كان آخر ما كتبه الداعية السعودي سلمان العودة في حسابه الشخصي على تويتر: “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”، قصد بها دعوة ولم يعرف أنها ستودي به إلى غياهب السجن، إذ أفاد شقيق العودة خالد بن فهد العودة، أمس الأحد 10 سبتمبر/أيلول، أن السلطات السعودية أوقفت شقيقه الداعية المعروف سلمان العودة في حين لم يصدر أن تصريح رسمي سعودي بشأن هذا النبأ.
ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك..اللهم ألف بين قلوبهم لمافيه خير شعوبهم
— سلمان العودة (@salman_alodah) September 8, 2017
كما أوقفت السلطات أيضًا كل من علي العمري وعوض القرني، وهما من الدعاة المعروفين في السعودية، في ظروف غامضة ولم يعرف أسباب ومكان اعتقالهما حتى الآن، وكذلك لم يصدر أي تصريح من الحكومة السعودية يوضح ملابسات هذه الحادثة.
لا تساهل مع المعارضين
تأتي هذه الاعتقالات عشية الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الأمير تميم وابن سلمان بتنسيق أمريكي، وتعد هذه المحادثة أول خرق للأزمة الخليجية المستمرة منذ 3 شهور، حيث اتفق الطرفان على الجلوس إلى طاولة الحوار لضمان وحدة واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، وتم تكليف مبعوثين من كل دولة لبحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول.
في تلك الأثناء ساد جو من التفاؤل والأمل بحل الأزمة، ويُعتقد أن سلمان العودة أشار في تغريدته إلى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ابن سلمان والأمير تميم، إذ بين عبر تغريدته تلك أنه ضد الموقف الحكومي الرسمي المناهض لقطر ومع التصالح الخليجي، وهذا يخالف توجهات الحكومة.
الأزمة الخليجية التي لم تحقق نتائجها والتي يظهر أنها تبوء بالفشل شيئًا فشيئًا والسياسة القمعية التي اتبعها ابن سلمان ضد الإعلاميين والدعاة وكل من يغرد ضد توجهات الحكومة في هذا الشأن، قد تكون لصالح حراك 15 من سبتمبر.
وهو ما أكده حساب على تويتر يدعى “القسط” أن سبب اعتقال العودة التغريدة التي كتبها عقب الاتصال بين الأمير تميم وابن سلمان، إذ أوضحت التغريدة أن السلطات السعودية فهمت من تغريدة العودة أنها فرحة بما ظنه تصالحًا خليجيًا.
وخطة محمد بن سلمان أن لا تساهل مع المعارضين في الأسرة والجميع إلى السجون ولا حصانة لأحد حتى لو كان المعارض ممن تبقى من أبناء عبدالعزيز
— مجتهد (@mujtahidd) September 10, 2017
وفي الوقت الذي كان يمكن أن يُبنى على هذه المكالمة وتحدث انفراجة في الأزمة الخليجية، لم تمض ساعات قليلة حتى خرجت السلطات السعودية لتعلن تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح تبين فيه موقفها بشكل علني وتكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، فعادت الأزمة إلى نقطة الصفر للتصعيد مجددًا ونصف المساعي الأمريكية والكويتية في هذا الجانب.
بحسب ما أورده حساب مجتهد على تويتر فإن خطة محمد بن سلمان تقوم على أنه “لا تساهل مع المعارضين في الأسرة والجميع إلى السجون ولا حصانة لأحد حتى لو كان المعارض ممن تبقى من أبناء عبد العزيز”.
تحولات سياسية كبرى
تمر السعودية منذ فترة بعاصفة من التحولات التي كان أبرزها تولي محمد بن سلمان ولاية العهد عن ابن عمه محمد بن نايف، في ظروف سريعة ومفاجئة مع العلم أنها كانت متوقعة، وتولي محمد بن سلمان وليًا للعهد خطوة سابقة لما بعدها، إذ يتم التحضير لتنازل الملك سلمان بن عبد العزيز عن الملك لابنه ولي العهد في الفترة المقبلة، وهو سيناريو صعب لا يبدو أنه سيمر بسهولة بسبب الأزمات والظروف التي تمر بها البلاد فضلاً عن ممارسات ابن سلمان تجاه كل من يعارض سياساته.
