أعلنت القيادة العامة التابعة لوزارة الدفاع السورية وقف الأعمال القتالية في مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق اعتبارًا من ظهر أمس السبت 22 من يوليو/تموز، وتعد الغوطة الشرقية أهم معاقل المعارضة في محيط العاصمة دمشق، وقد فشل النظام السوري في السيطرة على تلك المناطق على مدى السنوات الماضية رغم ارتكابه العديد من المجازر بحق المدنيين، وقالت القيادة في بيان لها “سيتم الرد بالشكل المناسب على أي خرق لوقف الأعمال القتالية في الغوطة الشرقية بريف دمشق”.
يأتي هذا البيان بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية إبرام اتفاق بخصوص منطقة تخفيض التصعيد في الغوطة الشرقية مع فصائل المعارضة السورية بوساطة مصرية، حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها أن الجانبين قررا بموجب الاتفاق تسيير أول قافلة إنسانية إلى المنطقة، وإخراج أول دفعة من المصابين والجرحى اعتبارًا من الأمس.
حرصت القاهرة على البحث عن احتمالات لعب دور أكبر في سوريا على أمل استعادة الدور العربي فيها بعد ارتفاع دور إيران وتركيا
وأشارت الدفاع الروسية في بيانها “لقد رسم الاتفاق المبرم اليوم حدود منطقة وقف التصعيد في الغوطة الشرقية، وحددت مواقع انتشار قوات الفصل والرقابة في الغوطة وصلاحياتها”، وأضاف البيان أنه تم رسم خطوط إيصال المساعدات الإنسانية وممرات عبور المدنيين.
قادة فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية
في هذه الأثناء أعلن رئيس المكتب السياسي في “جيش الإسلام” محمد علوش لوكالة “سبوتنيك” الروسية موافقة الجيش على الاتفاقية، وأضاف علوش بحسب الوكالة أن الاتفاقية تمت ودخلت حيز التنفيذ، وستكون هناك نقاط للفصل مع النظام وتؤدي إلى فك الحصار عن الغوطة وإدخال المواد الإنسانية والمحروقات كافة، وذلك يعتبر جزءًا من الحل السياسي أو تمهيدًا للحل السياسي وفق القرارات الدولية.
وقال الناطق باسم فصيل “فيلق الرحمن” وائل علوان لوسائل إعلام معارضة إن الاتفاق لا يخرج عن الإطار الإعلامي، كون النظام لم يلتزم في الأشهر الماضية بأي اتفاق وخاصة في الغوطة الشرقية.
درعا ثم الغوطة
منذ إطلاق اتفاقية خفض التصعيد برعاية روسية تركية وإيرانية عبر أستانة في الجولة الرابعة، والاتفاقية تشهد تقدمًا ونجاحًا ملموسًا على الأرض، فالاتفاقية نصت على وقف القتال على الأرض بين فصائل المعارضة وقوات الأسد والمليشيات الرديفة لها، ومنع النظام من قصف مناطق سيطرة الفصائل، على أن تستمر الحرب ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”.
وفي أول بشائر التقارب بين روسيا وأمريكا أعلن الجانبان، بالإضافة لكل من الأردن و”إسرائيل”، أول اتفاق عملي بينهما على وقف إطلاق النار في الجنوب السوري بحيث يشمل كل من درعا والسويداء والقنيطرة، ولا تزال بنود ذلك الاتفاق سرية حتى الآن كما لا تزال المفاوضات جارية بشأن العديد من الأمور بين فصائل الجبهة الجنوبية والأطراف الأخرى ممثلة بالروس والأمريكان.
سرى على تطبيق الاتفاقية 14 يومًا ولم تشهد المنطقة المعنية أي خروقات حتى الآن وهو إنجاز كبير لم يتحقق في الاتفاقات السابقة، وهو ما دعى القوى الفاعلة إلى جر هذا الاتفاق إلى مناطق أخرى، بالأخص أن فصائل الجبهة الجنوبية اشترطت لإكمال الاتفاق ضم كل من الغوطة الشرقية وحمص إلى الاتفاق.
وقال وائل علوان لصحيفة “عنب بلدي” المعارضة: “لدينا تواصل مع فصائل محافظة درعا الذين كان موقفهم وطنيًا ومشرفًا بخصوص اتفاق الجنوب، إذ أصروا أن تكون جبهات ريف دمشق من ضمن مناطق تخفيف التوتر”.
