لقد بات من المألوف لدى المتابعين لمسار العلاقات التركية الإيرانية أن يلحظوا عدم الاستقرار الذي يشوب هذه العلاقات باستمرار، إذ ما تلبث هذه العلاقات أن تتدهور، حتى تعود بعد فترة وجيزة إلى التحسن، وفيما شاب علاقات الطرفين نوع من التدهور، عقب مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإيران، في منتصف كانون الأول/ديسمبر المنصرم، متهمًا إياها بالدولة التي تدعم الإرهاب، عاد الطرفان إلى طي هذه الصفحة، وفتح صفحة لتنسيق المواقف.
انعكس ذلك في زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، إلى أنقرة لأول مرة منذ 37 عامًا، وهنا يصبح السؤال المطروح: ما مسار العلاقات التركية الإيرانية، ولماذا عادت المياه إلى مجاريها في العلاقات بعد تدهور ملحوظ؟
تاريخيًا، بدأت العلاقات بين الأتراك والإيرانيين (الفرس)، تتشكل بعلاقات سياسية ووشائج اجتماعية، عقب ظهور الدين الإسلامي وانتشاره في المناطق التي يعيشون بها، حكم الأتراك والفرس دولة “غزنة” المسلمة، في نهاية القرن العاشر بشكل مشترك، واستمروا على ذلك إلى أن هُزمت دولتهم عام 1040 على يد السلاجقة التركية.
بعد ذلك التاريخ، بدأ الأتراك بإدارة المناطق الفارسية وأخذوا بالانتشار في تلك المناطق، الأمر الذي أحدث ترابطًا جغرافيًا وثقافيًا واجتماعيًا وطيدًا بين الطرفين، ويعتبر احتواء اللغة التركية التي يبلغ عدد كلماتها 111 ألف و27 كلمة، لـ1359 كلمة فارسية، دليلًا قاطعًا على الترابط الثقافي الذي ظهر على السطح بين الطرفين منذ القدم.
استمرت السيطرة التركية على بعض المناطق الفارسية حتى القرن الثالث عشر، حيث الاستيلاء المغولي الذي دمر كثيرًا من ركائز الحضارة الإسلامية.
تواصل التلاحم الثقافي والاجتماعي بين الأتراك والفرس، بعيدًا عن السيطرة السياسية الكاملة لكلٍ منهما على الآخر، ومع تحالف الشاه إسماعيل مع أنصار الصفويين ـ تنسب الصفوية إلى صفي الدين الأرديبلي الذي نشر المذهب الشيعي الإثنا عشري بين الإيرانيين ـ استطاع عام 1502 القضاء على الدولة التركية الحاكمة للمناطق الفارسية، والتي كانت تُعرف باسم دولة “آق قويونلو”.
بتولي الشاه إسماعيل للحكم في عدة مدن فارسية، ومحاولة فرضه المذهب الشيعي بقوة السيف على المواطنين ذوي الأغلبية السنية، استعر لهيب التوتر بينه وبين الدولة العثمانية، لا سيما في ظل حقبة سليم الأول الذي وجد في الدولة الصفوية خطرًا ماحقًا على وجود دولته، وانطلق في منتصف آذار/مارس 1514 صوب تبريز عاصمة الدولة الصفوية، تمكن الجيش العثماني من الوصول إلى تبريز منتصف آب/أغسطس، وفي الرابع والعشرين من الشهر المذكور، التقى الطرفان في صحراء جلدران أو “تشلدران” التي نُسب إليها اسم المعركة التي انتهت بسحق الجيش العثماني لجيش الشاه إسماعيل.
وتذكر الوثائق التاريخية هروب الشاه إسماعيل من أرض المعركة، واستيلاء الجيش العثماني على عاصمة دولته “تبريز”، لكن لم تسقط الدولة الصفوية بالكامل، ومن هنا ابتدأ الصراع المذهبي بين الطرفين.
عقب تمدد الخطر النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا، اتجهت تركيا بالتشاور مع إيران والعراق، من أجل توقيع اتفاق “عدم اعتداء وتعاون مشترك وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية”
لقد تواصلت الصراعات السياسية والمذهبية بين الدولتين حتى عام 1639، حيث تم توقيع اتفاقية “قصر شيرين” التي رسمت حدود البلدين والتي ما زالت تعتبر الاتفاقية الوحيدة التي لم ترسمها الدول المستعمرة.
