في الخطة النهوض بالقطاع الزراعي من خلال تحسين بنية القطاع ودعم حصول المزارعين على الائتمان وتحسين الخدمات الإرشادية وتشجيع الري وتأمين مدخلات الزراعة وتنظيم الحيازات الزراعية.
وتساهم الحكومة في توفير التسهيلات المتمثلة في السماح للمستثمر الإثيوبي بتصدير منتجاته دون أي رسوم وإعفاء ضريبي لفترة تصل بين 3-7 سنوات، وكذلك يسمح ارتفاع مخزون الأراضي الزراعية بها إلى تأجيره لدول أخرى للزراعة لتأمين غذائها، إذ تبلغ المساحة المزروعة في إثيوبيا 20% من إجمالي المساحة الصالحة الزراعة.
وتمكنت من إنتاج 54 ألف طن من الحمضيات في العام 2013 حسب منظمة الأغذية والزراعة كما أنتجت قرابة 23 مليون طن من الحبوب في العام 2014 حسب نفس المنظمة بما تشمله من قمح وشعير وزيوت نباتية مختلفة وفواكه كالموز والبرتقال بالإضافة للشاي والكاكاو والقهوة والورد ومنتجات أخرى، وشكلت القهوة كأهم سلعة الرئيسية للتصدير، نحو 24.2% من إجمالي إيرادات الصادرات ثم البذور الزيتية 14.3%، والقات 8.8% والبقوليات 7.6%.
يذكر أن منتج القهوة يحظى باهتمام واسع النظير وتشتهر إثيوبيا به، فالمناخ الإثيوبى مناسب لزراعة القهوة مما يساعدها على إنتاج أجود أنواع القهوة وتعتبر أكبر منتج للقهوة التي تصدر للوطن العربي ودول مختلفة حول العالم.
حققت إثيوبيا المرتبة الـ12 بين الاقتصادات العالمية من حيث سرعة النمو
ومثلت السلع الرئيسية السابقة بالإضافة للذهب الذي وصلت نسبة تصديره 18.8% ما يقرب من 80% من عائدات التصدير، وأصبح الذهب ثاني أهم سلع الصادرات بعائدات بلغت 602 مليون دولار في 2011/2012، ونحو 579 مليون دولار في 2012/2013.
ويعد قطاع الذهب من أبرز القطاعات التعدينية المهمة في البلاد ويُشكل قطاع التعدين نسبة تقارب 1% من الاقتصاد الإثيوبي، ويشمل قطاع التعدين الاستثمارات في عملية استخراج الذهب والنحاس وباقي الموارد الطبيعية وتسعى الحكومة لرفع حجم الاستثمارات في هذا المجال إلى 10% خلال الأعوام المقبلة.
اهتمام إثيوبيا بقطاع الزراعة وطفرة النمو الذي حصل فيه لا يعني عدم وجود مشاكل به، حيث تشير التقارير الواردة بأن القطاع يواجه تحديات كبيرة تحد من إمكاناته، وتضعف فرص نمو الإنتاجية الزراعية، ومن بين تلك المشاكل الصدمات البيئية والمناخية التي تصيب البلاد دائمًا خاصة موجات الجفاف المتكررة، وضعف المؤسسات التسويقية وضعف البنى التحتية، فضلاً عن أن الإنتاجية لا تزال منخفضة نسبيًا.
سد النهضة الإثيوبي
ومن بين القطاعات التي تدر على الحكومة دخلًا قطاع الطيران، إذ تمتلك شركة الطيران الإثيوبي شبكة طيران تربط إفريقيا ببعضها البعض من خلال استحواذ شركة الطيران الإثيوبية على شركات أخرى في غرب ووسط إفريقيا، إلى شمال إفريقيا وأوروبا، بجانب تحقيقها أرباحًا بلغت 110 مليون دولار السنة الفائتة.
