بينت الأزمة الخليجية انقاسمًا واضحًا في المواقف الدولية العربية منها والأجنبية فبينما اصطفت بعضها إلى جانب قطر وأكدت لها دعمها المطلق من خلال إرسال المؤن والغذاء ودعت لحل الأزمة بشكل سريع مثل تركيا وإيران، كانت هناك دول أخرى تضامنت مع قطر مثل ألمانيا التي أعربت على لسان وزير خارجيتها سيغمار غابريال عن تضامنها مع قطر في أزمتها وقال أن هناك محاولات لعزل قطر وإصابتها بشكل وجودي.
من بين الدول التي عبرت إلى ضرورة الحفاظ على استقرار منطقة الخليج هي روسيا التي أكد وزير خاركيتها سيرغي لافروف اهتمام بلاده بالارتباط بعلاقات جيدة مع كل الدول خصوصًا في هذه المنطقة التي يعد خطر الإرهاب الدولي أهم قضية بالنسبة لها اليوم. وعبر أيضًا الكرملين أن يكون وضع الخليج مستقرًا وسلميًا.
الموقف الروسية من الأزمة الخليجية
اكتفت روسيا في بداية الأزمة بالتصريح على لسان دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أول تعليق للكرملين على الأزمة الخليجية القطرية، إن موسكو “لا تتدخل في شؤون دول أخرى، ولا في شؤون دول الخليج، لأنها تقدر علاقاتها مع الدول الخليجية مجتمعة ومع كل دولة على حدة.”
ومن ثم صدرت تصريحات عدة من مسؤولين روس تؤكد على ضرورة حل الأزمة بالحوار والتفاوض ففي تصريح للافروف وزير الخارجية الروسي قبل لقائه نظيره القطري في موسكو قال “تابعنا بقلق أخبار هذا التصعيد ولا يمكن أن نرتاح لوضع يشهد تدهورًا في العلاقات بين شركائنا” ودعى إلى “تسوية أي خلافات من خلال الحوار”.
أظهرت روسيا دعمًا اقتصاديًا لقطر من خلال ما أعلنه نائب وزير الزراعة الروسي، جنبلاط خاتوف، أن روسيا مستعدة لزيادة تصدير المنتجات الزراعية إلى قطر
وفي المؤتمر الصحفي المشترك لوزيري خارجية قطر وروسيا شكر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني “المؤسسات الروسية التي عرضت خدماتها في هذه الظروف غير القانونية التي طبقت على دولتنا”، وثمن الوزير “الجهود المبذولة لإيجاد حل للأزمة”، قائلاً “نرحب بالجهود التي تبذلها روسيا التي تربطنا بها علاقة صداقة، فضلًا عن دولة الكويت وجميع الدول الصديقة التي تدعم أي مساع للوساطة”.
ظهر الدعم الروسي لقطر بشكل معتدل نسبيًا مقارنة بالموقف التركي مثلا، فاكتفت روسيا بعرض جهودها الدبلوماسية من خلال عرض وساطات، وقد تلقى وزير الخارجية القطري خلال لقائه بنظيره الروسي، عرض وساطة جديد إلا أن الدوحة يبدو أنها مكتفية بالوساطة الكويتية حتى الآن، وهو ما أوضحه وزير الخارجية القطري بأن الدوحة “لن تعلن يأسها من وساطة أمير الكويت التي تقدّرها وتحترمها لأنها لا تزال مستمرة ولم تأتنا طلبات واضحة من الطرف الآخر، إذ ليس هناك وضوح في الرؤية حول المطالب”.
ومن جانب آخر أظهرت روسيا دعمًا اقتصاديًا لقطر من خلال ما أعلنه نائب وزير الزراعة الروسي، جنبلاط خاتوف، أن روسيا مستعدة لزيادة تصدير المنتجات الزراعية إلى قطر بعد قطع كل من السعودية والإمارات ودول أخرى صادراتها إلى قطر، بيد أن الدوحة لم تتوجه بطلب بهذا الصدد إلى وزارة الزراعة الروسية.
روسيا تعتبر قطر أحد اللاعبين الرئيسين في الملف السوري وأزمته ولعبت دورًا كبيرًا في الوساطات الجارية هناك من خلال شبكة علاقتها
الموقف الروسي إزاء الأزمة القطرية وعلى الرغم من كونه دبلوماسيًا وحذرًا إلا أنه يمكن القول أن قطر ضمنت الموقف الروسي إلى جانبها وهذا كان هدف زيارة وزير الخارجية القطري إلى موسكو، إذ لم تنجر موسكو إلى أي إغراءات سعودية أو إماراتية للوقوف ضد الدوحة. كما أن موقفها أقوى من الموقف الأمريكي المتذبذب والمتناقض بين 3 مؤسسات هي البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، إذ أبدى ترامب أمس موقفًا سلبيًا من الدوحة واحتفى به محور الرياض – أبو ظبي، حيث ذكر ترامب قبل يومين أن لدى قطر تاريخ في تمويل الإرهاب وعلى مستويات عالية داعيا إياها ودول المنطقة الأخرى لفعل المزيد لوقف دعم الإرهابيين.
