قبل استقلال الجزائر بسنتين، أبت فرنسا إلا أن تخلّد اسمها هناك سلبًا لا إيجابًا، من خلال تجارب نووية في الصحراء الجزائرية، بقيت آثارها حاضرة إلى الآن في مخيلة الجزائريين وفي الأضرار التي خلفتها في البشر والأرض والحيوان على حدّ سواء.
جرائم ضد الإنسانية
رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث (هيئة حكومية) مصطفى خياطي، أكد خلال ندوة تاريخية نظمها المتحف الوطني للمجاهد بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية المصادف لـ29 من أغسطس من كل سنة، أنّ الآثار المدمرة للتجارب والتفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا بالجزائر ستبقى لعقود من الزمن. وأوضح المسؤول الجزائري، أن استخدام فرنسا لمواد كيمائية على غرار البلوتونيوم في تنفيذ تجاربها النووية أدى إلى ظهور عدة أمراض سرطانية وجلدية وتنفسية لسكان المناطق التي شهدت هذه التفجيرات التي وصفها السيد خياطي بالوحشية وصنفها في خانة الجرائم ضد الإنسانية.
استعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 وحتى سنة 1962 عندما نالت استقلالها، بعد حرب تحرير استمرت ثماني سنوات
ورغم مرور أكثر من خمسة عقود على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، فإن الصحراء الجزائرية ما زالت تحتضن بين رمالها عقارب نووية تتربّص بسكان الجنوب الذين ارتفعت بينهم الإصابة بمرض السرطان، الذي أرجعه الأطباء إلى التسريبات النووية التي تنبعث من منطقة “الأصفار”، التي كانت محل نقاط التفجير المركزية. واستعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 وحتى سنة 1962 عندما نالت استقلالها، بعد حرب تحرير استمرت ثماني سنوات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
“رقان” أول المستهدفين
صباح يوم الـ13 من فبراير سنة 1960، استيقظ سكان منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري نحو الساعة السابعة وأربع دقائق على وقع انفجار ضخم ومريع جعل من سكان الجزائر حقلاً للتجارب النووية وحول آلاف المواطنين من منطقة رقان ومجاهدين، حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للخبراء الإسرائيليين ولجنرالات فرنسا، حيث فجّرت فرنسا القنبلة الأولى تحت اسم “اليربوع الأزرق”، تيمنًا باللون الذي تستخدمه “إسرائيل” لعلمها ولنجمة داوود وكذلك أول لون من العلم الفرنسي، بطاقة تفجيرية ضخمة.
وكان جنرال فرنسي عرفته صحف جزائرية باسم “لافو” قد صرح أن اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في يونيو 1957 وبدأ التجهيز لها سنة 1958 وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي كلهم كانوا يعملون بشكل جنوني لإنجاح إجراء التجربة النووية في الوقت المحدد، وقد بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية مليار و260 مليون فرنك فرنسي، حصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا و”إسرائيل” في المجال النووي.
منطقة أقيمت فيها تجربة نووية
هذا التفجير الذي سجل بالصوت والصورة جاء بعد الكلمة التي ألقاها شارل ديغول في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة)، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة. وإلى اليوم ما زال سكان منطقة رقان يعانون، بحسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، من ارتفاع عدد الوفيات بسبب السرطان، وظهور حالات العمى خاصة لدى الذين أخذهم الفضول لمشاهدة التجارب الفرنسية آنذاك، والوفيات المتكررة للأطفال عند الولادة وبعضهم لديه تشوهات خلقية، ناهيك عن ظهور حالات العقم”.
17 تجربة نووية
إضافة إلى التجربة التي كانت في مدينة رقان والتي استخدمت فيها قنبلة “اليربوع الأزرق” التي كانت أول قنبلة نووية سطحية بقوة تجاوزت قنبلة هيروشيما باليابان عام 1945 بثلاثة أضعاف على الأقل، كانت الجزائر مسرحًا للعديد من التجارب النووية الأخرى.
بلغت التجارب النووية الباطنية 13 تجربة و4 تجارب سطحية
بين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية تسببت في مقتل 42 ألف جزائري وإصابة آلاف الآخرين بإشعاعات نووية، علاوة على الأضرار الكبيرة التي مست البيئة والسكان والحياة ككل، وما زالت آثارها إلى الآن شاهدة على هولها وفظاعتها.
وبلغت التجارب النووية الباطنية 13 تجربة و4 تجارب سطحية، إضافة إلى 5 تجارب باستعمال مادة البلوتونيوم و35 تجربة إضافية باستعمال مواد كيميائية أخرى، وتعد الجزائر إحدى ضحايا التجارب النووية القاتلة التي نفذتها فرنسا على أرضها على مدار سنين وخلفت مآسي كبيرة إلى يومنا هذا منها تشوهات خلقية عجز الأطباء عن علاجها.
جرائم أخرى
إضافة إلى التجارب النووية، اقترفت فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر، العديد من المجازر والجرائم بحق آلاف الجزائريين التي ما زالت محفورة في الذاكرة الجماعية الوطنية، وعمدت إلى استخدام كل الإجراءات الممكنة والمتوفرة لديها، لقمع الجزائريين دون تمييز المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ، ففي الثامن من مايو 1945 في مدينة سطيف – مهد حرب التحرير (1954-1962) – سقط آلاف القتلى الجزائريين (45 ألفًا بحسب إحصاءات الذاكرة الوطنية الجزائرية) برصاص الشرطة والجيش ومليشيات المستوطنين، بسبب رفع الجزائريين لعلم بلادهم، في احتفالات نصر الحلفاء على ألمانيا النازية.
خلال الاستعمار تعرض سكان الجزائر للإهانة والضرب والتعذيب والقتل
ويتذكر الجزائريون يوم 17 من أكتوبر 1961 أحد أهم وأسوأ الأحداث في تاريخ ثورة بلادهم، يوم ارتكبت فرنسا مجزرة ضد متظاهرين جزائريين خرجوا في احتجاجات سلمية على حظر التجول الذي فرض عليهم في باريس عام 1961، وللمطالبة باستقلال بلادهم، التي كانت قد اجتازت قرابة سبع سنوات من الكفاح المسلح حينه، ويذكر مؤرخون وكتاب شهدوا الأحداث أن الشرطة اعتقلت نحو 12 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة وفي محتشدات أنشأتها لهم بقصر الرياضات في باريس وقصر المعارض، وتعرضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب والقتل، وألقي مئات المتظاهرين مكبلين في نهر السين، وفي اليوم التالي طفت الجثث على سطح الماء.