تسعى روسيا لإدخال مصر ضمن ترتيبات الحل في سوريا بما يتماشى مع رؤيتها في توزيع الأدوار وتفكيك الأزمة
فوفد المعارضة في عمان والذي يجري مشاورات فردية وجماعية في عمان مع الروس والأمريكان أشار أن وفد فصائل المعارضة سلّم ملاحظاته ومطالبه بشأن الاتفاق في الجنوب، وأبرزها الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، تثبيت وقف إطلاق النار مع قوات النظام بشكل دائم وعلى مراحل، استصدار قرار من مجلس الأمن يدعم إعلان جنيف واتفاق الجنوب، سحب مليشيات إيران من كامل الجنوب السوري، اعتراف النظام بسلطة المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى مواصلة تقديم الدعم لفصائل الجبهة الجنوبية وإدخال المساعدات الإنسانية للجنوب السوري.
كما أصرت الفصائل على ضم الغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي تتعرض لمحاولات مستمرة من قبل مليشيات إيران لاجتياحها، إلى اتفاق الجنوب، فضلًا عن البادية السورية، خصوصًا شرقي السويداء، وهو مطلب أردني أيضًا لكنه ما زال يواجه رفضًا من النظام السوري وروسيا.
ويُشار أن حي جوبر الدمشقي لم يُشمل في الاتفاق، حيث لا تزال قوات الأسد تستميت لفصله عن باقي بلدات الغوطة الشرقية وتحاول الهجوم عليه من ثلاثة محاور، الأول من جهة عين ترما، والثاني من حي عربين شمال جوبر، إضافة إلى المحور الرئيسي على الحي بشكل مباشر، وكالة “سبوتنيك” الروسية نقلت أن “فيلق الرحمن” لم يوقع على الاتفاق وليس جزءًا منه، في إشارة إلى استمرار الهجوم على الحي الدمشقي كون الفيلق هو العامل فيه ويسيطر على أجزاء واسعة منه.
وأعلنت موسكو أن قوات الشرطة العسكرية الروسية ستشرف على وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الأردنيين والأمريكيين، وبالفعل وصل نحو 400 عنصر للانتشار في شمال درعا تمهيدًا لتوزيعها كقوات فصل بين قوات النظام ومليشياته وفصائل المعارضة المقاتلة في درعا والقنيطرة والسويداء.
توقيع اتفاق خفض التصعيد فى الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقى، جاء بعد مشاورات استمرت 3 أيام فى القاهرة، وحضر المشاورات من المعارضة السورية تيار الغد السوري المعارض
وحسبما أبلغ راتني الممثل الأمريكي في المحادثات الجارية في عمان، ممثلي الجبهة الجنوبية في الجيش الحر، في رسالة خطية ولقاءات مباشرة، أن هؤلاء المراقبين هم روس سنة وشرح لهم عناصر الهدنة، وبين أنها ستعمم في مناطق أخرى، ولن تكون وصفة لتقسيم سوريا، ذلك أن هناك اتفاقًا روسيًا – أمريكيًا على وحدة سوريا، إضافة إلى أن الهدنة ستثبت خطوط التماس وتسمح بمساعدات إنسانية وانتخاب مجالس محلية مع تدفق التجارة وعودة اللاجئين وحرية تحرك النازحين وصولاً إلى بحث الحل السياسي لاحقًا بموجب القرار 2254.
خطوة أخرى تعزز نجاح هدنة الجنوب بعد صمود وقف إطلاق النار والاتفاق الروسي الأمريكي، إعلان فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في الجنوب السوري، أمس السبت، اندماجها الكامل في جسم عسكري وسياسي واحد يحمل اسم “الجبهة الوطنية لتحرير سوريا”، مشيرة في بيان إلى أن هذه الخطوة تأتي بهدف العمل على إعادة الثورة السورية للاتجاه الصحيح الذي خرجت من أجله، والخلاص من نظام الظلم والقهر والاستبداد، ويضم التشكيل الجديد كل من “جبهة أنصار الإسلام”، “لواء الشهيد مجد الخطيب”، “لواء صقور بيت سحم”، “كتيبة جند العاصمة”، “فرقة التوحيد”، “الفرقة 16 قوات خاصة”، “لواء صقور الجولان”، “لواء صقور البادية”، “لواء شهداء السبطين”، “فرقة صلاح الدين”، “لواء توحيد كتائب حوران”.
ويبدو أن هذه الخطوة تأتي بعد ضغوط على تلك الفصائل للتوحد والانخراط في جسم عسكري مؤسسي يمنع التشرذم بينها، ويضبط التراتبية في أي مؤسسة عسكرية قد تنشأ في المستقبل بالإضافة للاعتماد عليها في قتال “جبهة النصرة” و”داعش”.
