كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أن الكويت سلمت قطر الخميس قائمة بشروط المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر للتراجع عن قرار المقاطعة الدبلوماسية لها الذي تم اتخاذه في الخامس من يونيو الجاري على خلفية التصريحات المنسوبة لأمير قطر على لسان وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا) يوم الأربعاء 24 من مايو الماضي.
ثمانية عشر يومًا مضت على قرار المقاطعة دون تقديم أي حجج موضوعية لهذه الخطوة بصورة رسمية وهو ما أثار تساؤلات العديد من القوى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، رغم ما تردد بشأن شروط خليجية فرضتها الدول المقاطعة على الدوحة للتراجع عن هذا القرار، على رأسها وقف دعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وطرد رموزها خارج قطر، والتخلي عن تأييد جماعة الإخوان المسلمين، وتسليم المطلوبين منهم لحكومات دولهم المعنية.
المطالب الـ 13 التي سلمتها الكويت لقطر بحسب الوكالة الأمريكية أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول ما تحمله من شروط بعضها يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي ومدى استجابة الدوحة لها في ضوء تغير قواعد اللعبة وموازين القوى عما كانت عليه في بداية الأزمة، في محاولة للإجابة عن هذا السؤال: هل تهدف الدول المقاطعة إلى مصالحة حقيقية لحلحلة الأزمة أم إلى مزيد من التصعيد؟
13 مطلبًا
تضمنت الوثيقة التي حصلت عليها ” أسوشيتد برس” ونقلها موقع قناة “الحرة” الأمريكية ثلاثة عشر مطلبًا من إحدى الدول المعنية بالنزاع القائم دون تسميتها، ملفتة أن المهلة المحددة أمام الدوحة لتلبية هذه المطالب عشرة أيام فقط وإلا تصبح لاغية ويعاد النظر فيها مرة أخرى، وأبرز ما تضمنته هذه الوثيقة:
-إغلاق قناة الجزيرة.
– قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد أي عنصر من الحرس الثوري الإيراني موجود على أراضيها، والامتناع عن ممارسة أي نشاط تجاري يتعارض مع العقوبات الأميركية على طهران.
– إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وإيقاف أي تعاون عسكري مع أنقرة.
-قطع علاقات قطر بجماعة الإخوان المسلمين ومجموعات أخرى منها حزب الله وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
– امتناع قطر عن تجنيس مواطنين من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وطرد من سبق أن جنستهم، وذلك كجزء من التزامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول.
-تسليم قطر كل الأشخاص المطلوبين للدول الأربع بتهم إرهابية.
-وقف أي دعم لأي كيان تصنفه الولايات المتحدة كيانا إرهابيا.
– تقديم قطر معلومات تفصيلية عن كل وجوه المعارضة، من مواطني الدول الأربع، الذين تلقوا دعما منها.
كما تضمنت الوثيقة إلزام الدوحة بدفع تعويض للدول المتضررة من سياساتها في المنطقة، فيما وصفته الوكالة بأنه “تعويض غير محدد” يجب على قطر أن تدفعه، موضحة أنه بحال قبولها لهذه الشروط سيتم التدقيق في التزامها بهذه القائمة مرة شهريا خلال السنة الأولى، ثم مرة كل فصل خلال السنة الثانية، ثم مرة سنويا خلال السنوات العشر التالية.
13 مطلبًا تضمنتهم القائمة أبرزها غلق قناة الجزيرة والقاعدة العسكرية التركية في قطر وقطع العلاقات مع طهران
تأتي هذه القائمة بعد يوم واحد فقط من التصريحات التي أدلى بها وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش لصحيفة “الحياة” السعودية، والتي حدد فيها “مطالب” دول الخليج ومصر لإنهاء مقاطعتها لقطر.
