“اليمن ينزل إلى الانهيار” “الشعب يتعرض للحرمان والمرض والوفاة” “الأزمة تتصاعد نحو الانهيار الكلي” .. ثلاثة تصريحات متتالية خرجت عن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وعمليات الإغاثة الطارئة، ستيفن أوبراين، خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي أمس، حول ما آلت إليه الأوضاع في البلد الذي بات غالبية سكانه على مشارف الموت إما جوعًا أو مرضًا.
لم تكن تصريحات “أوبراين” هي الأولى من نوعها التي تجسد حجم ما يعانيه اليمنيون منذ بداية الأزمة واشتعال الحرب منذ عامين بين الحوثيين والسعودية وتحالفها، بل تعددت المشاهد والصور الكارثية التي عكست وبكل وضوح الوضع الإنساني الخطير الذي يحياه اليمنيون لكنها لم تحرك ساكنًا لدى أطراف الصراع من جانب، ولم تؤرق مضاجع القابعين فوق كراسي المؤسسات الأممية من جانب آخر، ليدفع المواطن اليمني وحده الثمن.
العديد من علامات الاستفهام تطل برأسها لعلها تجد إجابة وسط حالة التجاهل الإقليمي والدولي لما يحدث فوق أرض اليمن، والذي باتت ساحة حروب بالوكالة هنا وهناك، دون أي مراعاة للبعد الإنساني الذي ينحدر كل يوم سوءًا، فهل يمكن القول أن “الوقت قد حان الآن” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كما ختم المسئول الأممي كلمته أمام المجلس؟
17 مليون على مشارف المجاعة
بلغت الأوضاع المعيشية في اليمن أقسى درجاتها في العصر الحديث، حيث هناك ما يقرب من 17 مليون مواطن ما يعني ثلثي الشعب اليمني تقريبًا يجدون قوت يومهم بصعوبة، منهم حوالي 7 ملايين في انتظار الموت البطيئ بسبب المجاعة إن لم يتم تدارك الأمر في أسرع وقت، ما يضع اليمن على قائمة الدول الأكثر تعرضًا لأزمة أمن غذائي في العالم.
“أوبراين” أمام مجلس الأمن كشف عن سقوط أكثر من ثمانية ألاف قتيل في اليمن منذ الحرب التي شنها التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين وجبهة علي عبد الله صالح، فضلا عن نزوح عشرات الآلاف ممن وجدوا أن الوضع في بلادهم بات طاردًا لكل مقومات الحياة.
المسئول الأممي تطرق إلى أن استهداف الموانئ الواقعة على البحر الأحمر وعلى رأسها “الحديدة” والذي يعد “شريان الحياة” للواردات اليمنية، في إشارة منه لتهديدات الرياض، يعرض حياة اليمنيين لمزيد من الخطر إذ أن هذا الميناء هو الوحيد الذي يزود اليمن بالمواد الغذائية والنفطية.
ونتيجة لهذا الوضع الكارثي وجهت 22 منظمة إنسانية دولية وجماعة حقوقية، بما في ذلك “منظمة إنقاذ الطفولة” و”لجنة الإنقاذ الدولية” و”منظمة أوكسفام”، إنذارا بشأن اليمن، حيث دعوا مجلس الأمن الى ضرورة التحرك الفوري وبشكل حاسم “لإنهاء ما يعد الآن اكبر أزمة إنسانية فى العالم”
يذكر أنه منذ اندلاع الحرب في اليمن سقط من المدنيين فقط غير العسكريين حوالي 3799 يمنيًا، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة على لسان جيمي ماغولدريك منسق الشؤون الإنسانية في المنظمة.
17 مليون يمني يعانون من إيجاد غذائهم، منهم حوالي 7 ملايين في انتظار الموت البطيئ بسبب المجاعة
الكوليرا تهدد حياة 65 ألف يمني
الإصابة بالكوليرا في اليمن نتيجة طبيعية ومنطقية لسوء الأوضاع الغذائية التي يعيشها الشعب اليمني، وهو ما أدى إلى زيادة معدلات الإصابة والوفاة جرًاء هذا المرض، فضلا عن احتمالية زيادة نسب الإصابة به مستقبلا حسب الإحصائيات والتقارير الطبية.
منظمة الصحة العالمية أشارت اليوم الأربعاء إلى ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن وباء الكوليرا في اليمن إلى 532 منذ 27 أبريل الماضي، محذرة من تفشي المرض بصورة قد يصعب السيطرة عليها.
المنظمة في تدوينة لها نشرتها عبر الحساب الرسمي لمكتبها باليمن على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قالت إنه “حتى الآن (الساعة 11:20 بالتوقيت المحلي لليمن) تم تسجيل أكثر من 65300 حالة اشتباه بمرض الكوليرا، و532 وفاة مرتبطة بالوباء”، مضيفة أن هذه الحالات تم رصدها في 253 منطقة في اليمن.
