“عاجل.. مقتل رجل أمن وإصابة 4 آخرين في محيط دير سانت كاترين”، “مدير أمن جنوب سيناء: فرد أمن أطلق النار بالخطأ في حادث سانت كاترين”، “الداخلية: مسلحون أطلقوا النار على كمين بسانت كاترين ولاذوا بالفرار”، ثلاثة أخبار تفصل بينهم دقائق معدودة تناولت الهجوم المسلح الذي تعرض له كمين سانت كاترين بشمال سيناء مساء أمس الثلاثاء والذي أسفر عن مقتل أمين شرطة وإصابة 4 مجندين.
البداية كانت مع الخبر الذي عنون له بكلمة “عاجل” معلنًا وقوع هجوم مسلح على كمين بمنطقة سانت كاترين دون إبداء أي تفاصيل وذلك في تمام الساعة 9.43م بتوقيت القاهرة، ثم نفي الهجوم على لسان اللواء أحمد طايل مدير أمن جنوب سيناء في تمام الساعة 10.1م بتوقيت القاهرة، مفسرًا الحادث بأنه قتل عن طريق الخطأ من قبل أحد أفراد أمين الكمين، إلى أن تم تأكيد الخبر عن طريق المركز الإعلامي لوزارة الداخلية في تمام الساعة 10.37م بتوقيت القاهرة.
الأخبار الثلاث وما تحمله من مضامين ودلالات تعكس حالة التخبط الأمني والفشل الواضح في إدارة ملف مواجهة التنظيمات المسلحة في سيناء، فضلاً عما تثيره من علامات استفهام بشأن تصريحات المسؤولين الأمنيين ومدى ما تتمتع به من مصداقية وثقة من قبل المواطنين، مما يدفع للتساؤل: هل تحكم قوات الأمن المصرية قبضتها فعلاً على سيناء؟ وهل أسفرت السياسات الأمنية المتبعة طيلة السنوات الماضية في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”؟
قتيل و4 إصابات
بحسب رواية الداخلية المصرية، فإن الهجوم المسلح على كمين سانت كاترين بجنوب سيناء والذي وقع مساء أمس الثلاثاء جاء نتيجة مهاجمة عدد من المسلحين أعلى المنطقة الجبلية الواقعة أمام أحد الأكمنة الأمنية الموجودة بطريق سانت كاترين لأفراد الكمين بوابل من إطلاق الأعيرة النارية، مما أدى إلى مقتل أمين شرطة يدعى جمال محمد سعيد 39 عامًا، وإصابة محمد ناجح عبد الرحيم مجند 23 سنة، مصاب بطلق ناري بالحوض الأيمن، ومصطفى قطب محمد 36 سنة، مصاب بطلق ناري في الحوض الأيسر، وموظف بالأمن العام رضا عبد الرحيم حسن، مصاب بطلق ناري في الفخذ الأيمن 36 سنة، ويعمل بقسم شرطة سانت كاترين، ومحمد حسن، 39 سنة، مصاب بطلق ناري في الصدر.
كما تبادلت قوات الأمن المصرية إطلاق النيران مع العناصر المسلحة وأصابت بعضهم دون أنباء تفيد بمقتل أي منهم، مما دفعهم للفرار والعودة إلى المنطقة الجبلية مرة أخرى، حيث وصل إلى مقر الحادث سيارات الإسعاف لنقل المصابين إلى أقرب مستشفى من المنطقة.
وبعد دقائق معدودة من الهجوم، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” نقلاً عن وكالة أعماق التابعة للتنظيم، والتي قالت في بيانها: “الهجوم الذي وقع قرب كنيسة سانت كاترين (في) جنوب سيناء نفذه مقاتلو الدولة الإسلامية”.
هجوم من قبل عناصر مسلحة على كمين سانت كاترين أسفر عن مقتل أمين شرطة وإصابة 4 مجندين آخرين
1071 عملية إرهابية في 3 سنوات
أعلنت قوات الأمن المصرية الحرب على التنظيمات المسلحة في سيناء منذ ما يزيد على ثلاث سنوات تقريبًا، أعقبتها بفرض حالة الطوارئ ثم اتخاذ بعض الإجراءات التي حملت في كثير منها انتهاكات واضحة للمدنيين وأهالي سيناء، أبرزها التهجير القسري والتضييق على حرية التنقل والتحرك.
وعلى الرغم من الدعم المتواصل لقوات الأمن في سيناء طيلة السنوات الماضية فإن هذه المنطقة تعرضت إلى ما يقرب من “1071” عملية إرهابية خلال السنوات الثلاثة الماضية (2014-2015-2016) ما يقرب من 89% منها نفذته جماعة أنصار بيت المقدس، التابعة لتنظيم داعش وذلك بحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
هذا الكم الهائل من العمليات يتنافى تمامًا مع ما تعلنه السلطات المصرية بشأن إحكام سيطرتها على الوضع الأمني في سيناء، والقضاء على كل البؤر الإرهابية هناك، فضلاً عن تطهير المنطقة من عناصر تنظيم الدولة، سواء بالقتل أو الاعتقال أو دفعهم للفرار خارج سيناء.
