لم تمض إلا أيام قليلة على إعلان موريتانيا قطع علاقاتها مع دولة قطر واصطفافها إلى جانب حلف المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ضدّ جارتهم الخليجية، حتى بدأت نواكشوط في تلقي نصيبها من الصفقة بإبرامها اتفاقية عمل مع الرياض، لتؤكّد بذلك التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن ضغوطات واغراءات سعودية لدول إفريقية عدّة حتى تقطع علاقاتها مع الدوحة، وتبارك قراراتها الأخيرة وهي صاغرة.
اتفاقية أولى في انتظار البقية
رغم ادعاء السعودية ومن ورائها دكاكينها الإعلامية، أن الاتفاقية المبرمة مع موريتانيا، تأتي سعياً لاستكمال خطط وزارة العمل السعودية في مجال توسيع جهات الاستقدام من الدول المرسلة للعمالة، وفتح قنوات جديدة لتلبية الطلب المتزايد على العمالة المنزلية، إلا أن الواضح أن هذه الاتفاقية المبرمة جاءت كبادرة شكر لموقف نواكشوط من أزمة الخليج ودفعة أولى من وعود سعودية لها لاصطفافها إلى جانبها ضدّ الشقيقة قطر.
تنص الاتفاقية على ألا تكون العمالة المنزلية المرشحة للعمل من أصحاب السوابق، ومدربة في معاهد أو مراكز متخصصة في الأعمال المنزلية
وتلتزم المملكة العربية السعودية بأن يكون استقدام وتوظيف العمالة المنزلية بموجب هذا الاتفاق، ووفقاً للأنظمة واللوائح والتعليمات المعمول بها، وبحماية حقوق العمالة المنزلية في المملكة. في حين نصت الاتفاقية على التزام موريتانيا على تأمين العمالة المؤهلة واللائقة طبياً التي تحتاجها المملكة؛ وفقاً لمتطلبات ومواصفات الوظيفة المطلوبة، ومراقبة معايير المراكز الطبية التي تجري الفحوصات بانتظام.
ماسم امضاء الاتفاقية بين ممثلي الحكومتين
كما تنص الاتفاقية على ألا تكون العمالة المنزلية المرشحة للعمل من أصحاب السوابق، ومدربة في معاهد أو مراكز متخصصة في الأعمال المنزلية، ويتم تثقيفها بعادات وتقاليد المملكة، وطبيعة أحكام وشروط عقد العمل، كما يجب على موريتانيا توجيه العمالة المرشحة بضرورة الالتزام بالأنظمة والتعاليم والآداب والعادات وقواعد السلوك، خلال إقامتها في المملكة، واتخاذ الإجراء اللازم لتسهيل نقل العمالة المنزلية المرشحة للعمل إلى المملكة خلال فترة لا تتعدى شهراً واحداً من تاريخ استلام وكالات الاستقدام في موريتانيا للتأشيرة.
قرار مدفوع الأجر
موقف نواكشوط من أزمة الخليج وبيانها شديد اللهجة ضد دولة قرار واتهامها الدوحة بـ “دعم التنظيمات الإرهابية”، وترويج الأفكار المتطرفة، والعمل على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية”، الأمر الذي نتج عنه “مآسي إنسانية كبيرة في تلك البلدان وفي أوروبا وعبر العالم؛ كما أدى إلى تفكيك مؤسسات دول شقيقة وتدمير بناها التحتية”، لم يكن، حسب العديد من المتابعين، موقفا نابعا عن دولة ذات سيادة.
نشرت جريدة لوموند الفرنسية تقريرا أكّدت فيه تعرض قادة البلدان الإفريقية التي توجد فيها غالبية مسلمة، لضغط كبير منذ بدء الأزمة
فالموقف الأخير لموريتانيا، حسب متابعين، كان مدفوع الأجر من المملكة العربية السعودية وحليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وما اتفاقية العمالة المبرمة مؤخرا بين نواكشوط والرياض إلا بداية الدفع. في هذا السياق يقول الباحث الموريتاني في العلوم السياسية، الشيخ يبّ لنون بوست، ” الموقف الرسمي للدولة وقطع العلاقات مع قطر، عملية دنئية وسببقى وصمة عار على جبين النظام فكيف لدولة مسلمة ان تقاطع اخوتها في الدين والنسب بدون سبب.”
