يبدو أن الرسائل البريدية المسربة للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتبة، ما زالت تكشف لنا المزيد والمزيد من المفاجآت والمعلومات التي لطالما كانت الشكوك تدور حولها، لكنّها تأكدت اليوم الآن مع هذه التسريبات، التي توّعد القراصنة أمس بنشر المزيد منها أيضًا.
توضح جزء كبير من عيّنة الرسائل التي نشرت حتى الآن من قبل مواقع وصحف أجنبية، من بينها موقع ذي إنترسبت، هافينغتون بوست، وديلي بيست، تطور العلاقة بين دولة الإمارات ومركز دراسات داعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي ومقرب من المحافظين الجدد، يعرف باسم “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، والتي يرأسها مارك ديبوفيتز.
كانت هناك رسالة مثيرة وهامّة، بتاريخ 16 من أغسطس/آب 2016، حيث أرسل هانا إلى العتيبة مقالاً صحفيًا يشير كاتبه إلى أن الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مسؤولتان عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا. وقد علق هانا عن هذا المقال مازحًا: “نحن نتشرف بأن نكون إلى جانبكم”.
التسريبات كشفت عن عشرات الرسائل المتبادلة بين ديبوفيتز والعتيبة وكذلك وجون هانا، حيث يعتبر الأخير كبير مستشاري المؤسسة، والذي شغل سابقًا منصب مستشار الأمن القومي مع نائب الرئيس ديك تشيني.
ومن بين هذه الرسائل الودّية الكثيرة بين العتيبة وديبوفيتز وهانا، كانت هناك رسالة مثيرة وهامّة، بتاريخ 16 من أغسطس/آب 2016، حيث أرسل هانا إلى العتيبة مقالاً صحفيًا يشير كاتبه إلى أن الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مسؤولتان عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا. وقد علق هانا عن هذا المقال مازحًا: “نحن نتشرف بأن نكون إلى جانبكم”.
فهل هذا دليل واضح على تورّط دولة الإمارات وهذه المؤسسة بالانقلاب الفاشل في تركيا العام الماضي؟
هل توقّع هانا الانقلاب أم دبّر له مع الإمارات؟
لفهم ذلك، وخلال بحثنا حول هذين الاسمين – ديبوفيتز وهانا- وجدنا مقالًا لجون هانا قد نشر في صحيفة الفورن بولسي بتاريخ 15/6/2016، أي قبل شهر واحد بالتمام من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والذي حمل عنون: “كيف نحل مشكلة اسمها أردوغان؟“
جون بيتر هانا
ومما جاء في المقال على لسان هانا، الذي يبدو أنه كان يفكر بصوت عالٍ كيف السبيل للخلاص من أردوغان، ما يلي: “لا يمكن الاستبعاد بشكل كلي بعض النّوع من التدخل العسكري – خاصة إذا ما رافقه معارضة شعبية واسعة النطاق لاستبداد أردوغان المتصاعد ولتجاهله لدستور تركيا القائم”.
وأضاف هانا في مقاله حول تركيا: “على الرغم من أنه بات من الدارج الاعتقاد بأن قضايا المحاكم التي رفعها أردوغان ضد ضباط الجيش في وقت مبكر من فترة حكمه قد نجحت في استئصال أي نزعة متبقية داخل الجيش للقيام بأي دور في الحياة السياسية في البلاد، إلا أن عدداً من المحللين شكك مؤخراً في هذا التقييم. وهم يرون أنه منذ بداية عام 2014، وخاصة منذ أن أعلن حربه الشاملة ضد حزب العمال الكردستاني، اضطر أردوغان وبشكل متزايد إلى الاعتماد على تحالف تكتيكي مع الجيش لمواجهة بعض خصومهم المحليين المشتركين، وهو بذلك أحيا رغماً عنه سلطة الجيش ومكانته وحتى طموحاته”.
هانا كتب في مقالته قبل محاولة الانقلاب بشهر: “ليس من المستبعد أن يستدير الجيش وينقلب على أردوغان حتى “ينقذ” تركيا من المضي في طريقه الذي يؤدي إلى الدكتاتورية والدولة الإسلامية”
وختم هانا في مقالته بالقول: “إذا استمر الوضع في تركيا في التدهور، حسب هذه النظرية – زيادة في الإرهاب، وصراع سياسي، وتأزم العلاقات مع الشركات الغربيين التقليديين، على سبيل المثال – فليس من المستبعد أن يستدير الجيش وينقلب على أردوغان حتى “ينقذ” تركيا من المضي في طريقه الذي يؤدي إلى الدكتاتورية والدولة الإسلامية”، على حد تعبيره.
فهل تصريحات هانا هذه وتوقّعاته لسيناريو الانقلاب بتركيا بعد شهر من هذه المقالة بالتمام محض صدفة أم هو أمر مقصود ومدبّر؟ خصيصًا إذا نظرنا إلى أن هانا -وبحسب الرسائل المسربة- قد اجتمع ورجال مؤسسته طيلة الأربعة أيام التي سبقت نشره لهذه المقالة مع مسؤولين إماراتيين من بينهم الشيخ محمد بن زايد، ولي العهد وقائد القوات المسلحة الإماراتية، وكذلك السفير العتيبة.
حيث ورد في أحد الرسائل المسربة بريدًا يتعلق بجدول أعمال مقترح بخصوص اجتماع مرتقب بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومسؤولين من الحكومة الإماراتية، الذي كان المفترض انعقاده بين 11 و14 حزيران/يونيو.
