“لسنا ممن يخافون من التهديد بالقتل أو الموت، كما دأب الكثيرون منهم، إلا أن الرسائل باتت واضحة وجلية” بهذه الكلمات فجر زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر مفاجأة من العيار الثقيل، أشعلت نيران غضب الحشود الكبيرة التي تجمعت في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، تلبية لدعوة أطلقها للتظاهر والمطالبة بالإصلاح ومناهضة الفساد والمفسدين.
وبعد أيام قليلة من الكشف عن تلك التهديدات قرر الصدر تكليف 14 شخصًا من أتباعه لإدارة الأعمال العامة للتيار بكل تفاصيله، بما فيها الملفات العسكرية والسياسية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن “قرارهم يكون إما إجماعيًا أو توافقيًا”، موضحًا بأنهم لن يتدخلوا بتفاصيل وجزئيات العمل ولهم الإشراف والمتابعة وتقويم العمل.. فما الذي حدث؟
عودة للوراء قليلاً
قبل الخوض في رحلة البحث عن تفسير واضح لمستجدات الأمور داخل التيار الصدري والجدل المثار حاليًا في الشارع السياسي، لا بد أن نعود للوراء قليلاً للوقوف على الخلفية التاريخية والسياسية التي قادت المشهد العراقي إلى تلك الحالة التي فقدت فيها بلاد الرافدين وهويتها.
البداية ترجع إلى عام 2003 حيث بناء عراق ما بعد البعث على يد الغزو الأمريكي للعراق، والصراع المستعر حينها بين القوى الفاعلة في الخارطة السياسية العراقية، والتي انقسمت إلى قوى سنية وأخرى شيعية من جانب، وداخل كل قوى من القوتين انقسمت إلى تيارات إسلامية وأخرى علمانية من جانب آخر، وهو ما أفضى بالعراق إلى سيطرة الطائفية على جميع القوى المؤثرة حتى لو ادعى بعضها ميوله العلمانية والمدنية.
هكذا مرت العراق طيلة السنوات التالية لمرحلة ما بعد البعث أسيرة الصراع الثنائي، بين التيار الشيعي وبعضه البعض من جانب، والتيار الشيعي والسني من جانب آخر
شيعيًا كان الأمر ملفتًا للنظر وأكثر بروزًا وحضورًا في المشهد، حيث انقسمت القوى الشيعية فيما بينها بشأن الهوية السياسية للدولة، فتيار يقوده المرجع علي السيستاني، والذي حاول أن يجمع بينهم تحت عنوان “الدولة المدنية” التي تلتزم حدًّا أدنى من العلمانية للدول مع الاحتفاظ بالهوية الثقافية العامة للأغلبية المسلمة، في مقابل تيار أصولي شيعي آخر، يسعى إلى تفعيل ما أسماه بـ”أسلمة الدولة” عبر بسط نفوذه في المؤسسة التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن توظيف قوى الضغط الميداني الجماهيري لفرض هذه الوجهة.
وهكذا مر العراق طيلة السنوات التالية لمرحلة ما بعد البعث أسير الصراع الثنائي، بين التيار الشيعي وبعضه البعض من جانب، والتيار الشيعي والسني من جانب آخر، ليبقى السؤال: إلى أي الفرق كان ينتمي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر؟
بيان مقتدى الصدر بتعيين 14 من القيادات لإدارة التيار الصدري
الصدر وجدلية الإسلامية والمدنية
حالة من الجدل تفرض نفسها بقوة عند الحديث عن ميول مقتدى الصدر السياسية، وإلى أي التيارين الشيعين ينتمي، ففي الوقت الذي يميل فيه إلى تيار الإسلام السياسي الداعم لفكرة أسلمة الدولة، نراه يرفع شعارات مدنية وينادي بالعديد من الدعوات التي تذهب إلى فصل الدين عن الدولة، لكن وعلى مدار مشواره السياسي لم يترجم تلك الشعارات المدنية إلى واقع.. كيف؟
الصدر الذي يمتلك نفوذًا قويًا داخل المؤسسة التشريعية والتنفيذية لم يثبت أن استخدمه ذات مرة للتصدي لمحاولات ما يُعرف بـ”أسلمة الدولة” من التيارات الشيعية ذات التوجهات الأصولية، أو توظيفه لدعم أي محاولات من شأنها تفعيل الحراك المدني، حتى إن كتلته البرلمانية لم تمانع إصدار قانون يحظر بيع وصناعة الخمور والذي تم التصويت عليه أكتوبر العام الماضي.