وتشير التقارير إلى خلاف كبير في العائلة الحاكمة بين فريق محمد بن سلمان وفريق أولاد عمومته الرافضين لتوليه ولاية العهد، فكيف بهم وهو يتجهز لتولي العرش عن أبيه، وقد تأكدت الخلافات في داخل الأسرة المالكة بعد غياب ابن نايف عن الساحة، والأخبار التي تفيد بأنه يخضع للإقامة الجبرية، إضافة لاعتقال الأمير عبد العزيز بن فهد من قصره في جدة يوم الأربعاء الماضي، وكان الأمير قد أكد في تغريدة له أنه معرض للقتل وقال: “الجميع يعلم دمه عند مَن في حال تم تنفيذ المخطط” بحسب وصفه.
أثارت زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية جدلاً كبيرًا في الشارع السعودي وبالأخص بعد إقلاع طائرة الرئيس الأمريكي من السعودية إلى تل أبيب مباشرة وهي سابقة في بلاد الحرمين
لا شك أن الأزمة الخليجية أثارت موجة استياء لدى الشارع السعودي، من الطريقة التي تتعامل بها الحكومة السعودية مع بلد جارة هي قطر، إضافة إلى التبدلات الجارية على أكثر من صعيد يتقدمها رؤية 2030 والتي تتضمن مشاريع وأمورًا لا تمت للبيئة المحافظة السعودية بصلة، إذ يرى البعض أن ابن سلمان يحاول تقليد نموذج الإمارات الليبرالي والاعتماد على السياحة بشكل كبير، وقد تم إقرار إنشاء منتجعات سياحية كبيرة على البحر الأحمر وتوسيع الاعتماد على السياحة الدينية عبر زيادة أعداد المعتمرين والحجاج.
#اعتقال_الشيخ_سلمان_العودة و #حراك_15_سبتمبر هو الحل لنا جميعاً لنتحد وننهي هذا القمع والفساد الذي لم يسلمه منه أحد.
— عبد الله الغامدي (@Alghamdi_AA) September 10, 2017
يشير البعض أن ما حدث مع الدعاة المعتقلين الثلاث، هي سياسة تكميم الأفواه التي تم تطبيقها سابقًا على الكاتب جمال خاشقجي، فالاعتقال لمجرد أن يغردوا خارج السرب في الوقت الذي يُطلب منهم الامتثال للأوامر والنشر وفق ما تريده السلطة السعودية لا وفق ما يرونه هم.
فقبل نحو 9 أشهر أشارت وزارة الخارجية السعودية أن “جمال خاشقجي لا يمثل الدولة بأي صفة، وما يعبر عنه من آراء تعد شخصية ولا تمثل مواقف حكومة المملكة العربية السعودية بأي شكل من الأشكال”، بعد تصريحات للكاتب السعودي المشهور خاشقجي، بعد انتقاده وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وبعدها غاب الرجل عن الشاشة وغابت مقالاته وتغريداته بشكل كلي، إذ منعت السعودية خاشقجي من الكتابة والظهور التليفزيوني وتم تعميم القرار على جميع محطات التلفزة المحلية والخليجية.
الدعوة لحراك 15 من سبتمبر بسبب الصورة التي وصلت إليها السعودية في عهد ابن سلمان وما ستؤول إليه بعد أن يتولى المُلك في حال نجح سيناريو تنازل أبيه عن العرش له، وهذا لا يدعم ولايته للعهد فكيف به وهو ملك!
على كل حال، خاشقجي لم يطل الغيبة إذ عاد للكتابة مجددًا بعد منعه لمدة دامت 9 شهور، لكن تغريداته الأخيرة أثارت موجة من التساؤلات عن خلافه مع الحكومة بشأن قضية مهمة هي الإخوان المسلمين التي تتهمها الحكومة بالإرهابية وتحاربها في مصر عبر دعم حكم عبد الفتاح السيسي.
من زمان ، اجد ان كل من يؤمن بالإصلاح والتغيير والربيع العربي والحرية ويعتز بدينه ووطنه يوصف انه اخوان … يبدو ان الاخوان فكرهم نبيل .
