بعد أن كان تدخلها في ليبيا يتم بطريقة سرية أو عن طريق عملائها هناك، أصبح التدخل الآن علنيًا وعن طريق رجالها، حيث التقى عيسى المرزوعي نائب رئيس الأركان الإماراتي اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي، لتثير هذه الزيارة مزيدًا من التساؤلات بشأن الدور الإماراتي في النزاع الليبي، خاصة أنها جاءت بعد تقارير أممية تؤكّد إغراق الإمارات لليبيا بالأسلحة وتقارير حقوقية تتحدّث عن ارتكاب دولة الإمارات جرائم حرب في هذا البلد العربي.
نائب رئيس الأركان الإماراتي في ليبيا في أول أيام العيد
في إطار “الأخوة ومدّ أواصر التعاضد والتعاون الليبي – الإماراتي على مختلف المستويات والأصعدة“، قال المكتب الإعلامي لقوات حفتر إن زيارة نائب رئيس الأركان الإماراتي تتنزّل، إلا أن مراقبين يرون عكس ذلك، فهم يوكّدون أن الزيارة تعد خطوة على طريق تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في ليبيا.
تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يستعدّ فيه المبعوث الأممي الجديد اللبناني غسان سلامة لتسلّم مهامه رسميًا هناك، لتؤكّد الإمارات بذلك استمرارها دعم حفتر
وعرفت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تدخلها في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر كما فعلت في مصر من خلال دعمها المشير عبد الفتاح السيسي في انقلابه على الرئيس محمد مرسي.
وقال متابعون للشأن الليبي، إن زيارة المسؤول الإماراتي لليبيا في هذا التوقيت بالذات تأتي تنفيذًا لاستراتيجية إماراتية وخطط تهدف لتمكين اللواء المتعاقد خليفة حفتر من بسط سيطرته على كامل التراب الليبي، وتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية.
وتعد زيارة نائب رئيس أركان الجيش الإماراتي، هي الأولى من نوعها لمسؤول رفيع المستوى يمثل أبو ظبي، التي عادة ما يسافر إليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
نائب رئيس الأركان الإماراتي عيسى المرزوعي في ضيافة حفتر في بنغازي
وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يستعدّ فيه المبعوث الأممي الجديد اللبناني غسان سلامة لتسلّم مهامه رسميًا هناك، لتؤكّد الإمارات بذلك استمرارها دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر لا دبلوماسيًا وسياسيًا في المنظمات الدولية، وإنما عسكريًا، وهو ما سيعيق عمل المبعوث الأممي الذي يأمل في إيجاد أرضية ملائمة لتحقيق السلام في ليبيا.
تأكيد التدخل الإماراتي
ومن شأن هذه الزيارة لشرق ليبيا أن تؤكد التقرير الأممي الأخير الذي تحدّث عن دعم إماراتي قوي لحفتر تمثّل في نقلها 195 آلية (يبك – آب) قتالية إلى طبرق لصالح قوات حفتر، ودعمه بطائرات عمودية هجومية من طراز (إم آي 24 بي) بيلاروسية التصنيع، ومساعدته في تطوير قاعدة الخادم “الخروبة” جنوب المرج بتزويدها بالطائرات وبناء حظائر لها.
ترمي الإمارات من خلال دعم حفتر إلى تدمير ليبيا وتحويلها إلى منطقة صراع دائم وتفكيك نسيجها الاجتماعي
وقد أدى الدعم الإماراتي وفق تقرير اللجنة الأممية إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة لتضمن المساعدات الإماراتية مواد دخلت في تجديد الطائرات المعطلة سابقًا، واعتبرت اللجنة أن المساعدات الإماراتية قد أدت ومن دون شك إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا، ومن شأن استمرار تدفق السلاح إلى ليبيا وخرق الحظر الأممي، حسب خبراء، إطالة أمد الحرب، وإبقاء ليبيا فريسة لحالة الفوضى والانقسام بين ثلاث حكومات منافسة.
