تسعى الأحزاب الجزائرية المعارضة لتدارك خسارتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في الخامس من مايو الماضي، خلال الانتخابات المحلية المقبلة المقرر إجراؤها في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر المقبل، وذلك لتعزيز وجودها في الساحة السياسية الجزائرية ومواقع صنع القرار حتى لا تترك أحزاب المولاة وحدها في الساحة.
23 من نوفمبر الموعد القادم
السبت الماضي، وقع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مرسومًا رئاسيًا يتضمن استدعاء الهيئة الانتخابية لاستحقاقات المجالس الشعبية البلدية والولائية، المقررة يوم الخميس 23 من نوفمبر 2017، حسب بيان لرئاسة الجمهورية. وجاء في البيان: “بموجب أحكام القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، وقع رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، اليوم السبت 26 من أغسطس 2017، مرسومًا رئاسيًا يتضمن استدعاء الهيئة الناخبة في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني لانتخاب المجالس الولائية والبلدية لخمس سنوات مقبلة”،. وينص المرسوم على “الشروع في مراجعة استثنائية للقوائم الانتخابية، انطلاقًا من يوم الأربعاء 30 من أغسطس إلى يوم الأربعاء 13 من سبتمبر 2017“.
والموعد الانتخابي القادم سيكون أول رهان سياسي لرئيس الحكومة الجديد أحمد أويحي، الذي يرأس أيضًا لجنة تنظيم الانتخابات، رغم أن أويحي سبق وأن أشرف على عدد من الانتخابات التي نظمت في الجزائر، والانتخابات المحلية القادمة هي سادس انتخابات تعددية في الجزائر بعد انتخابات 1990 الملغاة، 1997، 2002، 2007، 2012، وينتظر أن يشارك قرابة 60 حزبًا سياسيًا في هذا الموعد، بما فيها الأحزاب التي تحمل خطابًا راديكاليًا ضد السلطة الحالية.
الثانية لهيئة الانتخابات
تأتي الانتخابات المحلية المقبلة، بعد أول اختبار للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في 4 من مايو الماضي، وكان وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي قد أكد أن الدستور أكبر ضامن لنزاهة المواعيد الانتخابية المقررة سنة 2017 ، واستحدثت هذه الهيئة بموجب المادة 194 من الدستور المعدل في 7 من فبراير 2016، لتنظيم العملية الانتخابية، وحلت الهيئة محل اللجنة الوطنية القضائية للإشراف على الانتخابات واللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات، واللتين كانتا الجهازين المتابعين للعملية الانتخابية.
تملك الهيئة صلاحيات واسعة للتأكد من ضمان السير القانوني لعملية الفرز وضمان ممارسة المرشحين حقهم في تسجيل أي احتجاج
ونصّ التعديل الدستوري على تشكيل هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، ترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس البلاد بعد استشارة الأحزاب السياسية، وتضم 410 أعضاء، نصفهم قضاة، يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، والنصف الآخر كفاءات مستقلة من المجتمع المدني. وتملك الهيئة صلاحيات واسعة للتأكد من ضمان السير القانوني لعملية الفرز وضمان ممارسة المرشحين حقهم في تسجيل أي احتجاج بمحضر فرز الأصوات بالإضافة إلى ضمان حقهم في الحصول على نسخ المحاضر المتعلقة بالفرز.
وكان الرئيس الجزائري قد عين المعارض الإسلامي عبد الوهاب دربال رئيسًا لها بعد استشارة الأحزاب السياسية، ويعتبر القيادي السابق في حركة النهضة الإسلامية، وأحد مؤسسيها سنة 1989 عبد الوهاب دربال من الشخصيات المقربة من الرئيس بوتفليقة وكان عضوًا في قيادة حملة بوتفليقة في انتخابات 2004 و2009، وترأس مكتب جامعة الدول العربية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل من 2005 إلى 2011، ثم سفيرًا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية وهي المهمة التي تقلدها حتى ربيع 2016.