البعض ذهب في تقييمه للأمور بأن تلك الأعمال التي شنتها الجماعات المسلحة في سيناء وقعت في السنوات الثلاثة الماضية مما يعني أنها لم تقع الآن، وأن الوضع في الوقت الراهن تغير بصورة كاملة، في ظل إحكام الأمن قبضته على مداخل ومخارج المنطقة كافة، مما أدى إلى تراجع عناصر تنظيم الدولة بشكل ملحوظ.
من علامات الاستفهام التي تفرض نفسها بقوة أيضًا عند التعامل مع هذا الحادث تحذير الكيان الإسرائيلي لرعاياه من الذهاب إلى سيناء قبل أيام قليلة من هذا الهجوم.. فهل لتلك التحذيرات دلالة؟
“1071” عملية إرهابية نفذت خلال السنوات الثلاث الماضية (2014-2015-2016) في مناطق متفرقة من سيناء
1071 عملية إرهابية في سيناء فقط خلال 3 سنوات
تل أبيب تحذر رعاياها
بداية لا بد أن نشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بتحذير رعاياها من السفر إلى سيناء أو تطالبهم بمغادرتها لدواعٍ أمنية، ففي الثامن والعشرين من مارس الماضي تزامنًا مع عيد الفصح حذرت تل أبيب مواطنيها من السفر إلى عدة أماكن على رأسها سيناء حسبما أكدت هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، إلا أنها لم تقدم على إغلاق معبر طابا.
وبعد مرور ثلاثة عشر يومًا على هذا التحذير وبالتحديد في العاشر من أبريل الحالي حذر عوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، رعايا تل أبيب الموجودين في سيناء من هجمات إرهابية، معلنًا غلق معبر طابا من الطرف الإسرائيلي بهدف منع دخول مواطنين إسرائيليين إلى سيناء.
البعض ذهب في تفسيره لتلك التحذيرات أنها من قبيل المصادفة لا أكثر، إلا أن فريقًا آخر أشار إلى أنه من الممكن أن تكون لدى تل أبيب معلومات عن تحركات بعض العناصر المسلحة وهو ما دفعها لتحذير رعاياها.
وبعيدًا عن التأويلات المتباينة لتلك التحذيرات إلا أن هجوم الأمس الذي استهدف كمين سانت كاترين، بالإضافة إلى عدد من الشواهد الأخرى، يجسد حجم الفوضى الأمنية في سيناء، وتمدد “داعش” بشكل كبير.
في العاشر من أبريل الحالي حذرت تل أبيب رعاياها من السفر إلى سيناء وأغلقت معبر طابا الحدودي
فوضى أمنية
نقلت بعض وسائل الإعلام المصرية عن مصادر قبلية بسيناء وقوع عدد من المناوشات والمواجهات المسلحة وتبادل إطلاق النار بين بعض القبائل وعناصر من تنظيم “ولاية سيناء” بمناطق متفرقة في جنوب سيناء، بحسب جريدة “الشروق” المصرية.
المصادر القبلية بحسب الصحيفة أوضحت أن المواجهات كانت بسبب سقوط قذيفة (آر بي جيه) على ديوان قبلي ما أدى إلى تدميره في منطقة محيطة بقرية البرث جنوب رفح بنحو 17 كيلومترًا، وهو مما دفع أبناء هذه القبيلة إلى ملاحقة العناصر المسلحة والتحفظ على 3 منهم، في مقابل قيام تلك العناصر بخطف اثنين من القبيلة.
أما بحسب جريدة “البوابة” المصرية – الداعمة للنظام – فإن اشتباكات وقعت بين قبيلة “الترابين” إحدى قبائل شمال سيناء، وعناصر من تنظيم داعش، على خلفية قيام الأخير بخرق الاتفاق الضمني مع القبائل بشأن مرور البضائع المهربة حين أحرق شاحنتي “سجائر” حاول أبناء القبيلة تهريبها إلى غزة عبر الحدود، فضلاً عن خطف اثنين من القبيلة.
مواجهات وتبادل إطلاق النار بين قبائل وتنظيمات مسلحة في سيناء في غياب شبه تام لعناصر الأمن المصرية
وعلى إثر هذا الخرق تبادل الطرفان إطلاق النار دون قتلى أو إصابات، حيث استقلت عناصر من أبناء القبيلة سيارات دفع رباعي لملاحقة أعضاء التنظيم داخل أحد الأسواق الأسبوعية هنالك، إذ تم محاصرتهم وإلقاء القبض على اثنين منهم وبحوزتهما أجهزة اتصال.
