خلال خطابه بمناسبة رأس السنة الميلادية، قال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إن المؤشرات تفيد بأن أيادٍ خارجية وراء عملية اغتيال المهندس محمد الزواري، وهناك شبهة بشأن تورط الكيان الإسرائيلي في هذه العملية.
وقبلها، في الـ19 من ديسمبر 2016، كان الظهور الأول لوزير الداخلية التونسي بخصوص قضية اغتيال القسامي التونسي محمد الزواري أمام منزله في مدينة صفاقس (جنوب)، ظهور علني جاء بعد ضغط شعبي، قدّم خلاله الوزير حصيلة التحقيقات الأولية في القضية، مؤكدًا أنه سيتم اتخاذ كل الإجراءات الأمنية والقضائية والدبلوماسية بهدف حشد الرأي العام الدولي، فور توفر معطيات دقيقة وقاطعة أكثر في هذا الشأن.
إلا أنه منذ ذلك اليوم لم نسمع أي جديد عن هذه القضية التي شغلت الرأي العام الوطني والدولي، إلى أن كشف تحقيق تليفزيوني بثته فضائية “الجزيرة” القطرية، مساء الأحد، تفاصيلاً جديدة عن هذه العملية.
تفاصيل العملية
تحقيق الجزيرة “ما خفي أعظم”، كشف عن حصول القناة على محاضر التحقيق الخاصة بالأمن التونسي، التي أكّدت تورط مجموعات جاءت من العاصمة المجرية، وكيف تم تجنيد بعض التونسيين من أجل التحضير لعملية الاغتيال، وأشار التحقيق إلى أن بدايات عملية اغتيال الشهيد التونسي محمد الزواري كانت بإعلان شخص يدعى “يوهان” (لم يكشف جنسيته أو أي تفاصيل عنه) عبر مواقع للتواصل الاجتماعي عن وظائف لشركتين منفصلتين.
وذكر التحقيق أن يوهان تمكن بالفعل من استقطاب صحفية تونسية تدعى مها بن حمودة، وشابين تونسيين يحملان اسم سالم السعداوي وسامي المليان، للعمل معه في شركتين منفصلتين أدارهما بنفسه باسمين وهميين، وأشار التحقيق إلى أنه طلب من الصحفية تصوير مقابلات مع الزواري والتركيز على شخصيته، فيما طلب من الشابين شراء شرائح اتصال تونسية وسيارتين ومنزل يطل على “نادي الطيران” الذي يعمل به المهندس التونسي.
بحسب التحقيق، أدى فصل الشابين “السعدواي” و”المليان”، إلى استدعاء الخطة البديلة
وقبل ثلاثة أيام من توقيت عملية الاغتيال، طلب يوهان من الشابين “السعدواي” و”المليان” ترك السيارتين اللتين بحوزتهما في مكان محدد قريب من منزل الشهيد والانصراف، إلا أن الشاب “سالم السعداوي” رفض ذلك، فأبلغه يوهان بفصله وزميله من العمل وطلب منه بيع السيارات.
وبحسب التحقيق، أدى فصل الشابين “السعدواي” و”المليان”، إلى استدعاء الخطة البديلة، فاتصل سليم بوزيد مساعد “يوهان” بالصحفية “بن حمودة” بعد توقف الاتصال بها أكثر من شهر، وطلب منها استئجار سيارتين قبل عملية الاغتيال بيوم واحد، ومغادرة البلاد في اتجاه بودابست وترك لها في الفندق هدية تمثلت في مبلغ من المال وعلبة حلوى “يعتقد أنها مسمومة”.
تورط جهات أجنبية في العملية
وأوضح التحقيق أن منفذي عملية الاغتيال تسلما السيارتين اللتين استأجرتهما الصحفية التونسية وتنقلا فيهما بحرية داخل مدينة صفاقس وعند الساعة (11.00 صباحًا بالتوقيت المحلي)، دخلا مقهى قريب من منزل الزواري، وثم خرجا لينتظرا عودة الأخير إلى بيته ونفذا عملية اغتياله.
اغتيل الزواري، في 15 من ديسمبر من العام الماضي داخل سياراته أمام منزله في صفاقس، بطلقات نارية استقرت في رأسه وصدره
وأشار تحقيق الجزيرة إلى إمكانية استخدام المنفذين ميناء صفاقس البحري البعيد 5 كيلومترات عن منزل الزواري للهرب بعد تنفيذ الاغتيال، حيث وجدت السيارتان المستخدمتان بالعملية على مسافة بعيدة من منزل المهندس التونسي وبها أسلحة وحقيبة ضد الماء.