“طلائع الحريات” يشارك لأول مرة
على عكس الانتخابات التشريعية الأخيرة، قرر حزب “طلائع الحريات” الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، المشاركة في هذه المحطة الانتخابية التي تشمل انتخابات المجالس البلدية والولائية، بعد عملية تصويت داخلية جاءت لمصلحة المشاركة بنسبة 54%، فيما عبرت البقية عن الرغبة في استمرار مقاطعة المواعيد الانتخابية بسبب غياب ضمانات نزاهتها.
وكان “طلائع الحريات” من أبرز الأحزاب التي رفضت المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ودعا إلى المقاطعة بسبب رفض السلطات سحب تنظيم الانتخابات من وزارة الداخلية، وإسنادها إلى هيئة عليا مستقلة، ويعتبر رئيس الوزراء الأسبق الذي تحول لاحقًا إلى معارض لبوتفليقة، أن الجزائر تعيش أزمة سياسية ومؤسساتية ذات خطورة استثنائية، ناتجة من الشغور في رأس هرم الدولة.
رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس
وعلى إثر تبني الحزب هذا القرار، قال ابن فليس، مخاطبًا أعضاء اللجنة المركزية لحزبه: “الذين يتبنون خيار المشاركة، مثلهم مثل الذين اختاروا عدم المشاركة أو الذين يدعون إلى المقاطعة، وهؤلاء جميعًا يدركون أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة مثلها مثل التي سبقتها، ليست ولن تكون حاملة لأي حل للمعضلة الخطيرة السائدة في الجزائر”، وستكون الانتخابات المحلية المقبلة أول استحقاق يشارك فيه طلائع الحريات منذ اعتماده في سبتمبر 2015.
إلا أنه أكد في مقابل ذلك أن حزبه ليس ساذجًا، فهو “يعلم جيدًا أن المعايير الديمقراطية المعروفة دوليًا، لا تتوفر في الجزائر”، ويعلم أيضًا أن “القانونين العضويين المتعلقين بالنظام الانتخابي وبالهيئة المسماة عبثًا العليا والمستقلة لمراقبة الانتخابات لم ولن يساهما سوى في تعميق ممارسات وميكانيزمات الاحتيال السياسي الفظيع”.
“جيل جديد” يتمسك بموقفه
في مقابل ذلك، أكد حزب “جيل جديد” المعارض، والذي كان قد قرر مقاطعة انتخابات الرابع مايو/أيار الماضي، تمسكه بالموقف ذاته في الانتخابات المحلية المقبلة، وقرر الاستمرار في خيار المقاطعة، انسجامًا مع مواقفه السابقة الرافضة المشاركة في أي من الاستحقاقات السياسية التي تشرف عليها السلطة الحالية، وفقًا لتصريحات قياديي الحزب.
أضاف بيان الحزب: “مهما كان الرئيس المنتخب المستقبلي سيتوجب عليه تحمل إصلاحات حقيقية عميقة”
وقال الحزب، بحسب بيان أصدره الأسبوع الماضي: “الأحداث السياسية الأخيرة أبانت للرأي العام أن رئيس الجمهورية في عجز جسماني وفكري يثنيه عن ممارسة مهامه”، واعتبر أن الحل للأزمة السياسية الخطيرة التي تمر بها الجزائر مرهون بتفعيل إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، تكون بدايتها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفًا لبوتفليقة والذي تتعين عليه الموافقة على تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة.
وأضاف بيان الحزب: “مهما كان الرئيس المنتخب المستقبلي سيتوجب عليه تحمل إصلاحات حقيقية عميقة خلال عهدة انتخابية تكون بمثابة عهدة انتقالية، وإطلاق مسار تأسيسي، على شكل حوار واسع مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني يُتوج بعدها بتأسيس ندوة وطنية لمدة ستة أشهر إلى 12 شهرًا، والذي يكون هدفه دستورًا توافقيًا جديدًا يُستدعى بعدها الشعب للمصادقة عليه عبر استفتاء ويعطي بذلك الأسس الأولى لجمهورية ثانية”.
