ترجمة وتحرير نون بوست
بعد مرور ما يربو عن ستة أشهر من القتال المتواصل في مدينة سرت، خسر تنظيم الدولة أخيرا للمعركة، فضلا عن البعض من عناصره. في المقابل، لم تتمكن بقية عناصر التنظيم من تقبل هذه الهزيمة والواقع الذي يحتم خروجهم من ليبيا وتخليهم عن حلم الخلافة. ومن هذا المنطلق، قرر التنظيم إعادة تنظيم صفوفه خاصة في المناطق التي تقبع تحت سيطرته بالكامل، علاوة على استغلال الصراع الذي يخوضه الجنرال حفتر ضد القوات المحلية المتنازعة لصالحه.
وتجدر الإشارة إلى أن مخطط تنظيم الدولة الجديد قد دفع قوات الجنرال حفتر، فضلا عن حلفائه المصريين، إلى دق ناقوس الخطر في ليبيا، قبل أن يتم تأكيد هذه المعلومات من قبل المحللين الغربيين. وفقاً للأرقام التي قدمتها الميليشيات في مصراتة، تجاوز عدد المقاتلين الذين كانوا يقاتلون تحت راية أبو بكر البغدادي، في سنة 2016، 4 آلاف مقاتل. وخلال معركة سرت، قتل ما يربو عن 1500 مقاتل من عناصر التنظيم، ولم يتبقى سوى ألفي مقاتل، سجنت منهم الميليشيات في مصراتة مائة عنصر، في حين لاذ الآخرون بالفرار.
ومن المثير للاهتمام أن عناصر التنظيم المتبقية في ليبيا قد عمدت، ضمن هذا المخطط الجديد، إلى توزيع قواتها على خمسة مجالات ترابية مختلفة، لا يمكن للحكومة الليبية الوصول إليها، وذلك حتى يتسنى لها التغلغل أكثر في هذه المناطق وإحكام سيطرتها بشكل كامل عليها. وقد شمل مخطط تنظيم الدولة الحدود الليبية الجزائرية المتاخمة للنيجر والتشاد، حيث يعتقد التنظيم أنها من أهم المناطق التي من شأنها أن تضمن له التحرك بسهولة على الحدود.
القيادة الليبية قد تعهدت سابقا بإغلاق هذه الحدود والقضاء على جُل عمليات التهريب، ولكنها لم تتمكن من تأمين الوسائل والمعدات اللازمة لتحقيق ذلك
وفي هذا السياق، أفاد عبد الله نورالدين، أحد الجنرالات التابعين لحفتر، أن “هذه الحدود لا تخضع للإجراءات الأمنية الضرورية، وبالتالي فهي مناسبة جدا للقيام بعمليات التهريب، بما في ذلك تهريب الأسلحة والبشر والنفط، فضلاً عن تهريب السيارات. ونتيجة لذلك، سيتمكن تنظيم الدولة من تمويل أنشطته، التي قد تطال مصر أيضاً”.
وأضاف عبد الله نورالدين أن القيادة الليبية قد تعهدت سابقا بإغلاق هذه الحدود والقضاء على جُل عمليات التهريب، ولكنها لم تتمكن من تأمين الوسائل والمعدات اللازمة لتحقيق ذلك. من جهتها، قررت القوات الجوية المصرية، في الأسابيع الماضية، التحرك بغية تأمين الحدود والقيام بعمليات مداهمة في هذه المناطق وذلك بهدف حمايتها. وفي الأثناء، تؤمن مصر أن الهجمات التي طالت الكنائس القبطية، خلال ربيع السنة الماضية، كانت من تنفيذ مجموعة إرهابية وقع تدريبها في ليبيا.
في الواقع، قدر عدد العناصر الذين جندهم تنظيم الدولة لأجل تنفيذ مخططه الجديد بين ألف وألفي مقاتل. والجدير بالذكر أن معظم هؤلاء المقاتلين من فئة الشباب. ويعزى اختيار التنظيم لهؤلاء المقاتلين اليافعين وإدماجه لهم ضمن مخططه، إلى اعتقاده بأنهم يتمتعون بقدر كبير من الانضباط والتنظيم، أي أنه سيتمكن من جني ثروة من خلالهم.