الوزير الإماراتي أوضح في حديثه أن هناك حزمة شروط يجب على الدوحة الالتزام بها للعودة إلى محيطها الخليجي مرة اخرى، قائلا “إن مطالب الدول التي قاطعت قطر تتعلق بعدد من الأمور، منها تمويل التطرف وحركات إرهابية في سورية وليبيا، على سبيل المثال. وأيضاً احتضان شخصيات عليها حظر دولي. ونشرنا ٥٩ اسماً يطاول بعضهم حظر وطني، و١٤ مطلوباً في أميركا و٩ مطلوبين من الأمم المتحدة و٥ من الاتحاد الأوروبي، وهم موجودون في الدوحة التي أصبحت ملاذاً لهذا النوع من التطرف. وتتعلق المطالب أيضاً بزج الخليج في سياسات راديكالية مع حماس أو دعم الإخوان المسلمين، فالعمود الفقري من المطالب هو توقف قطر عن دعم التطرف والإرهاب، فهناك دول عربية، مثل البحرين، عانت معاناة شديدة من جهود قطرية مستمرة لتقويض الأمن فيها. ومصر ما زالت تعاني من محاولات إعلامية وسياسية تمولها الدوحة لتقويض الحكم”.
وعن قناة الجزيرة قال قرقاش: “إنها نشرة للإخوان المسلمين وليست مثلما كانت منذ عشر سنوات. إنها لسان حال التطرف والتهييج ولمّعت شخصيات أصبحت رموزاً للإرهاب” مضيفًا “إذا أرادت الدوحة أن تبقى في محيطها الطبيعي عليها أن تراعي قواعد تتعلق بشفافية السلوك ووقف دعمها التطرف والجماعات الإرهابية. وإذا أرادت الانفصال بسياساتها فالطلاق آت، وستكون معزولة في محيطها الخليجي، وإن بقيت مرافقها ومطارها مفتوحة على العالم ستغلق مع محيطها”.
دعم قطر للقضية الفلسطينية أبرز ما يقلق الحلف السعودي الإماراتي
واشنطن وقائمة المطالب
في بيان له الأربعاء الماضي أعرب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عن أمله في أن تقدم الدول المقاطعة لقطر مطالب منطقية وقابلة للتنفيذ بعدما شككت واشنطن قبل ذلك في دوافعها الحقيقية.
تيلرسون قال في بيانه “إن الولايات المتحدة تعلم أن السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين أعدوا قائمة بهذه المطالب، وإنه يأمل أن تكون معقولة وقابلة للتنفيذ من أجل دفع الأزمة نحو حل” مشددًا على أن “بلاده تؤيد جهود الوساطة الكويتية للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة، وهدفها المحافظة على وحدة مجلس التعاون الخليجي”.
أما عن الدور الأمريكي في الأزمة أوضح وزير الخارجية إلى أن دور واشنطن الحقيقي يتمثل في “تشجيع جميع الأطراف على تسوية خلافاتها عبر الحوار وأن واشنطن ترغب في بقاء مجلس التعاون الخليجي موحدا من أجل توجيه جهود الجميع للحرب على الإرهاب”
وبعد يومين من إعراب الخارجية الأمريكية عن أملها في أن تكون قائمة الشروط والمطالب المقدمة لقطر منطقية وقابلة للتنفيذ، يبقى السؤال: ماذا عن رد فعل الدوحة وحلفائها من هذه المطالب؟
الخارجية الأمريكية أعربت عن أملها في أن تقدم الدول المقاطعة لقطر مطالب منطقية وقابلة للتنفيذ بعدما شككت واشنطن قبل ذلك في دوافعها الحقيقي
وزير الخارجية الأمريكي يأمل أن تكون المطالب منطقية وقابلة للتنفيذ
شأن داخلي لا يقبل المساس
لم تلق حزمة المطالب التي قدمتها دول الحصار قبولا لدى الكثيرين من المهتمين بالشأن القطري وهو ما اتضح على لسان بعضهم، مشككين في الهدف الحقيقي من وراءها، مستبعدين الجدية في التوصل إلى تسوية مشتركة لتهدئة الاجواء، فضلا عن اتهام بعض الأطراف المحاصرة بمحاولة إسقاط النظام القطري برمته وليس تغيير بعض السياسات كما يتردد.
محمد جهام الكواري سفير دولة قطر لدى مملكة اسبانيا، في مقابلة مع راديو ” W ” في كولومبيا، نقلها “القدس العربي” قال ” إن بلاده لن تتنازل عن مبادئ سياستها الخارجية”، لافتا إلى استمرار تصعيد الدول المقاطعة لقطر يؤكد فشل حملتها الإعلامية التي شنتها منذ بداية الأزمة في إقناع الرأي العام الخليجي والعربي وحتى الدولي فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة ضد بلاده والتي تقوم على افتراءات لا أساس لها من الصحة على حد قوله.
