بعد ست أشهر من المشاورات الماراثونية والتعثّر المتواصل، رأت الحكومة المغربية الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني، النور أخيرا، وبدأت في أعمالها أمس الخميس، في انتظار مرورها إلى البرلمان لنيلها الثقة. حكومة جديدة ضمت 39 وزيرا من حزب العدالة والتنمية الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلى جانب ممثلين عن خمسة أحزاب أخرى، فهل تعكس التركيبة الجديدة نتائج الانتخابات، ومن الرابح والخاسر فيها؟
ائتلاف من ستّ أحزاب
يضم الائتلاف الحكومي الجديد برئاسة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية، كلا من التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
وكان العاهل المغربي محمد السادس قد كلف في 17 مارس الماضي سعد الدين العثماني بتشكيل حكومة جديدة للبلاد، بعد أن فشلت جهود رئيس الوزراء السابق عبد الإله بن كيران للقيام بذلك طيلة خمسة أشهر منذ فوز حزبه العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية.
يضع تشكيل الحكومة الجديدة حدا لتعثر سياسي استمر ستة أشهر منذ الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر الماضي
ويضع تشكيل الحكومة الجديدة حدا لتعثر سياسي استمر ستة أشهر منذ الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر الماضي، وستواصل هذه الحكومة مسلسل الإصلاحات الذي بدأته الحكومات السابقة “واضعة مصلحة المواطن المغربي فوق كل اعتبار“، حسب ما صرّح به رئيسها سعد الدين العثماني عقب الاعلان عنها. وأوضح العثماني، أن الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة التي تمثل الأغلبية وتعكس الإرادة الشعبية، أملته التطورات العديدة التي شهدتها المملكة، إلى جانب الكثير من المعطيات من قبيل ضرورة دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والإسراع في المصادقة على الميزانية.
نصيب العدالة والتنمية في تراجع
39 عضوا، بينهم 20 وزيرا و6 وزراء منتدبين، و13 كاتب دولة، تشكيلة الحكومة الجديدة لسعد الدين العثماني التي ظهرت إلى الوجود، ولئن فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية السابقة بحصوله على 125 مقعدا من أصل 395 مقعدا، فإنه لم يتحصّل على أغلبية هذه المقاعد الوزارية، إذ حصل على 5 وزراء ووزيرين منتدبين وأربعة كتاب للدولة فقط.
تحصل “العدالة والتنمية” على مقاعد وزارية لا وزن لها
ومن الملاحظ أن القطاعات التي أسند تسييرها لوزراء حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، هي وزارات غير استراتيجية وتنتمي إلى الصف الثاني والثالث في الأهمية، ويشكل تسييرها نسبة ضئيلة من الميزانية العامة للدولة، إذ أسند للحزب مقاليد وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، ووزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، ووزارة التشغيل والإدماج المهني، ووزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية.
أكبر خيبة مني بها حزب العدالة والتنمية هي تخليه عن وزارة العدل والحريات
إلى جانب ذلك، فإنّ الوزراء المندبين وكتاب الدولة في المغرب، عادة، لا يملكون ثقلا كبيرا مقارنة بالوزراء الأساسيين، فماذا إن علمنا أنّ الوزارات المنتدبة وكتابة الدولة التي تولاها حزب العدالة والتنمية، تمحورت في العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني والحديث باسم الحكومة، والنقل، والشؤون العامة والحكامة، والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، والتنمية المستدامة، والتعليم العالي والبحث العلمي.
ومقارنة بالتشكيل الحكومي السابق، فإن أكبر خيبة مني بها حزب العدالة والتنمية هي تخليه عن وزارة العدل والحريات، رغم أن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران طلب أكثر من مرة بالإبقاء على مصطفى الرميد وزيرا لها.
“الأحرار” يدعّم وجوده بوزارات حيوية
في مقابل ذلك، كان نصيب حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حلّ رابعا (37 مقعدا) 5 وزارات وكاتبي دولة، إذ حصل الأحرار الذي يقوده رجل الأعمال المقرب إلى الملك عزيز أخنوش، على وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة الاقتصاد والمالية، ووزارة العدل والحريات، ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، ووزارة الشباب والرياضة، وفي خصوص كاتبي الدولة فهما الصيد البحري والسياحة.
الملك محمد السادس إلى جانب زعيم حزب الأحرار، عزيز أخنوش
ومن الملاحظ أن حزب التجمع الوطني للأحرار المحسوب على المخزن تحصّل على الحقائب الحيوية والاقتصادية من قبيل وزارت الفلاحة والصيد البحري والمالية والاقتصاد والاستثمار، التي تعتبر الأهم، إلى جانب حقيبة العدل والحريات التي تشبث بنكيران بها سابقا، خاصة وأن الحقائب السيادية يعينها الملك.
التكنوقراط، أو وزراء الملك على رأس الوزرات السيادية
كما في السابق ذهبت الوزارات السيادية والحساسة إلى شخصيات تكنوقراط_ أي المستقلين الذين لا ينتمون لأي حزب سياسي_ يعينها الملك وفق إرادته، إذ عين الملك محمد الخامس مقربين منه على رأس وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنصب وزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بإدارة الدفاع الوطني ومنصب الأمين العام للحكومة ومنصب وزير منتدب لدى وزير الداخلية.
“المخزن” يحكم قبضته على الحكم
بالرجوع إلى تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة، التي يقودها سعد الدين العثماني، نلاحظ تراجع موقع حزب العدالة والتنمية الذي تصدَّر الانتخابات، إذ أنّ الحقائب المتحصّل عليها من حيث نوعيتها وعددها لا تعكس مرتبته وعدد مقاعده البرلمانية، وبالتالي لا تعكس الشرعية الانتخابية والشعبية التي يفتخر بها الحزب.
عدد من الوزراء التكنوقراط الذين عينهم الملك على عداوة بحزب العدالة والتنمية
في مقابل ذلك، أفلح رجل الأعمال_ حديث العهد بالسياسة_ عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار التفي فرض مطالبه التي كانت أولا باستبعاد حليف العدالة والتنمية، حزب الاستقلال، وحصوله على أهم الحقائب الاقتصادية.
خسارة العدالة والتنمية لم تتوقف عند هذا الحدّ، فعدد من الوزراء التكنوقراط الذين عينهم الملك على عداوة بالحزب على غرار وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الذي كان يشغل منصب والي على جهة “الرباط – سلا – القنيطرة”، ويعرف عن هذا الشخص عداءه للعدالة والتنمية إذ حاول عديد المرات عرقلة نشاطهم والقرارات التي يتخذها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، حتى وصل بهم الأمر إلى المحاكم.
وزير الداخلية الجديد عبد الوافي لفتيت (أقصى اليسار)
ويتأكّد من هذه التركيبة الجديدة للحكومة، سيطرة المخزن على مقاليد السلطة في المغرب، فالتنازلات التي لم يقدّمها بنكيران عجّلت برحيله من منصبه وقدّمها خلفه العثماني ارضاء للمخزن ومحاولة كسب ودّه، الأمر الذي أثار توجسا المغربيين من امكانية فشل ما يطلق عليه “الاستثناء المغربي” وانتهائه قبل الوصول إلى أهدافه وترسيخ الديمقراطية في البلاد.