استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، صباح اليوم السبت، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والوفد المرافق له، بعد رحلة طيران استمرت قرابة 14 ساعة، في إطار محطته الأولى ضمن جولته الخارجية التي من المقرر أن تشمل “إسرائيل” والفاتيكان بجانب المملكة.
الزيارة هي الأولى للرئيس الأمريكي منذ توليه مقاليد الأمور داخل البيت الأبيض يناير الماضي، مما يضفي عليها مزيدًا من الأهمية خاصة أنها تأتي في وقت تعاني فيه خارطة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط من فوضى عارمة جرّاء تباين وجهات النظر بين القوى التي تتحكم في مجريات المشهد حيال بعض الملفات على رأسها الملف السوري والإيراني.
اختيار الرياض كمحطة خارجية أولى لترامب بعد الموقف العدائي السابق له حيالها، وترحيب السعودية الشديد بهذه الزيارة والإعداد لها على أعلى مستوى، يضع العديد من التساؤلات عن هدف كل من الطرفين من وراء هذه الزيارة، فضلاً عما شمله برنامجها من بعض المفاجآت التي تمثل خروجًا عن التقليد السعودي المتعارف عليه، كإقامة الحفلات الموسيقية، وتنصيب ترامب خطيبًا عن الإسلام ووسطيته رغم تصريحاته المسيئة لهذا الدين سابقًا.
لقاء تاريخي
الأوساط السعودية وصفت زيارة ترامب للمملكة بـ”التاريخية” كونها الأولى له خارجيًا، فضلاً عما تتضمنه من فعاليات ربما تكون سابقة من نوعها خاصة فيما يتعلق بكم الحضور المشارك في القمة الإسلامية والتي من المتوقع أن يشارك فيها 37 زعيمًا من مختلف الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى ستة رؤساء حكومات.
الرئيس الامريكي يستهل زيارته للمملكة بسلسلة من الاجتماعات يعقدها مع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي وولي العهد
وينقسم جدول أعمال زيارة الرئيس الأمريكي التي من المقرر أن تستمر يومين قبل مغادرته في اليوم الثالث لـ”تل أبيب” إلى قسمين، وذلك بحسب الموقع الرسمي السعودي المخصص لمتابعة فعاليات الزيارة.
الأول: 20 من مايو
* القمة السعودية الأمريكية
يستهل ترامب زيارته للمملكة بسلسلة من الاجتماعات يعقدها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تتمحور حول تأكيد الصداقة وتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية الوثيقة بين البلدين، كذلك بحث بعض الملفات الثنائية بينهما، وتعد هذه القمة هي الأولى التي تجمع بين الزعيمين.
ثم يلتقي الرئيس الأمريكي بعد ذلك بولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ثم بولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، في لقاءات ثنائية تتركز هي الأخرى في الحديث عن عمق العلاقات بين البلدين وبحث سبل تعزيزها في شتى المجالات.
* المنتدى السعودي – الأمريكي للرؤساء التنفيذيين
يجتمع قادة الأعمال من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ويعد حدثًا رفيع المستوى يهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين من خلال توفير منصة لتعزيز التجارة البينية، وتذليل الصعوبات التي تعتريها.
بنهاية اليوم الأول يقام حفل موسيقي يحييه الفنان الأمريكي توب كيث، والمطرب السعودي رابح صقر، يعقبه مأدبة عشاء لترامب والوفد المرافق له
استقبال ترامب وزوجته بالزهور في مطار الملك خالد بالرياض
* زيارة مركز الملك عبد العزيز التاريخي
وبعد عصر السبت يقوم ترامب بزيارة سريعة إلى مركز الملك عبد العزيز التاريخي في مدينة الرياض الذي يعد منارة للثقافة والحضارة تسلّط الضوء على التاريخ العريق لشبه الجزيرة العربية ورسالتها المتمثلة في نشر الدين الإسلامي.
* معرض المملكة
ويختتم الرئيس الأمريكي جولة اليوم الأول بزيارة إلى معرض المملكة، والذي يهدف إلى إبراز الفن المعاصر السعودي مع التركيز على إبداعات جيل الشباب، إلى جانب عرض عددٍ من الأعمال الحرفية لمجموعة من الفنّانين السعوديين والأمريكيين.
كما يقام حفل موسيقي يحييه كل من الفنان الأمريكي توب كيث، والمطرب السعودي رابح صقر، يعقبه مأدبة عشاء للرئيس الأمريكي والوفد المرافق له.