وقد اشتمل جدول أعمال اللقاء على الخوض في نقاشات معمقة بين الطرفين حول عدة قضايا من بينها أيضًا سياسات دولة قطر، وأدواتها الإعلامية “التي تحارب الاستقرار في المنطقة مثل قناة الجزيرة- وكذلك دارات نقاشات حول السياسات الممكن العمل بيها من قبل كل من الولايات المتحدة والإمارات لإحداث تأثير كبير فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية في إيران.
اجتمع هانا ورجال مؤسسته طيلة الأربعة أيام التي سبقت نشره لهذه المقالة مع مسؤولين إماراتيين من بينهم الشيخ محمد بن زايد، ولي العهد وقائد القوات المسلحة الإماراتية، وكذلك السفير العتيبة
الأرشيف يعود بنا لبصمات دحلان
إلى ذلك، فقد كشفت بعض الرسائل المسربة لموقع إنترسبت الأمريكي، طلب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” -التي يرأسها ديبوفيتز وعرّابها هانا- من السفير الإماراتي ترتيب لقاء مع القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، وأكبر مستشاري ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وهذا ما يدلنا على حجم ونوعية التنسيق بين الإمارات وهذه المؤسسة الداعمة لدولة الاحتلال، وهذا ما يسوقنا ويعود بنا لما نشره موقع “ميديل إيست آي” بتاريخ 29-7-2016. حيث كشف الموقع في تقرير خاص عن مصادر مُقرّبة من الاستخبارات التركية، عن تعاون جرى بين الحكومة الإمارتية وبين مُدبري الانقلاب في تركيا، بوساطة القائد الفتحاوي المفصول محمد دحلان، الذي عمل كحلقة وصل بينهم وبين رجل الدين التركي المقيم في أمريكا (فتح الله كولن)، وذلك قبل أسابيع من المحاولة الانقلابية الفاشلة.
طلبت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” -التي يرأسها ديبوفيتز وعرّابها هانا- من السفير الإماراتي ترتيب لقاء مع القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، وأكبر مستشاري ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد
وحسب تقرير ميدل إيست آي عن هذه المصادر، فإنّ دحلان قام بتحويل أموالاَ إلى مدربي الانقلاب في تركيا، وتواصل قبل أسابيع مع فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، وذلك عن طريق رجل أعمال فلسطيني يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنّ هوية هذا الرجل الفلسطيني، المُقرّب من دحلان، معروفة لدى الاستخبارات التركية.
محمد بن زايد ومحمد دحلان من خلفه في أحد الزيارات الخارجية غير الرسمية
وفي ليلة الانقلاب، يوم 15 تموز/يوليو، سارعت القنوات التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، مثل قناة سكاي نيوز العربية، وقناة العربية، إلى بث أخبار عن نجاح الجيش التركي بانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعلى حزب العدالة والتنمية. وبرغم أنّ الصورة لم تكن قد اتضحت بعد، إلا أنّ هذه القنوات تحدثت عن هروب اردوغان إلى خارج البلاد، وأنه طلب اللجوء إلى ألمانيا!
وهنا، قد احتاجت حكومة دولة الإمارات 16 ساعة لتعلن عن وقوفها إلى جانب الرئيس التركي المنتخب رجب طيب أردوغان، وذلك بعد ساعة واحدة من بيان مماثل أصدرته المملكة العربية السعودية.
الإمارات شعرت بالخوف بعد فشل المحاولة الانقلابية، وحاولت أنْ تنأى بنفسها عن دحلان وعن اتصالاته بفتح الله غولن. وانتشرت أخبارًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ الإمارات “غاضبة من دحلان”، وأنها أجبرته على مغادرة البلاد بشكل مؤقت
وحسب مصادر الموقع البريطاني فإنّ الإمارات شعرت بالخوف بعد فشل المحاولة الانقلابية، وحاولت أنْ تنأى بنفسها عن دحلان وعن اتصالاته بفتح الله غولن. وانتشرت أخبارًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ الإمارات “غاضبة من دحلان”، وأنها أجبرته على مغادرة البلاد بشكل مؤقت، حيث من المرجّح أنْ يكون قد تواجد في مصر حينها.
كما أن الإمارات حينها حاولت رأب الصدع مع أنقرة سريعًا بعد فشل محاولة الانقلاب، حيث اعتقلت جنرالين تركيين كانا يعملان في أفغانستان، ويُشبته بوجود صلات لهم مع مدبري الانقلاب في تركيا. الأول هو اللواء محمد جاهد بكر، والثاني هو الضابط “سانير توبوج”، وقد تم ترحيلهما إلى انقرة.
يشار إلى أن دحلان هو قيادي سابق في حركة فتح الفلسطينية، التي قررت طرده من صفوفها، كما أنه هرب من قطاع غزة قبل سنوات، وانتقل للعمل والعيش في أبو ظبي، ولديه علاقات وثيقة بولي العهد محمد بن زايد. ويسود الاعتقاد أن دحلان استخدم ملايين الدولارات التي زودته بها الإمارات للقيام بعدة عمليات في الشرق الأوسط، مثل الاغتيالات السياسية في تونس، ودعم انقلاب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر على الحكومة الشرعية في ليبيا، وكذلك دعم وتمويل الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، والتنسيق مع دولة الاحتلال لتضييق الحصار على قطاع غزة الذي تديره حركة حماس وشن 3 حروب عليه، وغيرها من الأزمات المفتعلة هنا وهناك، وكل ذلك بعلم ودراية ودعم إماراتي، ربما الساعات والأيام القادمة ستكشف عنه.