أما عن الموقف من الشروط التي شملتها القائمة المسلمة عبر الوسيط الكويتي والتي كشفت عنها “أسوشيتد برس”، فأشار الكواري أن معظمها يدور في إطار شئون قطر الداخلية، مستنكرًا أي محاولة للتدخل فيها، معتبرًا أنها جزءًا من السيادة القطرية غير قابل للمساس.
غلق قناة الجزيرة.. شدد السفير القطري على أنها شأن داخلي، وأن الدوحة لا تقبل أن يتحدث معها أي بلد بشأن قضية داخلية، منوهًا إلى أن الدول التي تطالب بغلق قناة الجزيرة لديها هي الأخرى قنواتها الخاصة، وإن كانت تفتقد لمساحة الحرية التي تتوفر للقناة القطرية، في إشارة منه إلى قناتي “العربية” و”سكاي نيوز” المملوكتين للسعودية والإمارات.
وختم حديثه في هذه الجزئية بقوله: “الجزيرة هي جزء من رؤية قطر. ونحن لا نقبل أن يتحدث أي بلد معنا عن الجزيرة، لأنها مسألة داخلية مثل الـ BBC وCNN.. هل يقبل الأمريكان التحدث عن CNN أو الانكليز عن BBC. الأمر نفسه بالنسبة لقطر، لا تقبل بأن تتحدث دولة عن الجزيرة. هم قاموا بإنشاء قنوات تلفزيون، ولكن المسألة هي ليست إنشاء قناة تلفزيون، بل إعطاء هامش من الحرية لقنوات التلفزيون في منطقتنا، والجزيرة لديها هذا، بينما الآخرون لا. هذا هو الاختلاف. يجب دعم الجزيرة في المنطقة في هذا الموقف الصعب جدا”.
التخلي عن دعم الإخوان وحماس.. قال الكواري: “قطر لا تتنازل عن أي مبدأ من مبادئ سياستها الخارجية. وكل بلد في المنطقة له الحق في اتباع سياسة خارجية من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة. والسياسة الخارجية لقطر تهدف إلى تحقيق ذلك”.
اما فيما يتعلق بالعلاقة بجماعة الإخوان المسلمين، أشار إلى أن “قطر مثل الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا ممن بدأت علاقتهم بالجماعة تقوى منذ انتخابهم بطريقة ديمقراطية في مصر وتونس”، مؤكدا أن “بلاده تهتم بإقامة حوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، متسائلا: “هنا في أوروبا يوجد المسيحيون الديمقراطيون، لماذا لا يكون لدينا في العالم العربي المسلمون الديمقراطيون؟ هذا أمر هام، وهذه القوى المعتدلة لا تلجأ إلى العنف أو الإرهاب”.
تغيير نظام لا سياسات.. منذ بداية الأزمة تشير التأويلات داخل المطبخ السياسي إلى أن الهدف من الحصار الخليجي العربي لقطر يهدف في المقام الأول إلى تغيير نظام الحكم والإطاحة بالامير تميم بن حمد، أو على أقل تقدير تقزيم دوره والضغط عليه للرضوخ لإملاءات الرياض وأبو ظبي.
سفير قطر لدى روسيا، فهد العطية، في مقال له نشرته صحيفة صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، بحسب وكالة “سبوتنيك“، قال : “إنه ما من شك في أن الحملة على قطر تهدف إلى تغيير نظام الحكم وإنشاء حكومة موالية للسعودية ودولة الإمارات”، مضيفًا “أن الدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر أقدمت على خطوات أخرى أيضا منها ضرب حصار بري وجوي وبحري. ومثلت هذه الخطوات انتهاكا للقانون الدولي”.
سفير قطر في إسبانيا: الجزيرة هي جزء من رؤية قطر. ونحن لا نقبل أن يتحدث أي بلد معنا عن الجزيرة، لأنها مسألة داخلية مثل الـ BBC وCNN.. هل يقبل الأمريكان التحدث عن CNN أو الانكليز عن BBC ؟
السفير القطري في إسبانيا يعتبر “الجزيرة” شأنا داخليًا لا يحق لأحد الحديث عنه
انتهاك للسيادة
بعض المطالب التي تضمنتها القائمة حملت بين طياتها انتهاكًا واضحًا للسيادة القطرية لعل أبرزها ما يتعلق بالموقف من القاعدة العسكرية التركية أو قطع العلاقات مع إيران.