الثاني: 21 من مايو
* قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية
من المقرر أن يلتقي ترامب صباح اليوم الثاني للزيارة، الأحد الـ21 من مايو، بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لمناقشة التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل على بناء علاقات تجارية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
* منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب
وبعدها يتوجه الوفد الأمريكي للمشاركة في منتدى الرياض لمكافحة التطرف والذي ينظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي يضم نخبة من الباحثين ومراكز الدراسات والبحوث الهادفة إلى إنتاج ونشر العمل الأكاديمي، وإثراء الحياة الثقافية والفكرية في المملكة، وذلك بدعم التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وسيتم بحث طبيعة الإرهاب ومستقبل التطرف.
* افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف
ثم يتوجه الرئيس الأمريكي لافتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف والذي يهدف إلى منع انتشار الأفكار المتطرفة من خلال تعزيز التسامح ودعم نشر الحوار الإيجابي.
* القمة العربية الإسلامية الأمريكية
ويختتم ترامب جولته بلقاء مع عدد من قادة الدول الإسلامية في العالم، وذلك لمعالجة سبل بناء شراكات أمنية أكثر قوة وفاعلية من أجل مكافحة ومنع التهديدات الدولية المتزايدة بسبب الإرهاب والتطرف والعمل على تعزيز قيم التسامح والاعتدال.
يلتقي ترامب في اليوم الثاني بقادة وزعماء دول التعاون الخليجي ثم زعماء وقادة الدول العربية والإسلامية
ترامب خطيبًا
“الخطاب يهدف إلى نشر رؤية سلمية للإسلام في شتى دول العام، إضافة إلى توحيد العالم الإسلامي ضد الأعداء المشتركين لكل الحضارات..” لم تكن هذه التصريحات تتعلق بخطاب زعيم عربي أو إسلامي أو عالم ديني قرر إلقاءه أمام الأمم المتحدة للتعريف بالإسلام وسماحته.
الأمر باختصار أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر أن يتقلد منصب الخطيب والداعية ليحاضر المسلمين في عاصمتهم عن دينهم وسماحته وكيفية توحيد كلمة المسلمين في مواجهة أعدائهم، وذلك حسبما أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ريموند ماكماستر.
ترامب جالسًا على منصته وأمامه جمع غفير من زعماء وقادة الدول العربية والإسلامية يدعوهم بحسب ماكماستر- إلى الوحدة وبذل الجهود من أجل مكافحة التطرف في العالم الإسلامي، ولم يكتف الأمر عند حد الدعوة وفقط، بل سيحثهم على اتخاذ بعض القرارات والإجراءات التي يراها الرئيس الأمريكي ضرورية لنشر رسالة السلام التي أقرها الدين الإسلامي، أبرزها “طرد الإرهابيين من أماكن العبادة”.
الرئيس الذي طالما عزف على أوتار العنصرية ضد العرب والمسلمين، وكال لهم التهم والادعاءات الكاذبة، وحارب من أجل منعهم من دخول بلاده، وحملهم مسؤولية ما يقع في العالم من إرهاب وتطرف، ها هو اليوم يتحول إلى داعية وخطيب، كيف؟ وماذا عن السعودية؟
أمام 37 زعيمًا من مختلف الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى ستة رؤساء حكومات، ترامب يحاضر عن الإسلام وسماحته
إدانات دولية وشعبية واسعة ضد قرار ترامب حظر دخول المسلمين أمريكا
العداء للسعودية
لم تتعرض أي دولة في العالم لحملة انتقادات وهجوم حاد من قبل ترامب في حملته الرئاسية كما تعرضت المملكة العربية السعودية.
وفي تقرير لـ”نون بوست” تناولنا أبرز التصريحات التي خرجت على لسان ترامب ضد السعودية والتي تحمل العديد من المؤشرات التي تعكس كيف ينظر الرجل للمملكة، وما موقعها من الإعراب لديه، بعيدًا عما يتم العزف عليه الآن بشأن عمق العلاقات والتعاون المثمر ومثل هذه التصريحات التي لا تعدو كونها مغازلة دبلوماسية فرضتها المصالح كما سيأتي ذكره لاحقًا.
ومن أبرز التغريدات التي دونها ترامب ضد السعودية وسجلها موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “السعودية لا شيء سوى أبواق فارغة، ومتحرشين وجبناء، لديهم المال وليس لديهم شجاعة”.
"@Silverfoxgranny: #SaudiArabia Saudi Arabia are nothing but mouth pieces, bullies, cowards. They have the money, but no guts"
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 11, 2014
ومنها: “أريد فقط أن أعرف كم ستدفع لنا السعودية مقابل إنقاذهم من الفناء التام، ادفعوا الآن”.
