لا تزال الدلائل تتوالى تباعًا حول احتمال تورط الامارات بالانقلاب الفاشل في يوليو/تموز الماضي، إذ كشفت تسريبات من البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، موقف بلاده وسياستها نحو تركيا، بحسب ما أشار لذلك تقرير منشور في صحيفة ديلي صباح التركية، أمس الجمعة 4 أغسطس/آب الجاري.
وبينما سعت تركيا في الأسابيع الماضية على تجنب التصيعد مع السعودية، التي تقود الحصار الدبلوماسي على قطر، لا تزال العلاقة بين تركيا والإمارات في توتر متزايد، وليس أدل على تلك العداوة سوى رسائل العتيبي المسربة من بريد سفير الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبي.
إشارات لتورط أبو ظبي بالانقلاب
ذكر التقرير المنشور في صحيفة الديلي صباح التركية، أن العتيبة قال في إحدى مراسلاته مع صحافي أمريكي في صحيفة نيويورك تايمز يعود تاريخها إلى أبريل/نيسان الماضي: “لا نريد لتركيا كما قطر أن تكون قادرة على تشكيل قائمة طعام فضلاً عن القدرة على إدارة الملفات في الإقليم. وحمل هذا الكلام إشارة لتورط أبو ظبي في محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا العام الماضي.
وحسب مصادر إعلام تركية فقد ظهر دور الإمارات المشبوه في المنطقة وسعيها لاستهداف تركيا، ففي تقرير آخر منشور أيضًا في صحيفة ديلي صباح التركية في يونيو/حزيران الماضي، عن مقال لمحمد أسيت نشر في صيفة تركية “يني شفق” أن الإمارات أنفقت نحو 3 مليارات دولار لإسقاط الحكومة التركية وأردوغان، واستشهد الكاتب بتصريحات لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بقوله إن بلدًا مسلمًا – إشارة للإمارات- ينفق 3 مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة في تركيا مع تقديم الدعم للانقلابيين في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 من يوليو/تموز العام الماضي.
ومن جانب آخر فقد أظهرت فضائيات تركية مثل “A haber ” في تقارير لها مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد دحلان متهمة إياه بأنه رجل المؤامرات السوداء في الشرق الأوسط والعمل لصالح الإمارات لاستهداف الحركات الإسلامية والربيع العربي وتركيا.
العتيبية يقول في إحدى رسائله لصحفي أمريكي، لا نريد لتركيا كما قطر أن تكون قادرة على تشكيل قائمة طعام فضلاً عن القدرة على إدارة الملفات في الإقليم
حيث يسود اعتقاد بأن دحلان استخدم ملايين الدولارات التي زودته حكومة أبو ظبي بها للقيام بعدة عمليات في الشرق الأوسط، مثل الاغتيالات السياسية في تونس، ودعم انقلاب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر على الحكومة الشرعية في ليبيا، ودعم وتمويل الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، والتنسيق مع دولة الاحتلال لتضييق الحصار على قطاع غزة الذي تديره حركة حماس وشن 3 حروب عليه، وغيرها من الأزمات وكل ذلك بعلم ودراية ودعم إماراتي.
كما دعم دحلان العديد من المؤامرات ضد تركيا، وعمل من خلال الأموال والحملات الدبلوماسية على تشويه صورة تركيا، وأنقرة تشتبه بوجود علاقات بينه وبين فتح الله غولن المتهم بقيادة محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا.
وأفاد ديفيد هيرست مدير تحرير صحيفة “middle east aye” في تقارير له أن محمد دحلان صاحب قناة الغد الفضائية نقل أموال إلى جماعة فتح الله غولن المتهم الرئيسي في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وحسب هيرست الذي كتب في 29 من يوليو/تموز أن دحلان تواصل مع غولن في الولايات المتحدة ونقل الأموال إلى الانقلابيين قبل أسابيع من الانقلاب، كما ظهر أيضًا غولن في مقابلة على قناة الغد بعد محاولة الانقلاب حيث دعا الغرب للتدخل في تركيا للإطاحة بأردوغان وحكومة العدالة والتنمية وقال إن تركيا تشهد حربًا أهلية.
من غير الممكن أن تقدم دولة الإمارات ومؤيدي سياساتها في المنطقة على رأسهم السعودية، بفرض حصار على تركيا، وقد يكون هذا الحديث محض أحلام، نظرًا للفارق الشاسع بين قوة تركيا العسكرية واقتصادها المتماسك مع تينك الدولتين.
وفي إحدى استدلالات تركيا التي تستشهد بها في ضلوع الإمارات بمحاولة الانقلاب الفاشلة، ما جاء في إحدى رسائل البريد الإلكتروني للعتيبي، حيث أرسل كبير المستشارين، جون هانا، من مؤسسة الفكر المحافظين المؤيدين لـ”إسرائيل”، مقالاً قبل محاولة الانقلاب في تركيا بشهر نشر في مجلة الفورين بوليسي، جاء فيه أنه “لا يمكن الاستبعاد بشكل كلي بعض من التدخل العسكري – خاصة إذا ما رافقه معارضة شعبية واسعة النطاق لاستبداد أردوغان المتصاعد ولتجاهله لدستور تركيا القائم”، وأنه “ليس من المستبعد أن يستدير الجيش وينقلب على أردوغان حتى “ينقذ” تركيا من المضي في طريقه الذي يؤدي إلى الدكتاتورية والدولة الإسلامية“.