غلق القاعدة التركية.. المطالب الخليجية بغلق قطر للقاعدة العسكرية التركية المزمع إقامتها بعد موافقة برلمان أنقرة عليها تفتقد إلى كثير من الموضوعية، وتعكس قلقًا واضحًا من قبل بعض العواصم المجاورة من مسألة تواجد قوات تركية داعمة للدوحة وهو ما أثار قلق البعض من الدوافع الحقيقية وراء هذا المطلب.
ويبقى السؤال: لماذا تريد دول الخليج غلق القاعدة التركية؟ هل لأنها ترفض وجود قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة فتهدد أمنها القومي والإقليمي؟ أم لمقاطعة تلك الدول لتركيا ومن ثم لا ترغب في وجودها الخليجي بأي شكل من الأشكال؟
أما عن إجابة السؤال الأول، فإن قطر ليست الدولة الوحيدة التي تنتوي إقامة قاعدة عسكرية أجنبية، كما أن القاعدة التركية المزمع إقامتها ليس القاعدة الأجنبية الوحيدة، فهناك قاعدة العديد الأمريكية، إضافة إلى قاعدة قاعدة الجفير، التي تقع جنوب شرق العاصمة البحرينية المنامة, على بعد خمسة أميال منها, وتتمركز فيها قيادة الأسطول البحري الأمريكي الخامس، كذلك قاعدة معسكر الدوحة، أهم القواعد الموجودة بالكويت، على بعد 60 كم من الحدود مع العراق، وبها أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي متمركزين به، فضلا عن ﻗﺎﻋدة اﻟظﻔرة اﻟﺠوﻴﺔ بالإمارات، والتي ﺘﻀم اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺠوﻴﺔ اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ رﻗم 380، وحسب بعض التقديرات تصل القوات الأمريكية في هذه القاعدة إلى 5000 فرد من القوات الأمريكية.
أما عن مسألة توتر العلاقات مع تركيا فتشهد العلاقات السعودية التركية في الأونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا في ظل تطابق الرؤى حيال الكثير من الملفات الإقليمية، ومن ثم فإن المطالبة بغلق القاعدة التركية يحمل بين ثناياه محاولة لتجريد الدوحة من مقومات الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها كأحد أدوات الضغط لتنفيذ المخطط الخليجي العربي للإطاحة بالنظام القطري أو استمالته وفق أهواء أبناء زايد وسلمان.
وتركيًا.. فقد استنكرت أنقرة مطالب غلق قاعدتها العسكرية في قطر، معتبرة ذلك تدخلا واضحًا في الشئون الداخلية للدول، حسبما جاء على لسان وزير دفاعها، فكري إشيق، والذي قال “إن بلاده لا تعتزم إعادة تقييم قاعدتها العسكرية في قطر وإن أي مطلب بإغلاق القاعدة سيمثل تدخلا في العلاقات بين البلدين، مضيفًا أن “القاعدة العسكرية في قطر قاعدة تركية وهي قاعدة ستحافظ على الأمن في قطر والمنطقة”.
قطع العلاقات مع إيران.. من المبررات التي قادتها الدول المحاصرة لقطع علاقاتها مع قطر هي علاقة الأخيرة بطهران، مطالبين إياها بقطع العلاقات معها فورًا أو على أقل تقدير تخفيض التمثيل الدبلوماسي وهو مطلب يعكس تناقضًا فاضحًا وازدواجية في المعايير غير مسبوقة في تقييم العلاقات الدولية.
وبنظرة سريعة على خارطة العلاقات الخليجية الإيرانية يلاحظ أن علاقة قطر مع إيران لم تكن أفضل من العلاقات التي تربط العديد من دول مجلس التعاون الخليجي مع طهران، فبعيدًا عن سلطنة عمان التي تملك علاقات متشعبة الأطراف مع إيران، وكان لها دورا محوريًا في تسهيل واستضافة المحادثات السرية بين طهران وواشنطن 2013 ما قاد في النهاية إلى إبرام الاتفاق النووي بين البلدين في 2015، ثم إزالة العقوبات المفروضة على إيران، وصولا إلى الكويت التي تملك علاقات قوية جدًا مع طهران سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، تأتي العلاقات مع الإمارات لتثير حالة من الجدل.
