رغم المساعي التي تقول السلطات المغربية إنها تقوم بها للحدّ من الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء، إلا إن التقارير المحلية والدولية تؤكّد عكس ذلك وتكشف عن مزيد من ارتفاع هذه الفوارق في ظل استمرار عدم استفادة جميع سكان المملكة من ثروات بلادهم.
المرتبة 103 عالميًا في انعدام المساواة الاقتصادية
في أحدث تقرير لهما، يرصد مجهودات الحكومات للحدّ من انعدام المساواة الاقتصادية صنّفت منظمة “أوكسفام” العالمية ومنظمة التنمية المالية الدولية، المغرب في المرتبة 103 من أصل 152 دولة شملها الاستطلاع الذي يعتمد على ثلاثة مؤشرات أساسية هي: مقدار استثمار الحكومات في الإنفاق الاجتماعي، وكيفية استخدامها لأموال الضرائب لموازنة مستوى التفاوت في الدخل، وحقوق العاملين.
يمثّل عدد الذي يعانون من سوء التغذية في المغرب 5% من السكان حسب تقرير أممي
واحتل المغرب المرتبة 99 عالميا، في خصوص المؤشر الأول الذي يتعلق بإنفاق الحكومة على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فيما جاءت في المرتبة 140 في خصوص النظام الضريبي، أما فيما يخصّ المؤشر الثالث المتعلق بمجهودات الحكومة لتقليص الفوارق في سوق الشغل فقد جاءت في المرتبة 50 عالميا، وترجع هذه الفوارق إلى عهد الاستقلال، وبقيت ثابتة إلى الأن كما تؤكد ذلك مختلف الدراسات الإحصائية المتوفّرة نتيجة التفاوت الكبير في توزيع الثروات، وتتركّز هذه التفاوتات في العالم الحضري أكثر من القرى.
وقبل ذلك، أظهر مؤشر الجوع العالمي لسنة 2016 الذي يصدره المعهد الدولي للبحوث السياسية التابع للأمم المتحدة، أن 4.4 %من مجموع سكان المغرب يعانون نقصا في التغذية، و2.3 % من الأطفال دون سن الخمس سنوات يعانون من الهزال الناتج عن ضعف التغذية، بينما 14.9 %من الأطفال دون الخامسة يعانون من التقزم، و2.8 %من الأطفال الرضع تحت معدل الوفيات.
مظاهر الفقر تغزو الشارع المغربي
يمثّل عدد الذي يعانون من سوء التغذية في المغرب 5% من السكان، حسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الغذاء العالمي، حول القضاء على الجوع، ويقول التقرير إنّ كلفة اجتثاث هذه الظاهرة يقدر بحدود 0.18% من الناتج الإجمالي المحلي.
وحسب احصائيات رسمية، تستفيد 20% من الأسر الغنية في المغرب من 30 % من ميزانية الدعم، في حين يستفيد 20 % من الأسر الفقيرة من 13 % من ميزانية الدعم وتقدّر نسبة الفقر في المملكة في سنة 2014 بـ 4.8 % وترتفع في المناطق الريفية بينما تنخفض في المدن، ويعيش 0.1% من المغاربة في المدن، و0.5% في القرى، بأقل من دولار واحد في اليوم.
تفاوت بين الجهات
تُبرز العديد من الإحصاءات، الفوارق الكبيرة بين جهات المملكة، سواء على مستوى التشغيل والبطالة أو النسيج الصناعي والسياحي أو البنية التحتية، الأمر الذي يفرز خريطة من الاختلالات بين الجهات، التي تنعكس على الجانب الاجتماعي في البلاد. وتعتبر جهات دكالة عبدة والشاوية ورديغة وتادلة أزيلال وتازة الحسيمة تاونات والغرب الشراردة بني حسن، من الجهات الضعيفة التي تراوح مكانها وتعاني هذه الجهات من ضعف نظامها الإنتاجي؛ باستثناء جهة دكالة عبدة.
