لا عجب بعد اليوم أن يشيد مسؤولون من كيان الاحتلال الإسرائيلي بتطور العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية، بل وتفاؤلهم بالمستقبل حيال تلك العلاقات، فتلك اللحظة ساعة المنى التي يسعى إليها الكيان.
وليس من وقت بعيد من الآن، كان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد تغنى الأربعاء الماضي بعلاقة “إسرائيل” بالدول العربية خلال مشاركته في احتفال رفع الكؤوس احتفالًا بالسنة العبرية الجديدة بمبنى وزارة الخارجية في القدس الغربية، واصفًا إياها بالأفضل وتسجل رقمًا قياسيًا غير مسبوق في تاريخ هذه العلاقات، وهو ما أثار شكوكًا بشأن لقاءات مع بعض المسؤولين العرب واتجاه العلاقات نحو الأفضل.
فكيف ستكون فرحة كيان الاحتلال وقد زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “إسرائيل”! فحسب ما كشفه حساب “بدون ظل” عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر فإن سمو الأمير محمد بن سلمان وسعادة الجنرال أنور عشقي وفريق دبلوماسي متكامل هم الذين ذهبوا إلى “إسرائيل” في زيارة سرية، وهو ما يؤكد أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك تزامنت مع زيارة ولي العهد السعودي لـ”إسرائيل”.
العلاقة السرية بين السعودية و”إسرائيل” قد يكتب لها الظهور إلى العلن في حال اشتد الخطر الإيراني في المنطقة ووجدت السعودية و “إسرائيل” نفسيهما محاصرين، فالطرفان قد لا يجدا مفرًا من أن يتعاونا في العلن في سبيل تحقيق مصالحهما
يأتي هذا بعد أخبار من مصادر إسرائيلية عدة تكلمت عن زيارة رفيعة المستوى لوفد سعودي من الديوان الملكي جرت بشكل سري إلى الكيان الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، حيث كشفت إذاعة “صوت إسرائيل” أن أميرًا سعوديًا من البلاط الملكي حضر إلى “إسرائيل” بشكل سري وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام، في الوقت الذي رفض كل من ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية التعليق على هذا الخبر“ على حد زعم الإذاعة الإسرائيلية.
“إسرائيل” متفائلة بمحمد بن سلمان
لا تعد زيارة ولي العهد السعودي إلى “إسرائيل” الأولى من نوعها، فبحسب صحف إسرائيلية فقد زارها سرًا في عام 2015 عندما كان وليًا لولي العهد، كما أنه يلتقي بشكل دوري مع المسؤولين الإسرائيليين، الملفت للنظر أن صحف إسرائيلية ومحطات تليفزيونية رحبت بتعيين الأمير ابن سلمان وليًا للعهد وقالت إن التغييرات الأخيرة في النظام السعودي من شأنها أن تحظى بترحيب ورضى تل أبيب، وهذا يشير إلى تقارب سابق بين ابن سلمان و”إسرائيل”.
إذ رأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في ولي العهد أنه بشرى جيدة لـ”إسرائيل”، كون مواقفه الحازمة تجاه إيران جعلت منه شريكًا استراتيجيًا مهمًا، فضلًا عن مواقفه ضد إيران و”داعش” والإخوان المسلمين وحزب الله اللبناني، وكشفت الصحيفة في يونيو/حزيران الماضي عن لقاءات منتظمة قالت إنها تجري في الأردن بين ضباط سعوديين وإسرائيليين، مشيرة إلى أن هذه الاجتماعات تتطلب في الأساس موافقة ابن سلمان كونه وزير الدفاع.
وأضافت الصحيفة أن أحد اللقاءات جرى عام 2015 في إيلات، وأجري لقاء آخر على هامش القمة العربية التي أقيمت بالأردن في آذار/مارس الماضي، إضافة لذلك فهناك لقاءات منتظمة تُعقد بين ضباط سعوديين وإسرائيليين في إطار غرفة الحرب المشتركة بالأردن المعروفة باسم “موك”، التي تضم إضافة إلى “إسرائيل” والأردن السعودية والولايات المتحدة وتضطلع بتنسيق الأنشطة وتطورات الحرب في سوريا.
لا تزال الزيارات والعلاقة التي تربط بين “إسرائيل” والسعودية يشوبها السرية التامة، فليس من صالح كلا النظامين إعلان هذا التعاون الخفي.
بعد توليه ولاية العهد سارع وزير الإعلام الإسرائيلي المقرب من حكومة نتنياهو بالترحيب بتعيين ابن سلمان، وأبدى تفاؤله بقدومه متمنيًا أن تكون الخطوة دافعًا للسلام بين تل أبيب والرياض وتزيد من وتيرة الحرب على الإرهاب الذي تقوده إيران بحسب وصف وزير الإعلام، وأشار الوزير آنذاك أن نتنياهو يدرس القيام بتنازلات يقدمها للفلسطينيين مقابل تطوير العلاقات مع السعودية ودول الخليج بشكل خاص، لا سيما في كل ما يتعلق بالشؤون الأمنية.
وذهب وزير الاتصالات والمخابرات الإسرائيلية يسرائيل كاتس بمطالبته الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بدعوة نتنياهو لزيارة المملكة كالسادات وبيجن، أو إرسال ولي العهد الجديد محمد بن سلمان لزيارة رسمية لـ”إسرائيل”.
