لا شك أننا نعيش في عالم يدور حول “المادة”، ومع هذا النظام سادت ثقافة الاستهلاك ليصبح الإنسان فردًا استهلاكيًا من الدرجة الأولى ومع وجود حالات كثيرة من الإدمان على التسوق والهوس باقتناء المزيد من الأشياء نرى أن قائمة المشتريات تطول وعدد الأشياء يزيد، إذ يشعر الفرد بأنه في سباق دائم لمواكبة هذا العالم المادي.
منذ القدم، كان العالم في مواجهة مستمرة مع أنظمة وأنماط ومفاهيم مختلفة لعبت دورًا مهمًا في ترويضه على فكرة معينة أو تعويده على أسلوب حياة معين وإقناعه به بأساليب مختلفة، وذلك لأهداف عادة ما تكون مادية أيضًا، بعض هذه الأنظمة انتهت صلاحيتها مع تبدل الأزمنة، لكن جميعها كان لها فكرة واحدة وهي السيطرة على طريقة عيش الإنسان بأدق التفاصيل وبطريقة تبدو بديهية واعتيادية وغالبًا ما يكون الهدف من هذه السيطرة هو صناعة أموال لجهات معينة.
نمط العيش بالحد الأدنى هو عبارة عن مخرج من سيطرة الهوس المادي على رغباتنا وأفكارنا وجيوبنا
في الستينيات وجد نظام يطلق عليه اسم minimalism ويعني استخدام أقل الأدوات أو الألوان الممكنة في إنجاز أي عمل موسيقي أو فني.
عمل جوش ميليبرن وريان نيكومينز، أصحاب فيلم ومدونة The Minimalists على تطوير هذا المفهوم الذي أصبح لا يقتصر على المجال الفني فقط، إنما أصبح يشمل أسلوب الحياة بالكامل، من خلال المدونة عرض ميليبرين ونيكومينز تجربتهم الخاصة عن اتباع هذا النمط من الحياة، وكيف بدأت حياتهما بالتغير نحو الأقضل.
مصطلح minimalism هو فكرة عصرية تحارب العالم المادي الذي يستنزف الأموال والطاقات الفكرية ووقت الإنسان، اجتهد العالم المادي بإقناع الفرد على أن الشراء وإسراف الأموال على الملابس والسيارات والتحف والمنازل والأجهزة الإلكترونية يجلب السعادة ويحقق الرضى.
أما الـminimalism جعلت الفرد يفكر جيدًا بقراراته الشرائية وبقيمة الأموال التي عمل بجد وبجهد على كسبها، إلى جانب ذلك جعلته يدرك احتياجاته الخاصة وينظر بوضوح إلى أولوياته وإلى الأشياء التي لها قيمة بالفعل كالصحة والعائلة والطموح أيضًا بدلاً من الانسياق خلف متع مؤقتة.
يقول نيكومينز: “الـminimalism لا تعني التوقف عن الشراء أو التخلص من الأشياء التي نملكها، إنما هو عبارة عن مخرج من سيطرة الهوس المادي على رغباتنا وأفكارنا وجيوبنا”.
التبسيط للحد الأدنى يعني التخلي عن الضغوط المادية التي تسبب التوتر النفسي والقلق وتشتت الذهن والانشغال بما هو ليس مهم أو ضروري، وذلك يكون عن طريق سيطرتنا نحن على هذه المشتريات والحاجيات والتفكير جيدًا بما نشتريه وبقيمة الأموال التي نصرفها مقابل أشياء لا نكون بحاجة لها بالفعل.
يشير ميليبرن أن هوسنا بالماديات أصبح أكبر بسبب:
– فكرة الاحتياط: ربما أحتاجه لاحقًا وهذا من منطلق الشعور بالأمان عند اقتناء حاجيات أكثر وبسبب أن مفهوم السعادة مرتبط بكم الأشياء التي نشتريها حتى لو كان شعورًا مؤقتًا من الفرحة.
الإعلانات: الطريقة الأقدم والأنجح في جذب المشترين والملايين، والتي تنتشر في كل زاوية من محيطنا وبشكل واسع.
أضاف ميليبرن “يمكن للبعض أن يستغرب هذا النمط من الحياة والعيش بهذا الحد الأدنى من البساطة، لكنه أمر يستحق التجربة ويمكن البدء به تدريجيًا وبالتخلي عن عدد معين من القطع والأدوات بشكل شهري”.
يضيف ميليبرن أن هناك نظرية “رقم عشرين” والتي تعني إن كنت تمتلك قطعة معينة لا تكلفك أكثر من 20 دولارًا وعملية شرائها لن تأخذ أكثر من 20 دقيقة هذا يعني أنه يمكنك الاستغناء عنها والتخلص منها بلا قلق، خاصة الأدوات التي لم تستخدمها لعدة أشهر أو لفترات طويلة لأن هذا يعني أنك لست بحاجتها بالفعل وأن وجودها لا يشغل فقط مساحة من المنزل، إنما يشغل مساحة من وقتك وتفكيرك والتخلص منها حرية لك من هذه الضغوط المكدسة.
الفائدة من الـminimalism
حالة فقدان التركيز والتشتت التي نعيشها هي بسبب المحيط الذي نعيش به والذي يكتظ بكم هائل من الأشياء التي تحتاج إلى تنظيم وترتيب وتنظيف وصيانة بشكل دائم ومستمر مما يستهلك من وقتنا ومالنا وطاقتنا ولا يدعنا نفكر بما هو أهم، إضافة إلى أن التقنيات الحديثة التي تقاطعنا أيضًا باستمرار والتي تفقدنا التركيز وتعتبر من أكبر الملهيات في حياتنا مثل التطبيقات الاجتماعية والاتصالات ورسائل الهاتف.
لو فكرنا قليلاً بالاستغناء عن هذه الأشياء أو بالتجرد تدريجيًا منها، لاستنتجنا المساحة الكبيرة من الراحة النفسية والحرية من المقارنات والديون والضغوط ولأصبحنا أكثر قدرة على ترتيب سلم أولوياتنا والاهتمام أكثر بأنفسنا وبصحتنا وبعلاقاتنا مع الآخرين، سوف نصبح أشخاصًا مساهمين في المجتمع لا مستهلكين فقط وهذا ما سيجعلنا نشعر بالسعادة الحقيقية.