بعد فترة الجمود في العلاقات التي سادت بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وإيران، والتي دامت أكثر من ست سنوات، عقب اندلاع الثورة السورية آذار/مارس 2011، إذ تم إعلان خلال هذا الشهر الحالي آب/أغسطس، فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين، تمثلت في تلبية حماس دعوة الجانب الإيراني لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني لفترة ثانية، في الرابع عشر من آب/أغسطس 2017 بذهاب وفد رفيع المستوى من قادة الحركة يضم كلًا من عضو المكتب السياسي عزت الرشق رئيسًا للوفد والقيادي صالح العاروري وزاهر جبارين وأسامة حمدان، الأمر الذي رحبت به الأوساط السياسية الإيرانية.
عدة تساؤولات
ما الأسباب التي دعت حماس أن تعيد النظر في تجميد العلاقات مع الجانب الإيراني؟ وهل توجد مسوِّغات قوية لإعادة العلاقات بينهما وفتح صفحة جديدة؟ وهل ستدعمها الأخيره تحت زعم دعم المقاومة ضد الاحتلال دعمًا كافيًا يسد الرمق دون شُحّ؟ وهل يوجد رضى من الأفراد داخل الحركة أو رضى شعبي لتلك الخطوات؟ وهل توجد خطوط حمراء وحدود في التعامل بين الطرفين أم أن الدعم الإيراني غير مشروط وغير مكبل بالقيود؟
الحركة كان موقفها واضحًا، بأنها “غير معنية بالتدخل في الملفات الداخلية لأي من دول المنطقة، كما أنها لن تقف في وجه طموحات الشعوب المقهورة”
ما الإيجابيات أو السلبيات التي ستطال الحركة من جراء فتح صفحة جديدة مع إيران مرة أخرى؟ هل ستجني طهران الكثير من المكاسب، في ظل هذا التقارب كما في السابق على حساب المقاومة والقضية الفلسطينة أم أنها ستكون في منأى عن ذلك؟ وهل لو كان للحركة حلفاء غيرها داعمين لها بالمالي والعسكري كتركيا وقطر دون معوقات، كانت أقدمت على مثل هذه الخطوة؟ الكثير والكثير من الأسئلة التي تحتاج لقراءة عميقة للمشهد الحالي للإجابة عن تلك التساؤلات.
أبرز الأسباب
ساتناول أبرز الأسباب الداخلية والخارجية على المستويين الإقليمي والدولي باعتبارها “مسوّغات” لإعادة العلاقات بين الجانبين، والتي دعت حماس لتغيير موقفها من إيران وتتلخص في الآتي:
من أبرز الأسباب على المستوى الداخلي الضغوطات الداخلية التي تواجهها الحركة من الداخل كالمطالبات الشعبية المشروعة من إعادة إعمار والحق في العيش الكريم بالعمل على تحسين أوضاعهم وتلبية أدنى مطالبهم الحياتية في قطاع غزة، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من قلة الموارد واحتراب وانقسام دائم بين الحركة والسلطة الفلسطينية من جهة ومواجهة ألاعيب العدو الصهيوني من جهة أخرى داخل القطاع. أما على المستوى الخارجي سواء الإقليمي أو الدولي يتمثل في إطباق الحصار على الحركة وعلى أصدقائها الداعمين لها.
الضغوط والحصار
لقد عانت الحركة في الداخل الفلسطيني من الكثير من الضغوط الصعبة بسبب قلة الموارد من جهة والحصار الخانق من جهة أخرى منذ أكثر من عشر سنوات، اللهم إلا بعض الفُتات الذي كان يأتيها كمساعدات من بعض الدول والمنظمات لا يسد رمق المحتاج.
موقف الدول العربية من الحركة
أزعم أن العصر الذهبي لحركة حماس كان في عهد تولي الدكتور مرسي سدة الحكم في مصر، وحينما تم الانقلاب العسكري عليه تلاشت بعض الاحلام التى كانت تراود أبناء الحركة الإسلامية، وأصبحت الحركة بعدها تواجه صعوبات من كل جهة واشتد الحصار أكثر من ذي قبل وزادت الضغوطات أكثر فأكثر.
إعادة علاقات إيران بحماس سيكون مكسبًا محضًا للجانب الإيراني، ويمثل غطاءً على جرائمها في المنطقة تحت ذريعة دعمها للمقاومة في فلسطين
أما على مستوى زعماء الدول العربية، فلقد تباينت آرائهم ومواقفهم تجاه الحركة بداية من اجتماع قمة 2017 في البحر الميت بالمملكة الهاشمية الأردنية، وما أعقبها من إجراءات عملية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ووضع حماس والجماعة الأم “الإخوان المسلمين” والدول الداعمه لهما في دائرة الإرهاب.
الأمر الذي زاد من حدة الحصار، فكان لزامًا على الحركة أن تجد لنفسها منفسًا تستطيع من خلاله أن تواجه المخاطر المحدقة، حتى ولو كان ذلك على حساب وضع ميثاق جديد للحركة أو بالتحايل والاتفاق مع أعداء الأمس “إيران أو دحلان أو السيسي” نظير المحافظة على مستوى وجودها، لمواجهة الكيان الصهيوني في فلسطين.