علاقات سرية تربط “إسرائيل” بالسعودية
ترى “إسرائيل” أن هناك عامل مشترك بينها وبين الدول العربية يدعو للتعاون والتنسيق بين بعضها البعض، فالخوف من التهديد الإيراني والتمدد الذي تبديه في سوريا والعراق ولبنان واليمن يخلق قاعدة للتعاون بين الدول العربية و”إسرائيل” والإدارة الأمريكية، إضافة لذلك فهي تترقب الوقت الذي تمر فيه البضائع “الإسرائيلية” في الدول العربية دون رقيب أو عتيد، بحيث يتم إقامة سلام اقتصادي وإنهاء المقاطعة العربية لها وتطبيع تدريجي معها.
عمليًا لا تقيم الرياض علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، وهي عضو في “مكتب مقاطعة إسرائيل”، التابع لجامعة الدول العربية، ولكنها قدمت خطة سلام أقرتها الجامعة العربية منذ عام 2002، تعرف باسم “المبادرة العربية للسلام”.
وتشير تحليلات أنه رغم أن مبادرة السلام التي اقترحتها السعودية منذ 10 سنوات تقتضي أن تنسحب “إسرائيل” من حدود 1967 فإن في هذا الأمر إشارة أيضًا إلى أن وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة لا يشكل مشكلة للنظام السعودي.
خلال العامين الماضيين بدأت العلاقات بين دول عربية و”إسرائيل” تنحو باتجاه أكثر مرونة مما سبق، حيث قالت شخصيات حكومية إسرائيلية رفيعة المستوى، بما فيها رئيس الوزراء، إن العديد من الدول العربية التي كانت تتبنى موقفًا عدائيًا تجاه “إسرائيل” أعربت عن اهتمامها بالتعاون معها، ولعل أبرز تلك الدول الإمارات، واعتبرت مصادر إسرائيلية أن هذا التغيير في الموقف جاء مدفوعًا بالتوترات المتزايدة بين الدول السنية القوية وإيران.
في أثناء زيارة الجنرال السعودي أنور عشقي إلى “إسرائيل” العام الماضي
يُشار أن نوايا ابن سلمان لا تزال مبيتة وغير واضحة بشكل كبير في دفع العلاقات مع “إسرائيل” نحو الأفضل، فيما إذا كانت تنحصر رغبته في دفع مسار السلام بين “إسرائيل” وفلسطين كجزء من مخططات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو أن الأمر يتعدى البيت الأبيض، كما لا يُعرف أيضًا ما إذا كانت تلك الزيارات والعلاقات السرية ستحدث تغييرًا كاملًا في العلاقات بين تل أبيب والرياض، بمعنى التطبيع الكامل والتطوير على مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ترى “إسرائيل” أن هناك عامل مشترك بينها وبين الدول العربية يدعو للتعاون والتنسيق بين بعضها البعض، فالخوف من التهديد الإيراني والتمدد الذي تبديه في سوريا والعراق ولبنان واليمن يخلق قاعدة للتعاون بين الدول العربية و”إسرائيل” والإدارة الأمريكية.
كانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية كشفت في يوليو/تموز من العام الماضي عن زيارة قام بها الجنرال المتقاعد أنور عشقي إلى القدس المحتلة للقاء كل من مدير عام وزارة الخارجية دور غولد ومسؤول التنسيق الأمني في الضفة الغربية المحتلة يوآف مردخاي في فندق الملك داود، بينما أشار عشقي أن الزيارة كانت بهدف زيارة أهالي وأسر الشهداء الفلسطينيين.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن عشقي حضر إلى “إسرائيل” مصطحبًا معه بعثة أكاديمية ورجال أعمال سعوديين، التقوا خلال الزيارة الحميمة بمجموعة من أعضاء الكنيست، بهدف تشجيع الخطاب في “إسرائيل” بشأن مبادرة السلام العربية.
لا تزال الزيارات والعلاقة التي تربط بين “إسرائيل” والسعودية تشوبها السرية التامة، فليس من صالح كلا النظامين إعلان هذا التعاون الخفي، وعلى الرغم من الزيارات السعودية إلى “إسرائيل” واللقاءات المتكررة على أكثر من صعيد، لا تزال الرياض تنفي أي تعاون محتمل مع الكيان الإسرائيلي إلا إذا قبلت “إسرائيل” بالانسحاب من حدود 1967، وهو ما يؤكد عليه أنور عشقي باستمرار.
ولكن من جانب آخر تشير تحليلات أن هذه العلاقة قد يكتب لها الظهور إلى العلن، في حال اشتد الخطر الإيراني في المنطقة ووجدت السعودية و”إسرائيل” نفسيهما محاصرين، فالطرفان قد لا يجدا مفرًا من أن يتعاونا في العلن في سبيل تحقيق مصالحهما، ومن المؤكد أن زيارة ولي العهد السعودي، وهو الذي سيصبح في قابل الأيام ملكًا، لها أهمية كبيرة ولاقت فرحة عارمة عند الإسرائيليين بكل المقاييس، فلها حسابات كثيرة بالنسبة لهم، ليس أقلها التعاون والتنسيق بين الجانبين على المستويات كافة.