ترجمة وتحرير: نون بوست
من المحتمل أن تبلغ درجات الحرارة على كوكب الأرض مستويات أكثر خطورة وبسرعة فائقة في حال تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التزامها بخفض نسبة التلوث الناجمة عن انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وفقا لما ورد على لسان العديد من العلماء. ويعود السبب في ذلك إلى أن الولايات المتحدة لها نصيب الأسد من الانبعاثات التي تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة.
والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن في وقت سابق أن الاحتباس الحراري مجرد “خدعة ابتدعتها الصين”. ويوم السبت الماضي، غرّد ترامب على تويتر مشيرا إلى أنه سيتخّذ “قراره النهائي” في غضون الأسبوع المقبل بشأن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس 2015 حول التغير المناخي. في الواقع، شاركت معظم دول العالم تقريبا في قمة المناخ 2015 مُعلنة التزامها بما ورد في نص الاتفاق والعمل على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
خلال قمة في صقلية، عمد زعماء سبعة دول عظمى إلى حث ترامب على تبني هذا الاتفاق والعمل على تنفيذه على أرض الواقع، إلا أنهم فشلوا في ذلك. فقد أوضحوا في بيانهم الختامي أن الولايات المتحدة حاليا “ليست في وضع يسمح لها بالانضمام إلى التوافق الذي أبرم في قمة المناخ 2015”. وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جينتيلوني، “آمل أن يتّخذوا القرار الصحيح”. أما موقف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فقد كان أكثر تشاؤما، حيث أوضحت أن المحادثات التي دارت بين الزعماء كانت “صعبة للغاية، إن لم نقل، غير مُرضية”.
بيّن العلماء أن عدم التزام الولايات المتحدة بما ورد في اتفاق المناخ سيعمق من تبعات معضلة الاحتباس الحراري كما سيزيدها سوءا وتعقيدا
وفي محاولة لفهم ما قد يحدث على كوكب الأرض إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق باريس، قامت وكالة “أسوشيتد برس” باستشارة أكثر من 24 عالم مناخ، فضلا عن تحليل سيناريو نموذج حاسوبي خاص مُصمّم لدراسة الآثار المحتملة لمثل هذا القرار. في الحقيقة، بيّن العلماء أن عدم التزام الولايات المتحدة بما ورد في اتفاق المناخ سيعمق من تبعات معضلة الاحتباس الحراري كما سيزيدها سوءا وتعقيدا. وفي الأثناء، سيصبح من الصعب تفادي إمكانية بلوغ درجات حرارة خطيرة على مستوى عالمي.
من جانب آخر، أشارت الدراسات والتحاليل إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء قد تتجاوز 3 مليار طن إضافية سنويا. ونتيجة لارتفاع مستوى هذه الانبعاثات من سنة إلى أخرى، سيؤدي ذلك إلى ذوبان الصفائح الجليدية بشكل أسرع، وارتفاع مستوى البحار، فضلا عن التسبب في تقلبات جوية أكثر عنفا.
وفي هذا السياق، أفاد عالم المناخ في جامعة برنستون، مايكل أوبنهايمر، والمحرر المساعد في مجلة “كليمتك تشاينج” أنه “كلما تباطئنا في إيجاد حل فعلي، سيشتدّ الخناق أكثر حول رقبتنا”. وفي هذا الإطار، عمد فريق من الخبراء إلى إجراء محاكاة بالحاسوب لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في حال رفضت الولايات المتحدة الالتزام بجانبها من الاتفاق والحد من الانبعاثات السامة، في الوقت الذي ستتمكن فيه بقية الدول الأخرى من تحقيق أهدافها فيما يتعلق بالتدابير اللازمة للتصدي لظاهرة الانحباس الحراري.
ووفقا لما توصل إليه الخبراء، ستتسبب الولايات المتحدة وحدها في ارتفاع درجات الحرارة بنسبة نصف درجة (أي 0.3 درجة مئوية) في العالم بحلول نهاية هذا القرن. وفي الأثناء، اختلف العلماء حول مدى صحة هذه البيانات واحتمال حدوث هذا السيناريو. وفي هذا الصدد، أورد مجموعة من العلماء أنه، ونظرا لاعتماد الولايات المتحدة على الغاز الطبيعي الزهيد، الذي يحل محل الفحم والذي يعزز توظيف مصادر الطاقة المتجددة، فمن غير المحتمل أن توقف الولايات المتحدة محاولاتها للحد من التلوث الكربوني داخل البلاد، حتّى وإن انسحبت من الاتفاق. وبالتالي، سيكون تأثير قرار إدارة ترامب أقل حدّة مما يتوقع الجميع.
في المقابل، شدد علماء آخرون على أن النتائج قد تكون أسوأ بكثير، خاصة وأن بلدانا أخرى قد تنسج على منوال الولايات المتحدة وتنسحب بدورها من الاتفاق، ما سيؤدي تبعا إلى ارتفاع مستوى الانبعاثات من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وقد أوضح فريق آخر من الخبراء، الذي اعتمد في دراسته على إجراء محاكاة بالحاسوب أن تأثير انسحاب الولايات المتحدة سيترتب عنه ارتفاع درجات الحرارة ما بين 0.1 إلى 0.2 درجة مئوية (أي ما بين 0.18 إلى 0.36 درجة فهرنهايت).