كما تجاوز حجم الصادرات الإثيوبية من سيقان الزهور شهريًا 80 مليون ساق إلى 40 دولة 70% إلى هولندا التي تقوم بإعادة تصديرها إلى شتى أرجاء العالم، كما تصدر إثيوبيا الزهور إلى ألمانيا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، وتقدم الدولة حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب على السواء بما في ذلك فترة سماح ضريبية تصل إلى خمس سنوات وإعفاء استيراد السلع الرأسمالية من الجمارك وإعفاءات أخرى.
وبفضل تحريك العجلة الاقتصادية ارتفعت الإيردات الضريبية المتحصلة في الوعاء الضريبي لدى الحكومة، بنسبة 24.8% وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حققت 11.7% في عام 2012/2013، وساعد تحسن تعبئة الإيرادات المحلية الحكومة الإثيويبة على تمويل 81% من نفقاتها من مصادرها المحلية.
بلغت المساحة المزروعة في إثيوبيا 20% من إجمالي المساحة الصالحة الزراعة
ولا يستوي الكلام عن إثيوبيا دون ذكر سد النهضة الإثيوبي الذي يعتبر أكبر سد على نهر النيل حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترًا وطوله نحو 18 مترًا، وتقدر تكلفة إنشائه ما يقارب 5 مليارات دولار، وتبلغ سعتة التخزينية 74 مليار مترمكعب أي نحو مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا، وتقدر القدرة المائية للسد على توليد الكهرباء بنحو 6000 – 7000 ميغاوات أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولّدة من محطة سد أسوان الكهرومائية، وتخطط الحكومة للاستفادة من سد النهضة بعد الانتهاء منه في زراعة نصف مليون هكتار، وتخفيف مُشكلة الجفاف المتزايدة التي يعيشها شرق إثيوبيا.
الاستثمار الأجنبي محرك عملية التنمية
تعتمد إثيوبيا كدول إفريقية على الاستثمارات الأجنبية والمعونات من المؤسسات الدولية والدول، إذ لا تستطيع الموازنة العامة لإثيوبيا تغطية نفقات مشاريع البنية التحتية والسدود وأشياء أخرى، حيث قدرت المعونات الدولية التي حصلت عليها إثيوبيا في العام 2014 نحو 1.320 مليار دولار كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم معونات بقيمة 640 مليون دولار خلال السنوات الخمسة المقبلة لتمويل مشاريع النقل داخل إثيوبيا أو التي تربط بين إثيوبيا وجيرانها.
توظف الزراعة نحو 80% من العمالة في إثيوبيا وتجني 70% من إيرادات التصدير
وبالنسبة للدول التي تعمل على مد استثمارت مباشرة فيها، تأتي الصين في المرتبة الأولى من قائمة الدول الأكثر استثمارًا في إثيوبيًا، وتمويلًا أيضًا للمشاريع القومية الكبري الحكومية، مما جعلها إحدى أكثر البلدان التي حظيت باستثمارت قومية كبرى كمد السكك الحديدية والطرق والجسور والمواني.
ستحتل إثيوبيا مرتبة بين أكبر أربع مراكز تصنيعية في إفريقيا بحلول العام 2025 في حين أنها لم تستطع في العام 2009 استقطاب استثمارات أجنبية إلا في حدود 108 مليون دولار فقط، وفيما بعد بلغت حصيلة الاستثمارات الأجنبية من 2013 – 2016 نحو 3.6 مليار دولار، وجرى تقديم تراخيص استثمار لـ2146 مستثمرًا أجنبيًا شاركوا في استثمارات تبلغ قيمتها 17 مليار دولار في الفترة المذكورة وتم تنفيذ 637 مشروعًا استثماريًا، لذا يعد تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إثيوبيا أهم منعطف جذري للتنمية منذ ثمانينيات القرن الماضي منذ أن تعرضت البلاد لحادث مجاعة شديدة بسبب عدم وجود تنمية.