موقف حماس كان واضحًا
ولعل موقف حركة حماس منذ بداية اندلاع الثورة السورية كان موقفًا سياسيًا واضحًا، فإيران حاولت منذ بداية الثورة السورية مارس/ آذار 2011 أخذ موقف من حماس لصالح النظام في سوريا، لكن الحركة كان موقفها واضحًا، بأنها “غير معنية بالتدخل في الملفات الداخلية لأي من دول المنطقة، كما أنها لن تقف في وجه طموحات الشعوب المقهورة”.
وحتى لا تخسر حماس الكثير من رجالاتها وعتاداها في الزجّ بها في الأزمة السورية، اتخذت الحركة موقفًا واضحًا بالبعد عن المعتركات الجانبية الدخلية الأخرى، وأكدت وقتها أن وجهتها وبوصلتها نحو “القدس” لا غير، ولم تسلم أيضًا من النقد وقتئذ من طرفي الصراع، ولكن اتضح للجميع بعد مرور أكثر من ست سنوات على الصراع أن الحركة كان لها ما تسوّغه إذ لو كانت قد شاركت في تلك الحرب لخسرت الكثير واستنزفت قواها التي هي في الأساس أنشأت لأجل العدو الصهيوني على الأراضي الفلسطينية.
المكسب الإيراني
لا شك أن إعادة علاقات إيران بحماس سيكون مكسبًا محضًا للجانب الإيراني، ويمثل غطاءً على جرائمها في المنطقة تحت ذريعة دعمها للمقاومة في فلسطين، وحرصها على محاربة العدو الصهيوني، لا لشيء إلا لتغطية جرائمها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، إلخ، كما قد يساهم هذا التقارب في إبعادها عن تهمة الطائفية وهذا ما تأمله.
الدعم الإيراني لم يكن قاصرًا على حماس داخل الأراضي الفلسطينية، ولكن كان متعدى لبعض الفصائل والحركات الأخرى لعدة أسباب من أهمها أنها سعت لإيجاد البديل عن حماس في فلسطين كفصيل ينصاع لها ويأتمر بأمرها، ولكن ما يقف حائلًا من تنفيذ ذلك أن قوة وشعبية حماس تطغي على غيرها في الداخل والخارج.
الصيد في الماء العكر
قراءة إيران لمشهد الصراع الحالي وإحاطتها علمًا بعدم رضى صناع القرار العربي عن حماس وعلمها أيضًا بأن الحركة تحتاج وبشدة في الوقت الحالي لتمويل مالي وعسكري أكثر من ذي قبل، جعلها تتعامل مع الحركة بشيء من التعالي والثقل الدبلوماسي والاصطياد في الماء العكر.
أعلنت الحركة أن بوصلة صراعها نحو “الأقصى” ضد الاحتلال الصهيوني، وأنها ترفض الاستبداد بأشكاله كافة وأنها مع ثورات الشعوب وليست ضدها
لقد اشترطت إيران في وقت سابق على حماس لإعادة العلاقات بينهما – وقت أن كان خالد مشعل رئيسًا للمكتب السياسي – عدة شروط لإعادة الدعم المالي والعسكري كما كان في السابق كان من أبرزها:
– ذهاب خالد مشعل إلى طهران.
– تحييد حركة حماس عن صراع المنطقة.
– الإعلان وبكل وضوح تحالفها مع إيران وشكرها على ما قدمته للحركة من دعم.
فرفضت الحركة وقتها ذهاب مشعل وعللت بأن الوقت لا يسمح وغير موائم للظروف الحالية.
أما شرط تحييد الحركة عن الصراع فقد أعلنت الحركة أن بوصلة صراعها نحو الأقصى ضد الاحتلال الصهيوني، وأنها ترفض الاستبداد بأشكالة كافة وأنها مع ثورات الشعوب وليست ضدها، وأما عن شكرها لإيران فلا غضاضة لدى الحركة أن تقدم الشكر لكل من وقف معها وساعدها في محنتها ضد العدو الصهيوني وقد فعلت.
فهل ستكون الحركة في عهد رئاسة إسماعيل هنية لمكتبها السياسي أكثر تقاربًا مع ايران من ذي قبل رغم الاختلافات البينية بينهما في الكثير من الأمور؟ وهل سيعود الدعم الإيراني “المالي والعسكري” للحركة كما كان في السابق أم في النفوس شيء ما؟
الخلاصة، أزعم أنه مهما بلغ من التقارب في العلاقات بين إيران وحماس ذروته فإن “المعتقد” يحول أن تستمر العلاقة بينهما والظهير الشعبي والتنظيمي داخل الحركة وخارجها غير راض عن مثل هذا التقارب، وأنها لو وجدت البديل الحقيقي كحليف لاستغنت عن “الجمل بما حمل”.