باتت مدينة إدلب الخارجة عن سيطرة القوات الحكومة “أكبر معقل لتنظيم القاعدة في العالم” بحسب ما قاله المبعوث الرئاسي الأمريكي في التحالف الدولي ضد داعش برت ماغورك، وهو ما يسمح بتوقع مستقبل مظلم لمحافظة إدلب قد لا يختلف عن سيناريو الرقة أو الموصل، فأمريكا وعلى لسان المسؤول نفسه ذكر أن بلاده ملتزمة بقتل جميع المقاتلين الأجانب المنضمين إلى “داعش” و”النصرة” في سوريا والعراق، وعدم السماح لهم بالخروج من هذين البلدين.
خزان المقاتلين والمهجرين
اتفق كل من روسيا وأمريكا على خفض التصعيد في الجنوب السوري، ليكون أحد تجليات التقارب والتفاهم في الملف السوري الحاصل بين البلدين، ومن ثم بدأت الاتفاقات الأخرى تتوالى ليتم ضم الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي إلى مناطق خفض التصعيد، وتبقى إدلب في المشهد وحدها، يتنازع للسيطرة عليها داخليًا بين الفصائل الموجودة من هيئة تحرير الشام وأحرار الشام الإسلامية، وخارجيًا حيث تتصارع عليها روسيا حليفة النظام السوري وتركيا حليفة المعارضة التي أطلقت معركة درع الفرات في الشمال السوري، إضافة إلى دور للولايات المتحدة حليفة القوات الكردية التي تقاتل في معركة الرقة ضد داعش وإيران حليفة النظام السوري الذي يسعى هو الآخر لتكون إدلب من نصيبه.
تركيا وضعت خطة بالتشاور مع التحالف الدولي لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وإحكامها السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا
هذا المصير المجهول انعكس على المهجرين قسرًا من مختلف المناطق السورية سلبًا، فلم يعد للاستقرار معنى هناك واختار الكثير منهم العودة إلى تركيا، سكان إدلب الجدد قدموا من داريا والمعظمية والزبداني ومضايا وحلب الشرقية وريف حماة وحمص، وآخرها 8 آلاف شخص من جرود عرسال شرق لبنان، حتى بلغ سكان المحافظة زهاء مليوني نسمة.
الأخبار التي تتوارد بين الحين والآخر ترهق أهالي إدلب، إذ سبق لصحف أمريكية أن أومأت بأن الأسوأ في سوريا لم يأت بعد، مشيرين إلى مذبحة قد تحصل في إدلب وبالأخص إذا صدقت الشائعات وانتقل مقاتلو تنظيم داعش إليها بعد خسارة عاصمتهم المزعومة في الرقة.
خلال الأيام الماضية وقف النظام السوري متفرجًا على المعارك البينية بين كبرى الفصائل في إدلب، ممثلة بهيئة تحرير الشام التي تعد جبهة النصرة عمودها الرئيسي، وحركة أحرار الشام الإسلامية.
في الوقت الذي ينتظر النظام تسللاً ناعمًا كما يشبهه البعض، عبر طرح أفكار المصالحة من خلال جملة من الأمور المعيشية كإعادة الكهرباء والخدمات إلى المحافظة ليجتذب بها ود السكان والمجتمع الدولي بأنه الأقدر على حكم المدينة وإعادتها إلى سلطته.
وقد انتهى ذاك الاقتتال لشبه سيطرة على المحافظة من قبل هيئة تحرير الشام، التي تنظر إلى المعارضة بعين الريبة منذ انعقاد مؤتمر أستانة وقراءتها لقرارات باجتثاثها من المنطقة، وهي في حالة استنفار دائم حيث قررت المواجهة ضد أي جهة قد تسعى إلى إخراجها من إدلب، بدءًا بالمعارضة وليس انتهاءً بتركيا، لذا رأت أنه من الضروري ابتلاع المكونات الثورية التي تنافسها الساحة في إدلب لكي تخلو الساحة لها.
شككت روسيا في إمكان ضم محافظة إدلب إلى مناطق “خفض التوتر” قريبًا، وجاء التشكيك الروسي بعد شكوك أمريكية مماثلة ناجمة عن سيطرة تنظيمات إرهابية على المحافظة
وعن موقف أمريكا من ذلك الاقتتال، جاء خلال بيان وزعه المبعوث الأمريكي إلى سوريا السفير مايكل راتني، اعتبر فيه أن الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام ضد حركة أحرار الشام في إدلب “يعرض مستقبل شمال سوريا لخطر كبير، وشهد شمال سوريا واحدة من أكبر مآسيه”، وقال راتني: “في حالة هيمنة جبهة النصرة على إدلب سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة ضد إدلب”.
وأضاف المبعوث الأمريكي إلى سوريا “يجب أن يعلم الجميع أن الجولاني وعصابته المسؤولون عن العواقب الوخيمة التي ستحل بإدلب” في إشارة إلى زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني الذي يقود هيئة تحرير الشام، وحض راتني فصائل معارضة التي اضطرت إلى العمل مع النصرة بدافع من تحقيق منفعة أو الحفاظ على النفس، إن عليها أن تبتعد عن التنظيم “قبل فوات الأوان”.
