كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن عينة جديدة من تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، تتعلق برغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إنهاء الحرب في اليمن ومحاولة الخروج من هذا المأزق بعد أكثر من عامين من بدء الحرب التي قادها التحالف العربي بقيادة السعودية.
التسريبات تطرقت إلى إفصاح ابن سلمان عن نوايا الخروج من اليمن لمارتن إنديك السفير الأمريكي السابق لدى “إسرائيل”، وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وذلك في اجتماع جمعهم قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، معربًا عن عدم ممانعته وجود تنسيق أمريكي إيراني مسبق للتمهيد لهذه الخطوة.
رغبة ولي العهد السعودي في الخروج من اليمن ودعم السفير الإماراتي لتلك الرغبة حسبما كشفت الرسالة المؤرخة في 20 من أبريل الماضي بينه وبين إنديك والتي أشاد فيها بعقلانية ابن سلمان ودوره القادم في المملكة، تعكس تطابق الرؤى بين السعودية والإمارات في مستقبل الملف اليمني.
التوجه السعودي المدعوم إماراتيًا للخروج من المستنقع اليمني يتماشى بصورة كبيرة مع تحركات الرياض الأخيرة للتقارب مع إيران عن طريق بوابة بغداد حسبما كشف وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، أول أمس خلال تصريحات له من طهران، إلا أنه يضع حزمة من التساؤلات عن التورط السعودي في اليمن ابتداءً ودور الإمارات في ذلك، وهو ما يدفع بدوره للحديث عن دوافع هرولة ابن سلمان للتقارب مع إيران في هذا التوقيت.
بعد مرور ما يقرب من 28 شهرًا على بدء هذه الحرب وجدت المملكة نفسها في مأزق حقيقي نتيجة الكلفة الباهظة ماليًا وبشريًا في ظل الفشل في تحقيق انتصارات على أرض المعركة
كيف تورطت السعودية في اليمن؟
بالعودة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد 21 من نوفمبر 2013 حين كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية عن لقاء سري جمع بين القيادي الحوثي صالح الهبرة، ورئيس الاستخبارات السعودي – آنذاك – الأمير بندر بن سلطان، في الرياض، تناول بحث سبل التنسيق بشأن المعارك الجارية حينها بين السلفيين والحوثيين في جبهة حرض وفي محافظة صعدة، شمال اليمن.
الكاتب ديفيد هيرست في المقال الذي نشرته الصحيفة الإنجليزية استعرض التحول في الموقف السعودي من محاربة الحوثيين في اليمن إلى دعمهم بالمال والسلاح من أجل التصدي لحزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والذي ترى فيه السعودية خطرًا جامحًا يهدد استقرار نظامها السياسي.
التحول في الموقف السعودي جاء متناغمًا مع الموقف الإماراتي الذي يعتبر حزب الإصلاح الخطر الأبرز في إطار مخطط ضرب الإسلام السياسي في المنطقة في أعقاب الربيع العربي، وهو ما سارت الرياض على نهجه حينها رغم دعم إيران للحوثيين، وهو ما عبر عنه أحد المصادر المقربة وقتها بأن “المملكة لا ترى في الحوثيين أو الشيعة أو حتى إيران خطرًا عليها، بقدر ما تعتبر أن الخطر هو الإخوان المسلمون في مصر والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن”، وهذا ما يفسر طلب السعودية في وقت سابق من الرئيس عبد ربه منصور هادي، توجيه ضربة لحزب الإصلاح اليمني، في مقابل الحصول على ما يحتاجه اليمن من مساعدات مالية.
وفي المقابل سخرت أبو ظبي كامل طاقاتها لخدمة الحوثيين في شمال اليمن، حيث قدمت لهم دعمًا غير محدود، سواء على مستوى السلاح أو المال، وهو ما عبر عنه ياسر اليماني القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، المقرب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، في هجومه الذي اتهم فيه الإمارات بتحويل اليمن واليمنيين إلى كتلة من اللهب لا تنطفئ من الحروب والاقتتال، جراء دعم مليشيات الحوثي ماليًا وسياسيًا.
وهكذا وجدت السعودية نفسها – بدعم إماراتي – أكبر الداعمين للحوثيين المدعومين من طهران، فقط من أجل مناهضة حركة الإصلاح الإخوانية، وفي ظل الدعم السعودي الإماراتي من جانب، والإيراني من جانب آخر، استقوت شوكة الحوثيين، لينقلب السحر على الساحر، ويتحول الحوثيون إلى تهديد حقيقي لأمن المملكة واستقرارها، حين أعلنوا سيطرتهم الكاملة على صنعاء في 21 من سبتمبر 2014، فضلاً عن إحكام قبضتهم على المؤسسات الحكومية في عدد من المدن والمحافظات، وهنا وجدت الرياض نفسها مدفوعة للدخول في حرب مباشرة في اليمن.
موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، كشف النقاب عن عينة جديدة من تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، تتعلق برغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إنهاء الحرب في اليمن، ومحاولة الخروج من هذا المأزق
28 شهرًا على عاصفة الحزم
بعد الدعم السعودي للحوثيين نكاية في إخوان اليمن بدعم أبو ظبي، وما كان له من ردة فعل سلبية في تقوية شوكتهم، ها هي تجد نفسها مدفوعة للدخول في آتون حرب مباشرة معهم وجهًا لوجه، بعد أن باتوا مصدر قلق حقيقي لآل سعود، وإن كانوا هذه المرة أكثر قوة خاصة بعد تحالفهم مع قوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وذلك حين شنت الرياض أولى هجماتها الجوية في السادس والعشرين من مارس 2015 والتي أطلق عليها إعلاميًا “عاصفة الحزم” في إطار تحالف عربي مكون من كل من البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب والسودان والسنغال.
وبعد مرور ما يقرب من 28 شهرًا على بدء هذه الحرب وجدت المملكة نفسها في مأزق حقيقي نتيجة الكلفة الباهظة ماليًا وبشريًا في ظل الفشل في تحقيق انتصارات على أرض المعركة، وهو ما تجسد في تفاقم العجز في الموازنة العامة للمملكة، وبحسب تقديرات وزارة المالية السعودية بشأن أداء الميزانية العامة للدولة في الربع الأول من 2017، فقد سجلت عجزًا قدره 26 مليار ريال، حيث بلغت الإيرادات 144 مليار ريال والمصروفات 170 مليار ريال، بينما تتحدث تقارير أخرى عن توقف العديد من المشاريع وإفلاس شركات وبيع حصص في مؤسسات مالية وبنكية، وتسريح عشرات آلاف العمال، في حين تقرر الإعلان رسميًا فرض ضرائب على المواطنين، والاستدانة بوساطة فتح الاكتتاب بسندات الخزينة وهكذا من الشواهد التي تعكس الوضع المالي الحالي للمملكة، هذا غير الأرقام التي تتحدث عن قتلى وإصابات بالمئات في صفوف قوات التحالف.
كشفت تسريبات يوسف العتيبة أن الأمور تسير في اليمن كما خطط لها داخل مطبخ أبو ظبي وعلى طاولة ابن زايد
خسائر مادية وبشرية باهظة تكبدتها المملكة منذ انطلاق عاصفة الحزم
هكذا وجدت السعودية نفسها – بدعم إماراتي – أكبر الداعمين للحوثيين المدعومين من طهران، فقط من أجل مناهضة حركة الإصلاح الإخوانية
الإمارات تحقق أهدافها
وإن كانت السعودية فشلت – حتى الآن – في تحقيق مآربها من الحرب في اليمن فإن الإمارات نجحت في أن تتخذ من تلك الحرب ستارًا لتحقيق حلمها في السيطرة على المواقع الاستراتيجية جنوب اليمن، وهو ما يكشف تباين الأجندتين، الإماراتية والسعودية في اليمن.
ففي تقرير لـ “نون بوست” كشف كيف يسابق أبناء زايد الخُطى منذ بدء الحرب لفرض سيطرتهم على تلك المنطقة، من خلال بناء قواعد عسكرية هناك ضمن جهودها لتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يمثل البوابة الأساسية للسيطرة على 12% من التجارة العالمية، كذلك ما تقوم به من تحركات للسيطرة على جزيرة ميون أو بريم اليمنية.
التحركات الإماراتية في اليمن والسيطرة على موانيها الرئيسية سواء في سقطري الجنوبية وصولاً إلى ميون شمال الشريط الحدودي الجنوبي المطل على الخليج العربي جاء بالتزامن مع تحركات أخرى على الجهة المقابلة في القرن الإفريقي متمثلة في عدد من القواعد العسكرية في إريتريا وجيبوتي والصومال، وفي هذه المناطق مواني رئيسة تسيطر عليها الإمارات واحدًا تلو الآخر، وأهمها ميناء عدن الذي يعد المنافس الأول لميناء جبل علي وراشد الإماراتيين، وهو ما دفع أبو ظبي للسيطرة عليه.
