أشار الرئيس التركي أردوغان، إن تركيا وقعت اتفاقًا مع روسيا لشراء نظام “إس 400” الدفاعي الصاروخي الروسي، وأضاف لنواب من حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال اجتماع للحزب في البرلمان “اتخذنا خطوات ووقعنا اتفاقًا مع روسيا بخصوص صواريخ إس-400، وإن شاء الله سنرى صواريخ إس-400 في بلادنا”.
تأتي هذه التصريحات بعدما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن في مطلع يونيو/حزيران الماضي استعداد بلاده لبيع نظم صواريخ “إس 400” أرض-جو المتطورة لتركيا، وإنها بحثت الأمر مع أنقرة. كما كشف وزير الدفاع الروسي في وقت سابق عن أنه أجرى مباحثات مع نظيره التركي بشأن حصول أنقرة على المنظومة المتطورة.
إس 400 في تركيا قريبًا
صُممت منظومة الصواريخ “إس 400” المضادة للطائرات بالأساس من أجل حماية المرافق السياسية والإدارية والاقتصادية والعسكرية المهمة من الغارات الجوية، حسب مصادر روسية. وتعد هذه الصواريخ من أحدث المنظومات في العالم للدفاع الجوي والدفاع المضاد للصواريخ، فهي قادرة على تدمير الطائرات والصواريخ المجنحة على مسافة 400 كيلومتر، كما أنها قادرة على اعتراض الصواريخ البالستية التي تصل سرعتها إلى 4800 متر في الثانية، على ارتفاع 30 كيلومترًا.
تمكنت توساش خلال السنوات الماضية من إنتاج أكثر من 15 منتجًا جويًا وفضائيًا صناعة تركية خالصة،
وتقول المصادر الروسية حول هذه الصواريخ كما نقله موقع الجزيرة نت، إن هذه المنظومات الصاروخية تستطيع توجيه 72 صاروخًا وتدمير 36 هدفًا في آن واحد، ويمكن نشرها خلال 5 دقائق لتكون جاهزة للعمل.
وذكرت وكالات روسية أن قيمة البطارية الواحدة التي تعتزم روسيا بيعها لتركيا تصل إلى 500 مليون دولار، وسابقًا أشارت وكالة “بلومبيرغ” عن مسؤول تركي أن تركيا وافقت على دفع 2.5 مليار دولار لروسيا مقابل شراء “إس- 400” وحسب الاتفاق سيتم تسليم أنقرة بطاريتين خلال العام القادم وبعدها سيتم إنتاج بطاريتين داخل تركيا.
الصناعة الدفاعية التركية نحو مزيد من التطور
تأتي رغبة تركيا في اقتناء هذه المنظومة في ظل توتر متصاعد بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وجاء طلب تركيا الى روسيا بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بدأت تركيا للتوجه إلى روسيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/تموز العام الماضي والتي تعقتد تركيا أنها ضليعة بدعم رجال وأجندة الانقلاب.
نظام الدفاع الصاروخى من طراز “إس – 400” يعد خطوة هامة ولكنه غير كافي لحماية الأراضى التركية من الصواريخ البالستية وصواريخ كروز، إذا لم يتم الوفاء بمتطلبات معينة
وتحاول موسكو استمالة تركيا لاقتناء بعض الأسلحة الروسية، وبرأي مراقبون أنه هذه الصفقة لها أهمية بالغة إذ قد تترتب عليها قرارات استراتيجية في حالة توقيعها، من بين تلك القرارات وهي بالنهاية احتمالات واردة من بينها خروج تركيا من الحلف الأطلسي الناتو، وهو أمر غير وارد في الوقت الراهن، أو إعادة تركيا النظر في علاقاتها بالغرب ومنها تجميد عضويتها في الحلف والتوجه أكثر نحو روسيا.
ويرى خبراء أتراك أن المنظومة الروسية ليست الحل النهائي لأنقرة لأنها تحتاج للاعتماد على التكنولوجيا الأصلية لتكون مستعدة لأي تهديدات محتملة، وهناك سؤال يجول اليوم في أذهان الأتراك وهو فيما إذا كانت تركيا ستنقل التكنولوجيا الروسية الخاصة بالمنظومة لتركيا لتصبح البلاد بعدها قادرة على إنتاجها لوحدها!.
على حد زعم المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، في مقابلة تلفزيونية قال فيها “إن أحد أهم المكاسب التي حققناها في صفقة إس-400 هو أنها لن تلبي الاحتياجات الأمنية في تركيا وحسب، بل ستمكن من نقل التكنولوجيا أيضًا”. بينما على النقيض لا يزال الخبراء متشككون من صحة هذا الكلام وجدية موسكو في نقل التكنولوجيا الروسية إلى تركيا.
كما أشار الخبير في صناعة الدفاع التركية، أردا ميفلوت أوغلو، إن نظام الدفاع الصاروخى من طراز “إس – 400” يعد خطوة هامة ولكنه غير كافي لحماية الأراضى التركية من الصواريخ الفائقة التقنية، إذا لم يتم الوفاء بمتطلبات معينة. وقال أوغلو “لدى إس- 400 نظام رادار خاص بها، ولكن عندما تعمل بمفردها، فإن فعاليتها تتضاءل، وما يمكن عمله، هو شراء رادارات مختلفة من روسيا، على سبيل المثال”.
