ترجمة وتحرير نون بوست
خلال هذه السنوات، وفي خضم ما تشهده كوريا الشمالية، يجد معظم مواطني هذه الدولة أنفسهم مضطرين إلى المجازفة بحياتهم، في رحلة محفوفة بالمخاطر، لأجل الفرار من براثن كيم جونغ أون.
في الحقيقة، تستغرق رحلة السفر من مطار مدينة شنيانغ، هذه العاصمة المترامية أطرافها على شمال شرق الصين، والقريبة من الحدود المتاخمة لكوريا، ساعة و45 دقيقة، للوصول إلى سيول، عاصمة كوريا الجنوبية. تجسد هذه الرحلة ذلك النوع من الرحلات الذي يضطر فيه المسافرون إلى التهام طعامهم بسرعة، قبل أن يأتي مضيفو الطائرة ويطلبوا منهم إخفاءه لأجل النزول.
في المقابل، لا يتمتع سكان كوريا الشمالية، الذين اضطروا إلى الهرب من نظام كيم جونغ أون عن طريق الصين، بمثل هذه الرحلة السريعة والخدمات. بدلاً من ذلك، يشرع هؤلاء المواطنون في رحلة شاقة، تمتد على حوالي 2700 ميل على الأقل، يقضونها إما على متن الحافلات، أو الدرجات النارية، أو القوارب، أو سيارات الأجرة، وإما سيراً على الأقدام عبر الجبال. تتكرر هذه الرحلة كل شهر وتعتبر الطريقة الأفضل لعشرات الكوريين للوصول إلى كوريا الجنوبية، التي تعدهم بأن يصبحوا من بين مواطنيها فور وصولهم لترابها.
بالنسبة لغالبية المسافرين، تمر هذه الرحلة أولاً عبر الصين، ومن ثم إلى الفيتنام ولاوس، حيث ينبغي عليهم أن يكونوا في حالة تأهب تامة لعناصر الشرطة، الذين من المحتمل جدا أن يوقفوهم ويعيدوهم من حيث جاؤوا، ليتلقوا عقوبة وحشية لا هروب منها في كوريا الشمالية، بقيادة نظام كيم جونغ أون. وعند عبورهم الحدود الرابعة، أي من لاوس إلى تايلاند، يكونون في مأمن من الشرطة.
في حقيقة الأمر، لا يزال زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، يصدر تهديدات حادة إلى العالم الخارجي، على غرار الصواريخ التي تَوجه بها إلى اليابان، وتوعده باستهداف الولايات المتحدة الأمريكية. فضلا عن ذلك، لا تمثل هذه التهديدات مجرد ثرثرة صاخبة بالنسبة لسكان هذه الدولة، فهي تحتل جزءًا كبيراً من حياتهم اليومية. وخلف هذا الإطلاق المرئي للصواريخ، يخاطر عشرات المتساكنين الكوريين بحياتهم، في رحلة غير مرئية نحو السلامة وبر الأمان.
في الواقع، لا تعيد السلطات التايلندية المهاجرين إلى كوريا الشمالية، وإنما توجه لهم اتهاما بسيطا بانتهاك قانون الهجرة، بينما تنبه سفارة كوريا الجنوبية في بانكوك، التي تبدأ بدورها عملية نقلهم إلى سيول. هناك يبدؤون حياة جديدة، تتوفر فيها الإنترنت والأرز الأبيض كل يوم.
“أريد أن أتعلم الكثير عن الحواسيب وأصبح خبيراً في الكمبيوتر”، هذا ما قاله الصبي، ذو 15 سنة، الذي وصل إلى تايلاند من لاوس، بعد رحلة دامت 12 يوماً من كوريا الشمالية. من جهتها، عقبت أخته، ذات الثمانية سنوات، على كلامه حاملة لعبة باربي أهداها إياها عامل إنساني عند وصولها إلى تايلاند، قائلة “أريد أن أكون خبيرة في الحواسيب أيضا”. وقد كانت تلك الدمية أول دمية تملكها منذ ولدت.
يوجد الآلاف من الآخرين الذين يجازفون بحياتهم كل سنة لأجل الفرار من كوريا الشمالية، والذين لم نسمع قصصهم. فبعضهم يعيش مختبئاً في الصين، بينما من المحتمل أن يتم القبض على بعضهم الآخر وإعادتهم إلى موطنهم
كان هذا الصبي وأخته ضمن المجموعة التي روت قصصها إلى صحيفة واشنطن بوست، التي طلبت حجب أسمائهم وأية معلومات من شأنها التعريف بهوياتهم، لأجل تفادي تعريض حياة عائلاتهم، الذين لا يزالون في كوريا الشمالية، لخطر انتقام نظام كيم جونغ أون، والبالغ عددهم 11 شخصا.