وبعد عامين وأربعة أشهر من انطلاق الحرب في اليمن حقق خلالها محمد بن زايد أهدافه بصورة شبه كاملة، وربما هذا يفسر دعمه المتواصل لفصل الجنوب اليمني عن شماله مما يسمح له بفرض هيمنته على المنطقة برمتها، ومن ثم فلم تعد هناك حاجة للحرب إذا كونها تمثل إرهاقًا وعبئًا ثقيلا على كاهل أبو ظبي والرياض في آن واحد، خاصة بعد تصاعد الإدانات الحقوقية الدولية لبعض الممارسات ضد المدنيين والأطفال اليمنيين، ومن هنا كان البحث عن مخرج من هذا المأزق أمرًا حيويًا بعد تحقيق المطلوب.
ابن سلمان في فلك ابن زايد
كشفت تسريبات يوسف العتيبة أن الأمور تسير في اليمن كما خطط لها داخل مطبخ أبو ظبي وعلى طاولة ابن زايد، ففي الوقت الذي أرادت فيه الإمارات إنهاء الحرب في اليمن بعد تحقيق مرادها من الحرب التي بدأت منذ 28 شهرًا سعت إلى الترويج لذلك مستغلة الثقة الكاملة – إن ارتضينا تسميتها هكذا – التي يكنها ابن سلمان لمحمد بن زايد، وهو ما يدفعه لتطابق مواقف الرياض مع نظيراتها في أبو ظبي.
تبعية ابن سلمان لابن زايد كشفتها صحيفة “ذي إنترسبت” الأمريكية في العينة الأولى من الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن، والتي كشفت عن الدعم التي توليه الإمارات لمحمد بن سلمان من أجل تصعيده وتلميعه أمريكيًا وذلك من خلال شراء بعض الأصوات الإعلامية في أمريكا للحديث عن صعود الأمير الصغير.
بصرف النظر عن قدرة العراق على القيام بدور الوساطة بين الرياض وطهران، إلا أن هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا يهرول محمد بن سلمان إلى مصالحة مع إيران في هذا التوقيت؟
دعم أبو ظبي لنجل سلمان جاء لهدفين، الأول: امتصاص الغضب السعودي جراء التصريحات التي نشرها موقع ويكليكس عام 2008 أبدى فيها محمد بن زايد “احتقارًا للسعوديين”، مؤكدًا أنهم “ليسوا أصدقاءه” وأن هناك تاريخًا من “الصراع والدماء بينهم”، فضلاً عن وصفه لوزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بـ”القرد”، الثاني: استمالة أحد أفراد الأسرة المالكة من صغيري السن وتأييده من أجل دعم التوجهات الإماراتية مستقبلاً مما يحقق حلم أبناء زايد في احتلال مكانة المملكة إقليميًا بعد تراجع نفوذها ودورها.
ومن ثم لم يجدوا أفضل من محمد بن سلمان، ولعل هذا ما يفسر دور الإمارات في الإطاحة بمحمد بن نايف ولي العهد الأسبق، وتصعيد نجل سلمان بدلاً منه، وهو ما يقدره ولي العهد الجديد جيدًا للإماراتيين.
وهكذا تحول محمد بن سلمان إلى أكبر الداعمين لوجهة النظر الإماراتية في العديد من الملفات إلى الحد الذي دفع البعض إلى وصفه بأنه “صنيعة إماراتية”، ففي الملف السوري مثلاً يلاحظ التحول الواضح في الموقف السعودي الداعم لفصائل المعارضة وكيف أنه انصاع أخيرًا للرؤية الإماراتية، كذلك الموقف من جماعة الإخوان المسلمين ومن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
خضوع ابن سلمان لرغبات ابن زايد لم تتوقف عند حد الملفات الخارجية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى عقر المجتمع السعودي ذاته، حيث عزف ولي العهد السعودي على العديد من الأوتار الإماراتية الرامية إلى علمنة المجتمع حسبما أشار العتيبة في تسريباته الأخيرة التي أقر فيها أن الأزمة الخليجية القطرية باعثها الأول كان رفض الدوحة الانصياع للرغبة الإماراتية في تحويل حكومات المنطقة إلى حكومات وأنظمة علمانية.