المنظومة الروسية ليست الحل النهائي لأنقرة لأنها تحتاج للاعتماد على التكنولوجيا الأصلية لتكون مستعدة لأي تهديدات محتملة
ويبدو أن مشكلة أنقرة الرئيسية مع نظام “إس 400” هي قضية الناتو، فأنقرة لا تستطيع دمج النظام الروسى مع رادارات الناتو، لذا على الحكومة التركية إيجاد وسيلة لحماية البلاد بشكل فعال ضد صواريخ التكنولوجيا الفائقة، كالصواريخ البالستية، وكروز.
ويتفق العديد من الخبراء في مسألة أنه على الرغم من السلبية التي تتعلق بعدم قدرة نظام إس- 400 على اعتراض صواريخ متطورة مثل كروز وصورايخ بالستية بدون أنظمة رادار محددة، فإن الخطوة بحد ذاتها تعد حيوية لتنويع خيارات تركيا الدفاعية ويجعلها على درجة كافية من الاطلاع على التهديدات التي تحيط بتركيا إلى حد ما. وفي هذا قال الخبير العسكري التركي أوغوز “إن إس-400 هو بالتأكيد خطوة إيجابية نحو زيادة عدد الخيارات التى تمتلكها تركيا، ولكننا لا نستطيع استخدام النظام بكامل طاقته لإن تركيا تفتقر الى التكنولوجيا الضرورية”.
يٌذكر أن الصناعة الدفاعية التركية تطورت عن السابق، حيث يوحد في تركيا بعض شركات الدفاع التركية تعمل على إنتاج صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى أنظمة إلكترونية للجيش، كجزء من استراتيجية تركية لتوطين قواتها المسلحة وبناء قدراتها المتطورة محليًا. ومن أنظمة الدفاع الصاروخي “تي لوراميدس” وهو نظام صواريخ الدفاع الجوي التركي بعيد المدى، بالإضافة إلى صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة المدى مثل صواريخ “يودرم” وصواريخ “سوم كروز” وصاروخ “سيريت” الموجة بالليزر.
أنقرة لا تستطيع دمج النظام الروسى مع رادارات الناتو، لذا على الحكومة التركية إيجاد وسيلة لحماية البلاد بشكل فعال ضد صواريخ التكنولوجيا الفائقة، كالصواريخ البالستية، وكروز.
وعلاوة على ذلك، أجرت تركيا أول اختبار ناجح لصاروخ بورا البالغ طوله 280 كيلومترًا (175 ميلا) في أيار/مايو الماضي، حيث عملت الصناعة الدفاعية على هذا المشروع منذ عام 2009، وتم تكليف شركة الدفاع التركية “روكيتسان” بتطوير وإنتاج نظام الصواريخ ذاك.
والجدير بالذكر أن تركيا جاءت في المرتبة الـ 15 عالميًا في حجم الإنفاق العسكري بمقدار 22.600 مليار دولار في العام 2014، علمًا أنها لا تزال بعيدة عن الدول الكبرى في حجم الإنفاق العسكري، حيث تتربع الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بإنفاق بلغ 610 مليار دولار وهي أقل من روسيا في المرتبة الثالثة بإنفاق يقارب 84 مليار دولار والسعودية 80 مليار وفرنسا 62 مليار.
وتمتلك البلاد العديد من الشركات ذات التوجه العسكري مثل “توساش” و”أسيل سان” اللتان حققتا تقدمًا ملحوظًا في السنوات الماضية في مجال الصناعات العسكرية، فبحسب معهد السلام السويدي “سيبرا” الذي يقدم تقريرًا سنويًا حول الصناعات العسكرية، احتلت شركة “أسيل سان” المرتبة الـ 73 واحتلت “توساش” المرتبة الـ 89 عالميًا.
إذ تمكنت توساش خلال السنوات الماضية من إنتاج أكثر من 15 منتجًا جويًا وفضائيًا صناعة تركية خالصة، مثل طائرة “إم 400” التي تستخدم في الإغاثة الإنسانية وتزويد الطائرات الميدانية بالوقود في الجو، وطائرة هليكوبتر “أي دبليو 139” تستعمل في التدريبات العسكرية وكعربة إسعاف أولية جوية، وطائرة هليكوبتر من طراز “أتاك 129” للأغراض العسكرية، حيث تستخدم للاستكشاف والقصف، وغيرها.
صُممت منظومة الصواريخ “إس 400” المضادة للطائرات بالأساس من أجل حماية المرافق السياسية والإدارية والاقتصادية والعسكرية المهمة من الغارات الجوية
وإلى جانب توساش هناك مركز الصناعات العسكرية الإلكترونية “أسيل سان”، الذي يهدف لتطوير الصناعات العسكرية حيث تمكن خلال الفترة الماضية من إنتاج أنظمة التواصل اللاسلكي وأجهزة التخابر الجوية والبحرية والفضائية وأنظمة المراقبة الإلكترونية وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي وأنظمة الرصد والرادارات الإلكترونية، وكان من أهم ما أنتجته الشركة هي صاروخ الفضاء الاستكشافي “غوك ترك”، كما يعمل المركز على تطوير وإنتاج الأسلحة العسكرية الإلكترونية بأحدث التصاميم والتقنيات التكنولوجية.
في النهاية فإن صفقة “إس- 400 ذات دلالة كبيرة، إما أنها مناورة تركية للضغط على الغرب لتفهم مطالبها السياسية في الاتحاد الأوروبي وتخوفتها من احتمال ظهور دولة كردية على حدودها، أو بداية تحول في القرار الاستراتيجي التركي.