بتمكن رضا خان بهلوي من هزيمة الدولة القاجارية، وفرض سيطرته على كامل الأراضي الإيرانية عام 1925، أصبحت هناك دولة إيرانية قومية تؤمن بالحداثة بعيدًا عن التوجه الديني، وبموازاة ذلك بنى مصطفى كمال أتاتورك دولة علمانية حديثة في تركيا، مما نتج عنه بناء علاقات متجردة من التوجه الديني، وفقًا لمصطلح العلاقات المشتركة الراعية للمصالح القومية، وقد تم في 22 من نيسان/أبريل 1926، توقيع اتفاقية “صداقة وأمان” بين الطرفين، في سبيل تعزيز التعاون الدبلوماسي والعسكري ضد التمرد الكردي الذي كان نشطًا على حدودهما.
أفضى التعاون الدبلوماسي والعسكري النشط بين الطرفين إلى دفع رضا بهلوي لزيارة تركيا عام 1934، وعقب تمدد الخطر النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا، اتجهت تركيا بالتشاور مع إيران والعراق، من أجل توقيع اتفاق “عدم اعتداء وتعاون مشترك وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية”، وفي 2 من تشرين الأول/أكتوبر 1935، تم توقيع الاتفاق في جنيف، ومن ثم انضمت أفغانستان إلى الاتفاق، وفي 8 من تموز/يوليو 1937، تم توثيق الاتفاق تحت اسم “اتفاق ساداباد”.
تراجع مستوى التعاون الوثيق بين الطرفين، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أدت لانقسام الساحة الدولية إلى قطبين باتا يهددان مصالح الدول الإقليمية أو الفرعية الأخرى، فعملت تركيا على حفظ سيادتها ضد تهديدات الاتحاد السوفييتي عبر الانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي جعلها غير محتاجة لتحقيق تعاون أمني إقليمي مع دول الجوار، وعلى رأسها إيران.
وفي عام 1949 عرض الشاه الإيراني إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا خشية تنامي التهديد السوفييتي ضد إيران، ونتيجة لعدم وجود الولايات المتحدة في الاتفاق، رفضت تركيا ذلك كمؤشر واضح على ضعف التنسيق بين البلدين.
استمر التعاون المشترك المبني على رعاية المصالح القومية بمعزلٍ عن أي توجه عقائدي أو أيديولوجي بين الطرفين حتى عام 1979، حيث اندلعت “الثورة الإسلامية” التي أفضت إلى تأسيس “الجمهورية الإيرانية الإسلامية”
بعد انضمام بريطانيا لفكرة عقد اتفاقية مشابهة “لاتفاق الساداباد”، قبلت تركيا بالمشاركة فيه، وعُرف الاتفاق في حينه باسم “اتفاق بغداد” الذي شمل بريطانيا وتركيا وإيران والعراق وباكستان، ولكن لم تعطِ تركيا الاتفاق الكثير من الاهتمام العسكري، كونها محمية بظل الناتو.
بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في العراق عام 1958، انضم الطرفان إلى جانب باكستان والولايات المتحدة إلى ما عُرف باسم “منظمة المعاهدة المركزية “سانتو”، ولتطوير التعاون الاقتصادي والثقافي في ضوء هذه المنظمة، اتجهت تركيا وإيران مع باكستان لتأسيس منظمة “التعاون الإقليمي من أجل التنمية “أر سي دي” عام 1964.
على الرغم من الدعم الإيراني لأكراد العراق في فترة حكم الشاه وتقرب تركيا من العراق بعد الانقلاب، استمر التعاون المشترك المبني على رعاية المصالح القومية بمعزلٍ عن أي توجه عقائدي أو أيديولوجي بين الطرفين حتى عام 1979، حيث اندلعت “الثورة الإسلامية” التي أفضت إلى تأسيس “الجمهورية الإيرانية الإسلامية”.