ويرى مراقبون أن زيارة عيسى المرزوعي لليبيا، تأتي للوقوف مباشرة على نتائج قوات بلاده في ليبيا التي تعمل إلى جانب حفتر في حربه من أجل تقويض جهود السلام التي تسعى دول المنطقة والمجموعة الأممية إلى فرضها هناك.
التدخّل الإماراتي في ليبيا ساهم في مزيد من انتشار السلاح ووصوله للمليشيات الخارجة على القانون
فالإمارات بعد أن أصبحت ملاذًا لقيادات نظام القذافي وداعمي الثورة المضادة في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الحرب وانتشار السلاح، ترمي من خلال دعم حفتر إلى تدمير ليبيا وتحويلها إلى منطقة صراع دائم وتفكيك نسيجها الاجتماعي.
وكانت وسائل إعلام ليبية أكدت وجود ضباط وخبراء عسكريين إماراتيين يديرون غرفة عمليات عسكرية في قاعدة الخروبة الجوية التي تقع جنوب بلدة المرج (شرق بنغازي)، ويُشرفون منها على القصف الجوي الذي يستهدف مواقع مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
مشاركة غير قانونية في الحرب في ليبيا
بعد يومين هذه الزيارة للمسؤول العسكري الإماراتي رفيع المستوى لليبيا ولقائه بحفتر، دعا محامون وناشطون وخبراء حقوقيون، حكومة بريطانيا إلى وقف تصدير الأسلحة للسعودية والإمارات، مؤكّدين أن الدول المذكورة ترتكب جرائم حرب في ليبيا واليمن. وخلال المؤتمر الذي عقدته المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أمس الثلاثاء، اعتبرت المحامية في القانون الجنائي الدولي، هيدي ديكستال، أن بريطانيا تقع عليها مسؤولية جنائية في الجرائم التي ترتكب بأسلحتها في اليمن وليبيا، مؤكّدة أن لندن يجب أن تكون حريصة في صفقاتها لبيع الأسلحة، وأن تتأكد من عدم استخدامها في جرائم حرب.
معظم هذه الأسلحة تسرب إلى مناطق صراع حالية تديرها الإمارات في اليمن وليبيا
وفي وقت سابق بينت المنظمة – ومقرها بريطانيا – أن حكومة المملكة المتحدة خلال عام 2016 منحت 509 تراخيص تصدير سلاح إلى دولة الإمارات بقيمة 182 مليون جنيه إسترليني (233.3 مليون دولار)، متنوعة بين أسلحة دفاعية وهجومية، وأشارت إلى أن معظم هذه الأسلحة تسرب إلى مناطق صراع حالية تديرها الإمارات في اليمن وليبيا.
بدورها، قالت الناشطة الحقوقية والقانونية سوي ويلمان، إن دولة الإمارات تشارك بشكل غير قانوني في الحرب في ليبيا، معربة عن اعتقادها بإمكانية أن يرفع ضحايا الحرب في اليمن وليبيا دعاوى ضد الدول التي ترتكب جرائم حرب هناك.
جهود سلام لتقويض المبادرة الجدية
مع هذا الدعم العسكري لحفتر تحاول أبو ظبي الظهور كوسيط في الملف الليبي، وأنها تقف في منطقة وسط بين الأطراف المتنازعة، خاصة بعد استقبالها رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق فائز السراج، وأعضاء من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، واللواء المتقاعد خليفة حفتر.
إلا أن جهودها على الأرض ودعمها السخي لحفتر، يؤكّدان زيف هذه الادعاءات، فهي لا تسعى من خلال ما تقول إنه جهود سلام، حسب عديد من الخبراء، إلا إلى عرقلة مبادرات دول الجوار والمجموعة الأممية والوقوف إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر ودعم الوجود الروسي هناك الذي يتخذ حفتر واجهة له.