فضلا عن ذلك، كان هؤلاء الأشخاص لا يزالون يتعافون من الرحلة المروعة التي انطلقت من كوريا الشمالية في الليل، على متن قارب، وصولا إلى الصين. بعد ساعات أمضوها في عرض البحر تحت المطر، تائهين دون وجهة محددة، تمكن الناشط، الذي ساعدهم على الفرار، من العثور عليهم أخيرا. في تلك الليلة، ناموا في فندق إسبارطي، بعد أن تناولوا طعاما ساخنا وغيروا ملابسهم. في صباح اليوم التالي، سلموا أنفسهم إلى الشرطة. وبعد التحقيق معهم، تحولوا إلى زنزانات الاحتجاز، بجانب ما يربو عن عشرين كوري آخرين.
لقد كان يوما حارا ورطبا؛ في هاتين الزنزانتين، كانت النساء والأطفال، من بينهم الطفلة صاحبة الباربي والرضيع، ينامون على الحصير ويتناولون عباد الشمس، وقد تحولت القضبان إلى حبل غسيل مؤقت، علقت عليه صاحبة دمية الباربي فستان دميتها. بالإضافة إلى ذلك، ضمت خلية ثالثة المهاجرين الرجال، من بينهم ذاك الطفل المولع بالحواسيب. وما إن جاء موعد ترحيلهم، حتى أرسلوا إلى بانكوك في رحلة أخرى، تمتد إلى ما يربو عن نصف يوم.
ومن المثير للاهتمام أن أفراد هذه المجموعة، الذين رووا قصصهم إلى صحيفة واشنطن بوست، أفادوا بأنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر، منذ رحلة هروبهم ومكوثهم في تلك الزنزانة الرطبة والكريهة، لحظة تحرك البيروقراطية الكورية الجنوبية.
المخاطرة بكل شيء لأجل الحرية
كانت تجربة الذهاب إلى الصين والعودة منها مثيرة للصياد، إذ كانت بمثابة الحافز الذي دفعه إلى الهروب من كوريا الشمالية. كان هذا الشخص يكسب قوته من الصيد، ويعتبر البحر المصدر الأول لمعيشته، كما كان يستغل عمله أيضاً بطريقة غير شرعية في نقل الأموال عبر الحدود. ولكن، يبدو أن اطلاعه على الشأن الصيني والكوري، في كوريا الجنوبية، كان الحافز الأول والأكبر لفراره من كوريا الشمالية. في هذا الصدد، أفاد الصياد، أنه في الليلة التي سبقت موعد تسليم نفسه إلى الشرطة، “أدركت أن كل ما سمعناه من قبل وسائل الإعلام في كوريا الشمالية كان كذباً”.
بالنسبة إلى المرأة، التي لم تتجاوز عقدها الخامس، وتقطن في ميناء نابو في كوريا الشمالية، كان خوفها من العودة إلى موطنها حافزها الأكبر الذي شجعها على المواصلة بعد إعادتها إلى الصين، علماً بأنها قضت سنتين ونصف في معسكر إعادة التعليم. وفي شأن ذي صلة، قالت فتاة من بين الفارين من كوريا الشمالية، تبلغ من العمر 23 ربيعا، من هيسان، “كنت على علم بأنه سوف يتم بيعي، ولكنني أيضا كنت على استعداد للذهاب”.
كانت هذه الفتاة، التي تقطن في مدينة هيسان الحدودية، تباع لفائدة الرجال الصينيين، وفي بعض الأحيان دون علمها، شأنها شأن بقية زميلاتها، ولكنها كانت طريقتهن الوحيدة لكسب المال لفائدة عائلاتهن. فعلى سبيل المثال، سافرت صديقتها، التي تعمل مصففة شعر، إلى الصين منذ بضعة أشهر، اعتقادا منها أنها ستعمل في مطعم، ولكنها في المقابل بيعت إلى رجل صيني مقابل 12 ألف دولار. ولهذه الأسباب وغيرها، يعبر الكوريون الشماليون النهر إلى الصين.
والجدير بالذكر أنه يوجد الآلاف من المتساكنين الآخرين الذين يجازفون بحياتهم كل سنة لأجل الفرار من كوريا الشمالية، والذين لم نسمع قصصهم. فبعضهم يعيش مختبئاً في الصين، بينما من المحتمل أن يتم القبض على بعضهم الآخر وإعادتهم إلى موطنهم، أو يصل إلى بر الأمان في كوريا الجنوبية، وقد وصل عددهم إلى 1418 مهاجرا في السنة الماضية.
