بعد الأزمة الخليجية مع قطر، التي أدت إلى قطع الصادارت عليها من منتجات زراعية وغذائية عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية من دول الخليج، استوردت الحكومة احتياجاتها من تركيا وإيران اللتين أرسلتا على الفور منتجات تركية مختلفة غصت الأسواق القطرية بها، وكتب على الرفوف “منتجات قادمة من تركيا جوًا” كما أعلنت الحكومة الإيرانية إرسال خمس طائرات تحمل مواد غذائية أيضًا إلى قطر، على خلفية الحظر الذي فرض عليها.
معتز الخياط يقتنص الفرصة
من طرفهم حاول بعض رجال الأعمال تحويل الأزمة إلى فرص اقتصادية يمكن الاستفادة منها، إذ قرر “معتز الخياط” رجل الأعمال السوري الاستثمار في صناعة الألبان داخل قطر لسد نقص الحليب الذي خلفته المقاطعة الاقتصادية من قبل دول الجوار لقطر وفي مقدمتهم السعودية والإمارات. وكما ورد في لقاء مع صحيفة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية أمس الثلاثاء إن رجل الأعمال السوري، معتز الخياط، سينقل أربعة آلاف بقرة من أمريكا واستراليا إلى قطر لإنتاج الحليب، وسيكون وزن البقرة الواحدة 590 كيلو غرام، وسيستغرق نقلها 60 رحلة جوية للخطوط الجوية القطرية، لتكون أكبر عملية شحن جوي للأبقار في التاريخ.
برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي الذي بدأ في العام 2008 تسعى فيه الحكومة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 40% بحلول العام 2030
وسيبدأ إنتاج الحليب نهاية الشهر الجاري، وسيغطي ثلث الطلب القطري بحلول منتصف تموز/يوليو المقبل، وأضاف الخياط أنه حان الوقت للعمل في قطر، مشيرًا إلى أنه لا أحد يشعر بأزمة في قطر، وأن الحكومة تعمل بجد لعدم وجود أي تأثير.
رجل الأعمال السوري معتز الخياط
يُذكر أن معتز الخياط وهو مهندس حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق وتعد عائلته من أبرز رجالات الأعمال والمستثمرين في المنطقة العربية، ومعتز يعد مالك ورئيس لأكثر من 14 شركة منتشرة في الخليج منها “الخياط للتجارة والمقاولات”، ورئيس مجلس إدارة “أورباكون” للتجارة والمقاولات التي تتخذ من قطر والخليج مقرًا لها، وتشمل الشركة تنوعًا كبيرًا في المشاريع، كمراكز التسوق التي من أهمها “قطر مول” الذي يعد أكبر مركز تسوق في قطر.
الأمن الغذائي في قطر
تعد قطر على رأس دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الأمن الغذائي استنادًا إلى القدرة على تحمل التكاليف الغذائية وتوافرها وتوعيتها وسلامتها، فقد احتلت المرتبة الأولى في دول مجلس التعاون الخليجي، والمرتبة الـ20 عالميًا من بين 113 دولة خضعت للتحليل في مؤشر الأمن الغذائي العالمي.
نما إنتاج الألبان في قطر بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 32.1% بين عامي 2009 و2014
وكجزء من برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي الذي بدأ في العام 2008 تسعى الحكومة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 40% بحلول العام 2030. حيث يعتزم البرنامج المقرر مضاعفة عدد المزارع في قطر من 1400 إلى 3 آلاف مزرعة، ومن جملة ما يركز البرنامج على الاستثمار فيه الإنتاج الزراعي ومعالجة الأغذية وإدارتها لتعزيز المنتجات المحلية. كما اقترحت الحكومة بناء ميناء جديد لتحويل قطر إلى مركز تجاري إقليمي ودولي للمنتجات الغذائية.
يشكل الحليب الطازج نصيب الأسد من حصة السوق المحلية في قطر
إلا أن أسباب مثل محدودية الأراضي الصالحة للزراعة، والمناخ الحار والجاف، ونقص المياه العذبة، تعد أسباب بارزة لدول الخليج للاعتماد على الواردات، ولا يزال الأمن الغذائي يمثل أولوية رئيسية لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، التي اتخذت بالفعل التدابير اللازمة لتعزيز الإنتاج المحلي، ولجأت إلى الاستثمار في الأراضي الزراعية في الخارج.
