يعترف أمين عام حزب الله أن مصادر تمويل الحزب تأتي من إيران فقط منذ تأسيسه في العام 1982 حيث تسعى إيران لتحويله إلى “قوة إقليمية” وتسخيرها في أهداف إيران في المنطقة، لكن ثمة من يقول أن هناك مصادر تمويل أخرى للحزب وهي شبكة مالية معقدة تقع خارج إطار النظام المالي الرسمي، حاولت العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تعقبها في محاولة لتجفيف مصادر تمويلها.
الاقتصاد السري لحزب الله
تمكن حزب الله من بناء اقتصاد خاص به خارج إطار الدولة اللبنانية ومؤسساتها بحيث لا تدخل الأموال التي يتم تحويلها إلى الجهاز المصرفي الرسمي في لبنان، إذ اعتمد الحزب منذ تأسيسه على المساعدات المالية القادمة من طهران فقط، وذكرت مصادر لبنانية أن المبالغ التي كان يتلقاها الحزب تقدر بنحو 100 مليون دولار سنويًا في فترة الثمانينات، زاد الدعم مع مرور الوقت إلى أن وصل إلى عتبة 600 مليون دولار، ساهم هذا الدعم في تغطية النفقات المالية للحزب من الحاجات المادية والعسكرية بالإضافة إلى المساعدات الاجتماعية لعوائل القتلى من صفوف الحزب ورواتب المتفرغين.
كلمة اقتصاد تشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات وفق قواعد ومنهجية معينة، وبالنظر إلى أن حزب الله عبارة عن مؤسسة عسكرية معترف بها من قبل الدولة اللبنانية، وهو أيضًا تنظيم سياسي يلعب دور كبير في الحياة السياسية، فالمفروض أن هذه المؤسسة تخضع تعاملاتها المالية للدولة سواءًا كان ذلك الدعم من الخارج أو من أي مصادر أخرى، وبما أن الحزب يتقلى أموال طائلة من إيران فإن نقل الأموال يجب أن يكون من خلال العمليات المصرفية، ولكن هذا لم يحدث طوال الفترة الماضية!.
حصر حزب الله تعاملاته المالية بالسيولة النقدية، وامتنع عن القيام بأي تحويلات مالية أو إيداعات أو شيكات وهو ما يجعل آلية رصد العمليات المالية الخاص بالحزب صعبة للغاية
وهنا برزت مشكلة لكل من يبحث بموارد الحزب، حيث حصر تعاملاته المالية بالسيولة النقدية، وامتنع عن القيام بأي تحويلات مالية أو إيداعات أو شيكات وهو ما يجعل آلية رصد العمليات المالية الخاص بالحزب صعبة للغاية، والأرقام الموجودة في العالم الافتراضي أقرب إلى تخمينات بسبب عدم وجود أرقام رسمية صادرة من أي جهة سوى من تسريبات من داخل الحزب أو عمليات حسابية للتكاليف المالية على شكل توقعات أو من التقراير الصادرة من الاستخبارات الأمريكية، وهو السبب في إطلاق مصطلح “الاقتصاد السري”.
هذا الاقتصاد السري يختلف عن الاقتصاد غير الرسمي أو الموازي كما هو حاصل عادة في كثير من الاقتصادات حول العالم، من حيث الحجم والكيفية. ففي الاقتصاد الموازي تفرض مجموعة من التجار في السوق سياسات معينة ضد سياسات الدولة واقتصادها الرسمي، يهدفون بشكل أساسي للربح وقد تكون الممارسات في هذا الاقتصاد عبارة عن مضاربات في أسعار المنتجات والخدمات. أما الاقتصاد السري فهو اقتصاد مافوي يقوم على تمرير مصالح تلك المافيا لتحقيق هدف معين، إذ قد تتقلي ملايين الدولارات كمساعدات مالية بدون إدخالها في الجهاز المصرفي البلاد، وهي أشبه بغسيل الأموال، او هي نفسها.