لا تعيد السلطات التايلندية المهاجرين إلى كوريا الشمالية، وإنما توجه لهم اتهاما بسيطا بانتهاك قانون الهجرة، بينما تنبه سفارة كوريا الجنوبية في بانكوك، التي تبدأ بدورها عملية نقلهم إلى سيول.
عندما تولى كيم جونغ أون السلطة في نهاية سنة 2011، في سن 27 سنة، أعرب الكثيرون من الشعب عن أملهم في أن يستهل عهدا جديدا من الحداثة والانفتاح على الدولة الدكتاتورية. ولكن حقيقة ما جرى كانت مغايرة ومخيبة لهذه الآمال. فبعد اعتلائه السلطة، أمر الزعيم الكوري بشن حملة قاسية لفرض النظام على الحدود الكورية المتاخمة للصين، ما دفع هذه بكين إلى تصعيد يقظتها من هذه الجهة. ونتيجة لذلك، شهد تدفق المواطنين انخفاضا كبيراً وملحوظاً، ولكن ليس تماماً.
في الأثناء، ظهرت شبكة واسعة تقودها مجموعة من السماسرة، من كوريا الشمالية، تعمل على تنظيم رحلات للهروب، بالاستناد على نظام أصبح الآن يعمل بشكل سلس ويضمن وصول الشخص إلى كوريا الجنوبية في غضون شهر، بعد أن يمر بمركز اعتقال تايلاندي. وهذا في حال جرت التنظيمات على ما يرام.
عند العثور على أحد هؤلاء السماسرة، يبدأ المهاجرون الكوريون بدفع معلوم الرحلة مقدماً. ونظراً لعدم قدرة بعضهم على الدفع مسبقاً، يضطرون إلى أن يعدوهم بالدفع بعد وصولهم إلى كوريا الجنوبية. وفقط بعض الأشخاص المحظوظين يسافرون بتمويل من المنظمات المسيحية.
يقف جي سيونغ-هو، الكوري الشمالي الذي يعيش حاليا في سيول، ويساعد الآخرين على الفرار من النظام، إلى جانب نهر الميكونغ المُحاذي لدولة لاوس. كما يقف وراءه الفارون الكوريون الشماليون.
تم انقاذ المجموعة التي تضم الصياد من قبل منظمة “العمل الآن والوحدة لأجل حقوق الإنسان”، التي يرأسها جي سيونغ-هو، الذي يمثل بحد ذاته أحد الفارين من كوريا الشمالية. في الحقيقة، قام جي بالترتيبات اللازمة لدفع ألفي دولار لقاء إخراج كل عضو من المجموعة، حيث قال إن الاتصال بسمسار مباشرة كان سيكلف ضعف ذلك المبلغ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجموعة عبرت النهر إلى الصين ليلا لتجد سيارتين في الانتظار لتقلّها إلى منزلين آمنين، تماما مثلما أخبرها السمسار.
في شهادتها على هذه التجربة، قالت ربة منزل تبلغ من العمر 42 سنة إنه “مع وصولنا إلى المنزل، بدأت ظلمة الليل تنقشع. لقد أمضينا ثلاثة أيام هناك في تناول الطعام والنوم ومشاهدة القنوات الصينية إلى أن حان وقت الرحيل”. كما كان من المنتظر سلوكهم لطريق جديد عبر الفيتنام عوضا عن المرور مباشرة من لاوس، نظرا لأن السلطات الصينية أصبحت أكثر عدوانية بالقرب من حدودها مع لاوس.
من جهته، أفاد الصياد قائلا “كنت قلقا من استخدامنا كالخنازير الغينية على الطريق، ولكن إذا كان مصيرنا الموت فلا مهرب من ذلك لا محالة. في الحقيقة، قررنا بالفعل أن نقتل أنفسنا على أن تتم إعادتنا إلى كوريا الشمالية”. وفي مرحلة لاحقة، تم وضع المجموعة على متن أول حافلة من مجموع حافلات من أجل رحلة استغرقت 17 ساعة. وفي هذا الصدد، أفادت ربّة المنزل أن “ذلك لم يكن شيئا يُذكر حيث قضينا أكثر من 80 ساعة على متن الحافلات في الصين”.
