لا تزال أصداء إعلان “مشروع القدية الترفيهي” تشتعل حتى اللحظة في مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية، وفي المجالس الخاصة والعامة، لا سيما أن تكلفة المشروع تجاوزت حاجز الـ30 مليار ريال في وقت تعاني فيه ميزانية الدولة من عجز كبير، والمواطن من إجراءات تقشفية قاسية.
لا أحد يُنكر أنَّ المجتمع السعودي بحاجة إلى مشاريع ترفيهية “حقيقية”
بدايةً، لا أحد يُنكر أنَّ المجتمع السعودي بحاجة إلى مشاريع ترفيهية “حقيقية”، لكن اعتماد هذا المشروع، في هذا الوقت بالتحديد، يبيّن بوضوح مدى ابتعاد صناع القرار عن هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية، وأن أولوياتهم بعيدة كل البعد عن أولويات شعبهم، فهناك ملفات أهم بكثير، كالبطالة والتعليم والصحة والإسكان الذي يعاني منه أكثر من 70% من الشعب، فضلًا عن ملف مكافحة الفساد.
ثم إن هذا المشروع الكبير يأتي بعد أشهر قليلة من إعلان الحكومة أن الدولة قد “تُفلس” في غضون ثلاثة أعوام إذا لم تتّبع إجراءات تقشفية جريئة، فأعقبتها بسلسلة قرارات أضرّت كثيرًا بجيب المواطن، إذ قلّصت راتبه ورفعت دعمها عن كثيرٍ من السلع وفرضت الضرائب ورفعت الأسعار وأوقَفَت مشاريع عملاقة وسرّحت موظفين، ولا تزال القرارات القاسية تتوالى، وهي قرارات أقل ما يُقال عنها أنها “تفقير ممنهج” للمواطن.
الأمر الأول: إذا كانت الدولة ستُفلس فعلًا، فمن أين جاءت كل هذه المليارات؟ في حقيقة الأمر، هذا يعني إمّا أن الأمور المالية جيدة والحكومة كذبت على مواطنيها، أو أنها متخبطة وسوء الإدارة والتخطيط يغشاها من رأسها إلى أخمص قديمها، وفي كلا الحالتين مؤشر خطير لا يبشّر بخير.
كيف ترفّه عن مجتمع لا تتجاوز أحلامه 200 متر مربع للسكن؟
الأمر الآخر هو: كيف ترفّه عن مجتمع لا تتجاوز أحلامه 200 متر مربع للسكن؟ وكيف ترفّه عن مجتمع أصبحت الوظيفة بالنسبة لخرّيجيه “حلم”؟ وكيف ترفه عن مجتمع والمريض فيه لا يجد سريرًا في مستشفى، أو لا يحصل على العلاج إلا بعد أن يُهدر كرامته باستجداء هذا الأمير وذاك؟ وكيف ترفه عن مجتمع يدرس معظم طلابه في مطابخ وحمامات مستأجرة؟ وكيف..؟ وكيف..؟
نسبة العاطلين لدينا كبيرة جدًا، أعدادهم تتجاوز المليون مواطن على أقل تقدير، ونسبة الفقر تزداد يومًا بعد آخر بشكل كبير ومتسارع، فبحسب الاقتصادي تركي الرشيد فإن واحدًا من كل خمسة سعوديين تحت خط الفقر، وهذا الأمر خطير جدًا، لكنه يكون منطقيًا إذا ما علمنا أن 90% من ثروة البلد “تشفطها” الطبقة العليا التي تمثّل 10% من المجتمع فقط، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عبد العزيز الدخيل!
10% يكاد يكونون المستفيدين فقط من مشاريع الترفيه المقترحة، لذلك نراهم الوحيدين الذين يتهافتون على تذاكر الحفلات الموسيقية التي أقامتها “هيئة الترفيه” والتي تتجاوز الـ2500 ريال
وهؤلاء الـ10% يكاد يكونون المستفيدين فقط من مشاريع الترفيه المقترحة، لذلك نراهم الوحيدين الذين يتهافتون على تذاكر الحفلات الموسيقية التي أقامتها “هيئة الترفيه” والتي تتجاوز الـ2500 ريال، أما الأغلبية فتبقى في حسبة الراتب البسيط الذي لا يكفي لمنتصف الشهر، وفي أزمات السكن والصحة والتعليم والطرق والرسوم والضرائب، فأيُّ ترفيهٍ هذا؟!