“حمس” تدخل الانتخابات المحلية بقوة
تبحث الأحزاب الإسلامية التي حصلت مجتمعة (حركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة) على 48 مقعدًا، في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وجاءت في المرتبة الثالثة في البرلمان، على تدعيم مكانتها في الساحة السياسية الجزائرية واستغلال التحالفات القائمة بينها لحصد أكبر عدد من المقاعد في هذه المجالس المحلية.
ومؤخرًا، دعا عبد المجيد مناصرة رئيس حركة مجتمع السلم إلى حوار سياسي شامل وتمكين المعارضة البرلمانية من الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، مع السماح بالتداول على إدارة الجماعات المحلية، وقال مناصرة، خلال ندوة صحفية السبت الماضي، إن حمس تعتبر صاحبة قضية وطنية ومهتمة بمستقبل الجزائر، ليصرح: “سندخل الاستحقاقات المحليات المقبلة بكل قوة وعزم وإرادة لتحقيق نتائج إيجابية”.
عبد المجيد مناصرة رئيس حركة مجتمع السلم
وأكد مناصرة بأن حمس لن تيأس ولن تقبل بأي ظلم سواء كان تزويرًا أو تهميشًا، مثلما لن تقبل بطغيان الإفلاس قبيل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها يوم 23 من نوفمبر المقبل، وأضاف رئيس حمس: “سنسعى لإنجاح التحول الديمقراطي ومعالجة مشاكل الجزائريين”، وتابع كلامه “حمس ستخدم آمال وطموحات الشعب وحاجاته”، وأردف “الحركة تمد يدها للسلطة والمعارضة”، معلنًا أنها ستدخل الانتخابات المحلية بقوة.
ونهاية يوليو الماضي، قررت جبهة التغيير الإسلامية في الجزائر الاندماج الكلي مع الحركة الأم “حركة مجتمع السلم”، لتنهي بذلك انقسامًا دام سنوات عدة، حيث إن جبهة التغيير تأسست مطلع عام 2012 من رحم حركة مجتمع السلم، وذلك بسبب ما وصفه المنشقون بـ”انحراف الحركة عن أهدافها”، وذلك بعد قرارها الدخول في قوائم موحدة مع حمس تحت اسم “تحالف حركة مجتمع السلم“، في الانتخابات التشريعية الماضية التي جرت في 4 من مايو.
وتعرضت حركة حمس منذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح في العام 2006، إلى عدة انشقاقات متتالية بسبب الخلافات الداخلية بشأن الخط السياسي للحركة، أفرزت أحزاب جبهة التغيير والبناء الوطني وتجمع أمل الجزائر، وفشلت بعدها كل محاولات الاندماج وإعادة المنشقين إلى حضن الحركة الأم، وكان الوزير السابق عمار غول، أول المغادرين لحمس حيث اتجه لتأسيس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج).
تخبط الحزب الحاكم
تسعى أحزاب المعارضة إلى استغلال حالة الاضطراب والتخبط التي يعيش على وقعها حزب السلطة الأول “جبهة التحرير الوطني”، الذي يقول إن عبد العزيز بوتفليقة رئيسه، ويعود هذا الاضطراب في جزء كبير منه إلى تعيين وزير أول للحكومة لا ينتمي إلى الحزب وذلك بعد إقالة أحد قياداته من هذا المنصب.
في آخر انتخابات محلية حصلت الجبهة على 685 مقعدًا في المجالس الولائية، و7191 مقعدًا في المجالس البلدية
إلى جانب ذلك، تعرف “جبهة التحرير الوطني”، حالة غليان كبيرة بسبب القوائم الانتخابية، ككل موعد انتخابي، ذلك أن العديدين يسعون للترشح في قوائمها حتى من غير المنتمين لها أو ممن لا تتوفر فيهم شروط الترشح، مما يقصي بعض أعضاء الحزب الذين ساهموا في نجاحه في المحطات السابقة، وفي آخر انتخابات محلية حصلت الجبهة على 685 مقعدًا في المجالس الولائية، و7191 مقعدًا في المجالس البلدية، وبلغ عدد البلديات بالأغلبية المطلقة 159، وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية حينها 42.92% فيما بلغت 44.26% في انتخابات المجالس البلدية.