وأضاف يبّ في حديثه لنون بوست، ” ما أقدمت عليه الحكومة ﻻ يمثل الشعب الموريتاني كما أوضح ذلك من خلال وقفاته التي نظمها أمام السفارة القطرية بالعاصمة”، وتابع، “طبعا هذا الموقف نابع من النظام لكن من الواضح انه مدفوع الثمن، لأن النظام مهته الاساسية هي جمع الأموال ولذلك وجدها فرصة ليكسب بها ود السعودية والإمارات مقابل قطر، دون ان ينور لمصالح الشعب الموريتاني”.
قرار الرئيس محمد ولد عبد العزيزالأخير مثّل تراجع عن ثوابت الدولة
ومؤخرا نشرت جريدة لوموند الفرنسية تقريرا أكّدت فيه تعرض قادة البلدان الإفريقية التي توجد فيها غالبية مسلمة، وشيدت فيها المملكة العربية السعودية مساجد، ومؤسسات ذات طابع ديني، لضغط كبير منذ بدء الأزمة من طرف المملكة، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين واليمن ومصر، من أجل قطعها العلاقات الدبلوماسية مع قطر، في سبيل فرض حصار بري وجوي عليها، وتتخذ وسائل الضغط أشكالا مختلفة من بينها: العرض المالي المغري، إضافة إلى إنجاز مشاريع من طرف الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتهديدات مبطنة بعدم الحصول على تأشيرات للحج إلى مكة.
انحراف في الدبلوماسية الرسمية للدولة
بيع موريتانيا موقفها وشراء رضا السعودية بقطع العلاقات مع قطر، مثّل حسب عديد المتابعين للشأن السياسي الموريتاني، انحراف خطير في مسار الدبلوماسية الموريتانية المعروف بالحياد في خلاف الأشقاء، وتصرف خاطئ وتدخل غير مبرر منها، في وقت انتهجت فيه باقي دول المغرب العربي الحياد، إلا مرتزقة طبرق بليبيا.
قرار قطع العلاقات مع قطر، والتدخل في أزمة بين أشقاء سرعان ما ستجد حلاّ، كان بمثابة نهاية أسطورة استقلالية القرار الدبلوماسي وارتباطه بالمصالح العليا للدولة
وما فتئ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، يؤكّد قديما، استقلالية سياسته الخارجية، خاصة بين الأشقاء العرب وعدم تدخّله في الشؤون الداخلية للدول والتزامه الحياد في الأزمات الدولية والاقليمية، حتى أصبحت السياسة الخارجية للدولة الشيء الوحيد الذي يحظى بشبه إجماع بين المعارضة والحكم، خاصة بعدما رسم الرئيس سياسة موجهة نحو العمق الإفريقي أكثر منه العربي.
إلا أن قرار قطع العلاقات مع قطر، والتدخل في أزمة بين أشقاء سرعان ما ستجد حلاّ، كان بمثابة نهاية أسطورة استقلالية القرار الدبلوماسي وارتباطه بالمصالح العليا للدولة، التي سوقها أبواق النظام لأنفسهم حتى صدقوها، ومثّل انتكاسة لهذه السياسة، التي ما فتئ يتغنى بها أتباع ولد عبد العزيز، فقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول بناء على تعليمات واملاءات، أو على تعويضات، أو ضغوطات، فضيحة دبلوماسية، ليست من الفضائح التي يمكن أن تتعايش مع السيادة الوطنية واستقلالية القرار.
شرخ بين النظام والشعب
لم يكن قرار محمد ولد عبد العزيز، انتكاسة للدبلوماسية الموريتانية وارتهانا لدول أخرى فحسب، بل كان أيضا دليلا قاطعا على الشرخ الكبير بين النظام والشعب، فرغم التبريرات الكثيرة لقرار قطع العلاقات مع قطر من قبيل أن الدوحة دأبت العمل على تقويض مبدأ تعزيز التعاون والتضامن بين الأشقاء، والتصدي لكل ما من شأنه تهديد الأمن والاستقرار، فإن الشعب الموريتاني ومعظم الأحزاب السياسية لم يقتنعوا بالقرار وضلّوا منددين به.
رفض شعبي لقرار قطع العلاقات مع قطر
إذ أعربت غالبية الأحزاب والقوى السياسية عن رفضها لقرار قطع العلاقات مع الدوحة على أساس ما سمته “منطق التبعية والاسترزاق الدبلوماسي”، ووصف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض قرار الحكومة الموريتانية بأنه “ارتهان سيادة موريتانيا واستقلال قرارها في غير مصالحها ومصالح شعبها“. كما خرجت مسيرات التضامن مع قطر ورفض الحصار المفروض عليها، وانتقد غالبية الموريتانيين اتخاذ هذا القرار، فيما اختار عدد من المدونين وضع علم قطر وصورا من الدوحة واجهة لصفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر.