قبل أيام قليلة ولسنوات، ظلّت قضية الصحراء الغربية، قضية دول الخليج، يساندون المغرب في موقفه ويدعمونه أمام خصومه بكل الوسائل، فهي قضيتهم كما فتئوا يقولون، إلا أن هذا الدعم الكلي للرباط في قضية الصحراء، بدأ يتزحزح مباشرة عقب إعلان العاهل المغربي الحياد الإيجابي في أزمة الخليج وإرساله مساعدات غذائية للدوحة، مما أغضب الحلف المقابل على رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة العربية.
تغير في الخطاب
الرد السعودي والإماراتي على القرار المغربي القاضي بالوقوف موقف الحياد الإيجابي من الأزمة الخليجية، لم يتأخر كثيرًا، فقد شرعت قنوات تابعة للسعودية بينها قناتي “العربية” و”العربية الحدث”، وقنوات تابعة للإمارات من بينها قناة أبو ظبي، بالضغط على المملكة، من خلال تغير خطابه تجاه قضية الصحراء الغربية التي تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر بمنحها الاستقلال.
في حين تبدي الرباط استعدادًا لمنحها حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، وعمدت القناة الإخبارية “العربية الحدث” إلى مهاجمة الوحدة الترابية للمغرب بمجرد إعلان الرباط الحياد في الأزمة الخليجية، حيث خصصت القناة برنامجًا يصف الصحراء المغربية بالأرض المحتلة ويصف جبهة “البوليساريو” بالجمهورية الصحراوية.
تحدّثت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن ضغط سفراء السعودية على دول إفريقية ذات أغلبية مسلمة لتقطع علاقاتها مع قطر
قناة أبو ظبي الإماراتية من جهتها، بثت في برنامج تليفزيوني يتحدث عن الاستقرار الذي تعرفه المملكة المغربية والتعايش بين الديانات والثقافات التي تتميز به، خريطة المملكة مبتورة من صحرائها، وأعادت القناة بث البرنامج مرة أخرى بعد أن جرى تعديل الخريطة وظهرت فيه خريطة المغرب كاملة، وعرض برنامج “المشكاة” الذي تبثه قناة “أبو ظبي”، الإثنين، حلقة عن المغرب وأظهر خريطة المملكة ممتدة من طنجة شمالاً إلى حدود العيون جنوبًا، في حين تظهر الصحراء على أنها دولة أخرى غير تابعة للمغرب تحت مسمى “الصحراء الغربية”.
وقبل ذلك، تحدّثت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن قيم سفراء السعودية بالضغط على دول إفريقية ذات أغلبية مسلمة لتقطع علاقاتها مع قطر، تمثلت بالتلويح بشكل مبطن بقطع المساعدات المالية، أو تعقيد مسألة الحصول على تأشيرات الحج.
وقالت الصحيفة: “تداعيات الأزمة الدبلوماسية الحادة بين السعودية وقطر، وصلت إلى إفريقيا حيث تكافح الرياض من أجل الحصول على دعم أكبر عدد من الدول الإفريقية ذات الغالبية المسلمة في اتخاذ موقف من قطر”.
تراجع بعد دعم
هذا التغير الحاصل في طريقة تناول إعلام السعودية والإمارات قضية الصحراء، جاء بعد سنوات من تأكيد الدولتين دعمهما للمغرب، حيث أكّدا صحبة باقي دول مجلس التعاون الخليجي، خلال انعقاد قمة خليجية مغربية في شهر أبريل 2016، على دعمهم للرباط في قضية الصحراء الغربية، ورفض العاهل السعودي الملك سلمان، حينها، أي مساس بمصالح المغرب العليا، وقال موجهًا كلامه للملك المغربي محمد السادس “نعلن تضامننا جميعًا مع كل القضايا السياسية والأمنية التي تهم بلدكم الشقيق وفي مقدمتها الصحراء المغربية”.
ولم تشفع المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عام ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم في اليمن، وخسارة طائرة حربية خلالها، ولا المشاركة في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية أواخر 2015، لمحاربة الإرهاب، للمغرب أمام السعودية، فعند أول موقف اتخذته الرباط يخالف مواقف السعودية، بادرت الرياض ومن ورائها إعلامها بتغيير خطابها تجاه المملكة.
الوساطة المغربية
في أثناء ذلك بدأ وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطه بجولة في الشرق الأوسط، في إطار مساع الوساطة التي تقوم بها المملكة المغربية لحل الأزمة الخليجية وتقريب وجهات النظر بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ووصل الوزير المغربي، مساء أول أمس الثلاثاء، إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ونقل الوزير تحيات العاهل المغربي الملك محمد السادس للعاهل السعودي، بينما أبدى ملك السعودية تحياته لنظيره المغربي، حسب بيان.
الأحد الماضي، دعا العاهل المغربي، أطراف الأزمة الخليجية، إلى ضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر، وتجاوز هذه الأزمة
زيارة بوريطة للسعودية، جاءت بعد لقائه بأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في الكويت، وإبلاغه رسالة شفهية من الملك محمد السادس، وعبر العاهل المغربي في رسالته الشفهية لأمير دولة الكويت عن دعمه الكامل لمساعي وجهود سموه الرامية لرأب صدع البيت الخليجي واحتواء الأزمة الخليجية وإزالة الخلافات من خلال الحوار بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقبل ذلك، كان بوريطه في أبو ظبي، حيث التقى بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وأبلغه رسالة شفوية من العاهل المغربي الملك محمد السادس، بعد يوم واحد من إصدار المغرب موقفه الرسمي بخصوص الأزمة الخليجية الجديدة.
لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع وزير الخارجية المغربي
والأحد الماضي، دعا العاهل المغربي، أطراف الأزمة الخليجية، إلى ضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر، وتجاوز هذه الأزمة، وعبّر المغرب عن رغبته في الوساطة لحل الأزمة إذا أبدت الأطراف رغبتها في ذلك من أجل تشجيع حوار صريح وشامل على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومحاربة التطرف الديني والوضوح في المواقف والوفاء بالالتزامات.