I just want to know how much is Saudi Arabia and others who we are helping willing to pay for our saving from total extinction. Pay up now!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 11, 2014
وهنا تساؤل يفرض نفسه: بعد تصريحات ترامب العنصرية ضد المسلمين، يتحول إلى خطيب وداعية يتحدث عن الإسلام بحضور زعماء المسلمين، وبعد موقفه العدائي من السعودية، يصبح الحليف الأقوى في المنطقة، ما الذي حدث؟
هذا ما يريده ترامب
بداية لا بد أن نشير أنه من الواضح أن الطرفين قد قررا غض الطرف عن الإرث العدائي السابق، وغلق هذه الصفحة بصورة نهائية، والسعي إلى فتح صفحة جديدة فرضتها الظروف والمستجدات الراهنة، بدأتها الرياض بحملة استرضاء دبلوماسية تمثلت في عدد من الزيارات المكوكية لولي ولي العهد لواشنطن، قابلها البيت الأبيض بزيارات بعض المسؤولين للرياض.
حزمة من الأهداف تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقها من خلال إعادة النظر في علاقتها بالسعودية، أبرزها زيادة الاستثمارات وزيادة رقعة التطبيع وإنعاش سوق صناعة السلاح.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” كشف أن ما يقرب من 340 مليار دولار قيمة الفاتورة التي ستسددها السعودية مقابل تحسين علاقتها بأمريكا، مئة منها تم بالفعل في صورة صفقة تسليح، و200 آخرين خلال العشر سنوات القادمة في صورة صفقات سلاح أيضًا، و40 مليار قيمة استثمارات سعودية في البنية التحتية الأمريكية.
وبذلك نجح ترامب بما يتمتع به من عقلية “التاجر” في توفير ما يقرب من ثلث المبلغ – البالغ تريليون دولار – الذي تعهد بتوفيره بشأن تطوير البنية التحتية الأمريكية خلال فترة رئاسته الأولى من السعودية فقط، هذا فضلاً عن دول الخليج الأخرى والتي تبحث الآن بعض صفقات التسليح مع واشنطن وعلى رأسها الإمارات، ويبقى السؤال: هل تنجح الرياض في تحقيق أهدافها؟
نجح الرئيس الأمريكي في توفير ما يقرب من ثلث المبلغ الذي تعهد به لتطوير البنية التحتية لبلاده من السعودية فقط
جولات دبلوماسية سعودية لمغازلة ترامب بقيادة محمد بن سلمان
وهذا ما تريده الرياض
عقلية التاجر التي تسيطر على الرئيس الأمريكي لا تختلف كثيرًا عن لغة المصلحة التي تفرض نفسها على توجهات الرياض، فتنازل الأخير عن إساءة ترامب لها طيلة حملته الانتخابية وما بعدها، وضخها مليارات الدولارات داخل أمريكا، فضلاً عن تخليها عن تقاليدها المتعارف عليها في استقبال زعماء العالم، حيث إقامة حفل استقبال غير مسبوق، سعت من خلاله إلى مغازلة الرئيس والوفد المرافق له، وتوفير كل سبل الراحة التي يتمتع بها في بلاده، سواء من خلال حرية التحرك دون أي قيود في الملبس والمظهر خاصة فيما يتعلق بزوجة الرئيس “ميلانيا”، وإقامة الحفلات الموسيقية وتقديم أنواع محددة من الأطعمة التي اعتاد ترامب تناولها،ل هذا بالفعل لم يكن دون مقابل، إذًا ما الذي تريده السعودية من وراء ذلك؟
لا شك أن الرياض تهدف من وراء سعيها لتحسين علاقتها بواشنطن إلى تحقيق عدة أهداف لعل أبرزها مناهضة النفوذ الإيراني ومحاصرته في المنطقة، إضافة إلى دعم التوجهات السعودية في اليمن وسوريا، وإحياء الدور السعودي إقليميًا بعد تراجعه خلال الفترة الماضية لصالح حلفاء روسيا الجدد.
مخاوف تساور البعض خشية أن تكتفي الزيارة بالرمزية وفقط دون التوصل إلى مبادرات ملموسة ترتقي إلى مستوى التوقعات
كذلك تسعى السعودية إلى الحماية الدولية عبر الفيتو الأمريكي من خلال تقاربها مع إدارة البيت الأبيض الجديدة والتي من الممكن أن تكون حائط الصد الذي يحول دون ملاحقة المملكة دوليًا حال تقديم أي من الدول المناهضة لها في المنطقة شكاوى ضدها في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة بشأن ما تمارسه في اليمن أو غيره.
وفي النهاية فقد نجح ترامب أن يحقق جزءًا كبيرًا من أهدافه سواء فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات أو إعادة الدور الأمريكي شرق أوسطيًا مرة أخرى بعد غياب، وتبقى الأهداف السعودية رهن ما يمكن أن يخرج من قرارات من داخل البيت الأبيض، إلا أن هذا لا يخفي الشكوك والمخاوف التي تساور البعض خشية أن تكتفي الزيارة بالرمزية وفقط دون التوصل إلى مبادرات ملموسة ترتقي إلى مستوى التوقعات والطموحات الخليجية.