ترجمة وتحرير نون بوست
في مطلع الشهر الحالي، وجدت سلسلة محلات “سيلفريدجز”، التي تُعدّ واحدة من أقدم وأرقى المحلات في مدينة لندن البريطانية، نفسها متورطة في خضم نزاع سياسي بعد أن أُتهمت “بالاستيلاء الثقافي”. والجدير بالذكر أن قسم التجميل التابع لسلسلة هذه المحلات قد أطلق حملته الصيفية تحت عنوان “برايد بار” أو “ضفائر الشعر”.
في الواقع، تضم هذه الحملة ابنة عارضة الأزياء، كيت موس، ليلى غرايس موس، وابنة عازف الغيتار، مايك جونز، ستيلا جونز. وقد ظهرت الفتاتان ضمن فعاليات هذه الحملة بشعر مصفّف على الطريقة الأفريقية، أي على شكل ضفائر متعددة في حين قامتا بإضافة وصلات شعر ملونة. وفي الأثناء، كانت الفتاتان الشهيرتان تروجان لأحدث الصيحات في إطار مهرجان الموضة فضلا عن تسريحات الشعر التي من شأنها أن تساعد مختلف الفتيات والنساء على مقاومة حر الصيف.
أثارت العارضتان، ليلى موس (في الأمام)، وستيلا جونز موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، إبان ظهورهما ضمن حملة “سيلفريدجز” الإعلانية “برايد بار”.
على الرغم من أن هذا المشروع قد يبدو للوهلة الأولى مسليا أو ممتعا، أو غير مهم على الإطلاق، إلاّ أن عالم الموضة والجمال لم يكن أبدا سطحيا كما يظن البعض. وإثر إطلاق إعلان الحملة، واجهت “برايد بار” جملة من التعقيدات. فقد أُتهمت مجموعة سيلفريدجز بأنها تعتبر بياض البشرة مقياسا للجمال، وذلك نظرا لاعتمادها على عارضتين بريطانيتين تتمتعان ببشرة بيضاء كوجوه لحملتها الإعلانية.
نتيجة لذلك، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الانتقادات اللاذعة التي شددت على حقيقة افتقار مثل هذه الحملات الإعلانية الضخمة للتنوع الثقافي. فضلا عن ذلك، أشار العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى سوء تقدير مجموعة سيلفريدجز، حيث قامت بالاستيلاء على ثقافة السود، خاصة وأن تسريحة الضفائر تُعدّ بمثابة عنصر جوهري في صلب هوية المرأة ذات البشرة السوداء.
الاعتذار
في أعقاب تواتر الاحتجاجات من قبل العديد من الأطراف على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر المسؤولون عن حملة “برايد بار” اعتذارا رسميا، ورد فيه ما يلي: “لقد أدركنا حجم تقصيرنا فيما يتعلق بتقدير الثقافات التي استمدت منها حملة “برايد بار”، وخاصة ثقافة السود. وبعد تقاعسنا في التعامل بشكل جدي مع هذا الأمر، بتنا الآن على وعي بالقضايا التي قد تترتب عن ذلك…من هذا المنطلق، نود أن نُقدّم خالص اعتذاراتنا لجميع أولئك الذين شعروا بالإساءة نظرا لأننا لم نظهر اهتمامنا بالجانب الثقافي. وتجدر الإشارة إلى أن حملة “برايد بار” تعتبر فضاء ممتعا حيث نرحب بكافة الأشخاص من جميع الأجناس، والأعراق، والأعمار، والذكور والإناث على حد سواء، كما تعكس بيئة شاملة، حيث يمكن للجميع النفاذ إليها بكل سهولة”.
وتابع المسؤولون: “سنعمل من الآن فصاعدا على تجسيد فحوى هذه المبادئ من خلال كل ما نقوم به أو ننشره. فضلا عن ذلك، نحن ندرك تماما حجم المسؤوليات التي تقع على عاتقنا، على اعتبارنا شركة تمتلك قاعدة واسعة من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث من الضروري أن ننشر المعرفة بشأن جذور وأصول هذه الأفكار، والممارسات، والمهارات، فضلا عن القصص التي ترافقها”.
