تنفست الأسواق العالمية والعملة الأوروبية الصعداء بعد فوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الفرنسية أمس الأحد بنسبة أصوات بلغت 66%، ومع دخول ماكرون للإليزيه ستبدأ التحديات الاقتصادية بالظهور تباعًا والتي أحدثت مشاكل لجميع الرئاسات السابقة في فرنسا منذ 30 عامًا، ولا تزال تنتظر الحل.
وزير الاقتصاد الفرنسي السابق في سدة الرئاسة
تجاوز ماكرون نصف الطريق بعد فوزه في الانتخابات وبقي عليه تشكيل حكومته ومن ثم البدء في تنفيذ وعوده التي أطلقها في حملته الانتخابية، منها ما يتعلق بالشق السياسي والأوروبي خصوصًا كإعادة الحياة إلى منطقة اليورو وتعزيز السوق الأوروبية الموحدة وضرورة الدفاع عنها في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنه شرع بهذا بعد فوزه مباشرة.
إذ تكلم مع المسشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمدة عشر دقائق ووعدها بزيارة إلى برلين قريبًا، كما ناقش خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وتكلم مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
سيطرح ماكرون خطة استثمارية عامة بقيمة 50 مليار يورو لخلق نموذج جديد للنمو وإنعاش الاقتصاد
يعد ماكرون، مؤيدًا للاتحاد الأوروبي، حيث دافع خلال حملته الانتخابية عن الفكرة الأوروبية والسياسات الأوروبية، لأنه يعتقد أنها مهمة للغاية للشعب الفرنسي ومكان بلاده في العولمة، وشدد على أنه سيأخذ بعين الاعتبار خلال ولايته “إجراء إصلاح عميق للاتحاد الأوروبي ومشروعنا الأوروبي”، وأشار أنه لو سمح للاتحاد الأوروبي بمواصلة العمل بنفس الشكل الحالي فإن ذلك سيكون “خيانة”.
وفيما يخص خططه الاقتصادية فمن المقرر أن يطرح خطة استثمارية عامة بقيمة 50 مليار يورو لخلق نموذج جديد للنمو وإنعاش الاقتصاد، وخطة لخفض الإنفاق العام بقيمة 60 مليار يورو خلال 5 سنوات، كما ينوي توفير 25 مليار يورو في المجالات الاجتماعية للقطاعات الحكومية، و15 مليار يورو للتأمين الصحي، و10 مليارات للتأمين ضد البطالة.
ووعد ماكرون أيضًا بإلغاء 120 ألف وظيفة في القطاع العام لمدة 5 سنوات من خلال قانون التقاعد المبكر، ووضع خطة لخفض معدلات البطالة، وتعهده بإعفاء 80% من الأسر محدودة الدخل والمتوسطة من ضريبة السكن باعتبارها غير عادلة.
كما أبدى استعداد بلاده لاستقبال 200 ألف مهاجر، واقترح عدة خطوات في إدماج طالبي اللجوء، وذلك لإنعاش سوق العمل الفرنسية من خلال الاستفادة من اللاجئين، حيث ذكر أنه سيسهل تأشيرة طالبي الدخول إلى الأراضي الفرنسية من رجال الأعمال والباحثين وأصحاب المواهب العالية، للاستفادة منهم لإنعاش الاقتصاد، وطالب الإدارة الفرنسية بالبت في ملفات اللجوء وتقليص مدة البت إلى أقل من ستة أشهر.
25% من الناخبين الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون أفضل مرشح يمكن أن يوجه الاقتصاد الفرنسي في المسار الصحيح
ويرى محللون أن من العوامل التي عملت لصالح إيمانويل ماكرون أن 25% من الناخبين يعتقدون أنه أفضل مرشح يمكن أن يوجه الاقتصاد الفرنسي في المسار الصحيح، فماكرون خريج “المدرسة الفرنسية للإدارة” في 2004، وتخصص في المالية والاقتصاد، ثم شارك بعد ذلك في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي، قبل أن يعمل مصرفيًا في بنك روتشيلد.
هل يحل ماكرون أزمة فرنسا الاقتصادية؟
يعول الفرنسيون على رجل الاقتصاد كثيرًا في حل الأزمة الاقتصادية المزمنة في فرنسا والتي تعود إلى أكثر من 30 عامًا، إذ لا يزال الاقتصاد الفرنسي على مدار الرؤساء السابقين، جاك شيراك وساركوزي وهولاند يعاني من مشكلات عديدة لم تجد طريقها للحل.