تفسير ميول الصدر الإسلامية ليس بالعملية الصعبة، فحين نعود إلى الأيديولوجية الدينية السياسية لحركة الصدر منذ تأسيسها على يد محمد باقر الصدر وهو عم مقتدى الصدر، نجد أنها في مجملها تميل إلى فكرة أسلمة الدولة، حيث اعتمدت الحركة في مشروعها التأسيسي على ترسيخ أركان الإسلام الشيعي السياسي.
وهكذا حين أراد مقتدى الصدر تقديم مرجعية دينية لتصبح فيما بعد بديلة للتي طرحها علي السيستاني، لجأ إلى تلامذة عمه، محمد باقر الصدر، والمعروف عنهم تمسكهم بمشروع الإسلام السياسي الشيعي ومبدأ ولاية الفقيه بصورة أكثر تشددًا من المؤسس، إلا أنه ومع بزوغ الخلافات بين الصدر وبعض تلامذة عمه وفي مقدمتهم كاظم الحائري وكمال الحيدري، بسبب بعض التوجهات التي يعتنقها مقتدى وعلى رأسها حركة الاحتجاجات التي يقودها في الداخل والتي من شأنها أن تحدث خرقًا في الصف الشيعي داخل الحكومة العراقية، ها هو زعيم التيار الصدري يسعى لاتخاذ منهج آخر أكثر استقلالية ليس في حاجة للاعتماد على أي مرجعية دينية محددة.
ومن ثم نرى أن مقتدى الصدر – منذ 2003 وحتى الآن – لم يستقر على رؤية ثابتة في توجهاته السياسية ومرجعياتها الدينية، وهو ما تترجمه بعض الشواهد والدلالات والمواقف التي حدثت مؤخرًا.. فما هي؟
البحث عن تفسير لميول الصدر الإسلامية ليس بالعملية الصعبة، فحين نعود إلى الأيديولوجية الدينية السياسية لحركة الصدر منذ تأسيسها، نجد أنها في مجملها تميل إلى فكرة أسلمة الدولة
المرجع الشيعي علي السيستاني صاحب الميول المدنية في بناء الدولة العراقية
غياب الرؤية الثابتة
منذ بدأ نشاطه السياسي عام 2003 وحتى الآن، ينتهج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، منهجًا متقلبًا في السياسة العراقية، مما دفع البعض لوصف مواقف هذا التيار بالضبابية أحيانًا والمتناقضة أحيانًا أخرى، لا سيما بعدما باتت أكثر الأطراف إثارة للجدل في المشهد العراقي خلال العشر سنوات الأخيرة على وجه التحديد.
البداية كانت عام 2003 حين احتل الأمريكان العراق، وقتها دعا التيار الصدري – على عكس بقية التيارات الشيعية الأخرى – إلى ضرورة مقاومة هذا الغزو والتصدي له أسوة بالتيارات السنية، وبات الحديث عن تعايش بين السنة والشيعة أحد أبرز دعائم الفكر الصدري الجديد.
وفي عام 2006 وحين تم تفجير مرقدي سامراء، انخرط التيار الصدري في حرب طائفية مع السنة لا سيما بعد إعلان تشكيل ما عرف حينها بـ”جيش المهدي”، حيث استمرت عمليات العنف والتطهير الطائفي خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، فكان هذا هو التحول الأول.
التيار الصدري الذي تبنى منهج المقاومة ضد الأمريكان ومؤيديهم في العراق، ها هو يمد يد العون لدعم وتأييد حلفاء واشنطن في العراق، مما اعتبر حينها انقلاب على أيديولوجية الصدريين الأولى، فكان هذا هو التحول الثاني.
بعد أن دعم الصدريون نوري المالكي لرئاسة الوزراء نهاية 2006 في مواجهة منافسه عادل عبد المهدي، ها هو ينقلب عليه وذلك بعد اتهامه بالتفرد بالسلطة، ثم وصل الخلاف بينها ذروته حين نفذ المالكي عمليةٍ عسكريةٍ ضد أنصار الصدر عام 2007، فكان رد مقتدى الصدر حينها تجميد أنشطة جيش المهدي كافة في أغسطس من نفس العام 2007.