مشكلة دولية
في حال فشل فرض منطقة خفض تصعيد في إدلب كما جرى في جنوب سوريا وريف حمص والغوطة الشرقية، بحسب الاتفاق المعلن في “أستانة 5” والذي تدخل فيه تركيا كضامن جنبًا إلى جنب مع روسيا وإيران، وباعتبار أن مصير الحل في سوريا بيد روسيا، والأولوية الأمريكية هناك هي لمحاربة الإرهاب، فإن إدلب بالمنظور الأمريكي أصبحت مشكلة دولية تستلزم الحل بسبب تجمع المنظمات المصنفة إرهابية فيها.
بالنسبة لأنقرة فقد ذكر الرئيس التركي قبل يومين: “لقد كانت عملية درع الفرات خنجرًا في قلب مشروع تشكيل منطقة إرهابية في سوريا، ونحن مصرون على توسيع عملية درع الفرات بحملات عسكرية جديدة، وسترون قريبًا خطوات مهمة”، وشدد الرئيس على أن بلاده تتعرض لهجمات مكثفة على الأصعدة كافة، خاصة أن جهود تشكيل “دولة إرهابية” شمالي سوريا ما زالت مستمرة.
إلا أن تركيا لا تعد وحيدة في صراعها بإدلب، فهناك إيران التي سبق لها أن حضت النظام السوري على التوغل في إدلب عبر التوسع في جسر الشغور في إدلب واللاذقية، كما أبدت “قوات سوريا الديمقراطية” رغبتها هي الأخرى للتقدم من عفرين لطرد “النصرة” من إدلب، لذا فإن مصير إدلب يقف بين ثلاث جهات هي النظام وحليفته إيران، والأكراد المدعومون من قبل أمريكا، والمعارضة السورية المدعومة من تركيا.
في حالة هيمنة جبهة النصرة على إدلب سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة ضد إدلب
وحسب صحيفة الشرق الأوسط فإن مسؤول غربي عبر عن احتمال أن تشكل إدلب نقطة تقاطع بين الجيشين الأمريكي والروسي باعتبار إدلب تتحول إلى “مشكلة دولية وعلاجها يجب أن يكون دوليًا”، على اعتبار أن كل من روسيا وأمريكا تصنف هيئة تحرير الشام إرهابية، وقد استثنتها من نقاط تخفيف التوتر.
وقال لافروف خلال لقائه بنظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، في العاصمة الفلبينية مانيلا أمس، الأحد 6 من أغسطس/آب، إن العمل على إنشاء مناطق تخفيف التوتر في إدلب لن يكون سهلًا، كما ناقشت موسكو أمر تخفيف التوتر مع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، وشككت روسيافي إمكان ضم محافظة إدلب إلى مناطق “خفض التوتر” قريبًا، وجاء التشكيك الروسي بعد شكوك أمريكية مماثلة ناجمة عن سيطرة تنظيمات إرهابية على المحافظة.
ويرى مراقبون أن أي معركة مستقبلية في إدلب ستسعى تركيا أن تكون في صلبها، وإلا سيكون مصير إدلب بالنسبة لتركيا كمصير الرقة التي تشير الأحداث والأخبار الواردة من هناك أنها ستكون من نصيب القوات الكردية المقاتلة، وهذا مخالف للوعود الأمريكية المقطوعة لتركيا بأن لا يمنح حكم الرقة للأكراد لقاء اضطهاد المكونات العربية الأخرى.
هناك احتمال أن تشكل إدلب نقطة تقاطع بين الجيشين الأمريكي والروسي باعتبار إدلب تتحول إلى “مشكلة دولية وعلاجها يجب أن يكون دوليًا”
وعن هذا نشرتصحيفة “قرار” التركية، أن تركيا وضعت خطة بالتشاور مع التحالف الدولي لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وإحكامها السيطرة على معبر باب الهوى، وأضافت الصحيفة أنه “مع وصول معلومات تفيد بالتحاق عناصر تنظيم داعش الهاربين بصفوف هيئة تحرير الشام يتم العمل على إنشاء حلف روسي أمريكي تركي فرنسي من أجل شنّ عملية ضد التنظيم الإرهابي، وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام كانت قد فكَّت ارتباطها عن تنظيم القاعدة قبل ما يقارب العام إلا أنها وبحسب المعلومات الواردة لم تزل على علاقة وثيقة بالتنظيم الإرهابي”.
ووفق لافروف سيجري اجتماع في العاصمة الإيرانية طهران في 8 و9 من آب الحالي، أي غد وبعد غد، لمناقشة تثبيت “تخفيف التوتر” في سوريا، بحضور ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران، يتزامن هذا مع إعلان روسيا أنها تفاوض المعارضة في ست محافظات، للانضمام لاتفاق وقف إطلاق النار في كل من حلب وإدلب ودمشق وحماة وحمص والقنيطرة.
سيكون اجتماع الغد حافلاً بالنسبة للأتراك بشكل خاص، لما قد يحمله من تقرير مصير محافظة إدلب ومصير الشمال السوري بالنسبة لها، فيما إذا سيسمح لها بفرض آلية تخفيف التوتر هناك بالتعاون معها أم سيتم تدويل مسألة إدلب ليكون فيها تعاون دولي أمريكي روسي، يحرم أو على الأقل يقلل من فائدة تركيا في المحافظة.