ظهرت شبكة واسعة تقودها مجموعة من السماسرة، من كوريا الشمالية، تعمل على تنظيم رحلات للهروب
لم يخل ركوب الحافلة من الخطر، ذلك أنه في حال قامت الشرطة الصينية بالتحقق من الوثائق، سيتمّ إلقاء القبض على الكوريين الشماليين آنذاك. وأوضحت ربّة المنزل قائلة “لم نجلس بجانب بعضنا ولم نتبادل أطراف الحديث طيلة الرحلة على متن الحافلة. كما لم نتعرض للإزعاج، إذ ظن الآخرون أننا نغط في النوم طوال الوقت”.
وفي شأن ذي صلة، جرت العادة أن يتم تنسيق هذا النوع من عمليات الفرار من قبل شخص ما في سيول يتكفل بإدارة المسائل اللوجستية الشائكة. وفي هذا السياق، أوضح كيم سانغ-هون، وهو ناشط مسيحي في سيول يساعد الكوريين الشماليين على الفرار، أنه “لا بد لنا من معرفة مواقع نقاط التفتيش بدقّة لأننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على إخبار الفارين بالأماكن التي ينتظرون فيها ومتى يعبرون”. وأضاف كيم أن “الفارين قد يُعتقلون في أي مكان وفي أي وقت، وسيكون مآلهم سيئا للغاية. وفي سبيل جلبهم إلى برّ الأمان، ينبغي أن نكون على علم بمراكز البيروقراطية المحلية ونجد طريقة لتفاديها”.
مع ذلك، كانت تلك المرحلة الأسهل في رحلة الفارين، إذ أن الكثير من الكوريين الشماليين يتحدثون القليل من الصينية، إما بسبب العيش في الصين أو من خلال العلاقات التجارية معها، فضلا عن أن الملامح المتشابهة بين الشعبين تمكنهم من الاختلاط بالسكان المحليين. ولكن سرعان ما تغيرت الأوضاع بمجرد وصولهم إلى محطة الحافلات الأقرب إلى الحدود مع الفيتنام.
في تلك الأثناء، كانت الشرطة تقوم بدوريات على الحدود بشكل محكم. بناء على ذلك، طلب المرشدون من الفارين التواري عن الأنظار والاستعداد للهرب في ظلمة الليل، لذلك اختبأ الفارون بين المباني في انتظار لحظة عبورهم ولم يأتوا بأية حركة. في ذلك الوقت، كان المرشدون يشيرون إليهم بعدم الحراك، ولم تكن هناك حاجة للتحدث بلغة مشتركة ذلك أن لغة الجسد كانت كافية للتواصل. وعندما حانت اللحظة المناسبة، ركض الفارون وعبروا الحدود.
كان الجزء الأصعب من المرحلة لا يزال في انتظارهم، فبعد السفر على متن المزيد من الحافلات والسيارات عبر الفيتنام، كان على الكوريين الشماليين المشي لمسافات طويلة عبر الجبال على طول الحدود مع لاوس تحت الأمطار الغزيرة. في هذا الإطار، قال جي، الناشط الذي يساعد مواطنيه في الوقت الراهن على الفرار، إن “كل مرحلة من رحلة الفرار شاقة وخطرة، حيث تتضمن المشي لمسافات طويلة عبر الجبال وتغيير طرق النقل وعبور الحدود. وبالنظر إلى شدّة التوتر الذي يتملكهم، يصاب البعض من الفارين بالمرض أثناء الفرار أو بعده”.
كما أورد جي أن الرحلة تعتبر مرهقة خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. وفي بعض الأحيان، تعطي الأمهات أولادهن حبوبا للنوم كي لا يجهشوا بالبكاء ويتسببوا في إلقاء القبض عليهم.
كوري شمالي فار يشاهد الرسوم المتحركة اليابانية في غرفة فندق في تايلاند. هاربة تحمل منديلا وهي تبكي أثناء حديثها عن رحلتها المروعة. هاربون كوريون شماليون يعيشون بأمان في تايلاند بعد فرارهم من نظام كيم جونغ أون الاستبدادي. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التايلاندية لا تعيدهم إلى بلادهم بل تقوم بإرسالهم إلى سيول، حيث يصبحون على الفور مواطنين كوريين جنوبيين.
خلال تلك الرحلة، كان هناك ثلاثة رجال يحملون مصابيح يدوية بانتظار المجموعة لإرشادها عبر المسارات الجبلية. ولم تزد الأمطار المنهمرة بغزارة سوى من صعوبة الرحلة، حيث كانت الطرقات زلقة ووعرة وسط الظلام الحالك. ومن جهتها، قالت أم شابة اضطرت إلى ترك ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات في الصين أثناء فرارها، إنه “قد قيل لنا أننا سنعبر جبلين ولكن أعتقد أنها كانت ثلاثة جبال. كان الأمر صعبا للغاية، كما أنني شعرت بالخوف الشديد حتى أنني ظننت أنني سأموت”.