وزير الدفاع التركي يقول إن بلاده لا تعتزم إعادة تقييم قاعدتها العسكرية في قطر وإن أي مطلب بإغلاق القاعدة سيمثل تدخلا في العلاقات بين البلدين
تعتبر الإمارات شريكا تجاريا رئيسيا لإيران، إذ أن حجم المبادلات التجارية الإيرانية الإماراتية يصل إلى 23،6% من حجم التجارة. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن التجارة مع دبي وحدها تمثل 90 % من حجم مبادلات إيران مع الدول العربية.
وفي سنة 2011، بلغت قيمة التجارة بين إيران والإمارات 23 مليار دولار، قبل أن يشهد انخفاضا إلى 15 مليار دولار خلال سنة 2013، بسبب العقوبات المفروضة على إيران، ولكن ظلت الإمارات العربية المتحدة تحتل 96.7 % من قيمة صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى إيران، في تلك السنة، كل هذا في ظل احتلال طهران لثلاثة جزر إماراتية.
ومن هنا يأتي السؤال: إن كانت السعودية ومن يسيرون في ركابها من دول الحصار جادين في قطع العلاقات مع إيران، فلماذا لم تطالب أبو ظبي ومسقط والكويت بهذا المطلب؟ ولماذا تغض الرياض الطرف عن العلاقات القوية على كافة المستويات بين حلفائها المقاطعين وطهران وتزأر فقط ضد قطر؟
العلاقات الإماراتية الإيرانية هي الأقوى خليجيًا
هل تغيرت موازين القوة؟
البعض في بداية الأزمة راهن على عدم قدرة الدوحة على الصمود أمام الموجة الخليجية العربية العاتية، مرجحًا رفع الراية البيضاء مبكرًا من قبل تميم وحكومته، وهو ما ثبت عدم صحته مع الوقت، إذ أن الأمور كلها جاءت على عكس الفريق المقاطع.
الإدارة الجيدة للأزمة من قبل الدوحة على المستويين السياسي والإعلامي فضلا عن دخول قوى إقليمية اخرى على خط الأزمة كتركيا وإيران إضافة إلى نجاح الدبلوماسية القطرية في تحييد بعض الأجهزة السيادية الأمريكية ودفعها للقيام بدور الوسيط وعلى رأسها الخارجية والدفاع ساهم بشكل كبير في إعادة ترتيب الأوراق لصالح قطر وهو ما أثار استفزاز الحلف السعودي الإماراتي ما دفعه لتقديم حزمة هذه المطالب.
إن كانت السعودية ومن يسيرون في ركابها من دول الحصار جادين في قطع العلاقات مع إيران، فلماذا لم تطالب أبو ظبي ومسقط والكويت بهذا المطلب؟
الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة، في مقال له بصحيفة “المصري اليوم” جاء تحت عنوان ” شروط قطر لرفع الحصار !!” كتب يقول ” قطر لم تعد تسعى إلى رفع الحصار، أصبحت تشترط رفع الحصار أولاً قبل أى مباحثات فى هذا الشأن”، محددًا أن هناك عدة شروط تحددها الدوحة قبل الدخول في مفاوضات المصالحة مع الدول المقاطعة منها، “تعهد دول الجوار بعدم اللجوء إلى هذا الأسلوب مستقبلاً، المطالبة بتعويضات مالية عن الخسائر التى لحقت بالاقتصاد، الاعتراف بأن قطر دولة غير داعمة للإرهاب، وذلك حسبما صرح مصدر دبلوماسي”.
القطريون بحسب سلامة أيقنوا أن الأزمة كانت لحسابات مختلفة تماماً بعيدًا عن المبررات المعلنة، إذ أنها وفق رأيهم كانت لحساب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، تحديداً لحساب الابتزاز الذى يمارسه ليس على دول الخليج فقط، وإنما امتد إلى كوريا الجنوبية واليابان بزعم الحماية من كوريا الشمالية، وامتد أيضاً إلى بعض دول أوروبا الغربية.