وانتشرت أخبار بين اللاجئين السورين في الأردن مفادها أن في الشهور المقبلة سيتم فتح المعابر الحدودية لمن يود العودة من اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن، وبعد فترة معينة سيتم إعادة اللاجئين كافة المتواجدين في مخيمات الزعتري والأزرق إلى درعا، وأشارت مصادر خاصة لنون بوست أن هناك عقود لإعادة الإعمار تم توقيعها مع شركات أردنية بإشراف أوروبي.
القاهرة في صلب اتفاق الغوطة
عقب التوصل لاتفاق في الغوطة الشرقية، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، أمس السبت، أنه تم إبرام اتفاق تنظيم منطقة “خفض التصعيد” في الغوطة الشرقية شرقي العاصمة دمشق، مشيرًا في تصريحات صحافية إلى أنه تم التوقيع على الاتفاق في العاصمة المصرية القاهرة، ولفت إلى أن الاتفاق سيكون كفيلًا برسم حدود المنطقة وصلاحيات قوى السيطرة، مؤكدًا أن “الاتفاق يستثني جبهة فتح الشام “النصرة” سابقًا، وأضاف أنه سيتم تسيير أول قافلة إنسانية إلى الغوطة الشرقية، وإجلاء أول دفعة من المصابين والجرحى فورًا.
كما أعلنت وسائل إعلام روسية عن مصادر في وزارة الدفاع الروسية تأكيدها أن اتفاق الغوطة الشرقية جاء نتاجًا للمفاوضات التي أجريت في القاهرة مؤخرًا بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية والمعارضة السورية المعتدلة.
توقيع اتفاق خفض التصعيد فى الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقى، جاء بعد مشاورات استمرت 3 أيام في القاهرة، وحضر المشاورات من المعارضة السورية تيار الغد السوري المعارض، الذي أعلن من جانبه أن رئيسه أحمد الجربا أنجز وساطة مهمة من أجل تحقيق وقف إطلاق نار كامل في منطقة الغوطة الشرقية بين النظام والمعارضة، بالتنسيق مع الحكومة المصرية ووزارة الدفاع الروسية.
إعلان فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في الجنوب السوري، أمس السبت، اندماجها الكامل في جسم عسكري وسياسي واحد يحمل اسم “الجبهة الوطنية لتحرير سوريا”
وتسعى مصر في هذه الفترة التاريخية من الصراع السوري وضع بصمتها على صعيد تقريب الجهود الإقليمية والدولية بهدف أن يكون للجيش المصري دور في المستقبل السوري، إذ يرى إيراهيم حميدي، وهو صحفي دبلوماسي يكتب في صحيفة الشرق الأوسط، أن القاهرة التي حرصت على الوقوف في الوسط الأقرب إلى دمشق خلال الأزمة السورية مع استمرار التعاون الاستخباراتي مع دمشق وعمل السفارة المصرية فيها، بدأت في الفترة الأخيرة تبحث عن احتمالات لعب دور أكبر في سوريا على أمل استعادة الدور العربي فيها بعد ارتفاع دور إيران وتركيا.
ويضيف حميدي أنه لا شك أن صمود هدنة غوطة دمشق وبدء إرسال المساعدات الإنسانية يفتحان الباب للبحث في شروط إرسال مراقبين مصريين إلى خطوط التماس بين قوات الحكومة السورية والمعارضة في الغوطة، خصوصًا أن الخريطة أنجزت وحددت جبهات القتال والتهدئة.
ويرى الباحث أيمن الدسوقي أن روسيا تسعى لإدخال مصر ضمن ترتيبات الحل في سوريا بما يتماشى مع رؤيتها في توزيع الأدوار وتفكيك الأزمة، كما أنها تسعى لفصل المسارات (جنيف، الاستانة، عمان) عن بعضها تجنبًا للتعقيد وتضارب المصالح بين الفاعلين كما كتب في صفحته الخاصة على الفيس بوك، والبناء على هذه الاتفاقيات للتوصل لتسوية الصراع، إضافة إلى سعي موسكو لتحقيق التوازن بين القوى الإقليمية، وأخيرًا تعويم موسكو لمنصة القاهرة، علمًا أن المنصة لم يصدر منها أي تعليق عن مشاركتها في الاتفاق وبنوده، كما حصل مع تيار الغد السوري الذي يرأسه أحمد الجربا.