وادي زمزم
يعتبر وادي زمزم أقرب نقطة من الساحل في حين يبعد مسافة 50 كيلومترا على جنوب مصراتة، و100 كيلومتر غرب مدينة سرت. مثلت منطقة وادي زمزم خط الدفاع الذي انسحبت إليه قوات تنظيم الدولة في خضم معركة سرت. وفي هذا الصدد، أفادت كلوديا غازيني، المحللة لدى مجموعة الأزمات الدولية، أن “هذه المنطقة من شأنها أن تسمح لمقاتلي التنظيم بالتحرك في قوافل صغيرة وشن هجمات بين الحين والآخر، خاصةً ضد القوات القابعة في مدينة مصراتة ونقطة التفتيش المتمركزة على الطريق الفاصلة بين سرت إلى غاية هذه المدينة الساحلية”.
واحة الكفرة
تعتبر واحة الكفرة مركز للاشتباكات بين القبائل الأفريقية والقبائل العربية، التي يطلق عليها اسم “الزوي”. وفي هذه المنطقة، تفرض هذه القبائل العربية سيطرتها الكاملة في حين تتهم القبائل الأفريقية بممارسة التجارة غير الشرعية والقيام بأعمال الشغب. وفي محاولة منه للسيطرة على واحة الكفرة، أرسل الجنرال حفتر لواءين، وبعض القوات، بغية التحالف مع أحد الطرفين المتنازعين، ولكنه فشل في تحقيق مساعيه. في المقابل، نجح تنظيم الدولة في تركيز البعض من عناصره في المناطق الصحراوية المحيطة بهذه الواحة وتنفيذ هجمات متفرقة ضد قوات حفتر.
سعى حفتر للسيطرة على مدينة سبها ، حيث تمكن من الاستيلاء على قاعدة جوية تبعد مسافة 60 كيلومترا عن شمال المدينة
العوينات أو سردليس
في حقيقة الأمر، تعد واحة العوينات بمثابة معبر حدودي بين ليبيا والجزائر والنيجر. فضلا عن ذلك، تعتبر هذه المنطقة “مخبأ المهربين” “ومركز المرتزقة”، حيث يتجمع فيها المتطرفون من تشاد والنيجر والكاميرون ليتم فيما بعد تجنيدهم ضمن الجماعات الإرهابية وإرسالهم لتعزيز صفوف العصابات الإجرامية التي تكون في حاجة إلى عناصر جديدة. والجدير بالذكر أن هذه العناصر تتلقى رواتب شهرية تقدر بحوالي ألفي دولار، وذلك مقابل المهام التي تقوم بها، على غرار المتاجرة بالأسلحة والنفط والأدوية والذهب والبشر. في هذه المنطقة، قد لا يمتلك تنظيم الدولة حضوراً بارزا، ولكنه يعتمد هذه المنطقة كسوق لشراء مسلحين جدد.
سبها
تعد مدينة سبها وجهة معظم مقاتلي تنظيم الدولة الذين لاذوا بالفرار من مدينة سرت، فضلاً عن أنها تمثل مركزا للاشتباكات بين مختلف القبائل، على غرار قبيلة أولاد سليمان والطوارق، فيما يتعلق بطرق المهربين من الجزائر والنيجر وتشاد، حيث تتلاقى جميعها في سبها. وفي الأثناء، سعى حفتر للسيطرة على المدينة، حيث تمكن من الاستيلاء على قاعدة جوية تبعد مسافة 60 كيلومترا عن شمال المدينة. ولكن سرعان ما تعرضت القاعدة لهجوم مضاد من قبل “القوة الثالثة”، وهي ميليشيا إسلامية في مصراتة. من جهته، عمد تنظيم الدولة إلى نشر قواته في الأودية المحيطة بهذه المدينة، معتمدا في ذلك بشكل أساسي على القوات العربية.
أوباري
تقع مدينة أوباري في الجنوب الغربي لمدينة سبها، وتعتبر المركز الرئيسي لتهريب الوقود والبنزين، الذي عادة ما تشتريه العصابات بأسعار بخسة ومدعومة من قبل الحكومة في طرابلس. في أعقاب ذلك، تقوم هذه العصابات ببيع هذه الموارد إلى دول الجوار بمكاسب كبيرة، تصل إلى عشرة أضعاف المبلغ الذي اشتريت به. في الحقيقة، وقع اختيار تنظيم القاعدة على هذه المنطقة في المقام الأول، وذلك نظراً لكثرة الجبال المحيطة بها، والتي تجعل من الصعب على السلطات الوصول إليها. في الوقت الراهن، يسعى تنظيم الدولة إلى السيطرة على هذه المدينة، وذلك بغية اعتمادها كقاعدة لشن هجمات في جميع المناطق تابعة لمنطقة الساحل.
المصدر: لاستامبا