وكانت أبرز المحاور التي اعتمد عليها محمد بن سلمان في هذا الشأن تقليل نفوذ الجماعة الدينية من خلال سحب البساط من تحت أقدامهم رويدًا رويدًا وممارسة الضغوط والقيود عليهم في الداخل والخارج وصلت إلى حد منعهم من الحديث في أي مسائل تسيء للمملكة أو تنتقد أي من توجهاتها وسياساتها الأخيرة، فضلاً عن تدشين بعض المشروعات السياحية التي تسمح بالعري والاختلاط تماشيًا مع مخطط العلمنة واللبرلة التي ترعاه أبو ظبي في المنطقة.
ومن هنا.. تلاقت الإرادة الإماراتية مع نظيراتها السعودية في العديد من الملفات لعل آخرها مسألة الخروج من المستنقع اليمني، مما دفع الرياض إلى البحث عن مخرج حقيقي يحفظ لها ماء وجهها ومن ثم كان الحديث عن وساطة عراقية أو أمريكية بين الرياض وطهران.
ردًا على زيادة النفوذ التركي في المنطقة ما كان أمام الرياض سوى دعم إقامة دولة كردية في شمال العراق، كعقاب لأنقرة على تدخلها في الأزمة القطرية، علمًا بأن السعودية لا يمكنها أن تتم هذا الأمر إلا بإحداث توافق وتنسيق مع إيران
التقارب مع إيران
في تقرير نشره “نون بوست” تناول المستجدات الإقليمية الراهنة التي دفعت السعودية إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة، وعلى رأسها مسألة التقارب مع طهران في محاولة للخروج من بعض المآزق التي تواجهها في الآونة الأخيرة خاصة بعد انسداد أفقها في اليمن وتراجع دورها في الملف السوري هذا غير ما تواجهه من اضطرابات أمنية في جانبها الشرقي، يضاف إلى ذلك التوتر السياسي جراء تصعيد محمد بن سلمان خلفًا لوالده، مما جعل الوقت في غير صالح آل سعود، ومن ثم كان لا بد من إعادة النظر في العلاقات مع العراق كبوابة نحو تخفيف التوتر مع إيران.
التقرير تحدث عن التقارب الأخير بين الرياض وبغداد في محاولة لتوسيط الأخيرة لتدشين مرحلة جديدة في العلاقات مع طهران، حسبما جاء على لسان وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، خلال وجوده في إيران أول أمس الأحد.
المرحلة السعودية الجديدة نحو العراق تأتي في أعقاب تحرير الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وكان لحلفاء طهران في العراق النصيب الأعظم من هذا الانتصار، ومن هنا وجدت الرياض نفسها مضطرة للتعاطي مع التحولات الجديدة التي تشير إلى تعاظم قوة الحشد الشعبي عراقيًا، هذا علاوة على القلق السعودي من خطر انتقال عناصر “داعش” إليها من خلال الحدود المفتوحة بين البلدين مما زاد من دوافع الرياض نحو التحرك صوب بغداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وبصرف النظر عن قدرة العراق على القيام بدور الوساطة بين الرياض وطهران، إلا أن هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا يهرول محمد بن سلمان إلى مصالحة مع إيران في هذا التوقيت؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من التعريج سريعًا على بعض النقاط المهمة:
النقطة الأولى: الخروج من المستنقع اليمني، وقد تم الإشارة إليها تفصيلاً في نقاط سابقة، خاصة بعد الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة في ظل تزايد فاتورة الحرب المستعرة طيلة العامين الماضيين.
النقطة الثانية: تهدئة الأجواء في المنطقة الشرقية، حيث تمثل تلك المنطقة صداعًا في رأس النظام السعودي، في ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تشهدها من قبل الشيعة في العوامية على وجه الخصوص، ومن ثم تخشى الرياض أي دعم إيراني لهم ما يهدد بنشوب ثورة مسلحة في هذه المنطقة.
تعد الإمارات شريكًا أساسيًا لإيران على المستويين، السياسي والاقتصادي، وهو ما يتجسد في حزمة الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين في مختلف مجالات التعاون
النقطة الثالثة: تصاعد النفوذ التركي، تخشى السعودية من تعاظم دور أنقرة في المنطقة وذلك بعد زيادة رقعة نفوذه في معظم الملفات المتصارع عليها إقليميًا، إذ إنها باتت لاعبًا أساسيًا في رسم خارطة المنطقة في مقابل انحسار الدور السعودي.
