استهدفت قوات الأسد صباح اليوم الجمعة، ريف حمص الشمالي بعد سريان اتفاق “تخفيف التوتر” برعاية روسية منذ ظهر أمس الخميس 3 أغسطس/آب في خرق واضح للاتفاق المعلن، حيث أفادت صحيفة عنب بلدي السورية المعارضة، أن ريف حمص الشمالي تعرض لقصف مدفعي طال كل من مدينة تلبيسة وقرية غرناطة ومدينة الحولة ما أدى لمقتل شاب على الجبهات الغربية لمدينة تلبيسة وسقوط عدد من الجرحى. كما شهد قرية القبو جانبًا من القصف في الوقت الذي من المفترض أن تكون نقطة مراقبة في الاتفاق الموقع بين فصائل المعارضة وروسيا.
ومن المفترض أن تشمل المنطقة الخاضعة لتخفيف التوتر، 84 بلدة في ريف حمص الشمالي يتجاوز عدد سكانها 147 ألفًا وفق رواية النظام السوري، وقد جرت المفاوضات في القاهرة بين روسيا ووسطاء من فصائل وأهالي المنطقة. ويتضمن الاتفاق الموقع بين الجانبين، وحدة الأراضي السورية وعدم السعي إلى تقسيمها وعدم التعدي على مناطق السيطرة من قبل جميع الأطراف، والعمل على إنشاء لجنة لبحث أوضاع المعتقلين لدراسة إخراجهم من قبل جميع الأطراف على أن تكون روسيا هي الجانب الضامن فيه.
معبر نصيب الحدودي مع الأردن في درعا سيتم فتحه في بداية أيلول أو تشرين الأول المقبل على أن يكون تحت إشراف فصائل الجيش الحر والجانب الروسي
وحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن شرطة عسكرية روسية ستقيم اليوم الجمعة معبرين وثلاثة حواجز عند خط التماس في ريف حمص الشمالي. ومن المتوقع أيضًا أن تنشر روسيا قوات مراقبة في تقاط قرية القبو وكراد والداسية، وجبورين، إضافة إلى الأشرفية.
الاتفاق الثالث في سوريا
يعد الاتفاق الموقع في ريف حمص الشمالي، الثالث من نوعه في سوريا، بعد اتفاق الجنوب الذي تم توقيعه بين روسيا وأمريكا والأردن وبحضور إسرائيلي لافت، وتم الإعلان عنه في قمة العشرين بهامبورغ كأحد تجليات التعاون الروسي الأمريكي مؤخرًا. أما الاتفاق الثاني فجرى في الغوطة الشرقية في القاهرة بين روسيا وأحمد الجربا زعيم تيار الغد السوري، ورئيس الائتلاف السوري المعارض سابقًا. في حين جاء الاتفاق الثالث على المنطقة الثالثة من مناطق تخفيف التوتر في ريف حمص الشمالي، عن طريق المخابرات المصرية بضمانة روسية عبر تيار الغد السوري المتمثل بأحمد الجربا، والوسيط عبد السلام النجيب ابن دير بعلبة في حمص.
قوات النظام السوري لم تلتزم بالاتفاق الموقع في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، إذ استمرت بعملياتها العسكرية وسط قصف جوي ومدفعي على المناطق الداخلة في الاتفاق من بينها المرج ودوما.
بالنسبة لاتفاق الجنوب فقد صمد حتى الآن وهناك مؤشرات على فرض حالة استقرار في كل من درعا والقنيطرة والسويداء، الذي تعول عليه المعارضة كمفتاح للحل في سوريا، وذهب المعارض خالد المحاميد عضو المعارضة السورية المستقل في وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بالقول أن “الحرب انتهت ووضعت أوزارها بين فصائل الجيش الحر والنظام”. وأشار المحاميد أن معبر نصيب الحدودي مع الأردن في درعا سيتم فتحه في بداية أيلول أو تشرين الأول المقبل على أن يكون تحت إشراف فصائل الجيش الحر والجانب الروسي.
أما في الغوطة الشرقية، فلم يصمد الاتفاق بشكل كبير بحسب المؤشرات على الأرض، إذ تعرضت بلدة عين ترما في الغوطة الشرقية أمس الخميس، لقصف بعشرات الصواريخ من نوع “فيل”، أدت لمقتل طفلة وامرأة، وكان المجلس المحلي لعين ترما والمجالس المحلية فيها أعلنوا قبل ايام أن البلدة منكوبة، جراء القصف الممنهج على المدينة وأحيائها.
وتشير مصادر إعلامية تابعة للمعارضة أن قوات النظام السوري لم تلتزم بالاتفاق الموقع في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، إذ استمرت بعملياتها العسكرية وسط قصف جوي ومدفعي على المناطق الداخلة في الاتفاق من بينها المرج ودوما. وأشار مراقبون في هذا السياق أن هناك محاولات حثيثة من قبل قوات الأسد للتقدم على محوري عين ترما وحي جوبر، في محاولة لفصل الحيين عن باقي بلدات ومدن الغوطة الشرقية.
حتى الآن نجحت القاهرة في وضع بصمتها في مسيرة إنهاء الصراع عبر رعاية اتفاقين بين روسيا والمعارضة. ففي 31 يونيو/تموز الماضي، توصل كل من روسيا وممثلين عن فصائل سورية في القاهرة لاتفاق لوقف إطلاق النار في ريف حمص الشمالي.
اتفاق ريف حمص شهد انقسامًا حول ضمانة مصر له دون وجود أي دور تركي فيه، حيث رفضت كل من مدينتي الحولة والرستن الاتفاق إلا في حال وجود ضامن تركي، ويُذكر أن الاتفاق جرى بدون إطلاع تركيا عليه أو أي دور لها فيه، إذ تم عبر المخابرات المصرية بضمانة روسية عبر تيار الغد السوري وعبد السلام النجيب.