على الرغم من التوجه العقائدي الدوغمائي “للجمهورية الإيرانية الإسلامية”، فإن تركيا واصلت التعاون بتوجه براغماتي، تحالف ضروريات بحت نتج عنه الاعتراف بالجمهورية الإيرانية الإسلامية في 13 من شباط/فبراير 1979، وإرسال رئيس وزراء تركيا آنذاك بولنت أجاويد، رسالةً إلى طهران، يؤكد فيها استعداد بلاده تقديم جميع أنواع المساعدات، وإعادة تفعيل “أر سي دي” بصيغة محدثة، تحت اسم “منظمة التعاون الاقتصادي” “أي سي أو” في 29 من كانون الثاني/يناير 1985.
وفي ضوء ذلك، لا يمكن إغفال الحاجة التركية للإبقاء على علاقات جيدة مع الدول المحيطة، لتخطي معدلات التدهور الاقتصادي الحاد الذي كانت تعاني منه، فضلًا عن انطلاق “ثورة كردية” عام 1984 ضد تركيا، مما جعلها بحاجة إلى التعاون مع إيران التي تحوي أقلية كردية، وتشارك تركيا ذات القلق من مغبة انطلاق “ثورة كردية” مماثلة داخل حدودها القومية.
وبانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، سعت أنقرة، مسرعةً ومتحمسةً، لتأسيس علاقات متينة مع دول وسط آسيا الناطقة بالتركية والقريبة من بحر قزوين، حيث امتداد النفوذ الجيوسياسي لإيران.
ومن هنا أضاف الطرفان إلى تنافسهما العقائدي الأيديولوجي القائم على أن إيران دولة دينية وتركيا دولة علمانية، تنافسًا يستند إلى عنصر رعاية المصالح القومية ومناطق التأثير الجيوسياسي على صعيد إقليمي، أي خارج الحدود الإقليمية.
وتعتبر حقبة التسعينيات بداية هذا التنافس المحتدم بين الطرفين، ومن هنا أيضًا، انطلقت بذرة الاستقطاب الدولي الإقليمي بين الطرفين، حيث جنحت تركيا إلى الولايات المتحدة التي تصفها إيران “بالشيطان الأكبر”، ومالت إيران إلى روسيا والصين اللتين تصفهما تركيا بـ”المنافسين التاريخيين”، للحفاظ على نفوذهما في الإقليم.
باتباع الولايات المتحدة سياسة “الحرب الوقائية” عقب أحداث 11 من أيلول/سبتمبر 2001، وتقديم روسيا بعض الدعم الجزئي لها، باتت إيران منعزلة على الصعيد الدولي، وهو ما أدى بأنقرة إلى اتباع سياسة حذرة ومتزنة معها
وفي ضوء مسعاها للتأثير سلبًا في تحركها الخارجي، اختارت إيران سبيل دعم حزب العمال الكردستاني المحارب لتركيا، ورفعت من مستوى تعاونها مع الصين، موقعةً معها اتفاقية التعاون العسكري والاقتصادي عام 1995.
وردًا على ذلك، اختارت تركيا طريق التحالف العسكري الوثيق مع “إسرائيل”، لسد حاجتها من النقص العسكري، فوقعت معها عدة اتفاقيات تعاون عسكري عام 1994، فضلًا عن اتفاقيات التعاون الاقتصادي، الأمر الذي زاد طين التنافس والتنافر بينهما بلة، ولكن، على الرغم من ذلك، حاولت تركيا، لا سيما وزير خارجيتها حينذاك إسماعيل جم، تخفيف حدة التنافس عبر رفع مستوى التشاور الدبلوماسي، غير أن تركيا صُدمت إبان قمة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في طهران عام 1997، باستنكار الدول الأعضاء تعاونها الوثيق مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، وبالأخص في تسييرها عمليات عسكرية داخل إقليم شمال العراق، الأمر الذي قُيم على أنه “احتلال” أو “خطوات عدائية”.
أيضًا، اتهمت تركيا، في تلك الحقبة، إيران بدعمها لحزب الله الكردي الإسلامي، وفيما شاب العلاقات المشتركة بين الطرفين، التوتر الشديد خلال حقبة التسعينيات، تنفست الصعداء بداية حقبة الألفية الجديدة، حيث حل وزير الخارجية الإيراني، في حينها، كما حارازي، ضيفًا على تركيا، في كانون الثاني/يناير، مؤكدًا أن “القلوب تبقى متحدة، رغم اختلاف أشكال الحكم”، محدثًا بذلك انفراجة جيدة أدت إلى رفع مستوى التعاون الدبلوماسي والاقتصادي بين الطرفين.