وصلت إليه الأزمة القطرية من مستجدات إثر دخولها مرحلة التبريد، فبعد نجاح الدوحة في استحداث طريق بري تجاري يبدأ من تركيا مرورًا بإيران لنقل البضائع إليها فهي بذلك قضت وبصورة كاملة على معامل الضغط السعودي الذي كان يعتمد على الحصار المفروض لإخضاع الدوحة لإملاءاتها، مما يعني تهديدًا للنفوذ السعودي إقليميًا حال إيجاد بديل قطري (تركي – إيراني) للاعتماد على الخليج.
وردًا على زيادة النفوذ التركي في المنطقة ما كان أمام الرياض سوى دعم إقامة دولة كردية في شمال العراق، كعقاب لأنقرة على تدخلها في الأزمة القطرية، علمًا بأن السعودية لا يمكنها أن تتم هذا الأمر إلا بإحداث توافق وتنسيق مع إيران أو على الأقل تحييد موقفهم خاصة أن الإيرانيين لديهم موقف سلبي من إعلان دولة كردية في العراق كونه مشروع خطر وإعلان حرب.
النقطة الرابعة: التفرغ لرؤية “2030”، من العراقيل التي تحول دون تنفيذ ابن سلمان رؤيته الخاصة بتنمية موارد المملكة وتنميتها، تحفظ التيار الديني الوهابي على بعض الاستراتيجيات التي تتضمنها هذه الرؤية، وهو ما يزيد من تعقيد الأمور، ومن ثم يسعى ولي العهد للتخلص من هذا الصداع الذي يسمح له فيما بعد بتخفيف حدة التوتر ضد الشيعة والذي كان يغذيه التيار الوهابي بصورة كبيرة ومن ثم يتفرغ لتنفيذ مشاريعه الداخلية.
لقاء على الهامش بين وزيري خارجية إيران والسعودية في إسطنبول مؤخرًا
هل يصبح النموذج الإماراتي الحل؟
يذهب البعض إلى أن هرولة الرياض نحو التقارب مع طهران ربما تكون محفوفة بالمخاطر التي تهدد نظام حكم آل سعود، إذ إن العداء مع إيران أحد أبرز المرتكزات التي تقوم عليها الدولة السعودية في ظل تناقض الرؤى والتوجهات العقدية والسياسية والفكرية بين الطرفين، وهو ما يدفع للتساؤل عن احتمالية أن يواصل محمد بن سلمان سيره في ركاب أبناء زايد ليعتمد على النظام الإماراتي في هذه المسألة؟
رغم ما يظهر في العلن بشأن الخلاف بين أبو ظبي وطهران كون الأخيرة ما زالت تحتل ثلاث جزر إماراتية وترفض تسليمهم وهم (طنب الكبرى – طنب الصغرى – أبو موسى) ومع ذلك لم ترغب الإمارات يومًا في تصعيد مسألة النزاع عن الجزر إلى محكمة العدل الدولية، إلا أن ما يدار في الغرف المغلقة شيء آخر.
تخشى السعودية من تعاظم دور أنقرة في المنطقة وذلك بعد زيادة رقعة نفوذها في معظم الملفات المتصارع عليها إقليميًا
تعد الإمارات شريكًا أساسيًا لإيران على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو ما يتجسد في حزمة الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين في مختلف مجالات التعاون، لعل آخرها ما تم توقيعه في مطلع 2015، حيث وقعت أبو ظبي وطهران مذكرة تفاهم مشتركة، تتضمن 17 بندًا عن تسهيل تأشيرات الدخول والإقامة بين البلدين، بالإضافة إلى مواصلة التعاون القضائي في مجال مكافحة المخدرات، هذا بالإضافة إلى تبادل الزيارات بين الجانبين.
ومن ثم فهناك من يتوقع أن تحذو الرياض حذو أبو ظبي في العلاقات مع طهران، حيث تتسع رقعة التعاون في مجالات عدة بين العاصمتين في إطار من التنسيق المشترك حيال بعض الملفات والقضايا الإقليمية بينما يواصل الإعلام هنا وهناك العزف على وتر العداء التقليدي.
وهكذا تكشف تسريبات العتيبة يومُا بعد يوم النقاب عن بعض ملامح الصورة الخاصة بتطابق رؤى محمد بن سلمان وتحركاته مع ما يريده ابن زايد في أبو ظبي، وهو ما ساهم بشكل كبير في سحب العديد من صلاحيات المملكة حيال بعض الملفات لأجل الإمارات، وإن كان هذا يهدد مستقبل نفوذ السعودية إقليميًا إلا أن ولي العهد الشاب ما زال يحمل الجميل لصديقه الذي ساهم بشكل كبير في تصعيده إلى المكانة التي بها الآن.