إلى ذلك فإن روسيا تعتبر قطر أحد اللاعبين الرئيسين في الملف السوري وأزمته ولعبت دورًا كبيرًا في الوساطات الجارية هناك من خلال شبكة علاقتها، وتعد قطر داعم رئيسي للمعارضة السورية ولبعض فصائل المعارضة وخسارة ود قطر في هذا الجانب قد يدفعها للاندفاع ضد روسيا في المنطقة أكثر لذا فموسكو تسعى لموازنة موقفها مع قطر من أزمتها مع الخليج. كما أنها تخشى من تشكل حلف جديد في المنطقة بين قطر وتركيا وإيران يسهم في إضعاف هيمنتها وسياساتها، بالأخص بعد اصطفاف تركيا وبقوة إلى جانب قطر من خلال نشر قوات عسكرية في قاعدة الريان العسكرية في الدوحة، وكذلك فتحت إيران خط جوي لمساعدة قطر في تأمين احتياجاتها من الغذاء كما فعلت تركيا أيضًا.
الاقتصاد محرك أساسي في موقف روسيا
تعد العلاقات الاقتصادية بين روسيا وقطر على أعلى مستوى، ويسعى البلدين لرفع التبادل التجار بينهما إلى 500 مليون دولار في المرحلة المقبلة، كما أن الاستثمارات القطري في روسيا كبيرة من خلال صندوق الثروة السيادي القطري، فضلا أن قطر لاعب رئيسي في اتفاق فيينا بخصوص تخفيض الإنتاج النفطي لامتصاص الفائض من النفط في الأسواق، ففي حال انسحاب قطر من الاتفاق وانهياره قد يؤدي هذا إلى هبوط أسعار النفط وتكبد الاقتصاد الروسي خسائر كبيرة.
بالنسبة لاستثمارات قطر في روسيا فقد تنوعت بين الطاقة والعقارات إلى السياحة وغيرها، حيث تستثمر شركة “بريميوم كونستراكشن” القطرية ببناء مجمع فندقي كبير في شبه جزيرة القرم الروسية بقيمة 100 مليون دولار، وجهاز قطر للاستثمار دفع 239 مليون يورو مقابل 24.99% من أسهم الشركة المشغلة لمطار “بولكوفو” الواقع في سانت بطرسبورغ بشمال روسيا. كما قدمت شركة قطر القابضة طلبا لمصرف “في تي بي” الروسي، لشراء أسهم فيه
الاستثمارات القطرية في روسيا تشكل أداة ناعمة لدى قطر للتأثير على روسيا وسياستها تجاهها
وتعتزم شركة “المستثمر الأول” الذراع العقارية لجهاز قطر للاستثمار تشغيل 500 مليون دولار بالإشتراك مع شركة “غازبروم” الروسية في قطاع العَـقارات الروسي ولا سيما في العاصمة موسكو. كما أبرم جهاز قطر للاستثمار في إطار تحالف مع شركة “غلينكور” العملاقة لتجارة السلع الأولية، صفقة مع “روس نفط” في نهاية العام الماضي اشترى بموجبها التحالف حصة في الشركة الروسية بلغت نسبتها 19.5%، مقابل 10.5 مليار يورو (نحو 11.3 مليار دولار)، ووصفت الصفقة بالأكبر في العام 2016
قطر تمتلك 19.5% من شركة روس نفط الروسية
وسيشتري جهاز قطر للاستثمار وشركة “غلينكور” لتجارة السلع والخدمات، ثلث حصة شركة “لوك أويل”، من محطات الوقود في روسيا، هذا ويستثمر صندوق قطر حوالي 500 مليون دولار في أعمال التنقيب التي يتضمنها مشروع “الأورال الصناعي – الأورال القطبي“.
يذكر أن الصندوق القطري يتمتع بملاءة مالية عالية حيث يبلغ قيمة أصوله نحو 335 مليار دولار وفي أغسطس/آب الماضي، كرس صندوق الثروة السيادية 622 مليون دولار نحو حصة في شركة الاستثمار العقاري “Empire State Realty Trust”، التي تمتلك وتدير مبنى “Empire State” وغيره من العقارات الرئيسية في مدينة نيويورك الأمريكية. ويمتلك الصندوق أيضًا 8.3% من “Brookfield Property”، التي تمتلك عقارات رئيسية في جميع أنحاء العالم.
كما تمتلك قطر سلسلة من الأصول المميزة في بريطانيا ودول عديدة حول العالم، بما في ذلك متجر “Harrods” الضخم والقرية الأولمبية، ومبنى “The Shard” – أطول مبنى في غرب أوروبا. كما لديها أيضا أجزاء من المنطقة المصرفية “كاناري وارف” بلندن.
انسحاب قطر من اتفاق فيينا النفطي وانهياره سيشكل أزمة للاقتصاد الروسي
تلك الاستثمارات ستلقي بظلالها على سوق العمل الروسي من خلال خلق فرص عمل ورفع الكفاءة الإنتاجية للعمالة وزيادة الأجور، وستؤثر على معدلات النمو الاقتصادية في روسيا بشكل إيجابي في المرحلة المقبلة، وفي حال وقوف روسيا موقف عدائي من الدوحة قد تسحب الدوحة استثماراتها من البلاد وتوقع البلاد بأزمة نسبية، وهي أداة ضغط ناعمة تمتلكها قطر من خلال استثماراتها في روسيا.