اعتماد زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر، منهجًا متقلبًا في السياسة العراقية، ما دفع البعض لوصف مواقف هذا التيار بالضبابية أحيانًا والمتناقضة أحيانًا أخرى
ومع قدوم الربيع العربي كان الصدر أبرز الداعمين لاحتجاجات التيارات السنية ضد المالكي، حيث اتهمته بتهميشها وإقصاء قياداتها واعتقال عشرات الآلاف من أبنائها، ورغم تأويل البعض لهذا الدعم بأنه توظيف لورقة السنة للضغط على الحكومة، فإن التغير في المواقف كان واضحًا، وكان هذا هو التحول الثالث.
أما التحول الرابع والأكثر بروزًا في مسيرة الرجل الثاني في القيادة الشيعية العراقية، والفتى المشاكس الذي طالما أثار الجدل ما بين الحين والآخر، هو التصريحات الرنانة التي طالما يطلقها في كل مناسبة بشأن الإصلاح والتصدي للفاسدين، وهو ما جاء على لسانه خلال كلمته الجمعة الماضية أمام أنصاره بساحة التحرير بالعاصمة بغداد حين قال إن “السياسيين لن يعودوا على الشعب بالفساد فحسب بل أصبحوا يملكون المال والسلاح، وسيعملون على تركيع الشعب بالقوة”، مضيفًا أن السياسيين سيحرصون بعد انتهاء معركة الموصل على خلق صراعات ومعارك هنا وهناك لتستمر مخططاتهم الدولية، محذرًا من محاولات سيقوم بها البعض لزج البلاد في صراعات سياسية وطائفية بعد الانتهاء من معركة الموصل لإكمال مخططاتهم.
هذه التصريحات التي طالما عزف عليها الصدر خلال السنوات الماضية لم تترجم حتى الآن إلى قرارات أو خطوات تنفيذية، وهو ما أثار الجدل حينها مرارًا، إذ إنها تطرح التساؤل عن الهدف منها، وهذا بدوره يجرنا للعودة مجددًا إلى الحدث الأبرز على الساحة وهو تهديدات الصدر بالقتل والتي أعلنها في كلمته، ليبقى السؤال قائمًا: من الذي يهدد زعيم التيار الصدري بالقتل؟ ولماذا؟
الصدر كان أبرز الداعمين لنوري المالكي ثم انقلب عليه
من يهدد الصدر بالقتل؟
منذ إعلان تهديد الصدر بالقتل، فرضت بورصة التكهنات السياسية نفسها على المشهد السياسي العراقي، حيث كشف جعفر الموسوي المتحدث باسم زعيم التيار الصدري، في بيان له عن وجود جهات داخلية وخارجية تقف وراء تهديد الصدر بالقتل، وذلك في مقابل تخليه عن مشروع الإصلاح، على حد قوله.
أما عن معرفته بملابسات تلك التهديدات، أضاف المتحدث باسم التيار الصدري قائلاً: “إننا على اطلاع ببعض تفاصيل التهديدات الجدية بالقتل التي وصل بعضها إلينا، وهي من أطراف داخلية وخارجية”، لافتًا إلى أن الجهات التي تقف خلف تلك التهديدات هي من تريد أن تسير بالبلد إلى الهاوية، ملفتًا إلى عدم اهتمام الصدر بالتهديدات ووقوفه مع الشعب لتحقيق الإصلاح، داعيًا الحكومة والبرلمان إلى الخضوع لصوت الشعب ابتداءً من تغيير المفوضية وقانون الانتخابات المجحف.
وتابع “على الكتل السياسية التي تدعي وقوفها مع الإصلاح التخلي عن مصالحها الحزبية وتلبية وتقديم المصالح العليا للبلاد”.
جعفر الموسوي كشف عن وجود جهات داخلية وخارجية تقف وراء تهديد الصدر بالقتل، وذلك في مقابل تخليه عن مشروع الإصلاح
لماذا؟
العديد من الدوافع ساقها أنصار التيار الصدري لتهديده بالقتل من جهات داخلية وخارجية على حد قولهم، إلا أن جميعها يتمحور في محاربته للفساد ودعوته الإصلاحية ومساعيه نحو التخلص من المفسدين.