فالاقتصاد الفرنسي والذي يبلغ حجمه نحو 2.8 ترليون دولار، ويمثل نسبة 15% من اقتصادات منطقة اليورو المقدر حجمها بنحو 17 ترليون دولار، لم يرافق شقيقه الأكبر منه، الاقتصاد الألماني في التقدم، فمنذ 15 عامًا كانت الدولتان الكبيرتان في الاتحاد الأوروبي تتمتعان بمستوى معيشي لا يضاهى، أما اليوم فمستوى المعيشة في ألمانيا أكبر من نظيره الفرنسي بخمس مرات.
منذ 15 عامًا كانت فرنسا وألمانيا تتمتعان بمستوى معيشي لا يضاهى، أما اليوم فمستوى المعيشة في ألمانيا أكبر من نظيرتها الفرنسية بخمس مرات
وكانت معدلات البطالة في فرنسا وألمانيا، عند بدء التعامل بالعملة الأوربية الموحدة، 8%، أما اليوم فقد انخفض معدل البطالة في ألمانيا ليصبح 4%، بينما ارتفع في فرنسا ليقترب من 10%، وبحسب صحيفة الغارديان شكلت البطالة بين الشباب أزمة كبيرة في فرنسا، فمن بين كل 4 شباب فرنسيين تحت سن الـ25 عامًا، هناك شخص عاطل عن العمل، وهي نسبة أعلى من مثيلتها في ألمانيا.
وكانت الحكومة الفرنسية قررت العام الماضي تبني إصلاح قانون العمل المثير للجدل بالنسبة للنقابات والمعارضة والأحزاب الاشتراكية، حيث اعتبرته منحازًا للشركات وأرباب العمل، ويؤدي إلى “كسر الحواجز لدخول سوق العمل”، حيث نصت بنود القانون الجديد على العديد من النقاط، وأولها “الطرد التعسفي” ويعني أنه يجوز تسريح العامل ودفع تعويضات الخدمة له، والبند الثاني، يتعلق بعدم تحديد ساعات العمل في الشركات الصغيرة، الأمر الذي رفضته النقابات واعتبرته وسيلة لرفع ساعات العمل دون مقابل مادي مجزي.
وأخيرًا أجاز القانون الجديد تسريح العمال لأسباب اقتصادية تتعرض لها الشركات، في حالات الأزمات الاقتصادية وتراجع استثمار الشركات أو تراجع دخل الشركات.
بين كل 4 شباب فرنسيين تحت سن الـ25 عامًا، هناك شخص عاطل عن العمل، وهي نسبة أعلى من مثيلتها في ألمانيا.
يُذكر أن الاقتصاد الفرنسي لا يزال يحتفظ بجزء من السياسات الاشتراكية، ورفض العولمة وسياسات الرأسمالية في الوقت الذي تبنتها دول العالم، ووجهة نظر ماكرون تتركز في حلحلة تلك السياسات لتعزيز تنافسية المنتجات الفرنسية في العالم.
ففرنسا لديها قوانين كثيرة تحمي العمال من حيث الأجور، فهناك حد أدنى للأجور مثبت بالقانون وملزم لأرباب العمل، فالمنتج في فرنسا تكون كلفته أكبر مقارنة بدول تنتج نفس المنتج كألمانيا والصين قد تفوقها 20 ضعفًا بسبب أجور العمال، وهذا يؤدي إلى فرق كبير بين أسعار المنتجات الفرنسية ومثيلتها من تلك الدول في السعر بما يترواح بين 30 – 50%.
خطة ماكرون تتجه نحو التكيف مع العولمة بشكل أكبر وتعزيز تنافسية المنتجات الفرنسية في الأسواق العالمية
والنقطه الثانيه هي توظيف وفصل العمال، فرب العمل حال فصله للعامل في فرنسا لأسباب معينة سيترتب عليه مبالغ طائلة قد تضر بالعمل نفسه لعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته، ويؤدي إلى إفلاس الشركة أو عجز مالي جزئي يؤثر على تطوير الإنتاج.
والنقطة الثالثة تتعلق بالضرائب المرتفعة على عائدات الشركات والبالغة نحو 33% وهي أعلى من دول أوروبا المجاورة، بالإضافة إلى ما تدفعه الشركة من ضرائب عن كل عامل لديها ومستحقات التأمين الصحي والاجتماعي وغيره.
لذا فمن المتوقع أن خطة ماكرون تتجه نحو التكيف مع العولمة بشكل أكبر وتعزيز تنافسية المنتجات الفرنسية في الأسواق العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية الكفيلة بخفض معدلات البطالة وإنعاش الاقتصاد الفرنسي والخروج من الأزمة الاقتصادية التي رافقت فرنسا خلال العقود الماضية.