الاقتصاد السري هو اقتصاد مافوي يقوم على تمرير مصالح المافيا لتحقيق هدف معين
وحسب مقال منشور في موقع القوات اللبنانية بعنوان “اقتصاد الخراب” في إشارة إلى الممارسات الاقتصادية الخفية لحزب الله، المشكلة التي تواجه أي باحث في اقتصاد “حزب الله” هي أن هذا النشاط الاقتصادي يضفى عليه طابع النضال والمقاومة، والمشكلة الثانية أنه لا يمارس بصفته سلوكًا عاديًا، بل محاط بآيات التبجيل والقداسة، ومحروس بالفتاوى الشرعية التي تبيح لممارسيه ما لا يمكن لأي قانون أو دستور في أي دولة في العالم أن يسمح به.
مصادر تمويل الحزب
يتقاضى الحزب الأموال نقدًا ويسددها نقدًا بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليه وعلى مؤسساته المرتبطة فيه بالإضافة إلى شخصيات مرتبطة فيه، وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة للمبالغ التي يتقاضاها الحزب، فإن الأقام المتوفرة عن ما يسمى ميزانية الحزب مستندة على التقارير الأمريكية التي تتحدث عن نحو 200 مليون دولار تصله سنويًا من إيران توزع على شكل رواتب للمقاتلين ومصاريف وأشياء أخرى، وارتفع هذا الرقم بعد تواريخ مهم منها اغتيال رفيق الحريري وحرب تموز 2006.
مع ذلك لجأ الحزب إلى مصادر تمويل أخرى حيث وصلت ذراع الحزب إلى غرب أفريقيا حيث العدد الأكبر من رجال الأعمال الشيعة، وقد بدأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق في العام الأخير لإدارة أوباما بتعقب حركة انتقال أموال الحزب في أفريقيا والأمريكيتين.
تقدر ميزانية الحزب بحسب التقارير الأمريكية بنحو 200 مليون دولار تصله سنويًا من إيران
في العام 2012 ذكر مجلس النواب الأمريكي أن 30% من مداخيل حزب الله في لبنان هي غائدات تهريب وتصنيع وبيع المخدرات، وكان مجلس الشيوخ الأمريكي أقر في العام 2015 بأغلبية ساحقة في إقرار قرار ضد حزب الله وطالب بإدراج الحزب كمنظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود.
وبحسب التايمز الأمريكية، فإن غالبية وكالات الاستخبارات تعتبر حزب الله متلقيًا سلبيًا للمال الملوث، ففي العالم 2004 كتب مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب في معهد واشنطن متناولًا ما سماه حزب الله فرع أفريقيا قائلا “إنّ ناشطي حزب الله في أفريقيا يقومون باستثمار وغسيل كميات كبيرة من الأموال، ويقومون بتجنيد ناشطين محليين، وجمع معلومات استخباراتية”، وسبب اختيار أفريقيا لتكون داعمة لتمويل الحزب لوجود تجمعات كبيرة شيعيّة ولبنانية مُغتربة تُقيم في أفريقيا، وللإمكانيات المادية الجيدة للبنانيين الأثرياء المقيمين في غينيا، وسيراليون، وليبيريا ودول أفريقية أخرى.
في أوائل عام 2009، أدلى الأدميرال جيمس جي. ستافريديز، القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، بشهادته أمام “لجنة القوات المسلحة” التابعة لـ “مجلس النواب الأميركي” حول العلاقة بين الاتجار غير المشروع بالمخدرات ودعم الإرهاب، حيث شهد بأنه في أغسطس/آب 2008، قامت “القيادة الجنوبيّة الأميركيّة” و”إدارة مكافحة المخدرات” بالتنسيق مع الدول المضيفة لاستهداف عصابة تهريب المخدرات، ووصفها بأنها تابعة لحزب الله في “منطقة الحدود الثلاثية” التي تشمل الأرجنتين والباراغواي والبرازيل.
ذكر مجلس النواب الأمريكي أن 30% من مداخيل حزب الله في لبنان هي عائدات تهريب وتصنيع وبيع المخدرات
كما قام المحققون الأميركيون والكولومبيون في أواخر عام 2008، بتحديد وتفكيك عصابة دولية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال مقرها في كولومبيا، زعمت الإفادات أن قسم من أرباحها – مئات الملايين من الدولارات سنويًا – يذهب لتمويل حزب الله.
بالطبع حزب الله اعتبر أن الاتهامات الأميركية مجرد محاولة “لاستهدافه وتشويه صورته” نافيًا “نفيًا قاطعًا ما ورد من تهم زائفة حول تورطه في تبييض أموال أو تجارة مخدرات أو علاقات بمعاملات مصرفية معينة”.