البيان السابق الذي أصدره جعفر الموسوي المتحدث باسم زعيم التيار الصدري، ذكر بعض هذه الدوافع بقوله إن زعيم التيار الصدري حمل راية الإصلاح وأعلن وقوفه بوجه الفاشلين والفاسدين الذين أغرقوا البلاد بالأزمات، وأن هذا الأمر دفع المنتفعين من الوضع الحالي إلى إطلاق تهديداتهم بتصفية الصدر مقابل تخليه عن مشروع الإصلاح وسكوته عن الفاسدين والفاشلين.
وأضاف “الفاسدين أرادوا أن يكون الصدر بعيدًا عن الجماهير”، ملفتًا أن من يرفع راية الإصلاح لن يروق للكثير من الفاسدين في الحكومة ومجلس النواب، خصوصًا أنه ضرب الفاشلين الذين أصبحوا يدافعون عن مصالحهم الشخصية عبر قتل أبناء الشعب العراقي.
وفي السياق ذاته أشار الكاتب والمحلل السياسي العراقي مناف الموسوي، أن الجهات التي قامت بتهديد الصدر بالقتل واضحة ومعروفة للجميع طالما أن الرجل يرفع شعار محاربة الفساد، ملفتًا أن كل من يخشى محاربة الفساد سواء من داخل الحكومة أو خارجها متورط في هذه التهديدات.
الموسوي في مداخلة له على قناة الجزيرة، أوضح أن هناك حزمة من الضغوط الداخلية والخارجية على الصدر للتراجع عن مشروعه الإصلاحي، إلا أنه دومًا ما يثبت تغليبه للمصلحة الوطنية على حساب المصالح الطائفية أو الحزبية.
من جانبه استنكر نائب رئيس الجمهورية العراقية، إياد علاوي، تهديد الصدر بالقتل، حيث قال في بيان له إنه يندد ويستنكر أشد الاستنكار الأساليب البائسة التي تنتهجها بعض القوى في الداخل أو من وراء الحدود وتهدف إلى قمع الأصوات الوطنية المعارضة والمنادية بالإصلاح، عبر الأساليب الرخيصة من ترويع وتهديد بالاغتيال السياسي وفرض الإرادة الأحادية وإعادة العراق إلى أجواء الديكتاتورية وتصفية المعارضين ولجم الدعوات للتغيير
كما تعهد بوقوفه وتضامنه مع الصدر وتصديه بكل السبل المشروعة، كما كان دائمًا، لكل محاولات قمع التعددية السياسية وأحلام العودة بالعراق إلى زمن الديكتاتورية أو ارتهان الدولة لإرادة الجماعات المسلحة”، مشيرًا إلى أن تضحيات العراقيين الغالية من أجل الحرية ودولة المواطنة لا يمكن التنازل عنها مهما كان الثمن وأيًا كان الأعداء.
غموض التهديدات التي أعلنها الصدر في كلمته، والتي انحسرت في تصريحات غير موثقة بشواهد أو أدلة، دفعت بعض التيارات الأخرى إلى التشكيك فيها وفي مضمونها، وذلك من خلال بعض الشواهد التي تم ذكرها.. فما هي؟
إياد علاوي وصف تهديدات الصدر بالقتل بـ” الأساليب الرخيصة” التي تهدف إلى الترويع والتهديد بالاغتيال السياسي وفرض الإرادة الأحادية وإعادة العراق إلى أجواء الديكتاتورية
دعايا انتخابية
وفي المقابل هناك فريق يرى أن تصريحات الصدر بخصوص تهديدات تلقاها بقتله لا تعدو كونها نوعًا من الدعاية الانتخابية، كما جاء على لسان محمد العكيلي عضو ائتلاف دولة القانون بالبرلمان العراقي، والذي قال إن خطاب الصدر دعاية انتخابية مبكرة، سواء من حيث الشعارات الكلامية أو من حيث الملصق الذي ظهر في أثناء الخطاب وعليه خارطة العراق وصورة البصمة، أي بصمة الناخب لدى إدلائه بصوته.
