سلط فيديو جديد لتنظيم داعش نُشر أواخر شهر أغسطس الماضي، وسُرعان ما حذفته إدارة يوتيوب، وكشف فيه التنظيم عن وجوده مجددًا بجنوب مدينة سرت في ليبيا، الضوء مجددًا على تنظيم داعش في ليبيا ومحاولاته لاستعادة نشاطه في هذا البلد العربي، بعد نحو سنة من طرده من مدينة سرت التي اتخذها طول السنوات الماضية مقرًا رئيسيًا له ومركزًا لقيادته، من قبل قوات البنيان المرصوص.
عودة النشاط
في هذا الفيديو الحديث الذي بثته وكالة “أعماق” التابعة له، يعلن تنظيم داعش عودة نشاطه في ليبيا، ويظهر الفيديو مسلحي داعش يقيمون حواجز على الطرقات ويفحصون هويات مسافري منطقة بوقرين والطريق المؤدية إلى الجفرة، وبحسب بيانات ظهرت خلال العرض المرئي، فإن الحاجز أقامه عناصر التنظيم بين منطقتي الجفرة وبوقرين، ويعرض الفيديو عناصر ملثمة للتنظيم وهي تستوقف سيارات المواطنين وتدقق في هوياتهم الشخصية، وتقع الجفرة إلى الجنوب من سرت المدينة الساحلية التي أنشأ بها تنظيم الدولة الإسلامية معقلًا له قبل أن تطرده منها قوات ليبية في أواخر العام الماضي.
هذا التسجيل الجديد يأتي بعد 5 أيام من إعلان التنظيم مسؤوليته عن هجوم مسلح على حاجز أمني ببلدة الفقهاء الواقعة في محافظة الجفرة
ويعتبر الطريق بين الجفرة وبوقرين، الذي اتخذه التنظيم مركزًا جديدًا له، أحد أهم وأبرز الطرق البرية في ليبيا، حيث يؤمن الربط بين سرت شمال البلاد والشرق بشكل عام والجنوبي الغربي الليبي وصولًا إلى الحدود مع الجزائر، غير بعيد عن المنشآت النفطية والغازية الجزائرية، وأبرزها عين أميناس التي تعرضت لهجوم إرهابي كبير في 2013، على يد تنظيمات منشقة عن القاعدة وموالية لداعش في ليبيا.
وفي الفيديو، أعلن التنظيم أيضًا اختطاف مواطنين ليبيين هما “الصغير مصباح الماجري” نائب رئيس مفوضية الانتخابات، و”محمد أبو بكر” أحد قادة حرس المنشآت النفطية بفرع أوباري، والذي أظهرت صوره المعروضة في الفيديو تعرضه للضرب والتعذيب، يذكر أن الماجري كان قد أُعلن اختطافه من قبل مجهولين في طرابلس قبل شهرين.
يسعى التنظيم لاستغلال حالة الفوضى في البلاد لإعادة ترتيب أوراقه
هذا التسجيل الجديد يأتي بعد 5 أيام من إعلان التنظيم مسؤوليته عن هجوم مسلح على حاجز أمني ببلدة الفقهاء الواقعة في محافظة الجفرة، أدى إلى مقتل 14 عسكريًا من القوات المسلحة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، من بينهم آمر الكتيبة 131 مشاة الرائد علي الغضبان المكلفة بتأمين المنطقة، ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر عسكرية لم تذكر هويتها أن هجومًا مسلحًا استهدف الكتيبة قبل أن يتم حصارها ونزع أسلحة عناصرها ومن ثم الإجهاز عليهم ذبحًا، وسيطرت قوات حفتر نهاية مايو الماضي على منطقة الجفرة بالكامل بعد طرد “سرايا الدفاع عن بنغازي” الموالية لحكومة الوفاق الوطني.
بالتزامن مع ذلك نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين ليبيين قولهم “التنظيم أصبح أكثر جرأة في الأسابيع الماضية، فقد أصبح مقاتلوه يحاولون من وقت لآخر دخول المناطق الساحلية من المناطق الصحراوية ويقومون بعمليات خطف للمدنيين ونحن نراقبه“ وأضاف التقرير على لسان إبراهيم مليطان رئيس قطاع الأمن في بلدية سرت أن مقاتلي التنظيم عززوا وجودهم في عدة تجمعات سكنية شرقي سرت، وقال إنهم يقيمون حواجز أمنية تستمر 10 دقائق ثم ينصرفون، ويتنقلون بحرية دخولًا وخروجًا من هذه المدن وفي الصحراء أيضًا“.
خشية من إعادة تنظيم صفوفه
محاولة التنظيم السيطرة على قرى وإقامته نقاط تفتيش مؤقتة ومهاجمة قوات حفتر، أثارت مخاوف عدة من أن يعيد التجمع حول مدينة سرت التي طرد منها قبل نحو عام في ديسمبر الماضي في معركة استمرت نحو 7 أشهر من قبل قوات البنيان المرصوص بمساعدة جوية أمريكية.
وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قد قرر في منتصف مايو 2016 تشكيل غرفة عمليات (مصراتة – سرت) والتي أطلقت عملية “البنيان المرصوص” لمحاربة تنظيم “داعش” الذي كان يسيطر على مدينة سرت لفترة استمرت أكثر من عام ونصف العام، ومع حلول سبتمبر من نفس العام، تمكنت تلك القوات من استعادة معظم أحياء سرت، بينما انحصر وجود المسلحين في حي الجيزة البحرية، وهو رقعة صغيرة من الأرض قرب واجهة سرت على البحر المتوسط، قبل أن يتم الإعلان رسميًا، في ديسمبر 2016، طرد التنظيم منه.
يحاول التنظيم استغلال حالة الفوضى في البلاد وعدم الاستقرار السياسي لإعادة ترتيب أوراقه، وتجنيد مئات المقاتلين الأجانب هناك
ونهاية يوليو الماضي، أشار الناطق باسم عملية “البنيان المرصوص” محمد الغصري إلى رصد قواتهم لتحركات عناصر من داعش جنوب مدينة سرت، مضيفًا أن التنظيم يحاول لملمة نفسه واختراق قواته من الجهة الجنوبية، وبحسب خبراء أمنيين في ليبيا فإن التنظيم الذي كانت مدن سرت وصبراتة ودرنة وبنغازي معقلًا له في ليبيا، اتجهت عناصره إلى مناطق نائية من أجل محاولة الانتشار من جديد بعد خسارة أبرز معقل له في سرت.
وكانت صحيفة “ذى تايمز” البريطانية حذرت، أغسطس الماضي، من أن المئات من عناصر داعش يعيدون تنظيم صفوفهم في ليبيا، حيث ينظر التنظيم إليها لإعادة بناء خلافته مع تقلص مساحات سيطرته في سوريا والعراق، ونقلت الصحيفة في تقريرها، عن مسؤولين أمنيين لم تذكر أسماءهم، قولهم إن هناك قرابة 1000 من عناصر “داعش” في ليبيا، معظمهم يتجمعون جنوب سرت معقلهم السابق في ليبيا.
ويحاول التنظيم استغلال حالة الفوضى في البلاد وعدم الاستقرار السياسي لإعادة ترتيب أوراقه، وتجنيد مئات المقاتلين الأجانب هناك عن طريق عناصره التي فرت من مدينة سرت في وقت سابق، حيث لم يمنع طرد التنظيم من عدة مدن ليبية في الفترة ما بين 2015 – 2017، بكل من درنة وبنغازي من تجديد مساعيه للتمركز في الأراضي الليبية، وباتت المناطق الفاصلة بين سيطرة قوات حفتر وقوات البنيان المرصوص في سرت والممتدة على الساحل الليبي لمسافة تصل إلى 120 كيلومترًا تقريبًا، مجالًا لتحرك عناصره.
عمليات استباقية لصده
مباشرة بعد إعلان تنظيم داعش عودته للنشاط، نفذت القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر ضربات جوية ضد مقاتلي التنظيم، وقالت القوات الموالية لخليفة حفتر القائد العسكري الذي يتخذ من شرق ليبيا قاعدة له، إنها نفذت ضربات جوية ثالث أيام العيد استهدفت مقاتلي التنظيم في منطقة عين تاقرفت الواقعة بين سرت وبلدة ودان على بعد 230 كيلومترًا إلى الجنوب، وبالتزامن مع تحركات قوات حفتر قرب سرت، شهدت شرق المدينة وصول تعزيزات كبيرة لقوات “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق، وتشمل التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى بوابة العشرين بمنطقة بوزاهية شرق المدينة، عربات مزودة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والدبابات.
قصف مواقع التنظيم
من جهته، تعهد آمر المنطقة العسكرية الوسطى التابع لحكومة الوفاق اللواء محمد الحداد، لقادة قواته بتوفير التجهيزات العسكرية المطلوبة لمجابهة فلول تنظيم داعش، ودعم قوة حماية وتأمين سرت من أجل تنفيذ المهام الموكلة لها، وجاء هذا خلال تفقده قوات حماية وتأمين سرت بحسب المكتب الإعلامي لعملية البنيان المرصوص. في غضون ذلك، عززت السلطات الجزائرية أمنها على الحدود مع ليبيا بعد إرسالها تعزيزات عسكرية إضافية تقدر بنحو 3 آلاف جندي، وذلك في إطار مخطط أمني جديد يهدف إلى الوقاية من احتمال تسلل متطرفين عبر الحدود، خاصة بعد إعلان تنظيم داعش عن نفسه مجددًا في ليبيا.