الشهر الماضي، طالب نواب مغاربة من أحزاب الأغلبية والمعارضة الحكومة بتسريع تقليص الفوارق الاجتماعية بين مناطق المغرب
وتتمثل الجهات المتوسطة من حيث النمو الاقتصادي والاجتماعي، في كل من جهات طنجة تطوان وفاس بولمان ومكناس تافيلالت والجهة الشرقية، وتتميز هذه المجموعة بمستوى نمو اقتصادي واجتماعي متوسط؛ مقارنة مع باقي جهات المملكة، مع تقدم بسيط لجهة طنجة تطوان، فيما تعتبر كل من جهتي الدار البيضاء الكبرى والرباط سلا زمور زعير أكثر الجهات تطورا.
في الشهر الماضي، طالب نواب مغاربة من أحزاب الأغلبية والمعارضة الحكومة بتسريع تقليص الفوارق الاجتماعية بين مناطق المغرب، عبر تمكينها من الاستفادة بشكل متساوٍ من برامج التنمية، وذلك بعدما كشفت احتجاجات الريف التهميش التي تعيشه المنطقة ومناطق أخرى، ومعاناة سكانها من ضعف الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وتدهور البنيات التحتية، وتقلص فرص الحصول على العمل للعاطلين.
التفاوت الاجتماعي يؤدّي إلى احتجاجات بين الفترة والأخرى في مناطق مختلفة من المملكة
وفي أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة الأخير حول مؤشر التنمية البشرية الذي شمل 188 دولة، جاءت المملكة المغربية في مراتب متأخرة بعدما احتلت المرتبة 123 عالميا، واستند التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مارس الماضي، على عدة مؤشرات أهمها الصحة و التعليم و الفقر، و أمد الحياة و معدل الدخل الفردي، و يعتمد التقرير على أربعة مؤشرات هما مؤشر التنمية البشرية المعدل بحسب درجة الفوارق، ومؤشر التنمية الجنسية و مؤشر الفوارق بين الجنسيين الذي يركز على تمكين المرأة، و مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد الذي يقيس جوانب الفقر غير المتصلة بالدخل.
أسباب متعدّدة وراء ذلك
ارتفاع حدة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء والتفاوت الحاصل بين الجهات على المستوى الاقتصادي في المغرب رغم السياسات التي تستهدف الفئات الهشة والدعوات المتكررة إلى توزيع عادل للثورة بين الجهات؛ يرجعه عديد الخبراء إلى كون السياسات العمومية في هذا المجال غير ذات جدوى، وفيها الكثير من السياسات الفاشلة، ونتيجة استمرار استفادة جهات من البنيات التحتية على حساب جهات أخرى.
النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة المغربية منذ استقلالها كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية
إضافة إلى ذلك فإن “العدالة الجبائية” في المغرب حسب خبراء في المجال، ما تزال غير متوازنة، وتعرف العديد من الاختلالات الكبرى التي لا تسمح بإعادة التوازن الاجتماعي بالارتباط مع الوضع الاقتصادي للبلاد، ويؤدّي التهرب الضريبي للمقربين من السلطة واعفاء كبار رجال الأعمال والفلاحين من دفع الضرائب مقابل فرضها على الفقراء في مزيد اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية في المملكة.
ويرى مراقبون، أن النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة المغربية منذ استقلالها كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، فما فتئ يكرس الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية، ويولد الإقصاء والتفقير في حق عدد مهم من مواطني المملكة، خاصة وأنه يهدف إلى تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية وتلبية احتياجات هذه المجموعات. وكانت تقارير سابقة قد أكّدت أن “فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار السياسي في المغرب هي الوحيدة التي استفادت من الثروة التي أنتجها المملكة في العشرية الأولى للقرن الـ 21، فيما لم يتم توزيع هذا الكم من الإنتاج بشكل عادل بين كل فئات المجتمع”.