الدخول الإيراني والتركي وحتى الأمريكي على خط الأزمة عقب صفقة الـ 21 مليار التي تم توقيعها مع قطر مقابل 72 طائرة f16 في مقابل الخسارة الاقتصادية والسياسية التي تكبدها الحلف السعودي الإماراتي جرًاء قرار المقاطعة أعاد التوازن النسبي إلى معادلة الأزمة مجددًا لتصبح الدوحة في موقف أقوى من ذي قبل وأكثر ثباتًا، وهو ما يقود إلى التساؤل: هل ترضخ قطر لشروط الحلف المقاطع؟
أيقن القطريون أن الأزمة كانت لحسابات مختلفة تماماً بعيدًا عن المبررات المعلنة، إذ أنها وفق رأيهم كانت لحساب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
ماذا بعد؟
لا شك أن الموقف الرسمي القطري بحسب تصريحات بعض المسئولين سالفة الذكر يشير إلى تحفظ الدوحة على قائمة المطالب المقدمة بهدف التراجع عن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وهو ما يعني عدم التزامها بتلك المطالب ما يمكن أن يشير إلى مزيد من التعقيد في الأزمة وقد يصل بها إلى طريق مسدود بحسب البعض.
لكن وفي عودة سريعة إلى بداية الأزمة يلاحظ أن المهلة التي أعطتها السعودية والإمارات عبر الوسيط الكويتي للدوحة للاستجابة للشروط السابقة والتي كان على رأسها طرد عناصر الإخوان وحماس وتسليم الأسماء التي صنفتها الدول الأربعة ( السعودية – الإمارات – البحرين – مصر) على قوائم الإرهاب لحكومات دولهم لم تتجاوز 24 ساعة، لكن هذه المرة الأمر يختلف، إذ أن المهلة المعطاة عشرة أيام.. فهل لذلك دلالة؟
معروف لدى حكومات الدول المقاطعة أن وضع قطر الأن يختلف عن بداية الأزمة في ظل تغير موازين القوى وتخطيها مؤامرة إذلالها عبر الحصار وغلق كافة المنافذ البرية والجوية معها، ومن ثم فليس هناك أدنى مشكلة لدى الدوحة في إطالة أمد الحصار في ظل تأمين أنقرة وطهران والرباط لمطالب الأمن الغذائي وحاجات الشعب القطري، إذ أن كسر الحصار بالنسبة لهم مسألة وقت لا أكثر، وعليه فإن هذه المهلة الكبيرة نسبيًا (10أبام) تفتح الباب لجهود إضافية من الوساطة والتدخلات الإقليمية في محاولة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وهو ما تسعى تركيا لأجله بجانب الكويت.
نقطة أخرى ربما تلعب دورًا في مستقبل الأزمة، وهي تنصيب محمد بن سلمان وليًا للعهد، فالرجل أمام خيارين، الأول: تخفيف حدة التوتر مع دول الجوار بما فيهم قطر من أجل تمرير “انقلابه الناعم” دون إحداث قلاقل هنا أو هناك خاصة وأن أمير قطر كان من بين المبادرين بتهنئته بهذا المنصب، الثاني: المضي قدمًا في السير في ركاب أبناء زايد في مناهضة النظام القطري خاصة وهو يعلم يقينًا دورهم المحوري في إيصاله إلى ما وصل إليه.
معروف لدى حكومات الدول المقاطعة أن وضع قطر الأن يختلف عن بداية الأزمة في ظل تغير موازين القوى وتخطيها مؤامرة إذلالها عبر الحصار
وم ثم فإن الأيام العشر القادمة – المهلة المقررة – ستحدد بصورة كبيرة مستقبل الأزمة القطرية الخليجية، وإن كان هذا يتوقف على جهود الوساطة الإقليمية والدولية من جانب، ومرونة الدوحة ودبلوماسيتها من جانب أخر، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي من الممكن أن تمارس على أطراف الصراع من جانب ثالث، ورغم كل هذا فإن قواعد اللعبة تغيرت بصورة كبيرة عما كانت عليه في بداية الأزمة، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستقبل الأحداث.