بعد مرور نحو 30 عامًا على انطلاقة حركة حماس، وإعلانها لميثاقها الأول، وبعد مطالبات كثيرة داخل الحركة ظهرت خلال السنوات الأخيرة، تطالب بتجديد ميثاق وأدبيات الحركة، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مساء أمس الاثنين عن وثيقتها السياسية الجديدة المنتظرة، والتي أعادت تعريف الحركة، وحددت بعض النقاط وأكدت على أخرى.
هذه الوثيقة أثارت بعض الجدل في الأوساط الفلسطينية في بعض بنودها، لكن يبدو أن الجميع توقف عند البند رقم (20)، المتعلق بقبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود عام 67، شرط عدم التفريط بباقي الأراضي المحتلة.
حيث كان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة قد أعلن أمس مستعرضًا الوثيقة أن “حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، بما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية”.
أسئلة حول “دولة الـ67”
هذا البند كان متعارفًا عليه قبل الآن لدى حماس، حيث صرح بذلك مشعل وقيادات أخرى في الحركة، ولكن الآن تم وضعه كبند رسمي في ميثاق الحركة، وهو ما اعتبره البعض أن الحركة باتت تعيد تجربة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي وضعت هذا الأمر في بنودها، لتقوم بعد ذلك بتنازلات أكبر وأوسع.
ويقول البعض أن إصرار الحركة على “الحق في كل فلسطين”، لا يجيب على سؤال ماذا بعد قبول دولة في حدود 67؟ بحيث أن توثيق هذا البند “رسميًا” في أدبيات الحركة، وفي حال قيام الدولة -فرضًا- فإن الحركة باتت ملزمة في القبول بالالتزامات الدولية التي ستفرض عليها، وبعد ذلك إذا تجاوزات ما هو متفق عليها فتصبح هي المعتدية والملتفة على هذه القرارات التي أعلنت من السابق التزامها وقبولها فيها.
“من يضمن ألا يتم التورط في تجاوز الوثيقة الجديدة، كما تم تجاوز الميثاق من قبل (بالهدنة)، ومن ثم قبول مبدأ الاعتراف؟!”
الكاتب السياسي ياسر زعاترة تساءل في مقالة له نشرت في صحيفة “العرب” القطرية حول الوثيقة قائلًا: “من يضمن ألا يتم التورط في تجاوز الوثيقة الجديدة، كما تم تجاوز الميثاق من قبل (بالهدنة)، ومن ثم قبول مبدأ الاعتراف؟!”.
حيث يؤكد الزعاترة أن “قصة الدولة هي الإشكالية التي وقعت فيها “فتح” من قبل، وتكررها حماس اليوم”، مضيفًا “أن الأصل أن تتحرر الأرض، وبعد ذلك تقوم الدولة على ما يتحرر، لا أن توضع العربة أمام الحصان، وإذا كان هناك من يتحدث عن مفاوضات، فالأصل أن يتقدم من يحتل الأرض بعروض، وليس الشعب الواقع تحت الاحتلال، ثم يقال له إن هذا غير كاف، فهات المزيد”.
الزعاترة: كنت ضد إصدار الوثيقة من قبل، ولا زلت على رأيي.. هذا النص الذي لا يليق بحركة كبيرة ومهمة كحماس
وخلص الكاتب في قوله بأن “هذا اللون من الخطاب هو (تجريب للمجرّب) وهو استعادة لتجربة ماثلة للعيان. أما إذا قيل إن تلك ضرورة تمليها الظروف العربية والدولية، فإن الحقيقة أن ما قُدم في الوثيقة لن يكون كافياً، وسيُطلب المزيد، و”شروط الرباعية” الموضوعة على الطاولة أمام حماس منذ سنوات بعيدة معروفة، ومنها الاعتراف بدولة العدو ونبذ المقاومة”.
وختم الزعاترة قوله -وهو محسوب على التيار الإسلامي- : “كنت ضد إصدار الوثيقة من قبل، ولا زلت على رأيي.. هذا النص الذي لا يليق بحركة كبيرة ومهمة كحماس، إلى جانب خلطها بين وثيقة التأسيس والبرنامج السياسي”، محذرًا في الوقت نفسه من الوصول لواقع حركة فتح والسلطة الفلسطينية “التي باتت تعمل في خدمة الاحتلال”.
ماذا تعني هذه الوثيقة لحماس وللخارج؟
فوزي برهوم -الناطق الرسمي باسم حماس- قال في تصريحات لـ”نون بوست” بأن الحركة طرحت برنامج القواسم المشتركة والتي توافق عليها الكل الفلسطيني، وهي “الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس المحتلة”، مع عدم الاعتراف بـ”إسرائيل” أو التفريط باي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق عودة كافة اللاجئين إلى ديارهم وأرضهم”.
برهوم وعند السؤال عن توثيق هذا البند وجدواه، قال إن حماس تتوافق مع جميع الفصائل ومنظمة التحرير على ذلك القرار مع التأكيد بعدم التفريط، مضيفًا أنه “على العالم أن يلتقط هذه المؤشرات الإيجابية لحماس ويتعامل معها بجدية، بعيدًا عن التضليل والمراوغة وكسب الوقت لصالح الكيان الإسرائيلي”.
فوزي برهوم الناطق الرسمي باسم حماس
وفي إجابة منه على سؤال حول أهمية هذه الوثيقة للحركة داخليًا وخارجيًا أجاب برهوم: “هذه الوثيقة تعني الكثير لهذا الجيل الجديد في الحركة الذي يبحث عن المرونة والتطور والفكر المستنير ومواكبة المتغيرات، فهي تفتح آفاق جديدة في التعامل مع المجتمع وتحدد له معالم وطبيعة الصراع مع العدو، وتعيد صياغة أساليب التعامل مع الآخر والانفتاح على العالم”.