وفي أعقاب هذا البيان، سارعت المجموعة بتحديث الحساب الخاص بحملة “برايد بار” على إنستغرام ليشمل صورة للمغنية “جانيت جاكسون” بتسريحة ضفائر البوكس (وهي صورة مأخوذة على الأرجح من فيلمها لسنة 1993، “بوتيك جاستيس”). علاوة على ذلك، تمت إضافة العديد من الصور لنساء ذوات بشرة سوداء صففن شعرهن في شكل تسريحة ضفائر الشلال. ولتبلغ السخرية منتهاها، ظهر على حساب الحملة ملصق كُتب عليه “لا تنتقصي أبدا من قيمة نفسك”.
خلافا لذلك، لم يقتصر الجدل الدائر حول حملة سيلفريدجز “برايد بار”، على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، حيث شمل ميادين أخرى على أرض الواقع. ومن المثير للاهتمام أن هذه المسألة لم يقع إثارتها للمرة الأولى. ففي السنة الماضية، وقعت العلامة التجارية الخاصة بالملابس “فري بيبول” في مأزق نتيجة تصاميمها المستوحاة من السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، سُلطّت الأضواء مؤخرا على الممثلة، فانيسا هادجنز، وتداولت وسائل الإعلام أخبارها وصورها، على خلفية تسريحة شعرها في شكل “ضفائر البوكس”.
وعلى ضوء هذه التجاذبات والجدل القائم على مواقع التواصل الاجتماعي، استضاف برنامج “اليوم” على راديو “البي بي سي 4” كل من “عافوه هيرش” “وتيفاني جنكينز” لخوض نقاش قصير حول هذه المسألة. من جهتها، أشارت الكاتبة، والمذيعة، والمحامية البريطانية هيرش، التي تنحدر أصولها من منطقة “أشانتي” في غانا، إلى أن الاستيلاء الثقافي ينجرّ عن تبنّي ثقافة ما لعناصر أو ممارسات تنبع من ثقافة مختلفة، وذلك من دون الاعتراف بمصدرها أو تاريخها. وأضافت هيرش أن هذا الأمر قد يترتب عنه حجب للثقافة الأصلية أو قد يؤدي إلى استغلالها لأغراض مادية.
في المقابل، أفادت الكاتبة البريطانية والأخصائية الاجتماعية ذات البشرة البيضاء، تيفاني جنكينز، أن الثقافات تستلهم العديد من الخاصيات والأفكار والعادات من بعضها البعض من باب التقدير والفضول، ولكن في حال تم تجاهل هذه المبادئ الأساسية في عملية التبادل الثقافي فقد يؤدي ذلك ضمنيا إلى إثارة مخاوف البعض بشأن التبادل الثقافي اليومي.
في الحقيقة، حين يتم التطرق لهذه القضية على المنابر الإعلامية الرئيسية، غالبا ما يتلخص النقاش حول الاستيلاء الثقافي في السؤال التالي: هل يمكن اعتبار هذا الاستيلاء الوجه الثاني للتقدير الثقافي فحسب؟ في أغلب الأحيان، ولسوء الحظ، يتوقف الحوار عند طرح هذا السؤال. وقبل الغوص في التبعات الاجتماعية والسياسية للاستيلاء الثقافي، لا بد لنا من القاء نظرة عن كثب على القضايا المتعلقة بهذه المعضلة.
وحشية ثقافية
يقرّ المنتقدون للاستيلاء الثقافي بأهمية التبادل بين الثقافات، إذ أنه من غير الممكن أن لا نحتفي بالاختلافات الثقافية. وفي هذا السياق، عادة ما تتجاذب الثقافات المختلفة وتدخل في حوار شيق متواصل، فضلا عن أن التبادل الدائم بين هذه الثقافات من شأنه أن يخلق حالة من التنوع والثراء على مستوى اللغة، والطعام، والرقص، والموسيقى، والموضة، وغيرها. في الحقيقة، لا يمكن لأحد إنكار أهمية التنوع الثقافي في صلب المجتمعات.