وكشفت بعض الرسائل المسربة لموقع إنترسبت الأمريكي، طلب مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” من السفير الإماراتي ترتيب لقاء مع محمد دحلان، وأكبر مستشاري ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهذا يدل على حجم التنسيق بين الإمارات وهذه المؤسسة الداعمة لدولة الاحتلال.
ويعد دور تلك المؤسسات المتعاملة مع أبو ظبي لتهيئة أرضية خصبة لنجاح أي محاولة انقلاب في تركيا عبر الترويج لخطاب يشرعن الانقلاب ضد الحكومة التركية. ويظهر رصد التقارير العديدة في هذا الشأن أن محاولات دعم الانقلاب مرت عبر خطوات عدة، مثل خلق صورة سلبية ضد الرئيس التركي عبر المنافذ الإعلامية العربية والتركية المعارضة، وكذلك دعم المعارضة التركية، بالإضافة إلى العمل على خلق فوضى في البلاد، عن طريق دعم حزب العمال الكردستاني، وأخيرًا دعم التيارات المعارضة داخل الجيش.
هل يمكن أن تفرض الإمارات حصارًا على تركيا؟
في حديث للسفير الإماراتي يوسف العتيبة، في برنامج تلفزيوني الأسبوع الماضي ذكر فيه إن الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين، تتوقع المزيد من الحكومات العلمانية في المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة. ويعتقد عتيبة أن تركيا، وهي دولة علمانية دستورية، هي جزء من المحور الإسلامي الذي يمكن أن يقوض حكم دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة.
وردًا على خبير تركي في مجلس العلاقات الخارجية، وقال عتيبة، في مايو/أيار الماضي، إن الرئيس التركي أردوغان لا يفهم إلا لغة السلطة، وشجع الأفراد على كتابة المزيد عن تركيا قائلا إن معظم الامريكيين لا يعرفون ما يحدث أساسًا لتركيا و ما وصفه “التهديد طويل الأجل الذى تفرضه على معظمنا”.
النتيجة ستكون وخيمة على الإمارات في حال قررت افتعال أزمة مع تركيا على غرار ما حصل في قطر، إذا اعتبرت تركيا أن هكذا خطوة تشكل خطرً ا على أمنها القومي وتوجب حل الأزمة عسكريًا.
يكمن موقف العتيبة، والإمارات من تركيا وقطر، بسبب عدم اتساق سياسات هاتين الدولتين مع سياسات الإمارات الرافضة لوصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة، ولحركات الربيع العربي والحرية والديمقراطية. إذ تدخلت الإمارات في تخريب التجارب الديمقراطية الناجحة في مصر بدعم الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي وتحاول في تونس زعزعة الأمن وعدم وصول الإسلاميين إلى السلطة، ودعمت النظام السوري ضد الثورة المندلعة بسوريا.
وبحكم أن تركيا وقطر ذو توجهات إسلامية وتدعم حركات التحرر العربي وتعد أحد دواعم تلك الحركات، إضافة إلى دعمها للقضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية حماس، فكان على الإمارات التفكير بأكثر من طريقة للضغط على ذينك البلدين لتغيير مواقفهما ولإسقاط نظام الحكم فيهما فيما لو لم تغير من سياساتهما.
إلا أنه من غير الممكن أن تقدم دولة الإمارات ومؤيدي سياساتها في المنطقة على رأسهم السعودية، بفرض حصار على تركيا، وقد يكون هذا الحديث محض أحلام، نظرًا للفارق الشاسع بين قوة تركيا العسكرية واقتصادها المتماسك مع تينك الدولتين.
يكمن موقف العتيبة، والإمارات من تركيا وقطر، بسبب عدم اتساق سياسات هاتين الدولتين مع سياسات الإمارات الرافضة لوصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة
كما أن دول الحصار فشلت حتى الآن في بسط نفوذها على دولة صغيرة الحجم مثل قطر التي استطاعت تطويع الحصار، لصالح اقتصادها المحلي وتنويع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع بلدان العالم. وسيكون من شأن إطلاق أزمة جديدة بين الإمارات وتركيا على غرار الأزمة مع قطر، إلى إضعاف موقف الإمارات بشكل أكبر وإثارة القلاقل مع واشنطن وروسيا التي لن تسمح بإثارة هكذا أزمة إقليمية بهذا الحجم.
فضلا أن النتيجة قد تكون وخيمة على الإمارات في حال تمادت الإمارات مع تركيا وافتعلت أزمة معها كما حصل في قطر، إذ قد تعتبر تركيا أن هكذا خطوة تشكل خطرًا على أمنها القومي وتوجب حل الأزمة عسكريًا، إذ أرسلت تركيا إلى قطر تعزيزات عسكرية للحؤول دون تدخل عسكري من قبل دول الحصار على قطر، فكيف إذا كانت هي المستهدفة!.