وأضاف برهوم أن حماس تطالب العالم أن يعاملها على مبدأها الأخلاقي والسامي القيمي، وهي تطرح نفسها كذلك، قائلًا: “فلتستمعوا إلى حماس ولا تسمعوا عنها من خصومها وأعدائها، فلا تنحرف بوصلتكم في تنكب طرق التعامل معها”.
التايمز: حماس ألغت اللغة المعادية للسامية التي كانت سائدة بوثيقة 1988 التأسيسية للحركة (الميثاق) والتي كانت تتحدث عن حرب ضد اليهود”
إلى ذلك، كانت الصحف الأمريكية والبريطانية قد علقت على هذه الوثيقة في صحفها الصادرة اليوم، حيث أوردت هذه الصحف -التي أولت اهتماما بالوثيقة- أن التغييرات التي حملتها وخصيصًا بند “دولة على حدود الرابع من حزيران” تهدف لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات وربما مع الدول الغربية التي تصنف حماس منظمة “إرهابية”، كما أنها تأتي عشية زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لواشنطن.
حيث قالت صحيفة “تايمز” إن “حماس ألغت اللغة المعادية للسامية التي كانت سائدة بوثيقة 1988 التأسيسية للحركة (الميثاق) والتي كانت تتحدث عن حرب ضد اليهود”.
وأضافت أن “المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين يشكّون في أن الوثيقة الجديدة سينتج عنها أي تغيير كبير داخل حماس، والتي وصفتها الصحيفة بأنها “منقسمة بين الجناح العسكري المحارب والمكتب السياسي المعتدل نسبيا”.
هل فكت الحركة ارتباطها بـ”الإخوان” رسميًا؟
وحول جدلية اعتراف الحركة بأنها جزء وامتداد لجماعة الإخوان المسلمين كما كان ذلك في ميثاقها الأول والذي نشر عام 1988، أعلنت الحركة في وثيقتها الجديدة في تعريف واضح لها، بأنها “حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها”، دون أن يتم ذكر بأن مرجعية الحركة هي جماعة الإخوان المسلمين أو أنها جزء منها على سبيل المثال.
برهوم: نحن ننتمي الى مدرسة الاخوان المسلمين فكريًا، ولكن ليس ارتباطًا تنظيميًا وإداريًا حتى نفك هذا الارتباط
وفي سؤال لنا حول أن معنى ذلك فك الارتباط بالجماعة الأم، علّق برهوم بالقول: “نحن ننتمي الى مدرسة الاخوان المسلمين فكريًا، ولكن ليس ارتباطًا تنظيميًا وإداريًا حتى نفك هذا الارتباط، وقرارنا قرارًا فلسطينيًا ووطنيًا تقتضيه مصالح شعبنا الفلسطيني”.
كما وضّح برهوم حول تفريق الوثيقة الجديدة بين المعركة “اليهودي” و”الصهيوني” على غير ما كان في الوثيقة الأولى، قائلًا بأن “اليهودي هو صاحب الديانة اليهودية ويدين بها ولَم يأتي إلى فلسطين ولَم يحتل أرضنا ولَم يقتل أبناء شعبنا، ولكن الصهيوني هو من جاء واحتل ارضنا وقتل شعبنا ودمر مقدساتنا ويناصبنا العداء، فلهذا نقاومه بموجب القوانين الدولية، لأنه مغتصب مستعمر محتل وهذا من حقنا”.
مشعل إلى أين، وما القادم في الحركة؟
من المعلوم في حركة حماس وكما كان قياداتها يعلنون على الدوام أنه لا تقاعد عن العمل في الحركة، بحيث أن هذا العمل هو عمل “مقاوم مقدس”، فما هو الدور الذي سيلعبه خالد مشعل بعد رحيله عن رئاسة المكتب السياسي للحركة؟
الحركة مقبلة على المرحلة الاخيرة من انتخاباتها الداخلية، وهذه الانتخابات هي من سيحدد الموقع الجديد لمشعل داخل مؤسسات الحركة
تشير المصادر إلى أن هنية هو الأكثر حظًا بخلافة مشعل لرئاسة المكتب السياسي
هذا السؤال أجابنا عليه برهوم بقوله أن “خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة سيغادر موقعه، ولكنه ولم يغادر الدور”، مؤكدًا أن “الحركة مقبلة على المرحلة الاخيرة من انتخاباتها الداخلية، وهذه الانتخابات هي من سيحدد الموقع الجديد لمشعل داخل مؤسسات الحركة، بحيث أنه سيؤدي دوره من خلال موقعه الجديد والذي تحدده الانتخابات”.
إلى ذلك، وبحسب مصادر داخل الحركة، فإن مشعل ربما سيتقلد ما يعرف برئاسة مجلس الشورى داخل الحركة، بحيث سيكون في الوقت نفسه عضوًا للمكتب السياسي وربما نائبًا للرئيس فيه، والذي من المتوقع أن يحظى به -المكتب- رئيس الوزراء الفلسطيني السابق وعضو المكتب السياسي الآن إسماعيل هنية. وما يشير إلى ذلك المصادر الإعلامية المتواترة التي قالت إن هنية يجهز نفسه لمغادرة القطاع للاستقرار في العاصمة القطرية الدوحة، لرئاسة المكتب السياسي للحركة من هناك.