العكيلي في تصريحات متلفزة له تساءل عن سبب الغموض المحيط بإعلان تلك التهديدات، حيث قال: “لماذا لم يعلن عمن أطلق التهديدات، علمًا بأن معه تيارًا جماهيريًا يستطيع إخراجه بإشارة واحدة، أو أن يسلك السلوك القانوني بتقديم شكوى؟”.
وبجانب الدعايا يرى عضو ائتلاف دولة القانون بالبرلمان العراقي أن الصدر أراد من خلال هذه التصريحات توجيه ضربة لخصومه السياسيين في الائتلاف الشيعي، مبينًا أنه لم يحدث منذ العام 2003 أن استخدم التهديد بالقتل لشخصيات سياسية بارزة، سواء من قبل شخوص أو مجموعات سياسية، على حد قوله.
أما رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، فقد دعا في بيان له التيار الصدري إلى “إطلاع اخوانهم في التحالف الوطني، والأجهزة المختصة في الحكومة، على تلك التهديدات”، مطالبًا الحكومة والأجهزة الأمنية المعنية باتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير، لحماية الصدر وسائر القيادات السياسية ومنع إي انزلاق أمني غير محسوب.
وبالعودة إلى مسألة الدعاية الانتخابية والتي من المقرر أن تجري الانتخابات العراقية نهاية هذا العام وبداية العام المقبل، فقد هدد الصدر في كلمته بساحة التحرير بأنه “سيقاطع الانتخابات النيابية إذا بقيت مفوضية الانتخابات على حالها وقانونها”، ما يدفع للتساؤل: ما الانتقادات التي يوجهها الصدر لمفوضية الانتخابات والتي بسببها يهدد بالمقاطعة؟
محمد العكيلي يرى أن تصريحات الصدر بشأن تهديدات بقتله تهدف إلى توجيه ضربة لخصومه السياسيين في الائتلاف الشيعي
مقاطعة الانتخابات.. لماذا؟
حملة شرسة يشنها مقتدى الصدر ضد مفوضية الانتخابات في العراق، حيث طالب بإدخال العديد من التعديلات على قانون المفوصية، والذي اتهمه بمحاباة الأحزاب الكبرى على حساب الأحزاب الصغيرة، مما يجعل المنافسة غير موضوعية، كما جاء على لسانه: “بقاء القانون المجحف، يعني أننا سنأمر بمقاطعة الانتخابات”، ومن ثم يسعى إلى إعادة النظر في هذا القانون المعمول به حاليًا.
ومن زاوية أخرى يطالب الزعيم الشيعي بتغيير أعضاء مجلس المفوضية، بدعوى انتمائهم للأحزاب الحاكمة، في إشارة منه لحزب الدعوة، مشككًا في نزاهتهم بقوله: “صناديق الاقتراع يجب أن تكون بأيادٍ مستقلة أمينة لا بأيادٍ مسيسة مقيتة”.
أما عن قدرة مثل هذه التظاهرات والحشود التي يدعو إليها مقتدى الصدر على تلبية مطالبه والاستجابة لرغباته السياسية سواء في تعديل القانون أو تغيير أعضاء المفوضية، أشار مناف الموسوي المحلل العراقي، أن مثل هذه الفعاليات الاحتجاجية جرس إنذار للجهات والشخصيات التي تقف أمام إصلاح المفوضية وتعديل قانونها، متسائلاً: “كيف نستطيع أن نجري انتخابات شفافة في ظل وجود المفسدين داخل المفوضية”؟
الموسوي لفت إلى أن محاولة التفاف المفوضية على مطالب تغيير أعضائها ولوائح علمها باستبدال بعض الأشخاص مكان آخرين محاولة فاشلة تسعى إلى إجهاض مساعي الإصلاح، مؤكدًا مرة أخرى على قدرة هذه التظاهرات على إحداث التغيير المنشود.
وهكذا، فإن سياسية الاحتجاجات وشعارات الإصلاح ومحاولة كسب جميع الأطرف والتي تمثل أبرز محاور الاستراتيجية التي يتبناها مقتدى الصدر، إضافة إلى ما يتمتع به من مرونة في التعامل مع خيوط المشهد السياسي العراقي المعقد، ستلقي بظلالها على المشهد الانتخابي القادم حال تراجعه عن فكرة المقاطعة، إضافة إلى دورها في اقترابه من تحقيق حلمه في تقلد منصب الزعامة الشيعية بشقيها الديني والسياسي.