تستعد تونس لإجراء الانتخابات المحليّة القادمة في الـ 17 من ديسمبر 2017، بعد اقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لهذا الموعد إثر اتفاق معظم الأحزاب السياسية عليه، لكن السؤال المطروح اليوم، هل نشهد انتخابات “محلية وجهوية” عملا بالدستور الجديد للبلاد أم انتخابات “بلدية” كانتخابات عهد “زين العابدين بن علي” وهل ستكون هذه الانتخابات محققة لمبدأ اللامركزية أم تشرّع تواصل احتكار المركز لكلّ السلطات.
هل سيؤجل تطبيق اللامركزية؟
منذ فبراير 2014، ينتظر التونسيون موعد الانتخابات المحلية لتطبيق ما جاء به دستور بلادهم، الذي نصّ على مبدأ اللامركزية، ويراهن أغلبيتهم على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزيّة، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية.
إلاّ أنّ اجراء هذه الانتخابات دون المصادقة على مجلّة الجماعات المحلية، سيضع حدّا أمام هذه الانتظارات، وسيؤجّلها إلى انتخابات أخرى، حسب عديد الخبراء التونسيين، وتهدف مجلة الجماعات المحلية، المنتظرة، إلى وضع إطار تشريعي موحد لعمل المجالس المحلية المنتخبة يستجيب للمبادئ العامة للدستور ومعايير الحوكمة المحلية، وتؤسس لمنظومة جماعات محلية على ثلاث مستويات: البلديات والجهات والأقاليم. ويضبط توزيع الصلاحيات فيما بينها، ترسي أليات الرقابة الادارية والمالية والمشاركة المجتمعية في الشأن المحلي.
القانون القديم، يمنح ممثل السلطة التنفيذية في المحافظة صلاحيات كبرى على حساب صلاحيات المجالس المنتخبة
في هذا الشأن قال النائب في البرلمان التونسي والأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة، عماد الدايمي، لنون بوست إن “عدم المصادقة على مجلة الجماعات المحلية، سيشكل عائقا رئيسيا أمام اجراء الانتخابات البلدية القادمة”، وتابع: “القانون القديم، يمنح ممثل السلطة التنفيذية (المحافظ) في المحافظة صلاحيات كبرى على حساب صلاحيات المجالس المنتخبة وهو ما يفرغ تلك المجالس من مضمونها، الأمر الذي سيؤجل تطبيق ما جاء في الباب السابع من الدستور من مبادئ واضحة للامركزية والحوكمة المحلية والديمقراطية التشاركية”.
وبحسب الفصل الـ 131 من الدستور التونسي، وتحديدًا الباب السابع الخاص بالسلطة المحلية، فإن اللامركزية تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون.
الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة، عماد الدايمي
وتتمتع الجماعات المحلية استنادا إلى الفصل الـ 132 من الدستور بالشخصية القانونية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحر. وتمكن للجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي.
وأعتبر الدايمي، التأخير في عرض المجلّة على أنظار مجلس نواب الشعب، “مناورة من أجل الدفع إلى تأجيل الانتخابات من طرف الأحزاب الحاكمة غير الجاهزة لهذه المحطة الانتخابية والغارقة في مشاكلها الحزبية الضيقة”.
وأضاف لنون بوست،” إلى جانب ذلك نعتبر أن مسار اعتماد هذه المجلة لم يحترم واجب التشاركية القصوى حيث لم تحظى المجلة بحوار وطني مفتوح وظلت صياغتها مرتهنة لإرادة مركزية فوقية تجلت فيها مقاومة اللامركزية والحكم المحلي الحقيقي وهو ما يهدد بأن ندخل في مرحلة من الحكم المحلي الصوري المحاصر من مركز لا يريد التخلي عن صلاحياته”.
قانون 1975: مخرج لعدم تعطيل الانتخابات البلدية القادمة
في مقابل ذلك، أكّد عضو اللجنة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بوفون لنون بوست، أن الانتخابات ستجرى حتى في حال لم تتم المصادقة على المجلة، وقال: “القانون الانتخابي الجديد خوّل إمكانية اللجوء إلى قانون 1975 إلى أن يصادق على المجلة، وهو ما يعتبر مخرجا لعدم تعطيل الانتخابات البلدية القادمة والهيئة مطالبة بتنفيذه”، وتابع: “يمكن الذهاب استثنائيا وفي مرحلة انتقالية إلى القانون السابق إلى أن تتم المصادقة نهائيا على المجلة الجديدة”.
مواصلة العمل بقانون 1975، لا يعني أنه قانون دستوري، فهو لا يتطابق مع مبدأ اللامركزية والدستور
وينصّ الفصل 173 مكرّر من القانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء المصادق عليه حديثا، على إبقاء العمل بقانون 1975، في حال عدم المصادقة على مجلّة الجماعات المحليّة ودخولها حيّز التنفيذ مع المجالس البلدية المنتخبة.
“مواصلة العمل بقانون 1975، لا يعني أنه قانون دستوري، فهو لا يتطابق مع مبدأ اللامركزية والدستور”، حسب بوفان، الذي أكّد أيضا “أن قانون 1975 لا يوفّر الضمانات التي جاء بها دستور 2014، إلا أنه مرحليا وقانونيا يمكن العمل به إلى حين المصادقة على مجلة الجماعات المحلية.” وتؤكّد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على أهمية إحالة مجلة الجماعات المحلية إلى مجلس نواب الشعب، والمصادقة عليها في أقرب الأجال، وأن تدخل حيز النفاذ قبل شهر ديسمبر 2017.
“البوصلة”: قانون 1975 غير دستوري
سبق لعديد المنظمات المدنية في تونس أن أكّدت ضرورة اسراع المصادقة على إطار قانوني كامل ومتناسق في مجال اللاّمركزيّة، قبل الشّروع في الانتخابات القادمة حتى تتطابق مع الدستور، وألا يكون المسار الانتخابي صوريّا.
في هذا الشأن قالت أكّدت رئيسة منظمة البوصلة (مستقلة) شيماء بوهلال، لـ”نون بوست”، ضرورة إحالة مجلة الجماعات المحلية على أنظار مجلس نواب الشعب والمصادقة عليها قبل الانتخابات المقررة في 17 ديسمبر 2017″، على اعتبار أن “قانون 1975 غير دستوري”. وأضافت، “كمجتمع مدني نعمل على الضغط إيجابيا لتمرير هذه المجلة خاصة وأننا متأكّدون أن مجلس نواب الشعب له الوقت الكافي لمناقشتها والمصادقة عليها.”
رئيسة منظمة البوصلة شيماء بوهلال
وحسب الرزنامة التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإن تسجيل الناخبين سينطلق في 19 من جوان وينتهي في 10 من أغسطس ويفتح باب الترشيحات في 19 من سبتمبر ويغلق في 26 من نفس الشهر، على أن تبدأ الحملة الانتخابية في 25 من نوفمبر 2017 وتنتهي في 15 من ديسمبر ويقترع الأمنيون والعسكريون في الـ10 من ديسمبر ويوم 17 من نفس الشهر تفتح مكاتب الاقتراع لبقية الناخبين المسجلين، وستعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية أيام 17 و18 و19 و20 من ديسمبر على أن تعلن النتائج النهائية في أجل أقصاه 24 من نفس الشهر.