باتباع الولايات المتحدة سياسة “الحرب الوقائية” عقب أحداث 11 من أيلول/سبتمبر 2001، وتقديم روسيا بعض الدعم الجزئي لها، باتت إيران منعزلة على الصعيد الدولي، وهو ما أدى بأنقرة إلى اتباع سياسة حذرة ومتزنة معها.
وبانتهاء لهيب حرب العراق، اتجهت أنقرة نحو تحسين العلاقات مع طهران بشكل أفضل، عاكسةً ذلك بزيارة رئيس وزرائها حينذاك رجب طيب أردوغان، لها عام 2004، في إطار اجتماع اللجنة الاقتصادية، وكان من أبرز نتائج تلك الزيارة، ارتفاع حجم التعاون التجاري بين البلدين بمعدل 91%، ليصل إلى 2.4 مليار دولار.
وعلى الرغم من ارتفاع حدة الهجوم العالمي على إيران مطلع 2005، نتيجة انتشار أقاويل تفيد بامتلاكها سلاحًا نوويًا، فإن تركيا اقترحت على رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية “السي أي إيه” بورتار غوس، الذي زارها في ذلك العام، التوجه إلى طرق الحل الدبلوماسي، للحفاظ على أمن واستقرار الإقليم، وقد لاقت التصريحات التركية ردًا إيجابيًا من الحكومة الإيرانية التي عكست ذلك في 15 من آب/أغسطس 2008، حيث زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، أنقرة، مؤكدًا قبول بلاده لدور “الوسيط الدبلوماسي” الذي ترغب أنقرة بانتهاجه، ولكن لم يخض في الكثير من التفاصيل عن نوعية الدور المذكور.
حاولت تركيا، في أيار/مايو2010، بالتعاون مع البرازيل، إحراز اتفاق يقضي بتسليم إيران بعض من جرعات اليورانيوم المستخدمة في مفاعلها لأنقرة، حتى تسلمه الأخيرة إلى الدول الغربية، للقيام بفحصه، غير أن الدول الغربية لم تقبل بالاتفاق.
تأتي المشاورات الإيرانية ـ التركية الأخيرة في ضوء خدمة “المصالح المُطلقة” المشتركة بينهم، والتي تعني تجميد الخلافات القائمة، والنظر في إمكانية خدمة المصالح المشتركة براغماتيًا، بعيدًا عن تفسير “المصالح النسبية”
“مهما حاولت تركيا، لن تفلح في الحفاظ على علاقات متينة”، ربما تكون هذه أفضل جملة يمكن من خلالها وصف العلاقات التركية الإيرانية، فما إن تلبث الدولتان بناء جسر التوافق، حتى تسقطا في نفق التوتر، ولعل اختلافهما المنهجي في رسم السياسة الخارجية، ووجود كل منهما في قطب دولي منافس للآخر بشأن السيطرة على الإقليم، وغيرهما من العوامل هي التي تجعل علاقاتهما تسير في مسار متقلب.
وعلى الرغم من هذه العوامل، فإن تركيا تتبع، منذ عام 1979، سياسة “فصل السياسات” مع إيران، متجهةً نحو تقوّية التعاون الاقتصادي بمعزلٍ عن التنافس السياسي، وتقابلها إيران بسياسة تعاون براغماتية حذرة متخوفة من الانجرار إلى تحقيق مصالح تركيا بسبب هذا التعاون.
ويُستدل على فصل الطرفين لسياساتهما في التعاون فيما بينهما، من خلال حجم التبادل التجاري بين الطرفين، حيث وصلت إلى 21 مليار دولار عام 2012، ربما تأثرت التجارة المتبادلة بين الطرفين نتيجة التنازع السياسي، غير أنها حافظت على تماسكها، مختتمةً عام 2016 بـ9 مليار دولار.
ناهيك عن استيراد تركيا ما نسبته 22.4% من حجم استيرادها للنفط، والذي يبلغ حجمه الكلي 21 مليون طن سنويًا، فضلًا عن استيرادها 16.2% من الغاز الطبيعي الإيراني، لتغطية حاجتها التي تبلغ 40.4 مليار متر مكعب سنويًا.