وكشف التحقيق أن نادلاً في المقهى الذي دخله المنفذان قبل العملية، قدم مواصفات لشخص تطابقت مع أوصاف بحار روسي يدعى مارشينكوا افقيني الذي وجد في ميناء صفاقس قبل يومين من الاغتيال، وبحسب الوثائق التي كشفها التحقيق، فقد أوقف الأمن التونسي البحار الروسي، إلا أنه أفرج عنه بعد أن تراجع نادل المقهى عن شهادته بخصوص مواصفات المنفذ.
السيارة التي اغتيل داخلها “الشهيد الزواري”
واغتيل الزواري، في 15 من ديسمبر من العام الماضي داخل سياراته أمام منزله في صفاقس، بطلقات نارية استقرت في رأسه وصدره، وأعلنت بعد ذلك “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية، أن الزواري هو “أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل من دون طيار التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية في أثناء العدوان على قطاع غزة في 2014، واتهمت “الكيان الإسرائيلي” بالوقوف وراء العملية، وأكدت أن دمّ المهندس التونسي لن يذهب هدرًا.
تواطؤ تونسي؟
ما كشفه تحقيق الجزيرة، يؤكد، حسب عديد من المتابعين تورط بعض الجهات الأجنبية في عملية اغتيال الزواري وإمكانية تواطؤ بعض الجهات الرسمية في تونس معها لعدم كشفها ودفن القضية إلى غير رجعة، وكانت تقارير قد أكدت أن اغتيال الشهيد محمد الزواري لم يأت بسبب تطويره لمشروع الطائرات المسيرة لحماس، وإنما لافتتاحه مشروع جديد للغواصات البحرية غير المأهولة.
وسبق أن طالبت عديد من القوى السياسية والشعبية في تونس والوطن العربي، الدولة التونسية وسلطاتها الأمنية بكشف حقيقة اغتيال المهندس محمد الزواري، وكشف المنفذين خاصة أن عملية الاغتيال مثلت تهديدًا لأمن التونسيين واستقرار تونس وانتهاكًا لسيادتها الوطنية.
مشرف على مشروع الطائرات المسيرة
إضافة إلى هذا، كشف تحقيق الجزيرة كيف انضم الزواري لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وتطرق التحقيق لحياة الزواري في تونس، وملاحقته من قبل الأمن التونسي، وسفره بجواز سفر مزور إلى ليبيا من ثم السودان ليحصل على الجنسية السودانية بعد أن غير اسمه إلى “مراد” كي يستطيع الخروج من تونس التي عاد إليها بعد سقوط نظام ابن علي عام 2011، حيث عاد لإكمال دراسته والعمل على تطوير قدرات المواهب التونسية في مجال التصنيع.
طائرات الأبابيل التي أشرف على تصنيعها “الزواري”
وتحدّث التحقيق عن فترة التحاق الزواري بكتائب الشهيد عز الدين القسام في عام 2006 بعد انتقاله للعيش في سوريا، وكيف أصبح الركن الأساسي في مشروع الطائرات المسيرة (دون طيار)، وكشف عن الزيارة الاستكشافية والتدريبية التي قام بها وفريقه إلى إيران والتقائه مع فريق الخبراء الإيراني، حيث تفاجأ الإيرانيون من خبرة الفريق الذي كان قادرًا على تصنيع الطائرة وإطلاقها يدويًا.
وأوضح التحقيق أن كتائب القسام أتمت مرحلة التصنيع للطائرات دون طيار عام 2008، وأنجزت 30 طائرة في إحدى المنشآت الصناعية الإيرانية، وبعد نجاح المشاريع الأولى للطائرات، قررت الكتائب إرسال الزواري إلى قطاع غزة، من أجل تدريب الفريق الخاص بالمشروع في القطاع، حيث كان الفريق قد قطع شوطًا جيدًا، لكن واجهته بعض التحديات، ما تطلب وجود الزواري في غزة.
“الزواري” في قطاع غزة
وأظهر التحقيق مشاهد محمد الزواري في قطاع غزة وهو يقوم بتجربة إحدى طائرات القسام المسيرة، حيث زار الزواري قطاع غزة 3 مرات مكث خلالها ما يقارب 9 أشهر في القطاع بحسب القائد في القسام.
وإلى حدّ كتابة هذه الكلمات لم تعلق السلطات الرسمية في تونس على ما ورد في تحقيق قناة الجزيرة، ما يضاعف احتمالية تواطئ بعض الجهات الرسمية فيها لاغلاق هذا الملف، خاصة وأن التحقيقات الأولية المسربة أشارت إلى تعامل قوات الأمن التونسي باستخفاف وعدم شفافية مع هذه العملية.