سيواجه العالم، في حال تقاعست الولايات المتحدة عن اتخاذ التدابير الضرورية للحد من مستوى الانبعاثات، العديد من العقبات والتحديات لتجنب تجاوز عتبة الخطر، أي ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض لأكثر من درجتين مئويتين
في حين قد يختلف العلماء بشأن نتائج المحاكاة بالحاسوب، اتفق أغلبهم على أن الاحتباس الحراري الذي يعيشه كوكبنا اليوم سيتسارع نسقه وسيصبح أكثر حدّة. في الحقيقة، سيواجه العالم، في حال تقاعست الولايات المتحدة عن اتخاذ التدابير الضرورية للحد من مستوى الانبعاثات، العديد من العقبات والتحديات لتجنب تجاوز عتبة الخطر، أي ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض لأكثر من درجتين مئويتين (ما يعادل 3.6 درجة فهرنهايت) مقارنة بمستويات الاحترار ما قبل الثورة الصناعية.
والجدير بالذكر أن نسبة الاحترار في العالم قد تجاوزت بالفعل نصف المستويات الآنف ذكرها، في حين أن خمسها يمثل حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة، والمتأتية في الغالب من احتراق الفحم والنفط والغاز. وبالتالي، تبذل مختلف الأطراف الدولية، في الوقت الراهن، جهودا حثيثة لتفادي ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.6 درجة فهرنهايت إضافية (0.9 درجة مئوية).
من ناحية أخرى، أشارت عالمة المناخ في جامعة روتجرز، جينيفر فرانسيس، إلى أن “الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية فيما يتعلق بارتفاع مستوى الانبعاثات السابقة. فضلا عن ذلك، تلعب الصين دورا رئيسيا في تعميق هذه الأزمة في الوقت الحالي. وبالتالي، يمكن الجزم بأن الأمريكيين تسببوا بدرجة كبيرة في ارتفاع درجات الحرارة”. خلافا لذلك، حتّى وإن التزمت الولايات المتحدة بتعهداتها بموجب اتفاق باريس، فمن المحتمل أن يعبر العالم عتبة المرحلة الثانية من الاحتباس الحراري، وفقا لما أكده العديد من العلماء.
في الأثناء، من المحتمل أن يتسارع نسق ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، على خلفية تواتر الانبعاثات الصادرة بالأساس عن الولايات المتحدة. وقد يعني ذلك بدوره أن “الأنظمة البيئية لن تقوم بوظيفتها كما يفترض في صلب التقلبات المناخية، مما سيتسبب في اضطرابات على مستوى زراعة المحاصيل، فضلا عن ارتفاع حجم النقص في الغذاء والماء”، وفقا لما ذكره عالم المناخ بالمركز الوطني لبحوث الغلاف الجوي، كيفن ترنبيرث.
من جانبه، قام فريق “كليمت أنتراكتف” الذي يتكون بالأساس من ثلة من العلماء فضلا عن العديد من مصممي نماذج الكمبيوتر، الذين تكفلوا بمراقبة الانبعاثات العالمية ومدى التزام الدول بشأن الحد منها، بمحاكاة مستوى الانبعاثات العالمية في حال تمكنت كل دولة، باستثناء الولايات المتحدة، من تنفيذ جانبها من الاتفاق بصفة فردية في إطار التقليص من نسبة التلوث الكربوني. وفي مرحلة ثانية، قام الفريق، بالاعتماد على نماذج حاسوبية، بدراسة ما قد يترتّب عن ذلك فيما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمّض المحيطات.
سينبعث 3 مليار طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون في الهواء سنويا، وذلك بحلول سنة 2030، علاوة على ارتفاع درجات الحرارة بحوالي 0.3 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن
وفقا للنتائج التي استخلصها فريق “كليمت أنتراكتف”، سينبعث 3 مليار طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون في الهواء سنويا، وذلك بحلول سنة 2030، علاوة على ارتفاع درجات الحرارة بحوالي 0.3 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن. وفي هذا الصدد، أوضح المدير المساعد في فريق “كليمت أنتراكتف”، أندرو جونز، أن “الولايات المتحدة لها دور أساسي في هذه المسألة، حيث قد يحدث ذلك القدر من الانبعاثات فارقا واضحا على مستوى الحد الأدنى الذي ينص عليه اتفاق باريس”.
من جهته، أقر فريق “كلايمت اكشن تراكر”، وهو فريق منافس في مجال المحاكاة بالحاسوب، بأن انسحاب الولايات المتحدة سيؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بين 0.1 و0.2 درجة مئوية (أو ما يعادل 0.18 و0.36 درجة فهرنهايت) بحلول سنة 2100. وفي الأثناء، استند فريق “كلايمت اكشن تراكر” خلال عمله على سيناريو قائم على استقرار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذا القرن، في حين أجرى فريق “كليمات أنتراكتف” بحوثه انطلاقا من فرضية ارتفاع الانبعاثات.
يعد جون شيلنهوبر، مدير معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ، من بين ثلة من العلماء الذين لم يولوا مسألة انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس والضرر المترتب عن ذلك أهمية كبرى. ومن المثير للاهتمام أن الفضل يُنسب له فيما يتعلق بتحديد المستوى الأقصى الذي من الضروري أن لا تتجاوزه درجات الحرارة في العقود القادمة، أي درجتين مئويتين.
وفي هذا السياق، قال شيلنهوبر، إن “انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قبل 10 سنوات، كان سيحدث تأثيرا عميقا وضررا بليغا على هذا الكوكب، أما اليوم، وفي حال اختارت الولايات المتحدة حقا الانسحاب من اتفاق باريس، سيمضي العالم قدما لبناء مستقبل نظيف وآمن”. على عكس شيلنهوبر، أفادت مديرة مركز علوم المناخ في جامعة تكساس التقنية، كاثرين هايهو، أن “العالم أجمع سيشهد تداعيات القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية”.
المصدر: واشنطن بوست