“أوبراين” في كلمته أشار إلى احتمالية إصابة أكثر من 150 ألف آخرين خلال الأشهر الستة المقبلة، محذرًا من الصمت حيال هذه المعدلات، ومطالبًا بالتحرك الفوري لإنقاذ اليمنيين من مواجهة مصائر الموت المحتوم حال ترك هذا الوباء دون مقاومة.
من جانبها حذرت منظمة “أطباء بلا حدود”، من أن تفشي هذا الوباء في اليمن قد يخرج عن السيطرة في حال لم تكن هناك استجابة طارئة تتناسب مع حدة الوضع.
المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أوضحت أن “الأعداد المتزايدة من إصابات الكوليرا والإسهال المائي الحاد تشكل مصدر قلق هائل في اليمن”.
تم تسجيل أكثر من 65300 حالة اشتباه بمرض الكوليرا، و532 وفاة مرتبطة بالوباء في اليمن بحسب منظمة الصحة العالمية
أكثر من 200 ألف يمني مهددون بالموت بسبب الكوليرا
عجز المجتمع الدولي
جاءت تصريحات المسئول الأممي لتعكس حالة الإحباط إزاء فشل مجلس الامن فى الضغط على الاطراف المتحاربة فى اليمن، ومحاولة إقناعها بالإنسحاب قليلا عن حافة الهاوية، وحثها على الانخراط فى مفاوضات جادة لانهاء الحرب التى دامت قرابة عامين لم تحقق أي نتائج سوى مزيد من تأزم الأوضاع التي يدفع الشعب اليمني وحده ثمنها.
وهو ما أشار إليه أيضًا المبعوث الخاص للامم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي أكد أنه لم يحرز أى تقدم فى جهوده للتوسط فى العودة إلى المفاوضات والتوصل إلى اتفاق بشأن السماح بإحياء عملية المفاوضات بين الأطراف المتصارعة مرة أخرى، والذي قال أمام مجلس الأمن في كلمته بالأمس “لا أخفي من هذا المجلس أننا لسنا قريبين من اتفاق شامل”.
هذا وتقوم سلطنة عمان بدور الوساطة بين حكومة عبد ربه منصور هادي والحوثيين بشأن خطة الأمم المتحدة لإستئناف محادثات السلام بين الجانبين، حيث كان وزير الخارجية اليمني، عبد المالك المخلافي، في مسقط الإسبوع الماضي بدعوة من نظيره العماني لبحث سبل الخروج من هذا المأزق حفاظًا على ما تبقى من اليمن.
وقد نقل الجانب العماني إلى مخلافي رغبة الحوثيين في قبول الخطة التي قدمها إسماعيل ولد الشيخ، والتي تضمنت بعض إجراءات بناء الثقة بين الطرفين مثل تسليم ميناء الحديدة على البحر الاحمر الى جهة محايدة، بعدما هددت حكومة هادي بالهجوم على الميناء مالم يوافق الحوقيين على وجود مراقبين محايدين، وفتح مطار صنعاء ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية التي توقفت لعدة أشهر بسبب نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
إسماعيل ولد الشيخ أحمد: “لا اخفي من هذا المجلس اننا لسنا قريبين من اتفاق شامل”.
ماذا عن المستقبل؟
“لم تكتفِ بحصد الأرواح بل تسرق مستقبل الأجيال القادمة”.. بهذه الكلمات أستهل رأفت علي الأكحلي وزير الشباب والرياضة اليمني الأسبق كلمته خلال الجلسة التي عقدت بمقر البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل والتي حملت عنوان “إعادة تصور اليمن” بدعوة من كتلة “الاشتراكيين والديمقراطيين” ، ثاني أكبر الكتل في البرلمان الأوروبي.
الأكحلي أشار في كلمته إلى أن أخطر ما تواجهه اليمن جراء هذه الحرب هو “فقدان الأمل في أوساط اليمنيين”، بينما أكدت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن أنطونيا كالفو بويرتا أن الاتحاد ملتزم بإيجاد حل سلمي للنزاع، مضيفة أن الرئيس عبدربه منصور هادي هو آخررئيس منتخب في اليمن.
العديد من الدبلوماسيين المشاركين في الجلسة حذروا من مخاطر تفاقم الوضع الإنساني والإقتصادي، داعين إلى تبني قرار دولي جديد يلتزم بالسلام وليس الحرب فقط، منوهين أن مسألة إنهاء الحرب في اليمن ليست معضلة لكنها تحتاج فقط إلى توفر الرغبة الدولية.
وهكذا وبعد عامين من الحرب داخل اليمن بين قوات التحالف بقيادة السعودية والحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح المدعومين من إيران، ماذا جنته أرض اليمن؟ عشرة آلاف يمني لقتوا حتفهم، وثلثي الشعب اليمني على مشارف المجاعة، وما يقرب من 65 ألفًا مصاب بالكوليرا و حوالي 150 ألف أخرين على أبواب الإصابة بهذا الوباء، فضلا عن الأوضاع الإنسانية المتردية التي وصفت بأنها الأسوأ في العصر الحديث.. كل هذا في الوقت الذي يكتفي فيه العالم بدور المشاهد المراقب لما ستسفر عنه الأحداث.