صناعة الألبان في قطر
نما إنتاج الألبان في قطر بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 32.1% بين عامي 2009 و2014. وبصورة عامة، نما الغذاء المنتج في قطر بمعدل سنوي متوسط قدره 12.2% ليصل إلى ما يقرب من 0.2 مليون طن متري في عام 2014.
وقامت قطر بتلبية 12.7% من احتياجاتها من الاستهلاك الغذائي من خلال الإنتاج المحلي في عام 2014، ارتفاعا من نسبة 9.4% في عام 2009. وبينما يعد توفير الألبان ومشتقاتها يحتمل أهمية كبيرة ضمن مواضيع الأمن الغذائي في أي بلد، وحاجة الإنسان لهذه السلعة لا غنى عنها سواء للصغير أو الكبير، لا تزال قطر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج فنسبة 90% من منتجات الألبان ومشتقاته في قطر تأتي من دول الجوار، علما أنه يمكن توفير هذه المنتجات من الداخل، لكن القطاع الخاص غير مهيأ بعد لذلك بالإضافة إلى صعوبات تواجه هذا القطاع ويذكر أن هناك حوالي 1400 مزرعة في قطر إلا أن أكثرها غير منتج ولا يستفاد منها اقتصاديا أو على صعيد الأمن الغذائي.
يعتزم برنامج قطر للأمن الغذائي مضاعفة عدد المزارع في قطر من 1400 إلى 3 آلاف مزرعة
عمومًا بالنسبة لدول الخليج فقطر تعد أكثر دول الخليج لديها اكتفاء ذاتيا من منتجات الألبان، حيث ارتفع إنتاج الألبان في دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل نمو سنوي مركب بلغ حوالي 6% بين عام 2009 و2014، مدفوعا بزيادة قوية في الإنتاج في كل من قطر وعمان.
يتم تفضيل الحبوب ومنتجات الألبان، الغنية بالكربوهيدرات والبروتينات على التوالي، في شكل حبوب الإفطار والحليب ذي النكهات ومنتجات الألبان قليلة الدسم من قبل المستهلكين الذين يدركون أهمية الصحة. ويعد الطلب على منتجات مثل الحليب الطازج، والزبادي، والألبان، والأجبان، والبيض، واللبن الرائب والآيس كريم الأكثر استهلاكًا تقليديًا، إذ يعتبر الناس الألبان جزءا لا يتجزأ من غذائهم اليومي لأنه يحافظ على جسدهم رطبًا وباردًا في المناخ الحار والجاف.
ومن المتوقع أن يصل استهلاك الأغذية في قطر إلى 2.1 مليون طن متري في عام 2021، مما يعني حدوث نمو سنوي بنسبة 2.3% عن عام 2016، ومن أهم العوامل التي تساعد على النمو في استهلاك الأغذية ارتفاع الدخل المتاح ومعدل التحضر إلى جانب توسع قاعدة المستهلكين.
ومن المرجح أن تؤدي الاستثمارات الحكومية في تطوير مناطق الجذب السياحي والبنية التحتية الأخرى في التجهيز لبطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، إلى زيادة أعداد السياح الوافدين، وبالتالي زيادة الطلب على الغذاء. كما من المتوقع أن يزداد عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 1.5% و2.8% على التوالي.
قامت قطر بتلبية 12.7% من احتياجاتها من الاستهلاك الغذائي من خلال الإنتاج المحلي في عام 2014
وتعد معدلات الاستهلاك في قطر في صدارة الدول الخليجية تليها دولة الإمارات حيث تقدر الحاجة الفعلية للسوق القطري، الذي يرتفع فيه استهلاك منتجات الألبان، بشكل سنوي يزيد على 8%، تزامنًا مع ارتفاع أعداد المقيمين، وزيادة الوعي الاستهلاكي بين الأفراد محليًا، فهنالك توقعات اقتصادية أن يرتفع الإنفاق الاستهلاكي في قطر إلى ما نسبته 5.5% سنويًا خلال السنوات المقبلة.
كل التحليلات تشير أن قطر واقتصادها لم يتأثر بشكل كبير بالعقوبات التي فرضها محور الرياض – أبوظبي، ويعود هذا إلى سرعة استجابة الحكومة للأزمة والقيام بدرها المنوط به بالإضافة إلى دور القطاع الخاص الذي وجد في الأزمة فرصًا يمكن الاستفادة منها.