في السياق ذاته، أفادت امرأة تبلغ من العمر 50 سنة من مدينة نامبو الكورية الشمالية، بأن عبور الحدود مثّل الجزء الأكثر رعبا، حيث “ظللت أفكر فيما سيحدث إذا ما تم القبض عليّ الآن؟ لقد كنت متيقّنة من أن حياتي ستنتهي في حال تم ترحيلي مجددا”. في الأثناء، نجح الفارون في العبور إلى لاوس حيث كانت هناك سيارة أخرى بانتظارهم على الحدود. في المقابل، زادت عصبية السائق الأمور سوءا حيث كان يخشى أن توقفه الشرطة وبرفقته مجموعة من الكوريين الشماليين، ما تسبب في إثارة خوف من برفقته.
خلال الرحلة، دارت أكثر مخاوف الفارين حول حقيقة اقترابهم من بر الأمان ولكن ليس بشكل تام، وهو ما عبّرت عنه الأم الشابة حين قالت، “كنت أفكر باستمرار في احتمال القبض علي في لاوس بعد أن قطعت هذا الشوط الطويل”. فضلا عن ذلك، تطلّب الوصول إلى نهر الميكونغ أربع ساعات ومن ثم عبوره للدخول إلى تايلاند.
الرحلة تعتبر مرهقة خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. وفي بعض الأحيان، تعطي الأمهات أولادهن حبوبا للنوم كي لا يجهشوا بالبكاء ويتسببوا في إلقاء القبض عليهم
حين وصلوا إلى ضفة النهر، كانت ملابس الفارين لا تزال مبتلة جراء عبور الجبال أثناء هطول الأمطار. ومن ثم، انتظروا في الظلام إلى أن حان وقت العبور. وبحلول الساعة الثالثة والنصف صباحا، استقل الفارون أحد أطول القوارب التي تعبر نهر الميكونغ، الذي ارتفع منسوب مياهه واشتدت سرعة تياره جراء الأمطار الغزيرة. وعلى بعد 20 ميلا من مجرى النهر، تم إنزال الفارين وكان من المفترض أن يكملوا الطريق من هناك إلى الشاطئ.
في هذا الصدد، قالت ربة المنزل إنه “لم يكن هناك أحد في الأطراف بانتظارنا. وإلى غاية تلك اللحظة، جرى كل شيء على أفضل ما يكون”. أما الصياد فلم يشعر بالقلق حيث أفاد “كنت مرتاحا لتواجدي في تايلاند، لذلك جلست على ضفة النهر ودخنت بضعة سجائر”. وفي ذلك الوقت، بدأ جي سيونغ-هو، الذي كان بانتظارهم أعلى النهر، بحثه المحموم عنهم الذي دام لساعات طويلة.
من جهة أخرى، علم جي من المنسق في سيول أنهم عبروا وأدرك أنهم فوّتوا نقطة الالتقاء، إلا أنه لم يكن يعلم مكانهم بالتحديد. وباعتبار أن الفارين يجهلون اللغة التايلندية، لم يعلموا أيضا المكان الذي يتواجدون فيه. ولحسن الحظ، كانت إحدى النساء في المجموعة تحمل هاتفا خلويا صينيا ما مكّن جي في نهاية المطاف من العثور عليهم ومرافقتهم إلى أقرب نزل، حيث كان بانتظارهم حمام ساخن وملابس جافة.
خلال تلك الليلة، وقبل أن يسلموا أنفسهم إلى مركز الشرطة، أقام الفارون احتفالا، حيث قاموا بدفع الأسِرّة، وقامت ربة المنزل بتنظيف الأرضية. ومن ثم، تربّعوا على الأرض والتهموا الأرز الدبق والسمك المشوي، فضلا عن الدجاج المقلي ورقائق الموز وعلبة كبيرة من مشروب تشانغ التايلندي.
في الأثناء، لعبت الفتاة البالغة من العمر ثماني سنوات بهاتف أحد المراسلين، حيث استمتعت بالفلاتر التي كانت تضيف لصورتها أذني أرنب أو تاجا من الأزهار. الآن، لم يعد يفصل الفارين الكثير عن كوريا الجنوبية.
المصدر: واشنطن بوست