يبدو أن قدر دولة الإمارات العربية المتحدة مرتبط بالفضائح، فلا تكاد تستفيق أبو ظبي من تداعيات فضيحة، حتى تفاجئها أخرى أكثر قوّة وأشدّ وطئا عليها، هذه المرة تتعلّق الفضيحة بتقديم “أبناء زايد” نظام مراقبة إلكترونية فرنسي إلى مصر لمعاضدتها في مجهودات القاهرة في قمع المعارضة وضرب حرية التعبير وانتهاك خصوصية الحياة الشخصية للأفراد معارضة ومولاة على حدّ السواء.
10 ملايين يورو هدية لمصر
في الوقت الذي أعلنت فيه الوزيرة الفرنسية المفوضة لشؤون الاقتصاد الرقمي “فلور بيليران” أن سلطات بلادها لن تسمح من الآن فصاعدًا ببيع معدات إلكترونية مدنية يمكن للأنظمة القمعية أن تحوّلها لاستخدامها في قمع شعوبها، كشفت تقارير إعلامية فرنسية عن تصدير شركة “أماسيس” التي يلاحقها القضاء بتهمة تصدير أجهزة مراقبة إلى نظام دكتاتوري، أجهزة رقابة رقمية إلى مصر بتمويل إماراتي.
ويدعى نظام الرقابة الذي دفعت فيه الإمارات 10 ملايين يورو لإهدائه لمصر “سيريبر” ويوفر مراقبة حية للمستخدمين عبر أجهزتهم اﻹلكترونية ويمكن من معرفة المواقع التي يتم تصفحها، وتعقب المكالمات التليفونية والرسائل النصية والبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
تخضع شركة “أمسيس” الفرنسية إلى تحقيق قضائي في فرنسا منذ العام 2011 لإمكانية تورّطها في أعمال التعذيب التي تعرض إليها الناشطون في السجون الليبية
ويعتبر نظام “سيريبر” الذي من المنتظر أن يبدأ العمل في مصر التي تسعى دومًا إلى إحكام الرقابة على مواطنيها على الانترنت قبل نهاية العام الجاري، مجرّد اسم جديد لنظام “إيقل” الذي كانت شركة “أماسيس” الفرنسية قد طورته وباعته سنة 2007 للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي الذي استخدمه لملاحقة معارضيه والتنكيل بهم.
وتخضع شركة “أمسيس” الفرنسية إلى تحقيق قضائي في فرنسا منذ العام 2011 لإمكانية تورّطها في أعمال التعذيب التي تعرض إليها الناشطون في السجون الليبية، وبحسب وسائل إعلام فرنسية، وُضعِت الشركة التي فتحت لها فرعًا في المنطقة الحرة بدبي على اللوائح السوداء ضمن الدوائر الاستخباراتية والتجسسية الفرنسية، منذ فضيحة ليبيا.
يهدف النظام إلى تتبع المعارضة المصرية
قبل عامين صوت البرلمان الأوروبي على قرار يمنع الأوروبيين من تصدير أنظمة مراقبة إلى مصر، باعتبار أنها يمكن أن تستخدم في التجسس على المواطنين وقمعهم، وبعد مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عاد الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، للمطالبة بوقف تصدير كافة أنظمة المراقبة إلى مصر، إذا ما كانت هناك شكوك في أنها ستستخدم في انتهاكات لحقوق الإنسان.
السيطرة على الانترنت وتتبع الجميع
يعمل نظام “سيريبر” على مستوى بلد بأكمله ويسمح بفرض عملية مراقبة واسعة النطاق على كافة التحركات على الشبكة الدولية في البلد المعني، وحفظ البيانات الخاصة بالاتصالات بالشبكة بما في ذلك عناوين IP وكل ذلك بفضل تقنية تسمى Deep Packet Inspection أي التفتيش ومراقبة أعماق الشبكة الدولية والحصول على محتويات علب البريد الإلكتروني، الرسائل الفورية، شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، عمليات البحث على محركات البحث، مسار تجول المستخدم على الشبكة الدولية، محتوى الاتصال بين جهازين مباشرة أو ما يسمى Peer 2 peer.
مصر في عهد عبد الفتاح السيسي تعتبر من الدول الأكثر رقابة وسيطرة على الإنترنت عالميا
ويكفي أن يدخل المستخدم كلمة معينة على الشبكة ليرصده النظام إذا كانت هذه الكلمة من كلماته المفتاحية، كما أن النظام الفرنسي قادر على تحديد مواقع الهواتف المحمولة حتى وإن كانت مطفأة، ويوفر نظام المراقبة “سيريبر” تتبعًا للمستخدمين عبر أجهزتهم الإلكترونية يشمل معرفة المواقع التي يتصفحونها، وتسجيل مكالماتهم الهاتفية، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر”.
جدير بالذكر أن مصر في عهد عبد الفتاح السيسي تعتبر من الدول الأكثر رقابة وسيطرة على الإنترنت عالميا، حيث تقوم السلطات المصرية بالتجسس على مواطنيها وحجب المواقع السياسية التي تنشر محتوى سياسي معارض، بالإضافة إلى حجب المواقع الاخبارية ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وتتحكم في هذا كله بالتعاون مع شركات الاتصالات.
ليست الأولى
سجلّ التلاعب الإماراتي وخرقها للعقوبات الدولية المفروضة على بعض الدول، حافل فهذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها أبو ظبي عقوبات دولية، فقد سبق أن خرقت العقوبات الأممية المفروضة على ليبيا، حيث كشف تقرير الأممي عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها منذ سنة 2011، وذلك عن طريق تقديم الدعم العسكري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة.
عملت الإمارات مرات عديدة إلى خرق العقوبات الدولية
كما كشفت، مؤخرا، تقارير عسكرية أميركية عن ضلوع شركتين إماراتيتين العام الماضي في تصدير شحنات نفط إيرانية بطريقة غير مشروعة للتحايل على نظام العقوبات الأميركي المفروض على البنوك الإيرانية، ما يضمن سداد ثمن تلك الشحنات بعيدا عن النظام المالي الأميركي.