يشكو قطاع الصحة العمومية في تونس من العديد من المشاكل فيما يخص الخدمات الصحية التي يقدّمها والتجهيزات التي يعتمد عليها، والخلل بين الجهات، والإمكانات التي ترصدها الدولة التونسية لهذا القطاع المهم والحساس الذي صار يشتكي من رداءته معظم التونسيين.
تراجع الخدمات
رغم نجاح تونس، في بناء منظومة صحية متطوّرة، كفيلة بتقديم الرعاية الصحية لأبنائها والقضاء على الأمراض والأوبئة وتكوين الإطارات والتقليص في عدد الوفيات عند الولادة ورفع الأمل في الحياة، إلاّ أن واقع مستشفياتها ومراكزها الصحية بات يشكو العديد من النقائص، حتى أصبحت هذه المستشفيات “مريضة”.
نقائص عدّة على رأسها نقص التجهيزات والمعدات الطبية التي يحتاجها المريض بشكل يومي في أثناء قدومه للعلاج وتقادم بعضها مما يجعلها غير مطابقة للمواصفات ونقص عدد الإطارات الطبية وشبه الطبية وخصوصًا منها طب الاختصاص مما يتسبب حتمًا في بطء العلاج وحدوث الاكتظاظ بالمؤسسات الاستشفائية، وعادة ما تفوق طاقة الاستيعاب المعدات الموجودة.
كثيرًا ما يخلّف الاكتظاظ في المستشفيات التونسية ضغطًا كبيرًا يؤدّي إلى تعكير الأجواء بين المرضى والطاقم الطبي
ويشكو المرضى في تونس من ضعف الخدمات الصحية، إذا ما تعلق الأمر بالاستقبال واحترام الذات والخصوصيات وتوفير المعلومات اللازمة، وطول الانتظار وتباعد المواعيد والنقص في الأدوية وسوء التنظيم والضجيج، وغيرها من المشاكل التي تجعل المؤسسات الصحية العمومية لا تحظى برضاهم، فالطوابير أمام مكاتب التسجيل طويلة، وقاعات الانتظار ممتلئة، والمواعيد تتأجل لأشهر.
اكتظاظ المستشفيات
وكثيرًا ما يخلّف الاكتظاظ في المستشفيات التونسية ضغطًا كبيرًا يؤدّي إلى تعكير الأجواء بين المرضى والطاقم الطبي وتعطيل تأمين الخدمات، ويتراوح معدّل فترة الحصول على موعد بالنسبة إلى الأمراض العادية في تونس، بين ثلاثة وأربعة أشهر للحالات غير الطارئة أو المستعجلة، نظرًا لنقص الأطباء والمعدات والعقاقير.
نقص الأدوية
رغم تخصيص نسبة عالية من ميزانية قطاع الصحة للأدوية، تعاني المستشفيات والمراكز الصحية في تونس من نقص فادح في الأدوية، يصل في بعض الفترات إلى حدّ نفاذ المخزونات، ويرجع ذلك إلى غياب سياسة الاستخدام الرّشيد للأدوية ونقص التّمويل الكافي إلى جانب الفساد وسوء التصرّف في هذا القطاع.
انتشار الفساد
يصنف قطاع الصحة في تونس من أكثر القطاعات الفاسدة في البلاد حسب إحصائيات المعهد التونسي للإحصاء، وحسب ما أقرّت به وزيرة الصحة التونسية سلوى المرعي، وعرفت سنة 2016 عديد من القضايا المتعلقة بالفساد في هذا القطاع، من بينها صفقة اللوالب القلبية الاصطناعية غير الصالحة والتي تم ضبطها في العشرات من المصحات الخاصة، إلى جانب استخدام تخدير فاسد في عدد من المستشفيات العمومية، الأمر الذي أدى إلى وفاة 3 مرضى بحسب وزارة الصحة، مما أثار بلبلة جدّ كبيرة في صفوف التونسيين الذين اتهموا المسؤولين بالتقصير والأهمال وتجاهل مصلحة المواطن.
تفاوت بين الجهات
ضعف القطاع الصحي وما يعانيه من مشاكل، يشتدّ أكثر في الجهات الداخلية للبلاد، التي تعاني أغلب مستشفياتها من نقص في أطباء الاختصاص، مما سبّب في وفاة عشرات المرضى، وتدهور حالة المئات منهم.
وحاولت وزارة الصحة التونسية إيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة، بإلزامية استمرار الخدمات الصحية، وعدم خروج أي طبيب من عمله إلّا بعدما يصل الطبيب الذي سيأخذ مكانه، كما أعلنت برنامجًا سيبدأ قريبًا، رصدت من خلاله اعتمادات مالية كبيرة لسداد أجور الأطباء في المناطق الداخلية، وخلق تشجيعات لهم، لأجل سد الخصائص في التوليد وطب الأطفال والجراحة العامة وأمراض القلب والانعاش والتخدير والتصوير الطبي.
يشمل القطاع العام 2300 مركز للرعاية الصّحية الأساسية، إلى جانب 27 تجمعًا للصحة الأساسية و109 مستشفيات محلية و33 مستشفى جهويًا
وحاولت وزارة الصحة التونسية، سنة 2013، إصدار قانون يقضي بإجبار أطباء الاختصاص على العمل في المناطق الداخلية للبلاد لمدة ثلاث سنوات، ثم سنة واحدة بعد رفض المقترح الأول، غير أن القرار لم يمر بعدما واجه معارضة شديدة، وتؤكد دراسات في هذا الشأن، نشرت مؤخرًا، وجود فوارق بين مختلف الجهات من حيث التغطية الصحية ومؤشرات الصحة في تونس، حيث تسجّل أكبر نسب وفيات وأضعف المؤشرات من حيث التغطية بالخدمات الصحية لفائدة الأم والطفل، بالمناطق الغربية وخاصة مناطق الوسط الغربي.
ويشمل القطاع العام 2300 مركز للرعاية الصّحية الأساسية، إلى جانب 27 تجمعًا للصحة الأساسية و109 مستشفيات محلية و33 مستشفى جهويًا و18 مركزًا ومعهدًا مختصًا و12 مركزًا طبيًا و3 مستشفيات تابعة لوزارة الدفاع ومشفى واحد تابع لوزارة الداخلية، بطاقة استيعاب إجمالية تقدّر بـ19630 سريرًا أي بما يعادل 1.84 سرير لكلّ ألف ساكن تونسي في السنة.