تلك الأنباء التي تناقلتها الصحف المصرية تعكس وبصورة كبيرة حجم الفوضى داخل سيناء، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مناوشات بين القبائل وعناصر من التنظيمات المسلحة، مما يشي بغياب شبه تام للمنظومة الأمنية هنالك، وإلا كيف تتحرك عناصر “داعش” مثلاً بهذه الأريحية وتشتبك مع القبائل دون وجود أو مشاركة لقوات الأمن؟
اشتباكات بين بعض القبائل وعناصر مسلحة في سيناء في غيبة عن قوات الأمن
استهداف الأقباط
في الوقت الذي تكتفي فيه قوات الأمن باستخدام الطرق التقليدية في عملية التأمين بمنطقة سيناء، مما يوقعها فريسة سهلة لعمليات التنظيمات المسلحة، تسعى فيه الأخيرة إلى تطوير نفسها سواء من حيث الوسائل المستخدمة أو إدارة عملية المواجهة، وهو ما يتم ملاحظته بشكل كبير في تحويل دفة الاستهداف إلى الأقباط سواء في سيناء أو خارجها، وهو ما يعد نقلة نوعية في فكر ومنهج تلك التنظيمات.
وقد لوحظ خلال الأشهر الثلاث الأولى من هذا العام استهداف الأقباط بصورة غير مسبوقة في تاريخ المواجهات بين قوات الأمن وعناصر “داعش” وغيرها، فبحسب التقرير الصادر عن منظمة “سيناء لحقوق الإنسان” تعرض أقباط سيناء لحملات مناهضة من قبل الجماعات المسلحة بصورة مكثفة، إذ قتل ما لا يقل عن 8 أقباط، تم استهدافهم على نحو أرجعته المنظمة إلى بُعد طائفي، خلال الربع الأول من هذا العام
وبحسب شهادات الأقباط فإن الجماعات المسلحة نجحت في تهديد الأقباط داخل منازلهم، حيث كتبت على جدرانهم بعض العبارات التحذيرية، وهو ما أصابهم بحالة من الذعر نجم عنه لجوء أكثر من 140 عائلة قبطية إلى الفرار والنزوح إلى مناطق خارج سيناء، لا سيما إلى مدينة الإسماعيلية.
استهداف الأقباط لم يقتصر على سيناء فحسب، بل تجاوز إلى العاصمة والمدن التي تجاورها، وهو ما جسده تبني التنظيم لتفجيرات الكنيسة البطرسية بالعباسية وسط القاهرة في الحادي عشر من ديسمبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 25 مصريًا وإصابة 49، ثم استهداف كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، في التاسع من أبريل الحاليّ، وسقوط نحو 46 قتيلاً و126 مصابًا.
تحول العمليات المسلحة التي يقوم بها تنظيم الدولة من سيناء إلى القاهرة والمدن المحيطة بها له دلالة خطيرة وفق ما أشار إليه بعض المحللين، مما يجعل الحديث عن القضاء على عناصره مثار سخرية من قبل الكثيرين، ما يقود إلى محاولة الإجابة على السؤال: هل نجح الأمن المصري – حقًا – في فرض سيطرته على سيناء؟
مقتل 8 أقباط ونزوح 140 عائلة قبطية من سيناء خلال الربع الأول من عام 2017
مقتل 8 أقباط ونزوح 140 عائلة قبطية خارج سيناء خلال الربع الأول من 2017
فرض السيطرة.. أسئلة صعبة
العزف على وتر التفوق الأمني في سيناء، وتجييش وسائل الإعلام بشتى فروعها لتبني خطاب الحرب على الإرهاب والنجاحات التي تحققها قوات الأمن – الجيش والشرطة – في مواجهة التنظيمات المسلحة، هل كل هذا كافيًا أن يفرض الأمن على أرض الواقع بصورة كاملة؟
فحين تقوم تلك الجماعات بشن “1071” عملية إرهابية في ثلاث سنوات أسقطت خلالها مئات القتلى وآلاف المصابين على الرغم من الإجراءات القاسية المفروضة هناك، والدعم غير المسبوق للقوات الأمنية المرابطة في سيناء، فهل يمكن القول إن هناك سيطرة حقيقة على أرض المعركة؟
حين ينوع تنظيم الدولة من عملياته ويطورها بما يخدم أهدافه، سواء من حيث المناطق الجغرافية أو فئات الشعب المستهدفة، فينتقل من شمال سيناء إلى جنوبها، حيث الموارد السياحية الأهم في مصر، ومن سيناء نفسها إلى خارجها بل ويصل للعاصمة والمدن المحيطة بها، وحين يتحول من استهداف المسلمين فقط إلى الأقباط أيضًا ويدفع 140 عائلة قبطية للنزوح خارج سيناء، بعد كل هذا هل يمكن القول أن قوات الأمن قضت على عناصر “داعش” كما يدندن الإعلام المصري؟