وتضمن الاتفاق 12 بندًا: إخراج المعتقلين فورًا بضمانة روسية ضمن بند منفصل. ونشر قوات مراقبة روسية بدءًا من اليوم، في ثلاث نقاط هي، الأشرفية، جبورين، القبو وكراد الداسنية. وشملت بنود الاتفاق أن تحتفظ المعارضة بسلاحها، ويمنع التقدم أو التراجع لكلا الطرفين، ويتم إخراج الجرحى والمرضى وعلاجهم وضمان سلامتهم وعودتهم، كما يعمل على إدخال قافلة أدوية وأغذية بتاريخ 7 أغسطس/آب الجاري، وكذا إدخال مواد بناء في تاريخ يتم تحديده لاحقًا. وفيما يخص المهجرين فقد تم الاتفاق على إعادتهم إلى قراهم عن طريق المجالس المحلية سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها.
اتفاق ريف حمص الشمالي، جرى بدون إطلاع تركيا عليه أو أي دور لها فيه، إذ تم عبر المخابرات المصرية بضمانة روسية عبر تيار الغد السوري وعبد السلام النجيب.
ويمنع توجيه ضربة لجبهة النصرة قبل تاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول القادم ويتم إبعادهم عن مناطق الاتفاق. ولا يحق ضرب أي نقطة لأي فصيل إلا بموجب طلب خطي من أي فصيل بشرط ضمان سلامة المدنيين. كما يسمح بدخول مندوب الأحوال المدنية والعقارات وتسجيل الأولاد وجوازات السفر بعد طلب المعارضة.
وبخصوص مناطق التماس تم الاتفاق على أن تحوي كل مقطة مراقبة على 40 عنصرًا روسيًا ومندوب عن المعارضة ومندوب عن النظام. وأن تحوي نقطة المعبر 50 عنصرًا روسيًا ومندوبين للمعارضة ومندوب للنظام.
تثبيت دور روسيا وإضعاف الدور التركي
مراقبون رأوا أن موقف السياسة التركية في سوريا اليوم، ضعيف بفعل مجموعة من العوامل بدأت عبر الاتفاق الروسي الأمريكي في الجنوب السوري، ومن ثم اتفاق روسي مصري في كل من الغوطة الشرقية وريف حمص، في الوقت الذي من المفترض أن تكون أنقرة ضامنة على إقامة أربع مناطق تخفيف تصعيد في سوريا بحسب اتفاق “أستانة 5”.
بعد عقد الاتفاقات الثلاثة في كل من الجنوب السوري والغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، لم تبقى سوى محافظة إدلب التي باتت تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وهو ما يزيد الوضع تعقيدًا على تركيا
وزاد الوضع سوءًا بالنسبة لتركيا، الاقتتال الذي دار بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام التي تعد النصرة عمودها الرئيسي. وبهذا أصبحت إدلب تدار عبر تنظيم “إرهابي” دولي، وهو ما من شأنه أن يخضع مصالح تركيا في الشمال السوري للخطر ويفتح المجال لعملية عسرية واسعة النطاق تشترك بها كل من روسيا وأمريكا في إدلب سيكون السكان الخاسر الأكبر فيها.
وبعد عقد الاتفاقات الثلاثة في كل من الجنوب السوري والغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، لم تبقى سوى محافظة إدلب التي باتت تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وهو ما يزيد الوضع تعقيدًا على تركيا فيما يخص تلك المنطقة فيما إذا ستكون هذه المنطقة من نصيبها أم لا!.
في المقابل، أسهمت الاتفاقات الثلاث السابقة على تكريس دور روسيا كلاعب استراتيجي لا غنى عنه في سوريا، ويشير مراقبون أن روسيا تسعى إلى تقسيط الحل في سوريا بشكل يسمح بتثبيت دورها وحماية مصالحها في المتوسط، ومن جهة أخرى تهميش الدور التركي والإيراني في سوريا، وفق تفاهمات مع الجانب الأمريكي الذي يخوض حربًا في شرق سوريا مع تنظيم “داعش” في الرقة عبر دعم “قوات سوريا الديمقراطية” المصنفة إرهابية بالنسبة لأنقرة.
عقد تلك الاتفاقات لا يعني أن المعارضة السورية تشعر بالرضا حيالها، إذ تعتبرها المعارضة السورية التفاف روسي على القرار الأممي 2254 الذي ينص على وقف إطلاق النار، وإخراج المعتقلين، وفك الحصار، وإدخال المواد الغذائية. وربما ما يثير حنق المعارضة المتمثلة عبر الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات والحكومة المؤقتة، بأنها مغيبة عن تلك الاتفاقات بشكل متعمد، وهو ما ييسهم أيضًا في تهميش دور المعارضة السورية.
أسهمت الاتفاقات الثلاث في ريف حمص والغوطة الشرقية والجنوب على تكريس دور روسيا كلاعب استراتيجي لا غنى عنه في سوريا
الواضح حتى الآن من الاتفاقات الجارية في مناطق عدة بسوريا، الدور الروسي كلاعب بارز فيها إضافة إلى لعب أحمد الجربا ممثلا عن المعارضة السورية في تلك الاتفاقات، مقابل تهميش الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، وهو ما يشير إلى أن روسيا لا تحتاج لمؤسسات لعقد اتفاقاتها، بل تحتاج إلى أشخاص يتمتعون بالمرونة حيال مواقفها ودورها في سوريا. كما أن تفعيل دور القاهرة في الاتفاقين الأخيرين جاء لنسف دوري إيران وتركيا في سوريا وتهميشهما ربما بتفاهم بين واشنطن وموسكو.