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) September 9, 2017
إذ أشار خاشقجي في معرض رده على أسئلة متابعيه بشأن الادعاءات التي تصف الرجل بالإخواني وما حقيقتها والغرض منها، فرد خاشقجي قائلاً: “من زمان، أجد أن كل من يؤمن بالإصلاح والتغيير والربيع العربي والحرية ويعتز بدينه ووطنه يوصف أنه إخوان، يبدو أن الإخوان فكرهم نبيل”، واعتبر خاشقجي أن “الانتماء للإخوان ليس تهم إلا بحكم النظام الآن”، وقال: “لا يضيرني قول قائل إنني إخوان وإن لم أكن رسميًا منهم”.
حراك 15 من سبتمبر
من أهم وأبرز التحولات التي تمر بها السعودية الدعوة لحراك سلمي في منتصف الشهر الحاليّ أي بعد أربعة أيام من الآن، الدعوة لهذا الحراك كان لأسباب عدة كما يرى مراقبون من بينها الصورة التي وصلت إليها السعودية في عهد ابن سلمان وما ستؤول إليه بعد أن يتولى المُلك في حال نجح سيناريو تنازل أبيه عن العرش له، وهذا لا يدعم ولايته للعهد فكيف به وهو ملك!
الدعوة لهذا الحراك كان لها محركات بدأت منذ هبوط أسعار النفط، حيث تأثرت الميزانية المالية وأدت بالنتيجة إلى إيقاف وتجميد الكثير من المشروعات وتخفيض الأجور وإلغاء البدلات والمزايا، وجاءت الحرب على اليمن وعدم تحقيق أي نتائج منها سوى الدمار والخراب واتهام السعودية بالقيام بانتهكات إنسانية من قبل فريق من الأمم المتحدة.
ومن ثم جاءت رؤية 2030 التي أعلنها ابن سلمان والتي ترتكز على خصخصة أجزاء كبيرة من القطاعات الحكومية في محاولة لتنويع مصادر الدخل للحكومة والابتعاد الكلي عن إيرادات النفط التي شهدت انخفاضات حادة، كما يُذكر أيضًا قانون “جاستا” الأمريكي الذي يقضي بصرف تعويضات لضحايا العمليات الإرهابية من الدولة التي توصف بكونها راعية للإرهاب أو الداعمة له، حيث تم توجيه أصابع الاتهام الرئيسية من قبل الضحايا إلى السعودية.
يُعتقد أن سلمان العودة أشار في تغريدته إلى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ابن سلمان والأمير تميم، إذ بين عبر تغريدته تلك أنه ضد الموقف الحكومي الرسمي المناهض لقطر ومع التصالح الخليجي، وهذا يخالف توجهات الحكومة.
وأثارت زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية جدلاً كبيرًا في الشارع السعودي وبالأخص بعد إقلاع طائرة الرئيس الأمريكي من السعودية إلى تل أبيب مباشرة وهي سابقة في بلاد الحرمين! وحصل الأمريكان على صفقة القرن عبر بيع أسلحة واستثمارات بقيمة قاربت النصف ترليون دولار، في الوقت الذي تدعي الحكومة السعودية عجزًا في الميزانية، وتخفض الأجور لمعالجة ذلك العجز.
وبعدها الأزمة الخليجية التي لم تحقق نتائجها والتي يظهر أنها تبوء بالفشل شيئًا فشيئًا، والسياسة القمعية التي اتبعها بن سلمان ضد الإعلاميين والدعاة وكل من يغرد ضد توجهات الحكومة في هذا الشأن.
جميع تلك العوامل بالإضافة إلى الزيارة السرية لابن سلمان التي كشفت عنها تقارير إسرائيلية قبل أيام إلى “إسرائيل”، تغذي الحراك المزعوم في السعودية وتدعمه، ومن المتوقع أن يكون ذلك الحراك داعمًا لأطراف داخلية محسوبة على تيار ولي العهد السابق محمد بن نايف وأمراء آخرين من أبناء عمومة ابن سلمان المعارضين لسياساته، لتقوية شوكتهم ضد ابن سلمان وسياساته والأيام المقبلة وحدها كفيلة بالجواب على المستقبل الذي تنتظره السعودية.