وفي هذه المرحلة، من الضروري طرح سؤال بالغ الأهمية: كيف يجب أن نتعامل في حال حدوث هذا النوع من التبادل الثقافي على أسس غير متكافئة؟ وفي ظل تاريخ المملكة الحافل بالعنصرية، والتمييز، والنظام الإمبراطوري الذي خلف للمجتمع المعاصر إرثا لا يمكن إنكاره، أصبح “التقدير الثقافي” أقرب ما يكون إلى ما اعتبرته الناشطة النسوية، بيل هوكس، ومؤلفة كتاب “ألستُ إمرأة؟”، (“النساء السود”، “الأنثوية”، “مظاهر السود”)، “الوحشية الثقافية”.
في ظل غياب المساواة العرقية داخل مجتمع ما، لا يمكن اعتبار قيام جهة ما بإضفاء طابع حديث على العناصر الثقافية التابعة للمجموعات العرقية المُهمّشة، من قبيل الممتلكات، والممارسات، وأساليب التعبير، بمثابة تبادل ثقافي في كلا الاتجاهين. وبالتالي، قد تصبح العناصر الثقافية، والتاريخية، والدينية، والسياسية للمجموعات الآنف ذكرها مهددة بخطر الاندثار أو فقدانها لهويتها الحقيقة، ما قد يؤدي تبعا إلى فقدانها لأهميتها. ومن هذا المنطلق، ستتعرض ثقافة الأقليات العرقية للاضمحلال، فضلا عن أن ذلك من شأنه أن ينمّي المزيد من التهميش والاضطهاد في صفوف هذه المجموعات.
تاريخيا، وفي الثقافة الأفريقية، كانت الجدائل تعد وسيلة للإشارة إلى القبيلة التي تنحدر منها المرأة وحالتها المدنية.
في غضون أسبوع من انطلاق حملة “برايد بار” الإعلانية، تم معاقبة شقيقتان أمريكيتان من أصول أفريقية، تقطنان في مدينة مالدن بولاية ماساتشوستس، وذلك من خلال احتجازهما وإيقافهما عن مزاولة الدراسة. ويعزى ذلك بالأساس إلى أن الفتاتان قد اعتمدتا تسريحة ضفائر البوكس في المدرسة. وفي الأثناء، تم منع إحدى الفتاتين من حضور حفلة التخرج من الثانوية، فيما وقع إيقاف الأخرى بشكل مؤقت عن مزاولة دراستها ومواصلة بحثها الميداني.
من جهة أخرى، حين تصبح تسريحة شعر ضفائر البوكس أو ضفائر صفوف الذرة موضة شائعة بين أغلبية ذوات البشرة البيضاء لمجرد أنهن أردن التشبه بإحدى العارضات أو المشاهير، مما يجعل الأمر مقبولا في إطار الموضة، تثار العديد من المسائل حول الأصول الثقافية والتاريخية لهذه التسريحة. علاوة على ذلك، تساهم مثل هذه الممارسات في التقليل من شأن ثقافة بأكملها واختصارها في موضة مُبتدعة.
وفي شأن ذي صلة، أشارت مجلة “تين فوغ”، المعروفة بمواقفها الصارمة والواضحة، إلى أنه “حين قامت كايلي جينر بتصفيف شعرها في شكل ضفائر صفوف الذرة خلال مهرجان “كوتشيلا الموسيقي”، أُعتبر الأمر “مثيرا” “ورائعا”. ولكن حين أقدم مواطنون من الأصول الأفريقية على تجسيد عنصر من ثقافتهم والقيام بالمثل، تم طردهم من وظائفهم وفصلهم من مدارسهم”.
عموما، تتلخص المشكلة الأساسية فيما يتعلق بمسألة الاستيلاء الثقافي التي برزت بقوة على الساحة العالمية في الآونة الأخيرة، في ضرورة إجراء حوار نزيه وبنّاء على مستوى عالمي. وفي الأثناء، سيدعي بعض الأطراف أن ليس هناك أية شوائب أو ممارسات خطيرة فيما يتعلق بالتبادل الثقافي. في واقع الأمر، يتمثل الخطأ الأساسي في عدم الإشارة أو الاعتراف بفضل الثقافة التي قد تقدم على الاستلهام منها أو تبني بعض عناصرها الأساسية والبارزة.
المصدر: الإندبندنت