يتعرض أهالي سيناء منذ إعلان الحرب ضد الجماعات المسلحة هناك لمئات الصور من الانتهاكات والتنكيل، ما بين القتل والإصابة وكبت الحريات وفرض القيود منذ عام 2013 وحتى الآن، وطيلة هذه السنوات الماضية وقع السيناويون بين مطرقة قوات الأمن المصرية وسندان الجماعات المسلحة، ليجد المواطن السيناوي وحده من يتحمل فاتورة هذا الصراع.
ورغم استمرار الحرب ضد تلك الجماعات المسلحة في سيناء قرابة ثلاثة أعوام، وما تبعها من اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية المشددة التي يأتي على رأسها فرض حالة الطوارئ منذ أكتوبر 2014 فضلاً عن التهجير القسري وغيرها، فإن شلالات الدم لم تتوقف، وما ينتهي يوم إلا ويستيقظ المصريون على نبأ مقتل جندي هنا أو مسلح هناك.
ضحايا الصراع المستمر بين قوات الأمن والجماعات المسلحة لم يقتصروا على الجنود والمسلحين فحسب، بل تجاوز ذلك إلى سقوط المئات من المدنيين، ما بين شيوخ ونساء وأطفال، فضلاً عن آلاف الإصابات، وهو ما كشفت عنه التقارير الواردة عن المنظمات الحقوقية ما بين الحين والآخر.
وفي هذا الإطار رصدت منظمة سيناء لحقوق الإنسان الانتهاكات الواقعة على المدنيين في سيناء خلال الربع الأول من هذا العام 2017، للوقوف على حجم معاناة أهالي سيناء في ظل المواجهات الدامية بين قوات الأمن المصرية وتلك الجماعات المسلحة، فضلاً عن استهداف أهالي سيناء من قبل جهات مجهولة، كما سيرد ذكره لاحقًا.
262 انتهاكًا والعريش في المقدمة
تعرضت سيناء خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام (يناير – فبراير – مارس) إلى ما يقرب من 262 انتهاكًا متنوعًا، أغلبها إطلاق قذائف مدفعية عشوائية، سواء من قوات الأمن أو الجماعات المسلحة، حيث تصدرت منطقة العريش ورفح قائمة المناطق الأوفر حظًا ونصيبًا من هذه الانتهاكات بواقع 199 انتهاكًا بنسبة 76% .
ثم تأتي منطقة الشيخ زويد ووسط سيناء في المرتبة الثانية بواقع 47 انتهاكًا بنسبة 18% من إجمالي الانتهاكات، تليها منطقة جنوب سيناء بواقع 15 انتهاكًا، وآخرها منطقة بئر عبد بواقع انتهاك واحد فقط.
تصدر شهر يناير الماضي قائمة الأشهر الثلاث الأكثر عددًا في إجمالي الانتهاكات التي تعرض لها أهالي سيناء، وذلك بإجمالي 100 انتهاك خلال الربع الأول من هذا العام، نصفها في منطقة العريش فقط، ثم تراجعت الانتهاكات في شهر فبراير مقارنة بيناير حيث بلغت 66 عملية، ما يقرب من نصفها كان من نصيب منطقة رفح، ثم عاودت الصعود مرة أخرى في شهر مارس لتصل إلى 96 انتهاكًا، كان لرفح أيضًا النصيب الأكبر منها.
ما يقرب من 262 انتهاكًا تعرض له أهالي سيناء خلال يناير وفبراير ومارس الماضيين أغلبهم في منطقة العريش
عدد الانتهاكات التي تعرض لها السيناويين خلال الربع الأول من 2017 / المصدر: منظمة سيناء لحقوق الإنسان
107 قتلى مدنيين وإصابة 111
بحسب التقرير، بلغ إجمالي القتلى (خارج إطار القانون) من المدنيين في سيناء خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام نحو 107 مدنيين، 88 منهم من الرجال، 10 من النساء، و9 من الأطفال، بينما بلغ عدد المصابين من المدنيين نحو 111 حالة، 62 من الرجال، 28 من النساء، و21 من الأطفال.
الأرقام الواردة بحسب منظمة سيناء لحقوق الإنسان تشير إلى أن الربع الأول من هذا العام شهد أرقامًا غير مسبوقة في معدلات القتل والإصابة مقارنة بالفترات الماضية، حيث شهد شهر يناير وحده مقتل ما لا يقل عن 44 مدنيًا، من بينهم 4 نساء و3 أطفال، وإصابة نحو 39، من بينهم 10 نساء و9 أطفال، بينما شهد فبراير مقتل 35 مدنيًا، بينهم 4 نساء و3 أطفال، وإصابة نحو 27، من بينهم 8 نساء، وطفل واحد، أما مارس فقد بلغ عدد القتلى فيه من المدنيين 28، من بينهم امرأتان و3 أطفال، وإصابة نحو 45، من بينهم 10 نساء، و11 طفلاً.
107 من المدنيين، بينهم 10 من النساء، و9 من الأطفال، حصيلة القتلى من المدنيين في سيناء خلال ثلاثة أشهر
المصدر: منظمة سيناء لحقوق الإنسان
تصاعد وتيرة الانتهاكات
من الشواهد التي أقرتها المنظمة زيادة وتيرة الانتهاكات التي تعرض لها أهل سيناء خلال الفترة التي تضمنها التقرير، سواء من قبل قوات الأمن المصرية (الجيش والشرطة) أو الجماعات المسلحة فضلاً عن بعض الانتهاكات التي يتعرض لها السيناويين من قبل جهات مجهولة.