هكذا إذًا هي العلاقات التركية الإيرانية، متذبذبة، لكن تحتكم لسياسة “تحالف الضروريات”، “التحالف البراغماتي”، من دون أي تأخر إن احتاج الأمر، فعلى الرغم من مهاجمة أنقرة، على لسان رئيسها أردوغان، إيران بلهجة لاذعة، متهمًا إياها بنشر سياسة مذهبية في المنطقة، في نهاية كانون الأول/ديسمبر المنصرم، (وذلك بعد أن تولى دونالد ترامب مقاليد الحكم حديثًا في الولايات المتحدة، وشن هجومًا حادًا على إيران) حيث اندفعت أنقرة نحو مواكبة هذا الهجوم، ظنًا منها أنها قد تستطيع إقناع ترامب تأسيس “مناطق آمنة” في سوريا، بتمويل خليجي، يكفل لها مصالحها القومية، غير أن ذلك لم يحدث.
ولم تمضِ سوى بضعة شهور حتى عاد الطرفان للتنسيق المشترك على أعلى المستويات، وكان آخر هذه التنسيقات زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، الذي جاء بدعوة رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، لعقد اجتماع عالي المستوى، لمدة 3 أيام، من أجل مناقشة قضية توجه إقليم شمال العراق نحو الانفصال، وتلويح الولايات المتحدة بضرورة محاربة “هيئة تحرير الشام” القاعدية المسيطرة على إدلب.
هذان العاملان دفعا الطرفين لمناقشة إمكانيات التعاون في سبيل صد “الحزام الكردي” الذي تعمل وحدات الحماية الكردية على إنشائه.
بات الطرفان بحاجة ماسة لتنسيق مواقفهما، وقد أثبتت الدولتان أنهما براغماتيتان إلى حدٍ يجعلهما تتجاوزا أي مبدأ من أجل النظر في مصالحهما المشتركة
وتأتي المشاورات الإيرانية ـ التركية الأخيرة في ضوء خدمة “المصالح المُطلقة” المشتركة بينهم، والتي تعني تجميد الخلافات القائمة والنظر في إمكانية خدمة المصالح المشتركة براغماتيًا، بعيدًا عن تفسير “المصالح النسبية” التي تعني النظر في كم المصالح التي يحققها الخصم، والعمل على تحقيق مثلها بمعزل عن النظر في مسار المصالح المشتركة.
ويمكن تفسير هذا التحرك التركي ـ الإيراني الإقليمي بأنه محاولة مشتركة في إطار سياسة “توزيع أو تبادل الأدوار” للضغط على روسيا التي ترمي إلى الاستفراد بالسيطرة العُظمى، وعلى الولايات المتحدة التي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها في سوريا على حساب مصلحة البلدين.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال التقارب الذي حدث بين الطرفين، جراء الأزمة الخليجية التي دفعتهما للنظر في تقدير توازنات قوى جديدة تخدم مصالحهما الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، لا سيما في العراق، حيث تشير بعض التوقعات إلى إمكانية تخلي إيران عن توفير غطاء عسكري لوجستي لحزب العمال الكردستاني الرابض في بعض مناطق إقليم شمال العراق، لا سيما في إقليم سنجار، مقابل إظهار تركيا بعض المرونة حيال حل الأزمة السورية، والدور الإيراني فيها.
وفيما يتعلق بإقليم سنجار على وجه التحديد، يذكر أن إيران أيضًا تعارض سيطرة حزب العمال الكردستاني على منطقة سنجار، الأمر الذي يوحي بوجود احتمال كبير لتنسيق الطرفين عملية عسكرية في تلك المنطقة.
إن تنسيق بين البلدين لا يعني تجاهل الدور الروسي، بل يعني أنهما يتجهان نحو إحراز مذكرة تفاهم مشتركة يتم الاعتماد عليها لإقناع روسيا، ربما، بضرورة إجراء أستانة 6 بتوقيت مبكر، وطرح الخيارات الدبلوماسية التي تكفل لدول أستانة تخليص إدلب من سيطرة “هيئة تحرير الشام”، كدعم الحركات المعتدلة ودعم الإدارات المدنية، ولكن من دون عملية عسكرية دولية قد تشمل الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
ختامًا، بات الطرفان بحاجة ماسة لتنسيق مواقفهما، وقد أثبتت الدولتان أنهما براغماتيتان إلى حدٍ يجعلهما تتجاوزا أي مبدأ من أجل النظر في مصالحهما المشتركة.