ووفق الشهادات الموثقة من قبل عينة من الأهالي فإن ما يقرب من 42% من السيناويين تعرضوا لصورة ما من صور الانتهاكات، جاءت أغلبها نتيجة عمليات القصف المدفعي وإطلاقات النار العشوائية، والتي طالت المدنيين وأعيانًا مدنية، من بينها المدارس، والتي تسببت في نزوح السكان من أماكن إقامتهم، ويمكن رصد تلك الانتهاكات في 4 محاور:
الأول.. الطوارئ
منذ إعلان حالة الطوارئ في سيناء في أكتوبر 2014 يواجه الشعب السيناوي العديد من صور الانتهاكات وتضييق الخناق بين الحين والآخر، وهو ما تجسد في فرض قيود على التحرك والتنقل، فضلاً عن الاعتقالات التعسفية التي يتعرض لها الكثير من أهالي سيناء.
وبحسب البعض فإن نسبة كبيرة من أهالي سيناء تعرضوا لمضايقات أمنية بسبب كثرة الكمائن المنتشرة في شوارع سيناء لا سيما العريش ورفح، وهو ما نجم عنه اعتقال العشرات من أبناء المنطقة بدعوى الاشتباه، فضلاً عن اقتحام قوات الأمن للعديد من المنازل دون سابق إنذار وهو ما تسبب في استياء الأهالي بصورة كبيرة.
الثاني.. التهجير القسري
الإجراءات التعسفية التي تعرض لها أهالي سيناء بسبب الطوارئ فضلاً عن زيادة وتيرة القصف العشوائي للعديد من المنازل والمباني المدنية والأهلية دفع الأهالي إلى التهجير القسري من أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى في داخل المدينة أو خارج سيناء، بما يشبه إلى درجة كبيرة ما تعرض له أهالي مدينة الشيخ زويد عامي 2014 و2015 حين عمدت قوات الأمن إلى تهجيرهم بدعوى تمركز العديد من الجماعات المسلحة في هذه المنطقة.
كما شهدت العريش عمليات استهداف وتصفية واعتقالات تعسفية وإخفاء قسري، منها ما حدث يناير الماضي حين أقدم الأمن المصري على تصفية 10 شباب بدعوى تورطهم في أعمال إرهابية ضد بعض جنود القوات المسلحة، وهو ما نفته المنظمة (سيناء لحقوق الإنسان) حينها، بعد تأكيدها أن الذين ذكرتهم الوزارة كانوا معتقلين تعسفيًا لديها بمدد مختلفة.
الانتهاكات ضد الأقباط دفعت 140 عائلة منهم إلى النزوح خارج سيناء
الثالث.. استهداف الأقباط
استهداف المدنيين من أهالي سيناء لم يقتصر فقط على المسلمين، بل كان للأقباط نصيب أيضًا، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، تعرض أقباط سيناء لحملات مناهضة من قبل الجماعات المسلحة المنتشرة، إذ قتل ما لا يقل عن 8 أقباط، تم استهدافهم على نحو أرجعته المنظمة إلى بُعد طائفي.
وبحسب شهادات الأقباط فإن الجماعات المسلحة نجحت في تهديد الأقباط داخل منازلهم، حيث كتبت على جدرانهم بعض العبارات التحذيرية، وهو ما أصابهم بحالة من الذعر نجم عنه لجوء أكثر من 140 عائلة قبطية إلى الفرار والنزوح إلى مناطق خارج سيناء، لا سيما إلى مدينة الإسماعيلية.
نزوح 140 عائلية قبطية من العريش ورفح خلال الربع الأول من 2017
الرابع.. طائرات دون طيار (الزنانة)
من صور الانتهاكات التي يتعرض لها السيناويون القصف من قبل طائرات دون طيار، والتي تسمى “الزنانة”، والذي أسفر خلال الأشهر الثلاث الأولى لهذا العام عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيًا، ففي 20 من يناير قتل 10 مدنيين إثر قصف استهداف المصلين عقب خروجهم من مسجد شيبانة، بعد صلاة الجمعة، بمنطقة العجراء جنوبي رفح، و6 آخرين من بينهم طفلين من قبيلة السواركة، شرق منطقة شيبانة جنوبي رفح.
ورغم عدم تعليق السلطات المصرية على القصف بهذه الطائرات “الزنانة” والتزامها الصمت خاصة في ظل التقارير الواردة بشأن عدم امتلاك الأمن المصري لمثل هذا النوع من الطائرات، فإنه – ووفق المنظمة – فإن مصادر قبلية زعمت بأن هذه الطائرات إسرائيلية إلا أنه لم يرد ما يؤكد هذا المعتقد.
وهكذا وبعد مرور ما يزيد على 3 سنوات من الحرب ضد الجماعات المسلحة في سيناء، فضلاً عن فرض حالة الطوارئ منذ أكتوبر 2014 وحتى الآن، يظل السيناويون وحدهم من يدفعون فاتورة المواجهات الملتهبة بين قوات الأمن المصرية وتلك الجماعات، ورغم ادعاءات السلطات المصرية فرض سيطرتها على الوضع السيناوي وإعادة الاستقرار هناك فإن التقارير الواردة مؤخرًا تنفي ذلك بصورة كبيرة.